كتبت من محاضرة صوتية ألقاها الشيخ في سورية قبل سنوات
كان الكلام عن الأسباب
المتعدّدة التي أوجبت تمزق هذه الأمة وتأخرها بالنسبة إلى بقية الأمم، وقلنا: لا
نعلم اليوم هل نحن نعيش حضارة إسلامية، أو نعيش حضارة ورثناها من الحكام الذين
حكموا هذه الأمة باسم الدين واعتبروا أنفسهم أمراء المؤمنين وأطلق عليهم المسلمون
اسم ( أمير المؤمنين) ؟ فمرت هذه الأمة وهي تعاني ما تعاني من التسميات والألقاب
يوماً بعد يوم، فلا ندري اليوم أنعيش حضارة الإسلام كما نتصوّر، أو نعيش موروثاً
دخل علينا من حضارة بني أمية وبني العباس والأتراك وغيرهم حتى وصلت حالة هذه الأمة
إلى أن أصبح الذي يتكلّم عن واقع حياة المجتمع وعن مأساة المجتمع وعمّا يعيشه
المجتمع من تدهور، وأصبح من يتكلّم عن ظلامة مظلوم، اعتبره الناس يتدخل في الأمور
السياسية التي لا تخصّ علماء الدين، ويتدخّل في أمور لا ينبغي لـه أن يتدخّل فيها،
وقد قال رسول الله (ص) : ( من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم) ([1][1]) ، وقال (ص) : ( كلكم
راع، وكلكم مسؤول عن رعيته) ([2][2]) .
فالاستبداد الذي فرض
على هذه الأمة طيلة هذه القرون جعل المسلم لا يحسّ بمسؤولية تجاه نفسه فضلاً عن
المسؤولية تجاه الآخرين، فأي واحد منّا لروح الاستبداد والكبت التي عاشته هذه
الأمة طيلة القرون أصبح وكأنه لم يُسأل عن أي أمر اجتماعي، وعن أي ظلامة تمرّ في
المجتمعات، وقد تقدم القول بأنّ ما يدرس في الحوزات طيلة هذه القرون هو جانب معين
خاص من تراثنا الواسع الإسلامي، فبدلاً من أن ندرس في حوزاتنا ونجعل لجاناً متعددة
وأخصائيين متعددين، فجانب يبحث الاقتصاد الإسلامي، وعدد آخر يبحث التربية وعلم
النفس، وثالث يبحث كيفية الإدارة للنظام الإسلامي، ورابع يبحث شيئاً آخر، وهلّم
جرّا، راحت الأمور في الحوزات لا تبحث إلاّ في جوانب معيّنة، فهذه الأمور تراكمت
حتى أصبح الإسلام بتمامه وكلّه ليس إلاّ بحثاً في مواطن معينة في المقام، وتكرّست
الكلمات وتواترت وتوالت لتصبّ على موطنٍ واحد وجهة واحدة معينة، وتنسى بقية
الجوانب جميعاً، وقد سأل بعض الأخوة سؤالاً يدخل في صميم مأساتنا وواقع حياتنا،
والسؤال هو عما جعله الله تعالى من الرصيد الاجتماعي لقوام هذه الأمة يخدم فقراءها
ويخدم علماءها ويخدم مشاريعها العامة الإسلامية جميعاً، فجعل الإسلام الخمس
والزكاة لبناء المجتمع حتى يعيش المجتمع متضامناً متكاتفاً يحسّ بعضه بالمسؤولية
تجاه البعض الآخر.
فلنضرب أمثلة سمّيت
بحسب الاصطلاح بالحيل الشرعية، ولعلها أقرب إلى الاحتيال من حيل شرعية في المقام،
وفرق بين الاحتيال والحيلة الشرعية!
فمثلاً : أنا قبل سنين
كنت أدرّس في مدينة قم المقدّسة، فجاءني يوم من الأيام بعض الطلاب الذين كانوا
يدرسون عندي من أهالي لبنان قالوا لي: شيخنا بعد الدرس نترجّاك أن نجلس معك على
مصالحة، وأنا فهمتُ المراد، لكن حاولت أن أتظاهر بعدم فهم المراد، فقلت لهم:
إخواني أنا بخدمتكم بعد الدرس، لكن بيّنوا لي ماذا تريدون من هذه المصالحة؟ فنظر
لي أحد الطلاب مستغرباً متعجّباً، شيخنا أيمكن وهل من المعقول بعد هذه السنين
والتدريس الطويل لا تعرف المراد من المصطلح من المصالحة في الحوزة؟ قلت لـه: لعلّي
لا أعرف، ولعله غاب عنّي فبـيّنه لي، فما المراد من هذه المصالحة؟ قال لي: شيخنا
المقصود من هذه المصالحة كما هو شائع ومتداول: لو أنّ شخصاً منّا في ذمّته مثلاً
(5000) من الحق الشرعي، وهذه الخمسة آلاف من الحق الشرعي يصالح عليها عالماً، أو
بعض الناس الذين يثق بهم حتى تبرأ ذمته من باقي الحق الشرعي، قلت لـه: شيخنا وضّح
لي ماذا تريد، فاجتمع أربعة من الطلاب اللبنانيين وأنا متظاهر بكلّ معنى الكلمة
أني لا أفهم ماذا يقصدون، فأخذ الواحد منهم يشرح لي المراد من المصالحة، فهم
يريدون أن يعملوا المصالحة على الحق الشرعي الذي في رقابهم مع أستاذٍ من أساتذتهم،
فقال لي: أنا من الخمسة آلاف عندي ألف واحد، فأعطيك هذا الألف ثم نتكلّم قليلاً
ونشرب الشاي مع بعضنا، ثم أنت تسألني، وتقول: أنت من بعد ما أعطيتني هذا الألف
أتصور بأنّك أصبحت محتاجاً وفقيراً، وأنا أقول لك: نعم، أحتاج ألفاً من الحق
الشرعي، ثم نتكلّم قليلاً وأنا أقدّم مرّة ثانية الألف هذا، فأكون الآن قد أوصلتك
(2000) من الحق الشرعي، ثم نتكلّم قليلاً وتقول لي أنت: شيخنا إنّك عندما سلمتني
الألف أصبحت الآن فقيراً، وترجعه عليّ مرة ثانية، وهكذا حتى أنا أفكّ ذمّتي من
الحق الشرعي، وأوصلك بهذه الطريقة خمسة آلاف من الحق الشرعي.
قلت لـه: جزاك الله
خيراً، ومشكوراً على هذه المصالحة، قلت لهم: أسألكم سؤال هذه الحقيقة التي هي لي
أنا، أوجدتموها في كتاب الله، أم في سنّة نبيه؟ ومن ملكني هذه الأموال التي هي
ترجع للمستحق فقيراً وغير فقير؟ وكيف يمكن لي أن أصالحكم على ما لا أملك؟ أيهب
الأمير ما لا يملك؟
قال لي أحدهم: شيخنا
هذا العمل أصبح عملاً عادياً، والكثير من الإخوان يعملونه.
قلت لهم: إخواني، أما
أنا فالله يشهد في كل أيام درسي ما وجدت في كتاب الله وسنّته ما يجيز هذا، ولا
أتصور يوماً من الأيام شهدتُ مصالحة بهذه الكيفية تبرىء ذمة المطلوب!
أجل، هكذا فسّرت الحيل
الشرعية، فصارت نحواً من الاحتيال على حق الفقير والمسكين، فنحن نتصالح عليه وكأنه
من مواريث الآباء والأجداد، ولا أدري هذا تفاهم مسبق بين طرفين على حق من حقوق هذه
الأمة، ومن حقوق الفقراء والمحتاجين، كيف جوّزته لنا نفوسنا بعد هذا التباني
والتفاهم المبطّن بين الطرفين؟ وكيف جاز لإنسانٍ أن يظنّ نفسه بمثل هذه الأعمال
برئت ذمّته أو أبرأها ممن يأخذ هذه الأموال مصالحة؟
وأنقل لكم احتيالاً آخر
باسم الحيلة الشرعية:
يأتي لي شخص ويقول لي:
شيخنا أنا أتيت لأطلب منك قرضة حسنة عشرة آلاف مثلاً، فأقول لـه: أهلاً وسهلاً،
سوف أدفع لك عشرة آلاف قرضة حسنة بدون ربا لوجه الله تعالى، لكن أنا عندي هذا
الدفتر الذي قيمته في السوق عشر ريالات إذا كنت مستعداً أن تشتريه مني بألف ريال
أنا سوف أعطيك قرضة حسنة بعشرة آلاف ريال سنة كاملة، وهذا نسميه أيضاً حيلة شرعية.
فنأكل الربا خادعين
أنفسنا ومتفاهمين على أخذ الربا تحت عناوين لا ترضي وجدان أيّ إنسان إذا رجع إلى
ضميره.
هكذا راحت الأمة لتحتال
على مقاييس الشرع، فهي تأكل الربا بهذا النوع من الحيلة، وتسقط حق الفقير والمسكين
باسم المصالحة، فكما أنّ الشريعة وقع فيها ما وقع، وقع في مفاهيمها أيضاً الكثير
من الأمور غير السليمة، ففسّر القضاء والقدر بالجبر، وفسّر الصبر بالمذلّة، وفسّر
التوكّل بالتواكل والكسل، وهكذا فسّرت الكثير من المعاني تفاسير لا ترتبط بعقل،
ولا ترتبط بمفهومها الشرعي أبداً.
والله سبحانه وتعالى
أراد من المؤمن أن يكون متوكّلاً على الله، أي: متوجّهاً إلى أنّ الله تعالى أبى
أن يجري الأمور إلاّ بأسبابها.
فلابدّ أن يعلم الإنسان
أنّ كل شيء لـه سبب معين، ولابدّ أن يتوصل إلى الشيء من طريقه وسببه، فالله تعالى
أراد للمؤمنين أن يعرفوا أنّ المسبب للأسباب هو الله تعالى، ولابدّ وأن يسير
المؤمن طبقاً للأسباب، فمن أراد أن يتوصل إلى الشرع لابدّ أن يتعلّم ويسأل حتى
يصبح عالماً في الشريعة بأن كلّ شيء لـه سبب، ثم فوق الأسباب المشيئة الإلهية التي
إذا أراد الله شيئاً قال لـه: كن فيكون.
وقد أمرنا الرسول
الكريم (ص) أن لا نأخذ الشريعة بواسطة عقول الآخرين، وأن لا نأخذ المفاهيم من
قنوات عقول الناس واجتهاداتهم، فقال (ص) : ( اعرفوا الحق تعرفوا أهله) ([3][3]) ، وليس المراد من الحق
هي الأحكام في فروع المسائل الفقهية، فالمسائل العقائدية هي تكليف كلّ أحد أن
يتوصل إليها.
والآن لنقرأ بعضاً من
الروايات المختصّة بتقسيم الخمس والزكاة في زمان الإمام علي (ع) :
فقد ورد في ( الكافي)
عن معاوية بن وهب، قال: قلت لأبي عبد
الله (ع) : السرية يبعثها الإمام، فيصيبون غنائم كيف تقسّم؟ قال: ( إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس لله وللرسول، وقسّم بينهم (أي السرية) أربعة أخماس، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام يجعله حيث يحب) ([4][4]) .
الله (ع) : السرية يبعثها الإمام، فيصيبون غنائم كيف تقسّم؟ قال: ( إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس لله وللرسول، وقسّم بينهم (أي السرية) أربعة أخماس، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام يجعله حيث يحب) ([4][4]) .
فبمجرد أن يسمع الإنسان
أنّ الخمس لله ربما يبقى متحيّراً، فالله تعالى ماذا يصنع بالخمس! وهذه الروايات
تأتي واضحة جلية على أنّ المراد من كون الخمس لله وللرسول أي: لهم ولاية، أي
يصرفونه بما يناسب حق الله تعالى في وجوه البر والخير، ويصرفه النبي والإمام بما يراه
صلاحاً للأمة، وإلاّ فعلي (ع) ما أخذ من بيت المال درهماً، وكان يعيش ببستان لـه
من المدينة يؤتى إليه بثمراته، والرسول (ص) ما أخذ من الحق الشرعي شيئاً.
فالخمس الذي كان يؤخذ
من الغنائم أو من غيرها كان يردّ على المجتمع، ويقسّم على المجتمع نفسه.
وعن محمّد بن مسلم، عن
أبي عبد الله (ع) ، قال: ( لمّا ولي علي (ع) صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم
قال: إني والله لا أرزؤكم من فيئكم درهماً، ما قام لي عذق بيثرب ... ، قال: فقام
إليه عقيل فقال لـه: والله لتجعلني وأسود بالمدينة سواء؟ فقال: اجلس، أما كان
هاهنا أحدٌ يتكلم غيرك (أي يقول لـه: الخمس أقسّمه على الناس بالسوية) وما فضلك
عليه إلاّ بسابقة أو تقوى) ([5][5]) ، والتقوى يجازي عليها
الله سبحانه وتعالى.
وعن حفص بن غياث، قال:
سمعت أبا عبد الله (ع) يقول وسئل عن قسم بيت المال، فقال: ( أهل الإسلام هم أبناء
الإسلام، أسوّي بينهم في العطاء، وفضائلهم بينهم وبين الله، أجعلهم كبني رجل واحد،
لا نفضل أحداً منهم لفضله وصلاحه في الميراث) الحديث([6][6]) ، فالتقوى لا ربط لها
بالتقسيم المالي.
وعن علي (ع) أنه أمر
عمار بن ياسر وعبيد الله بن أبي رافع وأبا الهيثم ابن التيهان أن يقسموا فيئاً بين
المسلمين، وقال لهم: اعدلوا فيه، ولا تفضّلوا أحداً على أحد. فحسبوا، فوجدوا الذي
يصيب كلّ رجل من المسلمين ثلاثة دنانير، فأعطوا الناس، فأقبل إليهم طلحة والزبير،
ومع كلّ واحد منهما ابنه، فدفعوا إلى كل واحد منهم ثلاثة دنانير (فساوى علي (ع)
بين مشيخة قريش وبين الفقراء) فقال طلحة والزبير: ليس هكذا كان يعطينا عمر، فهذا
منكم أو من أمر صاحبكم (يعني علي (ع) ) ؟ قالوا: بل هكذا أمرنا أمير المؤمنين (ع)
، فمضيا إليه فوجداه في بعض أموالـه قائماً في الشمس على أجير لـه يعمل بين يديه،
فقالا: ترى أن ترتفع معنا إلى الظل؟ (أي: أيمكن يا أمير المؤمنين أن تترك الشمس
وتأتي إلى الظل لنجلس معك ساعة)، قال: نعم، فقالا لـه: إنّا أتينا إلى عمّالك على
قسمة هذا الفيء، فأعطوا كلّ واحدٍ منا مثل ما أعطوا سائر الناس، قال: وما تريدان؟
قالا: ليس كذلك كان يعطينا عمر، قال: فما كان رسول الله (ص) يعطيكما؟ فسكتا، فقال:
أليس كان صلى الله عليه وعلى آله يقسّم بالسوية بين المسلمين من غير زيادة؟ قالا:
نعم، قال: أفسنّة رسول الله (ص) أولى بالاتباع عندكما أم سنّة عمر؟ قالا: سنّة
رسول الله (ص) ، ولكن يا أمير المؤمنين لنا سابقة وعناء وقرابة، فإن رأيت أن لا تسوّينا
بالناس فافعل، قال: سابقتكما أسبق أم سابقتي؟ (والحال أنا ما أخذت إلاّ كما أخذ
العبد الأسود من هذه الأمة)، قالا: سابقتك، قال: فقرابتكما أقرب أم قرابتي؟ قالا:
قرابتك، قال: فعناؤكما أعظم أم عنائي؟ قالا: بل أنت أعظم عناءً، قال: فوالله ما
أنا وأجيري هذا في هذا المال إلاّ بمنزلة واحدة، وأومى بيده إلى الأجير الذي بين
يديه، قالا: جئناك لهذا وغيره، قال: وما غيره؟ قالا: أردنا العمرة، فأذن لنا، قال:
انطلقا، فما العمرة تريدان ...([7][7]) .
وعن أبي إسحاق
الهمداني: أنّ امرأتين أتتا علياً (ع) عند القسمة: إحداهما من العرب، والأخرى من
الموالي، فأعطى كل واحدة خمسة وعشرين درهماً، وكراً من طعام، فقالت العربية: يا
أمير المؤمنين، إني امرأة من العرب، وهذه امرأة من العجم؟! فقال علي (ع) : إني
والله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلاً على بني إسحاق([8][8]) .
وعن ابن دأب، قال: ثم ترك
(علي (ع) ) التفضيل لنفسه وولده على أحد من أهل الإسلام. دخلت عليه أخته أم هاني
بنت أبي طالب فدفع إليها عشرين درهماً، فسألت أم هاني مولاتها الأعجمية، فقالت: كم
دفع إليك أمير المؤمنين (ع) ؟ فقالت: عشرين درهماً، فانصرفت مسخطة، فقال لها:
انصرفي رحمك الله، ما وجدنا في كتاب الله فضلاً لإسماعيل على إسحاق([9][9]).
وكان علي (ع) يقول: يا
أهل الكوفة، إذا أنا خرجت من عندكم بغير رحلي وراحلتي وغلامي فأنا خائن([10][10]) .
هكذا كانت سيرة علي (ع)
وسيرة رسول الله (ص) ، فأيّ مانع من أن يسألني السائل على فرض أنه سلّمني في يوم
من الأيام خُمساً ويقول لي: يا شيخ أين صرفت هذه الأموال؟
فعلي (ع) يقول: إذا أنا
خرجت من عندكم بغير رحلي وراحلتي وغلامي فأنا خائن، وكانت نفقته تأتيه من غلّته
بالمدينة من ينبع، فما كان يعيش على خمسٍ، ولا على زكاة، بل كان يقسّمها جميعاً
بين الناس.
وقال (ع) : ( ألا
وأيّما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه يرى أنّ الفضل
لـه على من سواه لصحبته، فإنّ الفضل النير غداً عند الله، وثوابه وأجره على الله)
، أي الفضل للمتقين عند ربهم.
وأمّا في الجانب المالي
فتقسّم الأموال بالسويّة بين المحتاجين، وإنّ أهل البلد أولى بها، فمن بعد ما تسدّ
كفاف وحوائج البلد تنتقل الأموال إلى بلدة أخرى إلاّ عند الضرورة، كإقامة الحوزات
الدينية بقدر المشتغلين لا بقدر خمسين ألف عاطل باطل.
ثم قال (ع) : ( وأيما
رجل استجاب لله وللرسول، فصدق ملّتنا، ودخل في ديننا، واستقبل قبلتنا، فقد استوجب
حقوق الإسلام وحدوده، فأنتم عباد الله، والمال مال الله، يقسّم بينكم بالسوية، لا
فضل فيه لأحد على أحد، وللمتقين عند الله غداً أحسن الجزاء) ([11][11]).
ولما أنكر عليه البعض
التسوية في المال وقال لـه: إنّ التسوية تؤجج نار الفتنة قال: ( أتأمروني أن أطلب
النصر بالجور فيمن وليت عليه! والله ما أطور به ما سمر سمير، وما أمَّ نجم في
السماء نجماً) ([12][12]) .
وسنقرأ تاريخ الرسول
(ص) في المحاضرة القادمة في تقسيم الأموال، وأنّه كان يعطيها للمحتاجين والفقراء،
فعلى الناس أن يتكاتفوا فيما بينهم ويعينوا من يتحرّك لمساعدة الفقراء والمحتاجين،
ويندفعوا للمساعدة بدلاً من أن يدخل الإنسان في الأوهام والشكوك أو الاتهامات، وإن
كان لـه تساؤل معقول فليتقدّم بتساؤله المعقول لأي قائم بعملٍ خيري للمجتمع، أما
الظنون والشبهات والاتهامات فليست من صفات المؤمنين.
والحمد لله ربّ العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق