المحاضرة الخامسة
وصل بنا البحث إلى مسألة العلم و إعجاز زمن الظهور و أنه
إنما يكون بالعلم بإطلاق الكلمة في كافة الميادين بيانا و تطبيقا للعدل و قد بينا
أن القرآن يحمل سبعا و سبعين بطنا و أن هذا العدد يرمز إلى اللانهاية في أبعاد
العلم و المعرفة و مكارم الأخلاق التي هي التخلق بأخلاق الله تعالى عروجا نحو
المبدأ اللامتناهي و قد يكون هذا العدد رمزاً لقبول الإزدياد نحو اللانهاية كالعدد
أو الفيض الإلهي و القرآن هو الكتاب التدويني التشريعي الحاكي عن الكتاب التكويني
الإلهي و هو عالم الإمكان السالك بفيض الله تعالى نحو مبدأ لا متناه حيث يكون
الفيض مستمرا على هياكل الممكنات.
و لكن من الواضح الذي لا ريب فيه أن الأمة التي تسأل عن
عدد شعر لحية أو نزاهة أم أو تطلب من نبيها عدم كشف ستر عن فضائح أيام الجاهلية أو
تخاف عند قرب رحيل الرسول (ص) من إشارة تفضح أمرا دبّر له بليل ظهرت مظاهره و
الرسول بعد لم يجعل في مضجعه الشريف حينما قال قائل القوم : إنه ليهجر ،
كل ذلك بدلا من أن تسأل هذه الأمة نبيها أو إمامها عن علوم القرآن و طرق السماوات
و الأرض و حجب النور و عظيم مقام المعراج و ما حدث به من إعجاز كوني بكلمة كن
الوجودية الإلهية أو بهيمنة عالم أعلى على عالم أسفل حيث إحاطة العوالم العلوية
بأسبابها على العوالم السفلية بإذن الله تعالى.
فراحت هذه الأمة تتنازع سلطان محمد (ص) بمنظارها الجاهلي
القبلي حيث لم تسترشد بهدي الولاية فشاهدت مجداً لرئيس قبيلة قريش و أن قريشا أحق
بسلطانه من كل أحد حتى ممن نصروه كالأنصار غافلة عن أنها النبوة التي أرادها الله
عزوجل رحمة للعالمين و أنه الكتاب الذي هو
تبيان لكل شيء و أنها الخاتمية التي هي مظهر أسماء الحق تعالى علما و عملا .
أجل بمثل هذا المستوى من التفكير ما كانت الأمة مؤهلة
لفهم أبعاد بطون هذا الكتاب المجيد حتى يقام لها العدل بأبعاد العلم ، فأين هذه
البطون اللامتناهية للعروج إلى مبدأ لامتناه من أمة ما منحها الإسلام لقيود حضارة
الجاهلية أمرا سوى وحدة تحت راية السيف لتفتح تحت ظلاله البلاد مسمية ذلك الفتح و
النصر الذي قد يحصل من أي موحد لأمة و لو تحت راية بعض القبائل البدوية الصحراوية
كالمغول و التتار بالجهاد و لكن الإسلام كان محتاجا لأمة تفتح بسنن العلم و العدل
و المثل و مكارم الأخلاق بلاد الله الواسعة لا بسيوف تفتح أسواق الرقيق لتملأ
القصور بالجواري الحسان ، فالفتح بالسيف ليس فخراً إنسانيا و إن كان فخرا قوميا
للكثير من الأمم يخلّد الفرد الفاتح أو الأمة الفاتحة لا القيم و المثل الإنسانية .
و لم تنهض الأمة بعد ذلك أيضا لفتح العالم فتح علم و عدل
ليومنا هذا و عليه فلابد من يوم يظهر الله تعالى به أوليائه
على الدين كله إعجازا لأبعاد العلم و العدل بإطلاق الكلمة في ميادين الحكمة و علم
النفس و الإقتصاد و السياسة الحقة و قيم العرفان سبل العروج إلى الله عزوجل
كما و أنه لابد من إعجاز علمي في مقام السرعة و الحركة و خرق أقطار
السماوات كما أشار إلى ذلك الكتاب المجيد في مسألة المعراج لرسول الله (ص) و بيان
المراد من كون كل شيء يسبح لله أو يسبح في فلك و كيف يعقل خرق عالم الإمكان طراً
في لحظة و اللحظة كثيرة و ما المراد من حجب النور التي كشفها الله تعالى
بسبعين ألفها لرسوله ليلة المعراج حينما أوحى إليه ما أوحى و غير ذلك من
العلوم الكثيرة التي أشار الله تعالى إليها كأصول علمية أو عقائدية في كتابه أو
أشارت إليها السنة النبوية الحقة.
أجل هناك ما
تفخر به الأمة الإسلامية و هو تحدي القرآن المجيد العرب مع عظيم أدبهم أو في بعض
الميادين الأخرى لكن الله تعالى بعظيم كتابه المجيد ما جاء ليتحدى أمة جاهلية في
جزيرة العرب فقط بل جاء ليتحدى الأمم كافة على إختلاف مراتب رقيها إلى قيام الساعة
بكتاب هو تبيان لكل شيء إعجازا في كافة الميادين علما و عملا و لا يتم ذلك إلا في
زمن ظهور الحجة المنتظر صاحب الولاية المطلقة تشريعا و تكوينا .
فأين تحدي الإسلام بما عليه المسلمون من فهم لرسالة
السماء من التحدي للعالم في واسع مناهج العلم و الإزدهار الإقتصادي و العلوم
المعنوية النفسيه للأخذ بالأمم إلى مدارج الكمال و الرقي دنيا و آخرة و المسلمون و
الكلام عن السواد الأعظم يعيشون التمزق و عقلية الاستبداد حيث
يلغي بعضهم بعضا و يحقد بعضهم على بعض حتى تسربت أمراض حضارة الجاهلية إلى أبناء الطائفة
الواحدة أصولية إخبارية شيخية حتى كأن الواحد منهم يوحى إليه و ليس أمراً إجتهاديا
قابلا للطرح و النقاش العلمي و قد يكون الشخص فيه في علم الله تعالى مصيبا أو
مخطئا و ربما كان مصيبا في جانب مخطئا من جانب آخر .
فراح الصراع
بدلا من الطرح و النقاش و الحوار الحر العلمي لينهك قواهم و انساقت الأمة في بعدها
عن واقع شرع يسع بصدره الواسع البشرية كافة إلى ضيق ينفر منه طلاب حوزة من أنفهسم
في غرفة من غرف مدرسة واحدة يدعو كل واحد بروح النقد الهدام إلى مسلكية أو عَلَم
من الأعلام ناسيا المقاسم المشتركة التي لا تعد لأبناء الطائفة الواحدة مضخما لبعض
الجزئيات و الفروع جاعلا منها علة تامة تبرر له تمزيق الأمة راجيا من الله تعالى
بذلك الأجر العظيم و جوار النبي الكريم (ص) .
فضاعت المقاييس و أضيعت العامة و راح ليتلوا الضياع بعضه
بعضا حتى في بدايات شؤون مسلّمات الفطرة ليصبح المسلم بعد ذلك لا يطمأن لأخيه
المسلم في أبسط الأمور و لو في شراء سلعة يشتريها من سوق المسلمين لا تبلغ الدرهم
أو الدينار و بالأخص إذا عرف المسلم من أخيه المسلم أنه غريب عن البلد لا يعرف
الأسعار .
و قد أصبحت الغيبة فاكهة المجالس و أصبح المسلم إذا سمع
بزلزال أو فقر أو ذل أو قتل و قمع لبعض أبناء الإسلام في بعض الديار الإسلامية
بدلا من المبادرة إلى العون بقدر الإمكان أو التألم و الدعاء للباقين بالصبر يندفع
قائلا : لو لا أنهم مستحقون لما نزل عليهم هذا
الإنتقام الإلهي و لو أنه نظر بعقله لرأى أن الكثير مما يعانيه المسلمون معلول علل
حدثت من جراء ممارسات لأنظمة مستبدة أو هو نتاج لمخططات المستعمرين و إن ساعدهم
ببعض جوانبه غفلة الشعوب و عدم وعيهم لمفاهيم الإسلام و قيمه العليا أو كان بعضها
من شؤون مجاري الكون التي لا ربط لها بغضب الله تعالى و إن أمكن
وقوع بعض البلايا و المحن تأديبا من الله تعالى
لعل الناس إلى ربهم يرجعون و إليه يتضرعون .
أجل راح المسلم تحت وابل من إيحاء بدع التفاسير و ضغوط
الأحقاد و ضيق قيود الطائفية و القومية و القبلية التي أصبحت جزء من عقلية المسلم
لا يتمكن من التخلص من السير في مثل هذه الأنفاق المظلمة .
ركائز الدعوة عند الظهور
ركائز دعوة الحق سوف تقوم على قوائم ثلاث :
العدل و العلم و مكارم الأخلاق فها هي الأمم تدعو المسلمين هل من مبارز في
ميادين العلم و الاقتصاد و النظم و غيرها من الأمور حتى في مثل الخلق الكريم
كالوفاء بالعهد و الالتزام بالمواقيت و الصدق في القول و الإحساس بالمسؤولية و
التضامن الاجتماعي حيث أصبح الكثير من هذه الأمور مفقودا في الديار الإسلامية .
أجل ها هي الأمم تتحدى المسلمين حتى و إن لم يقل في هذا
العصر أحد في ساحة القتال كعمرو بن ود العامري بححت من النداء بجنبكم هل من مبارز
فاتلاً العضلات الجسدية و مسبلا الشوارب الغلاظ ،فإن التحدي في كافة الجوانب هو
الحاكم و الثابت على أرض الواقع للأمة المسلمة من قبل بقية الأمم .
و عليه فمن أجل إثبات كون الإسلام دين الرقي و الكمال و
الخير لسعادة الدارين لابد من إعجاز حقيقي في ميادين العلم و العدل و مكارم
الأخلاق التي هي غاية بعثة الأنبياء التي لم تتحقق ليومنا هذا على وجه الأرض إلا
في إطار محدود و لا تتحقق دولة الحق الكريمة إلا عندما يريد الله تعالى إتمام حجته
على الخلق في آخر أيام الدنيا ليثبت تعالى بعد الإمتحان للبشرية طيلة القرون أن
التخلف و البؤس و الظلم كان نتاجا لسوء عمل المجتمع .
التـقيـــــــــة
ورد عنهم عليهم السلام: التقية ديني
و دين آبائي , و إن فسرها الجاهلون بمنظار أحقادهم
تفاسير تروي مدى بُعد معارفهم الإسلامية أعاذنا الله تعالى و إياكم من ضيق مسالك
الضالين المضلين في حين أن التقية أصل قرآني لا ريب فيه وهي مع ذلك من موازين
العقل عند الخوف لكل ذي لب سليم و لينكر ذلك من كابر عقله لان من الواضح أن من لا
يتعامل مع الضرورات و الأخطار ما يناسبها لا يسمى عاقلاً و هو ما دعى محمداً (ص)
أن يدعوا إلى الحق سراً و أن يرحب بعمار بن ياسر بعد مقتل أبويه و ذلك أيضا ما دعى
مؤمناً من آل فرعون أن يكتم إيمانه.
فالتقية شرط العقل التي أرشد إليها كتاب الله تعالى و لا
ينكر ذلك إلا مخادع ماكر يريد تحريك عقول البسائط من الخلق على أتباع آل محمد (ص)
أو جاهل لا يعرف شرع الله تعالى لكن الروايات تقول :
إذا ظهر مهدي آل محمد(ص) لا يعمل بالتقية ، فهل يعقل ذلك إذا كانت التقية
شرطا للعقل و أمرا مسلّما قرآنيا ؟!
نقول : المراد من عدم العمل بها لأنها لا
يبقى لها موضوعية و الحكم تابع لموضوعه فإذا انتفى الموضوع و هو الخوف من الظالم
الجائر و لو سمى نفسه مسلما يسقط حكم التقية أيضا و عند ظهور عدل الله تعالى على
أيدي مهدي آل محمد (ص) لا يبقى للظالمين محل على وجه الأرض حيث ينتهي حكم الفراعنة
و الطواغيت كانوا متردين برداء الدين أو بأي رداء آخر.
أجل إذا ضربت دولة الحق أركانها على وجه الأرض انتهى
العمل بالتقية لأنها حكم أيام الظلم و الاستبداد و حضارة الجاهلية التي فرضها
الحكام المستبدون و فراعنة الديار الاسلامية باسم الله عزوجل و رسوله طيلة القرون
و هنا قصة سمعتها من الوالد (قدس سره)حين عودته من إحدى أسفاره لبيت الله الحرام
قال : دخلت إحدى المكاتب لشراء بعض الكتب في
المدينة المنورة فوجدت جمعا من علماء العامة مجتمعين يتحدثون فيما بينهم فسلّمت
عليهم ثم أخذت أنظر إلى الكتب ، فخاطبني أحد المشايخ منهم قائلا :
يا شيخ يبدو عليك أنك من علماء الشيعة فأجابه الوالد نعم أنا من أتباع أهل
البيت و إني لفخور أن يكتبني الله تعالى من شيعتهم و
مواليهم فقال له ذلك الشيخ : كيف تفخرون بمذهب من شعاره الدجل و
الكذب و النفاق و ذلك بجعلكم التقية شعارا لأنفسكم و منهجا لدينكم .
فقال الوالد : لما وجدتهم بهذا القدر و المستوى من
الفهم و سعة الإطلاع الشرعي و المعارف لمباني الشيعة و معتقداتهم و أنهم لا يعرفون
البديهيات من رسالات السماء و شريعة الإسلام حيث كانت التقية منهجا قرآنيا لا ريب
فيه بعد كونها من قيم العقل السليم و إنما النزاع بين العامة و الشيعة في كون
التقية هل هي في مقابل كل خطر و ظلم و يعم أمرها لو حصلت العلة و هي الخطر و
الاضطهاد و الجور حتى و لو كانت من مسلم في مقابل مسلم الآخر إذا كان ظالما جائرا
متسلطا على رقاب المسلمين باسم الله تعالى و شرعه القويم.
فقال الوالد رأيت من اللازم في مقابل هذا المستوى من
علماء العامة أن أتكلم بما يناسب مبلغ علمهم و قدر إدراكهم لأنهم لا يستحقون البحث
على صعيد الكتاب أو السنة النبوية .
فقلت لهم : أقسم عليكم بالله العظيم أن تصدقوني
القول و نحن في جوار رسول الله (ص) لو أخذت بأيديكم إلى بعض قرى الشيعة البعيدة عن
المعارف على الفرض و التقدير كما لكم الكثير من عوامكم و جهالكم ينسبون إلينا فضلا
عن أباطيل الكلمات و الافترائات ما يستقبح الإنسان ذكره من كون الشيعة لهم ذنب أو
هم إباحيون في مجالس تعازي الحسين (ع) و وجدتم أنفسكم بين قوم يرون السني كافرا و
ربما تجاوز البعض لجهله فرأى السني كلبا مبللا و كان يعتقد أن قتل السني من موجبات
التقرب إلى الله تعالى و أنه مهدور الدم و مباح المال فهل تصلون في مثل هذه القرية
مكتوفي الأيدي أو مسبليها و أنتم تعلمون علم اليقين أنكم ستقتلون و تستباح أعراضكم
و تصادر أموالكم لو صليتم مكتوفي الأيدي؟
قال الوالد فسكتوا جميعا، فعاود الوالد يخاطبهم قائلا :أقسمت عليكم
بالله الذي لا مفر من قضائه أن تصدقوني القول هل كنتم تصلون مكتوفي الأيدي أو
مسبليها ؟
قالوا نخاف على أنفسنا بعد الجزم بالقتل و التعدي على
الأعراض و الأموال و نصلي كما يصلي هؤلاء مسبلي الأيدي فهو خير من أن نعرّض أنفسنا
و أعراضنا و أموالنا لخطر بلا أي ثمرة في المقام.
فأجابهم الوالد قائلا : هذه هي
التقية و هذا هو ما ارتكبه حكامكم و علمائكم طيلة هذه القرون في حق الشيعة لكنه من
الغريب أن يكون ما تفعلونه عقلا و شرعا إسلاميا و يكون ما نفعله دجلا و نفاقا.
فهذه هي التقية و هذا هو الواقع الذي كنا نعيشه طيلة
القرون في ظل فراعنة نسبوا أنفسهم إلى رسول الله (ص) و لكن الآن لما أصبح الكثير
من الشيعة في بعض المدن لا يخافون سلطانكم و بطش حكامكم فلا تقية توجد في المقام
إلا في الديار التي يتسلط عليها بعض المستبدين باسم الله عز إسمه
و رسوله الكريم (ص) في هذا العصر.
ما هي ثمرة الإمام الغائب و
الولاية الباطنية ؟
أورد الكثير من أبناء العامة و الجماعة هجمات عشواء على
الشيعة ساخرين تارة و شاتمين تارة أخرى قائلين ما هي ثمرة إمام غائب لا يستفاد منه
و كأنهم ما قرؤوا كتاب الله تعالى من كون الولاية لعباد الله الصالحين تارة تكون
باطنية و تارة تكون ظاهرية .
فالظاهرية هي ما قام بإعمالها أكثر الأنبياء فحكموا
بالظاهر كما قال النبي (ص) إنما أحكم بينكم بالبينات و الأيمان و
لم يعامل أحدا بما هو عليه من بواطن نفسه نفاقا كان أو كفرا أو شركا.
و هناك من جعله الله تعالى
من عباده الصالحين لإصلاح بواطن الأمور كالعبد الصالح الخضر (ع)
حيث راح ليخرق سفينة و يقتل غلاما و يقيم جدارا .
و عندها نقول : ما جاء
القرآن لينقل قصصا لا ترتبط بجذور الشرع القويم و إنما كان ميزانا و أساسا لمقاييس
الحق و إنّ ذكر قصة العبد الصالح مع موسى (ع) كانت إشعارا لقلوب الواعين إلى وجود
عظماء من الخلق يقومون بشؤون الباطن و الإصلاح الخفي لكن قبل الخوض في هذا المجال
نتعرض من باب الدليل النقضي لأمر ثم نعود إلى ما وصلنا إليه من الولاية الباطنية
في المقام .
فنقول : إن كان وجود الشيء الذي لا يستفاد منه
نقدا يستوجب السخرية و الشتم فليكن القرآن المجيد بما يحمل من عظيم العلم و البطون
السبع و السبعين التي بقيت طيلة هذه القرون لغفلة المسلمين عن واقع هذه الأبعاد
الإسلامية مكتومة مجهولة مستورة بعد كون القرآن تبيانا لكل شيء فيكون القرآن بلا
ثمرة لأنه لم يستفد المسلمون من هذا الكتاب العظيم بما يحمل من مراتب العلم و
موازين العدل و قيم مكارم الأخلاق و يكون الله تعالى بواسع علمه
الذي يعلم غفلة المسلمين عن هذا الكتاب العظيم فعل ما لا يستحسن من الإنزال غير
السديد لأنه تعالى يعلم أنه لا يستفيد منه المسلمون بما هو يحمل من هذه القيم
الرسالية .
فيكون توجيه نقد هؤلاء المتفلسفين على الله تعالى
في كتابه المجيد الذي أنزله و بقى طيلة هذه القرون لجهل المسلمين مهجورا لم
تفهم أبعاده و لم يعمل بعظيم موازين عدله أولى من توجيه نقدهم على الشيعة في إمام
مستورا لم يستفد منه .
لأن إنزال كتاب بهذه الأبعاد لم تستفد منه البشرية و إلا
لعاشت عزها فيصبح على مبلغ علم هؤلاء كتاب بلا ثمرة و لو ببعض مراتبه أي من حق
هؤلاء على مسلكهم أن يقولوا لله تعالى موردين عليه أي ثمرة لوجود هذا الكتاب الذي
لم يستفد منه إلا بقدر من مراتب ظهوره فضلا عن بطونه أو أبعاد تلك البطون فكان
عليك يا إلهي أن تنزل كتابا على قدر ما يستفيد منه البشر و يدركون أبعاده.
فالنقض قبل أن يتوجه على الشيعة لوجود إمام لا يستفاد
منه يجب أن يتوجه على الله تعالى من جهة إنزاله هذا الكتاب المجيد و هو
يعلم أن المسلمين بدلا من السؤال عن أعماقه سيسألون عن عدد شعر لحاهم و الغالبية
المثقفة و المتفقهة سوف لن تتجاوز بعض البطون أو حدود البحث عن آيات الأحكام .
لكن الإشكال يسقط عن الاعتبار لو كان المانع من قبل
المجتمع و سوء أفعالهم و عدم التزامهم بالحق و تهاونهم في معرفة أبعاد هذا الكتاب
المجيد و عليه فيكون النقد على البشر بعد إتمام اللطف من الله تعالى
على العباد بإنزال كتاب يضمن لهم الكمال و العز و كذلك بالنسبة إلى إمام
مستور إذا كان المانع من قبل الناس أنفسهم فكأن الناقد الساخر قد بذل قصارى جهده
ليستفيد من هذا الكتاب المجيد و سنة محمد (ص) و سيرته في قمم مثلها العليا و أدرك
أن بعد كل نبي لابد من وصي حافظا للرسالة من الزيادة و النقصان شارحا لأبعاد
بطونها و مطبقا لعظيم عدلها و مجسدا لقمم مثلها في مراتب مكارم الأخلاق حتى يقف
تعلوه البهجة و السرور ساخرا بالآخرين قائلا ما هي ثمرة وجود إمام مستور لا يستفاد
منه و قد نسى أنه سمى الطلقاء أمراء المؤمنين و شربة الخمور خلفاء النبيين و تردد
حين قام السيف حكما بين عبدالله بن الزبير و عبد الملك أو يزيد يسمى من منهما أمير
المؤمنين.
ثم راح ليسمي المنتصر و لو كان ماكرا أمير المؤمنين و
المنهزم بالباغي على إمام زمانه أو بالمجتهد الذي له أجر، يتخبط في تمييز الموازين
و المقاييس لما كان يريد معرفة الحق في وجوه الرجال ،يرى مستحقا لعرش الخلافة من
كان يوما يراه باغيا كما حصل ذلك في عهد نزاع بني أمية و بني العباس فسمى الأمويين
خلفاء رسول الله تعالى و كان بنظره المخالف باغيا كقادة
الثورة من العباسيين لكن سرعان ما أصبح الباغي الذي يجب قتاله و قتله لأنه خارج
على إمام زمانه بعد الانتصار خليفة للمسلمين و المنهزم الذي كان يراه قبل ساعة
أميرا للمؤمنين مجرما يستحق القتل .
هكذا راحت هذه الأمة لتتخبط في إعطاء الألقاب و تشخيص
مقاييس الحق و الباطل ليكون الباغي بعد الانتصار أميرا للمؤمنين.
فيا عجبا من هذه العقول التي صنّمت الرجال و قد سمتهم
بخلفاء النبيين بدلا من أن تتقي الله في معرفة صراطه المستقيم لتدرك المراد من قول
رسول الله (ص) :من أصبح و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية،و أن الحق لا
يعرف بالرجال و إن هذا لا ينطبق عقلا و شرعا على أمثال يزيد بن معاوية بل كما قال علي
عليه السلام :اعرفوا الحق تعرفوا أهله .
كل هذا التخبط ثمار لحضارة الجاهلية و الاستبداد الذي
رفعت معالمه في السقيفة حينما نزل عرش النبوة من قيم الإنسانية و الرحمة للعالمين
إلى سلطان رئيس قبيلة قريش حتى قال قائل القوم من ينازعنا سلطان محمد بعد ما بث
روح النزاع القبلي بين الأنصار لتمزيق صفوفهم .
ثم راحت الأمة لتعيش بعد تخبطها في حضارة الاستبداد باسم
الدين لتلغي الآخرين لأنهم لم يستسلموا لمثل هذا الهذيان و لم يعيشوا تقديس الرجال
بدلا من تقديس الكتاب و السنة و سيرة المعصومين من الرسول و آله الكرام ثم رمت
الآخرين بدائها حينما قالت : إن التشيع أبدعته الفرس في حين أن
أئمة الشيعة كلها من آل الرسول (ص) و إن جل رواتهم من العرب في حين أن مذهب التسنن
قائم أئمة و فقهاء و رواة في غالبية رجالاته على الفرس و لا أريد التكلم من منطلق
قومي لكن لكل مقال ما يناسبه
بيان علل التشريع
و من جملة المطالب التي لابد من بيانها عند الظهور بيان
حق و يقين هي علل التشريع بعد الاعتقاد بأن الأحكام تابعة للمصالح و المفاسد و أن
الله تعالى يأبى أن يترك شرعه بلا بيان و شرح في
بعده التشريعي و علل صدور أحكامه ليعلم الناس مثلا ما هي علل تشريع الصوم بأبعاد
الصحة حينما يرد الحديث صوموا تصحوا ، حيث أن الصحة لا تتقيد بصحة جسدية فالصوم له
بعد صحته النفسية و الاجتماعية و التربوية و الاقتصادية و غيرها من مواطن الصحة.
و كذا ما هي أبعاد المصالح في الحج أو الصلاة ، و مفاسد
ما حرم الله تعالى أو كرّه حتى يتبين للناس في زمن العلم
مدى غايات الشرع القصوى التي تركها الناس و لو التزموا بها لتحققت تلك الغايات
التي من أجلها شرعت هذه الأحكام بعد سقوط تعارض الأخبار و تراجيحها عند ظهور طلعة
الحق منقذ البشرية القرآن الناطق الذي لا أثنينية بينه و بين الواقع لأنه ظهوره فهو
مظهر تجليات الله عزوجل و من مظاهر تجليات إسمه الأعظم الذي
لا يعقل معه الخطأ و النسيان .
فإنه عندها يأتي أيضا دور منازل الترجيح للأولويات في
ميادين تزاحم المصالح للأولياء و أهل الخير الذين خلصوا لرب العالمين للأخذ
بالأقوى ملاكا منها فضلا عن السلوك في مسالك الخير في مقابل الشر و الباطل الذي هو
سبيل العامة من المؤمنين و في هذا المجال أيضا عند الظهور و قيام دولة الحق لابد
أن تتبلور الأمور ثم تسقط الغايات الخاصة المتناهية لدى الأولياء لتبقى الغاية
اللامتناهية التي لا ينتهي أمد السير إليها مقصودة وحدها و هي غاية الخلّص من عباد
الله من أصحاب الرايات الثلاثمائة و ثلاثة عشر مهتدين في سبل عروجهم بمهدي آل محمد
(عج) إلى معبودهم و معشوقهم حيث الفناء في ميادين الحب و حضرة الأحدية بأنوار
الحمد المحمدية فهو الحبيب و المحمود.
حيث تسقط الغايات المتناهية المحدودة و إن كانت هي في
أنفسها حقا عند لحاظ غاية الغايات لدى العشاق الوالهين و سوف يجد الناس في صبح
الحياة بعد اليقظة من ليالي الدهور أنهم كانوا يعيشون سباتا و إضاعة للحياة و لو
في سيرهم نحو هذه الغايات الخاصة التي هي من سبل الحق فضلا عمن كانوا يعيشون
الغفلة عن صواب الغايات كما قال(ص) : الناس نيام إذا ماتوا إنتبهوا،
و عند الصباح يحمد القوم السرى حيث كان الإنسان الكامل فوق الملائكة كيانا
تسجد له الملائكة الكرام و تنهل من فيض جوده لبلوغ منازل الأسماء و الصفات قد خلقه
الله تعالى في أحسن تقويم
أتحسب
أنك جرم صغير*********** و فيك انطوى العالم الأكبر
لا بيعة لأحد في عنقه (عج)
تقول الروايات أنه عجل الله تعالى فرجه الشريف إذا ظهر
لا تكون لأحد في عنقه بيعة لكن قد يتبادر إلى الذهن هاهنا سؤال و هو أن هذه
الروايات عن أي بيعة تتكلم؟ إذا كانت البيعة التي أعطاها أهل السنة و الجماعة
شرعية أخذت من أكابر الصحابة حينما كان الإسلام في بداية إنحرافه عن منهج الحق عند
رحيل رسول الله (ص) بالتوعيد و الضرب لسعد و هو من أكابر الأنصار ثم بحمد الله و
المنة أراح الله تعالى المسلمين من خطر هذا الإنسان الذي أصر
على عدم البيعة هو و قومه حين قتله الجن!!!
ثم بايع قومه مرغمين و أخذت من سيد المهاجرين إن لم نقل
من وصي رسول رب العالمين بعد التهديد بالقتل و تعريض زوجته و أبناءه للقتل والحرق
حينما قيل لزعيم القوم أتحرق الدار بمن فيها إذا لم يخرج علي للبيعة و بنت المصطفى
فيها و ريحانتا رسول الله ، قال : نعم !!!
هذا هو النموذج الأعلى للبيعة التي حصلت لخليفة المسلمين
من قبل أكابر الأنصار و المهاجرين و هذه القيم الرسالية و حرية الرأي و المثل التي
تجسدت بعد وفاة رسول الله (ص) باسم البيعة و الشورى و شرع الله تعالى
.
و إذا كان هذا هو حال علي (ع) و سعد و هما من أكابر
الصحابة فأظن أن حالة بقية المسلمين يكون جليا لأصحاب اللب لا للفئة المعاندة التي
لا تعرف الإسلام إلا حقدا و تكفيرا و إلغاء للآخرين و تقديسا لبعض الرجال فإن
الإعراض عنهم أجدر بالدين و العقل و أمر مالك بن نويرة واضح جلي لغير الجهال
الحاقدين .
و أما البيعة التي حصلت فيما بعد في زمن بني أمية و بني
العباس فهي عار في جبين هذه الأمة التي تنسب نفسها لرائد السلام و الحق و الحرية
محمد بن عبدالله(ص) .
و عليه فيكون التسائل جليا واضحا أن هذه الروايات عن أي
بيعة تتكلم ؟! و هل البيعة تحت ظلال السيوف يمكن في
حقها أن تسمى ببيعة حتى يقال أنه إذا ظهر ليس لأحد في عنقه بيعة لأن بقية الأئمة
كانت في عنقهم بيعة لحكام زمانهم فهل البيعة بالقهر و الغلبة و التهديد تكون لها
شرعية حتى يقال أنه لا بيعة لأحد في عنقه ؟!
نقول : هناك أمور لابد من الالتفات إليها
مقدمة لتوضيح ما نحن بصدد بيانه و هي أنه لو أراد الله تعالى أن يحقق
العدل على وجه الأرض لسلّط أولياءه عليها و هو أقدر القادرين لكنه جعل الدنيا
مختبرا للعقول لتكون دار إختيار و إختبار يقارع فيها الحق الباطل في غياهب الظلمات
و مسالك الشبهات ، الذئب فيها راعيا و الأعمى فيها دليلا و الباغي خليفة و المغتصب
صديقا و القاسم بغير العدل فاروقا و المفضول إماما و أنين المعذب المظلوم كفراً و
مئات الآلاف من المقاييس المغلوطة و الموازين المقلوبة التي لابد أن تتجلى على يد
منقذ البشرية مهدي آل محمد (ص) .
و قد بني الإسلام على أسس الحرية و أنه لا إكراه في
الدين بإطلاق الكلمة سواء في ميادين العقيدة أو العمل و الأحكام الشرعية و إذا كان
الإسلام يسع بصدره الرحب الإنسانية بكل أبعادها فالأجدر به أن يسع تكريما لحرية
الرأي من تختاره غالبية الأمة و لو كان إختيارا خاطئا باطلا لتقارب حضارة الحاكم و
المحكوم و الراعي و الرعية حينما يكون رجل السلام و العلم و العرفان و الحق و
العدل و القيم و المثل غريبا على حضارة أمة جاهلية لم تتمكن أن تتخلص من رواسب
ماضيها بموازين القبلية حيث راحت لتستأنس لنداء الصارخين بأعلى أصواتهم من ينازعنا
سلطان محمد (ص) فهو بأعينها سلطان و رئيس قبيلة قريش العربية ناسية أو متناسية
أنها النبوة التي هي رحمة للعالمين .
و إذا كانت لحرية الرأي مكانة فوق كل القيم و لو أراد
المخطئ البقاء على اليهودية أو النصرانية فإنه لا يجبر على قبول الحق الذي لا ريب
فيه ، فبالأولى أن تلحظ الحرية و مكانة الرأي بالنسبة إلى مقام من كان مسلما و لو
كان مخطئا في اختياره بعد بيان الحق من كونه يجب تحقيقه على أيدي إثنى عشر نقيب
بعد رسول الله (ص) حينما تختار
الأمة المسلمة من يناسبها حضارة و عقلا و ذوقا قبليا لبقاء رواسب الجاهلية التي هي
من سنن الله في خلقه لمن أمعن النظر في عبر القرآن عندما يعرض علينا حياة الأمم مع
أنبياءها كبني إسرائيل الذين أرادوا من نبيهم موسى (ع)
حينما مروا بقوم يعكفون على أصنام لهم طالبين منه أن يجعل لهم إلها كما
لهؤلاء آلهة ثم راحوا ليعبدوا العجل بعد ذلك .
و قد بيّن هذه السنن الإلهية رسول الله (ص)
أيضا بقوله : إنكم على سنن من كانوا قبلكم و لو
دخلوا حجر ضب لدخلتموه قيل يا رسول الله اليهود و النصارى قال :
فمن !
و بعد هذا البيان يكون الأمر جليا واضحا بأن كل نقيب من
النقباء الإثنى عشر إن وجد الأمة راغبة في شخص و قد سمته خليفة لرسول الله (ص)
و قد بايعته سواء حكم بدعوى أن الأمر شورى و هو لقريش أو بايعه الناس لمجرد
نصب من خليفة لآخر أو بويع لمجرد مظاهر شورى أو للوراثة أو للسيف فإنه بعد قبول
الأمة ذلك شرعا إسلاميا لا يخالف الولي بالحق الأمة في اختيارها لأن الله تعالى
لا يريد الدين كرها و إذا بايع ذلك الولي و من فرض الله طاعته على الناس
شخصا لمبايعة الأمة إياه فإنه لا ينقض بيعته بعد ذلك تكريما لحرية الرأي و لذا لم
ينقض علي (ع) بيعته لمن
سماه المسلمون خليفة لرسول الله (ص) و لا الإمام
الحسن و الحسين البيعة حتى لمثل معاوية بن أبي سفيان .
و إنما خالف الحسين (ع)
و لم يبايع يزيد بن معاوية لدعوى أهل العراق إنهم لم يرتضوا به خليفة و
إنهم يريدون من الحسين (ع) أن يقيم في
ديارهم الحق وأنهم ناصروه على باطل تأصل في هذه الأمة باسم الله و شرعه القويم و
لأن الحسين (ع) أصبح يعيش في
دور جديد من نقض القيم لرسالة رسول الله (ص)
بعد ما حصلت الردة الأولى بضرب محتوى الرسالة و حذر علي (ع)
الأمة من مغبة هذه الردة ، جاء الحسين في زمن يزيد بن معاوية ليحذر الأمة
من مغبة نهاية الرسالة في ميادين الباطن و المحتوى و في ميادين المظاهر و الصور
حينما تعرضت الشريعة في زمن يزيد للإندراس في جميع أبعادها تفسيرا و تأويلا و
تطبيقا في ميادين العدل و الحكومة الإسلامية و إن كان الله تعالى
قد أخذ على نفسه لطفا بحال العباد أن يبقي الشريعة محفوظة لإقامة الحجة على
الخلائق إلى يوم الدين قائلا > إنا نحن
نزلنا الذكر و إنا له لحافظون.
و عليه فنقول عودا على بدء أن الحجة المهدي عجل الله
تعالى فرجه الشريف يأتي و لا بيعة لأحد في عنقه و هو زمن الضياع للأمة و اليأس من
كل منقذ و سقوط الأقنعة من وجوه المتظاهرين بالعدل أو الحق أو الحرية و
الديمقراطية أو فردوس الإشتراكية و الشيوعية أو العدل المطلق للعلمانية بعد سقوط
أقنعة المتلبسين بألبسة الدين من علماء اليهود و النصارى و المسلمين.
البيعة إذن بما هي بيعة لا قيمة لها لأنها لم تتحقق
بموازين الشرع بعد رسول الله (ص) إلا لعلي (ع)
و الإمام الحسن (ع) و ما يسمى
بالبيعة التي ليست لأحد في عنقه هي بيعة الرأي تكريما للحرية و لو كانت بيعة
الفتات التي هي المثال الأعلى لمن يدعي الشرعية للخلافة التي حدثت بعد الرسول (ص)
و إلا فما حصل بعدها و بالأخص لمثل حكام بني أمية و بني العباس و
العثمانيين فهي من أظهر مظاهر الإستبداد التي لا يمكن دعوى شريعتها إلا من جاهل أو
معاند يكابر عقله يرى تجلي رسالات السماء في أفعال الجبابرة و المجرمين من شربة
الخمور و الطاغين.
و التسائل الذي يطرح نفسه كما قلنا هو أنه هل يمكن أن
نسمي ما وقع من الأئمة المعصومين تجاه هؤلاء المغتصبين للخلافة بيعة حتى يقال أنه
عجل الله تعالى فرجه يأتي و لا بيعة لأحد في عنقه أو أن ما وقع هو من السالبة
بانتفاء الموضوع أو أنه أمر لا قيمة له لأنه وقع تحت ظلال السيوف .
فقد إتضح من بياننا أن المراد به أن كل إمام إذا وجد
الأمة تسمى شخصا خليفة و قد بايعته و اعتبرت له الولاية عليها لا ينقض ما رضيت به
الأمة تكريما لحرية الرأي بعد إقرار الغالبية بذلك و لو كان قرارا خاطئا كما أقر
الشارع أهل الكتاب على ما هم عليه و لو كان المعتقد في نفسه غير سليم عملا بمبدأ
الحرية و إنه لا إكراه في الدين و عليه يكون هذا التكريم لحرية الرأي بيعة في عنق
من بايع من الأئمة من سمتهم الأمة بخلفاء رسول الله (ص)
طيلة القرون و لو كانوا كأمثال معاوية و المتوكل العباسي .
و إنه عجل الله تعالى فرجه الشريف يظهر في زمن لا بيعة
في عنقه لحاكم ذلك الزمان كما و أنه يكون الظهور في زمن تعيش الأمة الإسلامية
وعياً يمنعها من أن تسمي الجناة و الظلمة من الحكام بإسم خلفاء رسول الله (ص)
و تكون الأمة تعيش السخط على حكامها فلا ترى لهم شرعية تحت أي عنوان من
العناوين الدينية أو غيرها .
و مخالفة علي (ع) للخليفة
الأول و عدم مبايعته إياه في بداية الأمر إنما أراد بها أن يقيم الحجة على الأمة
الإسلامية محذرا إياها من مغبة عواقب الأمور التي حصدت الأمة نتاجها طيلة القرون
حينما دخلت في نفق الإستبداد .
و لكن ليس معنى البيعة التي قلنا أنها تكريم لحرية رأي
الأمة هي الإستسلام لكل ما يجري باسم الدين أو العزلة بل يبقى الإمام شارحا لبطون
الرسالة و آمرا بالمعروف و ناهيا عن المنكر و إن بقى بعيدا عن التخطيط للإطاحة
بحكم الظالمين للقيام بثورة بعد البيعة لأناس سماهم المسلمون بخلفاء النبيين.
و هذه الوسطية بين العزلة و التخطيط لقبض أزمة الأمور هي
وظيفة كل مؤمن عاش حياة الشريعة في أبعادها الثلاث كتابا و سنة و سيرة لحياة
المعصومين عليهم السلام لأنه لابد من
بيان لشرع الله تعالى على كافة
أصعدة الشريعة تقام به الحجة على الخلق و المسلمين و لا يمكن تحجيم البيان للشرع
أو الامر بالمعروف و النهي عن المنكر في مثل الصلاة و الصوم و الخمر و الغيبة و
الطهارة و النجاسة لأن الشريعة هي منهج الحياة و هي سلسلة منظومة مترابطة لا تحسن
إلا بتمامها و لا يجوز لعاقل أن يفرض نفسه مؤمنا و هو لا يهتم بشؤون الأمة في كافة
ميادين الحياة و منها السكوت عن ظلم الأمة و ضياع حقها الذي أصبح أمرا مألوفا لدى
كثير من علماء الدين بل صار المتكلم فيه المدافع عن المظلومين و حقوق الأمة سياسيا
خارجا من الدين !
و بالجملة كل إمام من أئمة الهدى بعد بيعة الناس لشخص و
تسميته بخليفة رسول الله (ص) إذا بايع
اعتبر البيعة لازمة في عنقه ما دامت الأمة ترى ذلك متوليا عليها بولاية شرعية
رعاية لحرية الرأي الذي أسست الأنبياء شرائع السماء عليها و أشارت الأديان إلى أنه
لا إكراه في الدين بكل أبعاد الكلمة علما و عملا و ما حصل من الحروب و الغزو و
القهر بعد الرسول (ص) ما كان عملا
شرعيا و إلا لم يسبق سابق إليه عليا (ع) و لا أحد
الأئمة من بعده عليهم السلام .
مراحل الظهور
كما و أن الدعوة بدأت متدرجة من السرية التامة بعض
السنين ثم منها إلى مرحلة دعوة الأقرب فالأقرب إلى الإسلام ثم الإعلان و كذا
التدرج أيضا في أمر أحكامها كالخمر حتى حرم تماما و كالجهاد الذي شرعه الله تعالىبعد عام في
المدينة المنورة ثم رحيل الرسول (ص) و بقاء الأوصياء
لمتابعة البيان حفظا للشريعة من الزيادة و النقصان و الاجتهادات و الرغبات ثم بلوغ
الأمر إلى مرحلة السرية و الكتمان حفظا لموازين الشريعة من الضياع إلى أن جاء دور
الإمامين العسكريين ليتحسس المؤمنون مدى خطورة الأمر لانعزالهم عن قادتهم ثم مجيء
الغيبة الصغرى و جعل السفراء الأربع ما يقارب السبعين سنة لتحريك القابليات و تفتح
الأذهان للسؤال في زمن الفراغ و لمس الحاجة إلى الإمامة و القيادة ثم تحققت الغيبة
الكبرى و استمر بقاء الإمام المنتظر لإصلاح الباطن و إرشاد الأوحدي من الخلق و لو
بدون التفات إلى الأمر .
أظن أن السنن الإلهية واحدة في زمن الظهور كما كانت
متدرجة في زمن الدعوة بمعنى أنه من المستبعد أن تقوم الدعوة إلى قيام دولة الحق
دفعة واحدة كأن يقف بلا مقدمة و أرضية إيمانية عند البيت الحرام و ينادي هلم إليّ
أيها المؤمنون فأنا مهدي هذه الأمة .
أو يقوم بعدد هو ثلاثمائة و ثلاثة عشر أعدهم الله تعالى
له يجمعهم في لحظة واحدة بدون سابقة إعداد و قاعدة إيمانية واسعة.
بل المناسب ما دامت المسألة تجري على مناهج سنن الله تعالى
التي أجراها على وجه الأرض و لم تكن مسألة بموازين خاصة من مواطن الولاية
الإلهية و هو الإعجاز الذي يخرج الدنيا عن حال كونها دار اختيار و اختبار بما قامت
عليه من سنن الله الطبيعية التي أجراها في زمن الأنبياء أن تبدأ مسألة الظهور أيضا
متدرجة بالدعوة سرا إلى قيام دولة الحق و لعل هذا يستغرق بعض السنين بدعوة
الأولياء الخلص إلى الإلتحاق إلى إقامة هذه الدولة و لعلهم هم المشار إليهم
بثلاثمائة و ثلاثة عشر قادة الدعوة إلى عدل الله تعالى
على وجه الأرض.
ثم يؤمرون بدعوة من يثقون به إلى فترة من الزمن أيضا مع
لحاظ شؤون السرية و الكتمان ثم يأمرون الاتباع بدعوة من يثقون بهم الأقرب فالأقرب
حتى تستعد الأرض لدعوة الحق و قيام دولة العدل بعد تأهيل جماهيري لقاعدة إيمانية
ثم تكون الدعوة جهارا فتخرج بعد سنين السرية إلى مرحلة الإعلان لتقاوم الباطل و
النفاق ثم تنتصر على دول الباطل و تقيم دولة الحق و العدل العالمية على العالم
لتتم بها الحجة على الماضين و الباقين إلى قيام يوم الدين .
و بالجملة الدعوة لقيام دولة الحق لا تكون ظهورا في لحظة
واحدة في مكة المكرمة بلا قاعدة جماهيرية و عليه فالمناسب للسنن الإلهية أن تكون
قضية الظهور متدرجة بدءا بتحصين القاعدة بواسطة تدعيم أسسها مع الأوتاد ثم صالح
المؤمنين و أن تبدأ سرا إلى فترة من الزمن قد يستدعي الأمر عدة سنين ثم تعلن في
مكة المكرمة بعد وجود الدعاة إليها المؤهلين في كافة أقطار العالم من المؤمنين
الخلص ثم ينتقل أمرها إلى عاصمة الولاية الكوفة في العراق .
نعم عند الظهور تكون الأنظمة متخلخلة من الداخل و بالأخص
بالنسبة إلى أرضية الدعوة كالديار الإسلامية و تكون الأقنعة مكشوفة عن المدعين
الحق باسم شرائع السماء كاليهود و النصارى و المسلمين على إختلاف مذاهبهم و كذا
بالنسبة إلى جميع المدعين للديمقراطية الحديثة على كافة أشكالها .
و هذه هي سنن الله تعالى
في خلقه حين بعثة الأنبياء و أخذهم بنشر الدعوة من حيث أصلها و مبانيها و
أحكامها متدرجة ليستعد الناس إلى قبولها و تأمن من هجمة الكفار و المشركين و
المنافقين و كذلك يكون أمر الظهور متدرجا من مرحلة إلى مرحلة حتى تتم القاعدة
لإعلان الظهور و قيام دولة الحق الإلهية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق