الخميس، 25 أبريل 2013

@ ما معنى قوله تعالى (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله)؟



كتبت من محاضرة صوتية ألقاها الشيخ في الكويت
السؤال الآخر في المقام هو أن هناك ما يبدو منه التعارض بين بعض الروايات أو الآيات في المقام، من جملة ذلك ما ورد في سورة البقرة الآية 284 حيث يقول الحق تعالى : (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) هذه الآية وما شابهها من الآيات الأخرى كقوله تعالى يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم أو آثم قلبه، عند قراءتها يرد تساءل وهو: كيف يمكن أن نجمع بين كون الحق تعالى يحاسب الإنسان على ما يجري في قلبه ونفسه والحال أن هناك أخبار أو آيات أخر تقول على أن المؤاخذة لا تكون على ما يكنّ الإنسان ما لم يفعل، ما لم يقم بشيء الله تعالى لا يحاسبه وأن الجزاء بالعقاب على الأعمال لا على النيات وأن نية ارتكاب الذنب ليس ذنبا إذا كانت هناك أدلة كثيرة وأخبار لعل هناك آيات تدل على أن الله تعالى لا يؤاخذ الإنسان بضميره ونيته وفي مجال آخر يقول : يحاسبكم سواء أبديتم الشيء أو أخفيتموه فهل يمكن الجمع بين هذه الأمور أو لا يمكن الجمع بينهما؟
        أولاً يجب أن نلتفت على أن الأمور جميعا تدور مدار النية والقصد، كم من شيوعي ومشرك حاقد على الإسلام والمسلمين لو أتيحت له الفرص لقتل المسلمين جميعا وهو يبطن ذلك ويتربص الفرص لتطبيق هذا الأمر لكن الفرص قد لا تكون مؤاتية له، الشرك والكفر اعتقاد في النفس والضمير ولا يمكن أن نقول بأن المشرك مالم يفعل شيئا لا يحاسبه الله تعالى ويعتبره يوم القيامة مؤمنا.
        الأمور التي ترجع إلى العقيدة والمعتقد إذا اعتقد بها كانت إثماً، من اعتقد بأنه لا رب، من اعتقد بأن هناك شركاء لله تعالى، من كذب رسول الله (ص) أو كذب الأنبياء أيمكن أن نقول مادامت هذه نية واعتقاد في باطنه لا تترتب عليها الآثار؟ بعض الأمور ليست فعلا خارجيا حتى تصدر أو لا تصدر، المعتقد ليس فعلا، المعتقد جزم بالشيء واعتقاد به فإذن الثواب والعقاب يكون على كثير من الأمور ولو لم يستعقبها فعل كالمعتقدات وكالأمور التي يسعى الإنسان من أجل تحقيقها، إنسان يحب أولياء الله تعالى ويحب الطيبين ويحاول بكل جهده أن يقوم بما هو من وظيفته بأزاءهم وهناك من يبغض المؤمنين فلا يمكن أن نقول من أحب رسول الله (ص) ومن بغضه لا يثاب ولا يعاقب ما لم يفعل فلا يضر برسول الله (ص)، هذه أمور لا تقاس بمقا ييس الفعل الخارجي فالحب والبغض، الإيمان والكفر، النفاق والكثير من الأمور الأخرى لا ربط لها بالفعل.
        هناك شبهة واحدة يجب أن نلتفت إليها، من حاول أن يقتل شخصا مؤمنا وصمم على هذه الجريمة وما تمكن أن يقتل ذلك الإنسان أيحاسب بحساب القتلة أم لا؟ نقول كلا، فعل القتل ما صدر منه حتى يحاسب على فعل القتل فتقام عليه الحدود للقتل ولا يقام عليه الحد، من كان مصمما أن يشرب الخمر فذهب إلى السوق باحثا عن الخمر لكنه لم يحصل عليه، أيمكن أن يجلد لشرب الخمر؟ نقول كلا شرب الخمر فعل خارجي لابد أن يقدم عليه لكن من كان مصمما على أن يتجاوز الحد الإلهي فيشرب الخمر فهو فاسق في باطنه، من صمم أن يغتصب أموال الناس أو يرتكب أي جريمة صيرته في الباطن فاسقا، إذا كنا نحن موظفين أن نعامل الناس على حسب الظواهر عدالة وفسقا فالله تعالى عالم بمكنون سرائر الناس فيحاسبهم يوم القيامة على ما أكنّو من الأمور، فمن كان يصلي ليله ونهاره رياءا لمصلحة من المصالح وكان في باطنه كافرا لا يعتقد بالله تعالى، فنحن بحسب الظاهر نقول إنه يصلي ويصوم ونحكم عليه بحكم الإسلام وندخله في ميادين المسلمين أما يوم القيامة فهل الله تعالى يحاسبه حساب المؤمنين الزهاد المصلين؟ بل يحاسبه على ما يعلم منه من الكفر والإلحاد والنفاق فإذن لا تختلط الأمور.
        من حيث الدنيا فهناك أحكام تجري بحسب الظاهر ولا يجوز لأي إنسان أن يعامل أحدا على الباطن حتى حينما جاء أبوسفيان وتشهد الشهادتين الرسول الكريم قبل إسلامه بحسب الظاهر وما راح يبحث عن نية أبي سفيان وإن كان يعلم على أنه لا يحمل إلا الكفر، فالحكم ظاهرا شيء وترتيب الآثار على من عمل عملا شيء آخر.
        من نوى أن يقتل شخصا ولم يستطع لا يعاقب عقاب من قتل لكن الله تعالى سوف يحاسبه يوم القيامة على نيته الخبيثة التي كانت تتربص بالمؤمنين وما تمكنت منهم.
        فإذن لايقع خلط بين ما يقال بأن الأمور لا تترتب إلا على الفعل، كل أمر كان يتبعه فعل كأن صمم أن يقتل مؤمنا فإن قتل المؤمن يقتل بذلك المؤمن وإن لم يقتل مؤمنا لا يقتل لكنه في باطنه يريد ويحب قتل المؤمنين وهو عند الله مجرم.
        ورد في نهج البلاغة (وبما في الصدور يجازى العباد) الإنسان الذي في باطنه يحمل الكفر نقول لأنه ما قام بفعلة ظاهرة لا يحاسبه الله على كفره؟ نقول الله تعالى يحاسبه على كفره لأن الكفر معتقد باطني.
        هناك روايات أخرى تقول(إنما الأعمال بالنيات) نعم إن كل فعل يفعله الإنسان يكون تابعا لنيته فلو كان نائما وعمل عملا بدون شعور ولا علم لا يمتدح عليه ولا يذم لأن الفعل بما هو فعل لا يأخذ صفة ما لم يكن تابعا للمعتقد.
        شخصان اشتركا في معركة ، اشترك عبدالله بن أبي سلول وهو منافق يريد الغنيمة و اشترك علي (ع) ببعد المعرفة وخلوص النية حتى قال رسول الله (ص) في حقه (ضربة علي يوم الخندق تساوي عمل الثقلين) فالعمل بما هو يقيد بالنية فمن خرج مجاهدا يطلب حمارا كان جهاده على حمار ومن خرج مجاهدا يطلب امرأة يتزوجها كان ثوابه على ذلك ومن خرج لوجه الله تعالى كان ثوابه على الله تعالى، فإذن هذه الروايات لا تتنافى مع الموضوع.
        ثم يقول (ص): (وإنما لكل امرئ ما نوى ولا عمل الا بنية) نعم العمل إذا لم يكن بنية كعمل المجنون، والنائم لا يقيّم بقيمة، العمل يقيّم إذا رجع إلى نية والنية تختلف باختلاف النفس ومعارفها وإدراكها وخلوصها لله تعالى.
        وأما ما ورد (يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة) فنقول نعم الناس لا يحشرون على أعمالهم بل على نياتهم، حينما بنى مسجدا ماذا كان يقصد من هذا المسجد، أبناه لوجه الله أم بناه للشهرة والسمعة وإذا كان بناه لوجه الله تعالى في أي بعد من المعرفة؟ وبأي بعد من الخلوص؟ شخصان كل واحد منهما يبني مسجدا، هذا يدخل بواسطته الجنات العاليات وهذا يبني مسجدا وهو من الجهال فلا يمكن أن نقيّم الفعل بما هو فعل، رب شخص أهدى إلى شخص تمرة واحدة كانت تعادل مسجدا بناها شخص برياء أو بجهل أو ما شاكل هذه الأمور حتى وصل أمر المساجد في زمان رسول الله (ص) أنه أحرق مسجد ضرار فلا قيمة لمسجد بما هو مسجد، القيمة لمن يقوم بالمسجد ولمن يعمل عمل المسجد فإذن لا مانع بين هذه الأمور وليست متخالفة مع بعضها البعض.
        هناك أمر آخر في المقام وهي الوساوس التي تمر على الإنسان، الخواطر النفسية التي قد تمر على الإنسان هذه هل يعاقب الله تعالى عليها الإنسان أم لا؟
        قالوا هذه خارجة عن نطاق القدرة وما كان خارجا عن نطاق القدرة يصبح ما لا يطاق والله تعالى لا يحاسب الإنسان على ما لا يطاق، أنا ربما أردت أو لم أرد تمرّ على في بعض الأحيان خواطر طيبة وربما تمر على في بعض الأحيان خواطر غير طيبة فمرور الخواطر لأنه بلا إرادة واختيار لا يمكن أن يترتب عليه العقاب إلا أن يقول قائل مرورها بما هو خارج عن الإختيار وما كان خارجا عن الإختيار لا تترتب عليه المثوبة ولا العقوبة لكن رب خاطرة كانت تابعة لمصادر خطورها لأنه هو في كثير من الموارد يفكر في الأمور غير الطيبة فتمر عليه الخواطر غير الطيبة ولو بدون اختيار ولأن الثاني من الطيبين تمر عليه دائما الخواطر الطيبة فيمكن أن تدخل الأمور بلحاظ أسبابها لا بلحاظ نفسها لأنه بلحاظ نفسها خارجة عن الإختيار وما كان خارجا عن الإختيار التكليف به يكون تكليفا بما لا يطاق والله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها لكن لقائل أن يقول لو أراد الله تعالى أن يعاقب على بعض الخواطر التي لها منشأ وسبب بواسطته أصبحت تخطر على هذا، ربما يمكن أن يعاقب الله تعالى عليه لكن الله أرحم الراحمين ولا يريد سببا للعقاب وإنما يريد أي مستمسك للعبد حتى يعطيه ثوابا فمن باب اللطف والمنة الإلهية لا نتصور أن الله تعالى يعاقب شخصا على الخواطر ولو كانت سيئة.
        آخر الكلام في المقام: هناك حديث مشهور ولا أظن أن أحدا لم يسمع به عن رسول الله (ص) وهو الحديث المعروف بحديث الرفع: (رفع عن أمتي تسع خصال الخطأ والنسيان ومالا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه والطيرة في الخلق والوسوسة في الفكر في الخلق والحسد مالم يظهر بلسان أو يد) هذه الأمور وردت في روايات كثيرة عن رسول الله (ص) في بعض الروايات تسع وفي البعض سبع خصال رفعت عن أمتي.
         أرجو التوجه: كيف يمكن أن يرفع النسيان؟ ليس المراد أن النسيان يرفع أي المؤاخذة عليه رفعت أو آثارها المترتبة عليها رفعت ، هناك سؤال وهو إذا كانت هذه الأمور مرفوعة لسان الحديث لسان منة على الخلق وفي كل مكان كان الشيء منتفيا نحو السالبة بانتفاء الموضوع لا يكون منة، أنا كيف يمن الله تعالى عليّ على لسان رسوله بأن رفع عني حكم النسيان والنسيان ليس بيدي فكيف يمن الله تعالى عليّ برفع حكم النسيان والإضطرار مثلا، أنا مضطر إذا لم آكل الميتة فسوف أموت، أنا واقع في التقية و............... كيف يكون الحديث منة والمنة لا تكون إلا في أمر يمكن أن يكون يؤخذ الإنسان به حتى يمن عليه، المنة هي رفع شيء حتى تكون تمنناً
        نقول: في مثل هذه الأمور لو كانت سالبة بانتفاء الموضوع لما ورد الحديث عنها بالمنة، أنت قد تنسى لكن لو جعلت مذكرة لما نسيت ولو كنت مهتما بهذا الأمر اهتمامك بمالك وولدك وعائلتك لما نسيت فنسيانك مسبب عن أسباب،فالرسول (ص) يريد أن يقول النسيان في كثير من الموارد ينشأ عن عدم الإهتمام بذلك الشيء فإذن حتى في مسائل الإضطرار لعلها في بعض الأحيان لو جاء الأنسان بأسباب وتحذر كل الحذر عن بعض الأمور لما أصيب ببعض ما اضطر عليه فيريد الرسول (ص) أن يشير هاهنا في حديث المنة وهو حديث الرفع أن الكثير من هذه الأمور كان الإنسان قادرا أن يحذر منها لكن منة من الله تعالى وإن كان الإنسان ربما لو كان مهتما لما وقع الكثير من هذه الأمور، فليس هناك من تعارض بين كل هذه الروايات وكل واحدة منها في مجالها الخاص والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق