لسماحة الأستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني
البحوث في علم الأخلاق قد
تتزامن مع بعض الأيام التي لها الأثر في الحياة البشرية، ومن جملة أهم الأيام: يوم
مولد صاحب الزمان (عج) منقذ البشرية من كل ضلالة وظلم، فإذن تبرّكاً وتيمّناً بهذا
اليوم العظيم نبدأ الحديث عن مسألة الحجّة المنتظر (عج).
جاء الأنبياء جميعاً دعاة من
اللَّه تعالى لغاية مهمة، وهي الدعوة إلى مكارم الأخلاق، والعروج إلى اللَّه
تعالى، من خلال الصراط المستقيم للوصول إلى الغاية المنشودة المطلوبة التي اتّفقت
عليها الكلمة منذ أن بعث اللَّه تعالى آدم (ع) إلى زمن الرسول الأعظم (ص) ، فكل
الأنبياء جاؤوا يدعون إلى الخلق الكامل، وبشّروا الناس بأنهم لو ساروا على الصراط
المستقيم لفتحت عليهم أبواب السماء، ولقدّمت لهم كنوز الأرض، ولكان العدل هو
السائد في المجتمع، فلا تمايز بين أفراد البشرية بقبلية، أو لون، أو مدنية، أو ما
شاكل هذه الأمور العرضية، التي لا مدخلية لها في واقع الإنسانية، فلو أنّ الناس
اهتدوا بهدي الأنبياء لعاشوا النعم والعدالة الحقيقية، لكن اللَّه تعالى أراد
الدنيا اختباراً واختياراً، فلهذا لم يجبر البشرية على قبول الحق، وإلاّ فهو
القادر على أن يجعل الأرض تنتقل من يد سليمان إلى سليمان آخر، يسلّطهم على الأرض
بقدرة ربانية، فتنقاد إليهم جميع الأمور، ولا تتخلّف عنهم، لكن بهذه الواقعية لا
تكون الدنيا دار اختيار واختبار.
إنّ اللَّه تعالى خلق الإنسان
لكي ينتقل بإرادة ومعرفة وبناء نفساني من مرحلة إلى مرحلة، بهدي من اللَّه تعالى،
فهذه هي سبل اللَّه تعالى في الأرض.
فإذن: يجب أن نلتفت إلى واقع
في المقام، وهو: أنه ربما يشاع بلا دليل ولا برهان من أنه (عج) إذا ظهر سيقتل
الكثير من الناس، وستكون الدماء إلى الركب، وإلى ما شاكل هذه الكلمات البعيدة عن
روح السلام، وعن العطف والرحمة الإسلامية، وعن المنهجية التي جاء بها الأنبياء
جميعاً، فيجب أن نلتفت إلى أنّ اللَّه سبحانه وتعالى أراد الدنيا دار اختيار
واختبار، ولا يخرج فرد من الأفراد من هذا الواقع، فلابد وأن يأتي إلى دار الدنيا
ليختبر، وليختار بإرادته وسعيه وجهاده، حتى يقطع مراتب الكمال من مرحلة إلى مرحلة،
ما دامت الدنيا مبنية على هذا الأساس، فلا يمكن أن تتخلّف عن هذه القاعدة في زمن
الظهور، والروايات دالّة على أنه لا يكون الظهور إلاّ من بعد ما تختبر البشرية
جميع السبل، فيوم من الأيام تلبّي نداء المسيحية، ومن بعد فترة من الزمن تلمس أن
الذين يدعون إلى المسيحية ما دعوا إلاّ لأنفسهم، بما هم عليه من الأغراض الشخصية،
وقد دعت البشرية إلى اليهودية أيضاً، واختبرت أنها دعوة باسم الدين للمصالح
الشخصية، سواء صدرت من علماء اليهود، أو النصارى، أو من الحكام بهذه الأسماء، فكم
من حرب قام بها اليهود، أو قامت بها سلطات المسيحية، أو من يسمون أنفسهم
بالمسيحيين على طول التاريخ، وارتكبوا ما ارتكبوا من المجازر وقتل النفوس، وسحق
القيم البشرية جميعاً، فضلاً عما يدّعون من القيم الرسالية، وما قدّموا إلى الناس
إلاّ ما هم عليه من مآربهم الشخصية، فاضطهدوا المجتمع، واستضعفوا الناس وشتّتوهم.
فمن بعد ما تختبر البشرية بكل
طبقاتها وبكل مذاهبها، من نصرانية ويهودية، وإسلامية أيضاً؛ حيث جاء المسلمون على
اختلاف طبقاتهم يدعون المجتمع البشري إلى العدل الإسلامي، فوجدناهم بمعزل عن العدل
الإسلامي، فقد بنوا الحضارة الإسلامية على سفك الدماء والعدوان والاضطهاد للشعوب،
وقتلوا ونهبوا واستعبدوا الناس، وشكّلوها سلطة عظيمة طاغوتية ديكتاتورية في
العالمين باسم خلفاء رسول اللَّه (ص) ، ولعلنا ــ كشيعة ــ اختبرنا أو نختبر، فإذا
وصل الأمر إلى مرحلة بأن يئس الناس من كل داعية، بكل لباس وبكل مظهر من المظاهر،
سواء كان بلباس إسلامي على اختلاف الألبسة الإسلامية، شيعية وسنية، وعلى اختلاف
ألبسة المذاهب الأخرى، كالنصرانية واليهودية، ووجدوا أن هناك تفاوتاً بين الدعوة
وبين العمل، وأنّ هناك اختلافاً بين واقع الرسالة وبين ما يتكلم به المتكلم، وبين
واقع العمل الخارجي.
وإذا وجد المجتمع أن ما تدعوا
إليه العلمانية ليس إلاّ غطاءً من أجل الوصول إلى المآرب الشخصية، وإذا وجدت
الإنسانية أن ما تدعو إليه الحضارات الجديدة بعناوينها المختلفة وبمجالسها
المختلفة في العالم التي ما أبقت لأيّ عدالة قيمة ،والحقوق التي جعلها المستكبرون لأنفسهم،
كحق الفيتو، وما شاكل هذه الأمور، حيث يجمعهم جامع واحد وهي المصلحة الشخصية، وإن
تلبّست بألبسة مختلفة، فإذا يئس الناس من مُنجٍ على اختلاف طبقات الدعاة إلى الحق
والعدالة، وراحت البشرية ــ كما هي الآن ــ تعيش الضياع في متاهات الشهوات، حتى
أصبحت في الآونة الأخيرة لا تدري ما تعمل من هذه المتاهات؛ لأن كل سبيل وكل متاهة
دخلته البشرية وجدت أنه لا يحصل بواسطته الاطمئنان، ولا يحصل بواسطته الكمال.
فكل ما جاء اليوم في الغرب،
أو في غير الغرب، من المتاهات المختلفة بغضّ النظر عن الدعوات بعناوينها، ومسالكها
الخلابة، والضياع، ونسف الإنسانية بقيمها، وإن أطلاها الإنسان ببعض العناوين، فإذا
يئس الناس من كل مُنجٍ، ولمست ضياع حياتها في متاهات الشهوات التي تجري في كل يوم،
فعندها يصل البشر إلى إشباع في الغرائز يتجاوز الحدود، فيصبح مللاً، فتلمس البشرية
كافّة، على اختلاف مراتبها، ولا أريد أن أقول: تلمس الشيعة هذه الحقيقة فقط، بل
تلمس البشرية كافّة: على أنه لا مُنجٍ حقيقي، وإنما هي أزمنة، وأمكنة، وألبسة،
وأغطية تتبدل لخدمة المصالح الشخصية، فإذا لمست البشرية هذه الحقيقة استعدت النفوس
بواقعها وبضمائرها الباطنية لما تصاب به من الملل، ولما تصاب به من الدعوات
الكاذبة بأسماء مختلفة لتلبّي نداء الحق، ولو لم تعرف اسم المنجي، فتصبح مسألة
انتظار المنقذ للبشرية ــ من دمارها وضياعها ــ أساساً بشرياً عاماً تلبّيه النفوس
بواقعها؛ لأنها عجزت من تراكم الكلمات للخطباء، وعجزت من تراكم الضياع للبشرية،
فسوف تلبّي ــ بواقعها وبحقيقتها وبكيانها الداخلي ــ نداء الحق، وتستعد النفوس
لكي تقبل المنجي البشري العام.
فرسول اللَّه، وهو سيد
الكائنات، وهو سيد الأولين والآخرين، وما جاء ولا يأتي إنسان كرسول اللَّه (ص) ،
ومن بعده من هو نفس رسول اللَّه، كعلي (ع) ــ كما صرّح بذلك القرآن الكريم{
وأنفسنا وأنفسكم} ([1][1]) ــ فمع كلّ هذا العظم، ومع
كل هذه المكانة الرفيعة المتوفّرة فيهما، لمّا كان المانع ــ وهو عدم قبول البشرية
للإنقاذ العالمي ــ موجوداً انقلبت الأمة على أعقابها بين آونة وأخرى، وهكذا
انقلبت الأمم على أعقابها بعد الأنبياء، فبقت إطارات وعناوين بلا محتوى، ولا يمكن
أن تقام العدالة على أجساد البشرية بقتلها وتضحيتها وجزرها، وحاشا للَّه أن يظهر
المهدي لهذه الأمة بجزر البشرية لقيم الحق؛ لأنّ أساس الدنيا دار اختيار واختبار،
ولا تخرج الدنيا عن هذه الأسس والسنن الإلهية.
فإذا كانت هذه هي الأسس فلابد
وأن تقام العدالة بواسطة المجتمع البشري، ولابدّ وأن تستعد النفوس لقبول العدل
وإرساء العلم، وأن تصبح مشمئزّة من كلّ ناطق بالحق، عامل على خلافه، فهنا تكون
التلبية بأعماق الضمير، فتقام الرسالة الإسلامية قيام عمل وتطبيق بعد أن كانت
مثالية ربما طبقت، لكن طبقت على الرغم من أنوف الكثير، من أجل أن تقام الحجة على
وجه الأرض فترة الدعوة فقط، ثم لترجع الدنيا مرة ثانية دار اختيار واختبار؛ لأنه
مع وجود حكم يقوم به محمّد (ص) ، أو علي (ع) ، تخفي النفوس بواطنها، ولا تتظاهر
بما هي فيه، بل تتظاهر النفوس بكل واقعها اللاإنساني، تحت ظل أمثال معاوية، وأمثال
هؤلاء الطواغيت، سواء كانوا متظاهرين بالجريمة، يعرفهم الصغير والكبير، أو متخفّين
تحت أغطية الحق بأعماق النفاق المنطلي على السواد الأعظم.
فالإنسان على نفسه بصيرة ولو
ألقى معاذيره، يعرف ــ بواقعه الباطني ــ حقيقة الحق، ورجالات الحق، لكن يريد
لنفسه مبرراً من أجل أن يدخل المتاهة، ويظن أن هذا سوف يكون لـه حجة يوم القيامة،
واللَّه تعالى عارف وبصير بأنّ النفوس تعرف عليَّ الحقّ، ممّن جعلوا بإزاء علي (ع)
.
نعم، هناك مَن ضاعت عليه
الحقيقة؛ لعدم الاهتمام بالدين، يسعى ليله ونهاره لدنياه، ولم يجاهد في سبيل
اللَّه تعالى ساعة من يومه؛ لتهاونه في دينه، وهم السواد الأعظم، أتباع كل ناعق.
فإذن: مع وجود عظماء الخلق،
كسيد الكائنات وعليّ، ما طبقت شريعة الإسلام، منذ آدم إلى الخاتم ، فلا يأتي الحجّة
المنتظر ليقيم الحقيقة والشريعة على أجساد المجتمع، وفي بحور من الدماء البشرية،
بل إذا يئست البشرية كافّة من المنجي الحقيقي، ووجدت نفسها تعيش الضياع في الشهوات،
وأن هذه لا تكون غاية لحياة أكمل مخلوق، وهو الإنسان، لبّت بأعماق ضميرها دعوة
الحق، فإذا جاءت دعوة الحق لا تلتبس على أحد؛ لأن الناس عاشوا الأكاذيب والهذيان
والباطل باسم الحق، فلمسوا الباطل في واقعهم، فإذا جاءت دعوة الحق ميّزتها البشرية
بأعماق فطرتها وضميرها الباطني الذي يئس من كل دعوة وباطل، تحت أي ظلال كان،
فستقام العدالة بواسطة منجي البشرية، وبواسطة المجتمع البشري الذي يصبح يعيش الضجر
والملل مما هو فيه، فستأتي البشرية ملبّية ولا تبقى إلاّ القلائل تسحق تحت أقدام
الأكثرية، وهم أصحاب المصالح، وأصحاب الانحرافات النفسانية، الذين لا تفيد بهم أي
دعوة، ولا تصلحهم أي حقيقة، وأولئك ستسحقهم الأكثرية، لا سحقاً بمعنى الجزر
للنفوس، بل سيسكتون أمام التيار البشري العام الذي يأتي ملبّياً دعوة الحق؛ طالباً
من منجي البشرية إقامة العدل؛ لأنّ الناس سيجدون صراطاً مستقيماً يقيمه بالعمل قبل
القول، وسيجدون بيان علم يوصلهم إلى الكمال، وسيجدون تفسير شرع ابتعدنا عنه، حتى
إذا جاء قال قائلنا: أجاء المهدي بدين محمّد (ص) ، أو جاء برسالة جديدة؟ هكذا يأخذ
وأخذ بنا الابتعاد عن رسالة سيد الكائنات، حتى يتعجّب منّا المسلم عند الظهور،
فيقول: أجاء بشريعة جديدة، أم هي شريعة رسول اللَّه (ص) ؟
هذا الضياع على اختلاف
عناوينه ومراتبه نعيشه، شئنا أم أبَيْنا، بل نعيشه في جميع الميادين، ولا أريد أن
أخصّص العامّة، أو العوام بذلك، وإن كانت كلمة العوام فيها نحوٌ من الجفاف في
التعبير، ولا يتصوّر متصوّرنا على أنّا سوف نكون من جملة السبّاقين إلى الدعوة،
لكننا ندعو من اللَّه ذلك، ولعلّنا نسبق بأمم من الغرب، ولعلنا نسبق بأمم غير
إسلامية إلى تلبية الحق؛ لأنا عشنا في ميادين ربما اعتدنا عليها باسم الحق، ولعل
البعض منّا عاش النفاق والرياء باسم الحق، وعاش ظاهراً قدسياً مع باطن يبتعد كل
البعد عن الحق، فعشنا الازدواجية في الحياة، فندعو من اللَّه أن نصلح أنفسنا قبل
الظهور، وندعو من اللَّه أن تكون هذه العلائم التي نشاهدها من مظاهر الظهور.
فما جرى في البلاد الإسلامية
من الدمار في الحروب التي شاهدتموها، جزرت المسلمين والشيعة جزراً عاماً، والضياع
الذي عشناه، والهجرة التي عاشها الناس، والقتل والجريمة التي نشاهدها في كل يوم من الأيام، يخططها
سلاطين العالم، ويطبّقها مَن هو مأمور من قبلهم في رقاب المسلمين تحت عناوين
مختلفة، تنفّذ في كل يوم بحق أمم بكلها وتمامها، فأخذت تنزح من مدنها، تنتقل من
مكان إلى مكان؛ خائفة على دينها، وعلى كرامتها، وعلى إنسانيتها، فهذا الذي نشاهده
في كل يوم لعله بداية رحمة، حتى لا نبالي يوم الدعوة الحقة من أجل التضحية للدعوة
الحقيقية، فلم يكن هناك مال نخاف ذهابه عند الدعوى، وليس لنا شيء
لم يمرّ في حياتنا حتى نخافه، من نفوس الأحبّاء والأموال والأمن وغيره من الأمور،
كل هذه الأمور فقدناها سابقاً، فنقول: ندعو اللَّه تعالى أن تكون هذه المظاهر من
مظاهر ظهوره (عج)، فما بقي شيء يخافه المؤمن يوم الظهور حتى يتردّد في نصرة الحق، فإن شاء
اللَّه أنّنا نشم رائحة الظهور عن قريب، ونشاهد طلعته البهية عن قريب، ولا نريد أن
نوقّت، وقد كذب الوقّاتون، ولا نريد أن ندّعي وقد كذب المدّعون، ولا نريد أن ندّعي
كما شاعت في هذه الأيام ادّعاءات رؤيته ولقائه (عج)، في حين أنّه (ع) قال لمّا أمر
بالغيبة الكبرى: ( ألا و من ادعى
رؤيتي بعد غيبتي هذه فكذبوه
) ([2][2])، هذه عبارات مطلقة ليس فيها
تقييد؛ لأن رجال الحقّ الحقيقيين إن شاهدوا لا يقولون، ولا يخبرون أحداً، فمن
شاهده (عج) وعرفه وكان من الأوتاد لا يقول لي ولك؛ لأنه مترفّع، وأعلى شأناً من أن
يريد الحصول على كرامة اجتماعية منك ومنّي، من أجل هذه الكلمات، فلا يدّعي الظهور
إلاّ من كان ناقصاً، يريد الصدارة، ويريد تقديساً، ومكانة، وتجليلاً، لما هو فاقد
لـه في باطنه، وإنسانيته، وحقيقته، فلا أريد أن أقول: إنّه لا يُشاهد، بل لعل
الكثير يشاهدونه ويعرفونه، ولعل البعض يشاهده ولا يعرفه، أما الذين يشاهدونه ويعرفونه
فهم أوتاد الأرض، الذين جعلهم اللَّه حجّة على وجه الأرض، فالذين يشاهدونه ــ من
هذه الكفّة العظيمة ــ أولئك لو أعطيتهم الدنيا بما فيها لا يتكلّمون بأسرار
الكون، وهذه من أسرار الكون، ولو كانت المشاهدات لها شؤونها لظهر بين آونة وأخرى
ليقول: إن إجراء البراءة هاهنا في كذا حكم ما كانت صحيحة، وإنّ القاعدة الفلانية
هاهنا ما كان تطبيقها صحيحاً، ولأرشدنا لذلك علماء عظام، كالشيخ المفيد والشيخ
الطوسي وغيرهم، وما ادعى أحد منهم مثل هذه الادّعاءات؛ لتصحيح الأسانيد، أو لتفسير
الكتاب المجيد.
فإذن: إن شاهده البعض؛ لعظم
نفوسهم، وانكشفت لهم حقائق الأمور، فأولئك أعظم وأجلّ من أن يكلّموا أحداً عن مثل
هذه المشاهدات؛ لأنها أسرار التكوين، وهي خصوصيات نفوسهم للعروج إلى اللَّه تعالى.
وأمّا ما ينسب إلى بعض أعاظم
الشيعة، فلا أظن أنه يوجد في كتبهم، وإنما هي نسبة من زيد أو عمرو، فهذا ينسب
الكلام لخادم، وذاك ينسبه لجالس، وآخر ينسبه إلى متكلّم ثالث، فما شاهدنا ذلك
صراحة من أحد الأجلاء، ولا ادّعى من علمائنا ذلك أحد.
فإذن: المسألة الكبرى ــ وهي
التي نطقت بها الشرائع، واتّفقت عليها ــ أنه لابد من ظهور منجٍ للبشرية، وإن
اختلفنا في شيء، فهو: أنه وُلِدَ، أو يولد، كما يقول البعض من أن الروايات تقول:
أشهد أنك الحجة على من مضى، ومن بقي، فكيف تقول الروايات الكثيرة الكثيرة: إنه
الحجة على من مضى ومن بقي؟ وما المراد من الحجية والحجة هاهنا من زمن آدم (ع) إلى
يومنا هذا؟ ولعل قائلاً يقول: هذه الكلمات هي مثالية ذهنية لم تختبر في الخارج
لتكون تطبيقاً عملياً، ولعل البعض يقول أيضاً: بأنه كما ادعت الشيوعية المثالية
والفردوس وسقطت؛ لعدم إمكان تطبيق هذه المثالية الذهنية الوهمية على الخارج، فلعل
ما جاء به الأنبياء أيضاً مثالية ذهنية، فأين القيم التي تدعى، فكأنها مدينة فاضلة
لأفلاطون؟ فلابد وأن يقيم اللَّه عدله، وأن يحقّق صراطه المستقيم بحكم العقل
الضروري، حتى لا يقول قائل: إنها مسألة مثالية ذهنية، فإذا جاء (عج) طبّقت الشريعة
تطبيقاً علمياً وعملياً، فكان الحجّة على الماضين والحاضرين، وكان الحجة على من
يأتي من بعد، فإذا طبقت لا يستطيع شخص أن يقول يوم القيامة: لماذا ما طبقت
الشريعة؟ ولعلها كانت مثالية وهمية، وعندها فستعرف البشرية جميعاً أن الشريعة فطرة
بشرية، بل هي حقائق العروج إلى اللَّه تعالى، ليقول اللَّه تعالى للبشرية كافة:
إنّ عدم التطبيق كان من جانبكم؛ لمانع في وجودكم، وهو مانع الشهوات والغفلة وحجب
الظلمات.
والحمد للَّه ربّ العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق