الأربعاء، 24 أبريل 2013

@ سيرة آدم عليه السلام المحاضرة رقم 3



سيرة آدم عليه السلام 3
كتبت من محاضرة صوتية ألقاها سماحة الأستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني
في سوريا قبل سنوات

        تقدم أن السجود بما هو سجود إنما هو فعل من الأفعال وليس بنفسه عباده،ولما كان السجود بما هو سجود هو فعل من الأفعال قد يتصف بالحسن والقبح بتبع الدواعي والنوايا ولذا لما كان بحسب ذاته ليس أمراً عباديا نرى اليهود تظهر الخضوع لله تعالى بكيفية والنصارى لهم كيفة عبادتهم وخصوصية تقربهم إلى الله سبحانه وتعالى وهكذا راحت الأمم كل أمة تظهر تعبدها وخضوعها إلى الله سبحانه وتعالى بكيفية من الكيفيات حتى أمرنا الشارع المقدس بأن نظهر غاية مراتب العبادة بوضع الجبهة على الأرض فهي من خصائص المسلمين ولا ندري لعل هناك أمما قبلنا أيضا أمرت بهذا الأمر ثم انحرفت الديانات لا نريد أن نحكم بعدم وجود إظهار التذلل لله بهذه الكيفية الخاصة التي أمر المسلمون بإظهار العبادة لله تعالى بها فإذا كانت مسألة السجود إنما هي لإظهار التذلل والتقرب والخضوع والميل إلى الله سبحانه وتعالى وهي تختلف من أمة لأمة أخرى فلا يمكننا أن نجزم بأن الله سبحانه وتعالى حينما أمر الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام أمرهم أن يضعوا جباههم بهيئة الساجد كهيئتنا على الأرض أو التراب، لا ندري كيف أظهر الملائكة بعد ما أمروا من قبل الله تعالى لا ندري تلك المجردات كيف أظهرت خضوعها بسجودها لآدم عليه السلام هل وضعت جباها على وجه الأرض أو أظهرت الخضوع والطاعة لله سبحانه وتعالى بما يناسب تلك الحقائق والعقول أو الأرواح أو الوجودات المجردة لا يمكن أن نحكم أنها نزلت جميعا من السماوات على الأرض ووضعت جباهها على الأرض وهل لها جباه لما لنا؟ وهل أمرت بهذه الكيفية أو بكيفية أخرى لا ندري، الذي نجزم به أن الله سبحانه وتعالى أراد من ملائكته أن يظهروا الذل والطاعة والخضوع لهذا المخلوق العظيم وأن يقروا له بالعظم وكذلك أمر الجن أن يقروا ويظهروا إقرارهم بكيفية من الكيفيات لهذا المخلوق العظيم وهو آدم عليه السلام هذا أمر لا نزاع ولا نقاش فيه.
        وإذا ورد في الكتاب المجيد بأنه يسجد لله ما في السماوات وما في الأرض لا يراد أن ما في السماوات وما في الأرض من الكائنات المادية والشاعرة وغير الشاعرة في عالم الطبيعة وفي غير عالم الطبيعة تضع جباهها على الأرض هذا من المستحيل أن يكون مرادا، فإذن المراد من سجود الكائنات لله تعالى ذلها وخضوعها وانقيادها تكوينا أو بشعور وتعقل لله سبحانه وتعالى وإلا فليس هناك من عاقل يتصور على أن جميع الكائنات تصبح بهيئة الساجد بوضع الجباه على الأرض، إذا كان المراد من السجود هو إظهار الإطاعة والتذلل لهذا المخلوق العظيم وهو آدم عليه السلام أراد الله سبحانه وتعالى من الملائكة ومن الجن مطلقا أن يقروا بعظيم خلق الله و هو آدم عليه السلام فإذا أقروا من باب الطاعة والعبادة لله أراد بعد الإقرار بالعبودية أن يبين لهم إني ما أمرتكم بالخضوع لهذا المخلوق إلا لما أعلم من قابلية هذا المخلوق لمعرفة الأسماء جميعا وكلها.
        نحن في الشريعة المقدسة نقسم كمسلمين أوامر الله سبحانه وتعالى إلى قسمين تعبديات وتوصليات التوصليات هي الأعمال التي لو قام بها الإنسان وأوجدها يسقط الواجب، أنت بغسلك لثوبك تحقق أمرا لأنك تريد بثوبك أن تصلي فتغسل الثوب سواءً نويت القربة لله أو ما نويت القرب تتوصل بهذا الفعل لتحقيق أمر الله سبحانه وتعالى إيجادك وفعلك يكفي ولا تحتاج أن تنوي القربة لله تعالى في فعلك التوصلي أما في فعلك التعبدي كصلاتك وصومك وحجك مثلا تحتاج إضافة على الفعل أن تنوي القربة والعبادة لله تعالى عرفت المصلحة أو ما عرفتها، أنت صدقت الصادق الأمين صلى الله عليه وآله وسلم فلما صدقت محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بأنه ما جاء إلا بكل خير داعيا إلى كل هدى مريدا للناس كل مصلحة فلما أقررت بهذا الواقع وجزمت به و ما ترددت بذلك فحينما أمرك أن تصلي صلاة الصبح ركعتين صليتها بدون تردد وأنت لا تعلم لم كانت بركعتين وصلاة المغرب كانت بثلاث والبقية كانت بأربعة ركعات، أقررت تعبدا لله ولعلك لا تدري بكثير مما نهاك عنه الشرع القويم لكنك أقررت فقبلت ولو كنت لا تدري بالمصلحة أو المفسدة.
والله سبحانه وتعالى أراد أن يختبر ملائكته وأراد يختبر الجن في دعواهم الإقرار بكل مصلحة يأمر بها الله وبكل مفسدة ينهى عنه تعالى هل عبادتهم عبادة عن معرفة أو عن جهل وطغيان تقدم بالأمس على أنه عبادة 6000 سنة جهلاً ساقت إبليس بدلاً من أن تصنع منه مطيعا لله ذالا لأوامر الله متصاغرا بأزاء الله سبحانه وتعالى صنعت منه متكبرا ورب صلاة لي ولك تصنع منا متكبر، فأراد الله تعالى أن يختبرهم هل يقبلون الأوامر حتى يأتيهم البيان بعد ذلك أو يصابون بالغرور والكبر فأصاب ابليس لعبادته بالكبر ولدواعي الحسد وما شاكلها أما الملائكة فاستفهموا فلما استفهموا علمهم آدم عليه السلام الأسماء بعد ذلك فالله يريد بعد معرفة التوحيد خضوعاً وذلاً عبوديا يكون في ذات العبد، فإذن أراد أن يبين على أنه لا وصول إلى الله سبحانه وتعالى إلا من طريق الإنسان الكامل.
وهناك إخواني من حاول أن يتخلص من مسألة السجود لآدم عليه السلام من طريق آخر: فقال البعض كما وأن سؤال القرية يراد منه سؤال أهل القرية لأن القرية لا تسئل الذي يسأل هم أهل القريةفحينما أمر الله تعالى بالسجود لآدم عليه السلام أمر بالسجود لجهة آدم عليه السلام كما أمر بالسجود لجهة الكعبة المكرمة فما كان عبادة للكعبة، فكذلك قال البعض حينما أمر تعالى بالسجود لآدم عليه السلام أراد أن يقول إسجدوا لهذه الجهة فكان آدم عليه السلام الجهة المطلوبة في السجود وإذا كان الجهة المطلوبة في السجود كالكعبة حينما أصبحت جهة يقصدها كل ممكن فلا يتصور متصور أنه يعبد الكعبة لأنه يسجد إلى جهتها لينبهم على أن هذا الإنسان العظيم سيكون واسطة لكم لبلوغ الكمال وللوصول إلى المعارف ومن لم يأت من طريق آدم عليه السلام ومن طريق الأنبياء ليتوصل إلى الله سبحانه وتعالى سيصبح رجيما مطرودا من رحمة الله سبحانه وتعالى.
هذا كان خلاصة عما يتعلق بمسألة السجود المسألة الثانية التي قلنا نبينها في المقام هي مسألة الأسماء، ما المراد من الأسماء التي أشار تعالى إليها في كتابه المجيد حينما قال (وعلّم آدم الأسماء كلها)، أرجو التوجه إلى أمرين أساسيين في مسألة الأسماء ما المراد من الإسم؟ بمجرد أن نقول اسم ينتقل ذهننا إلى أن اسم يعني علي وجعفر و....، يذهب الإنسان إلى هذه الأسماء الاعتبارية التي نجعلها لنميز بها المسمى، هل المراد من كلمة الأسماء والإسم الوارد في المقام هي هذه الأمور أي الأسماء التي تميز شيئا وشخصا عن شيء وشخصٍ آخر نقول لابد أولاً وقبل كل شيء أن نتأمل في المراد من الإسم.
الإسم تارة بمعنى السمة والاسم تارة بمعنى السمو والعظمة أي الإسمين أريد في المقام ليكون سببا لعظم آدم عليه السلام بنظر سكان السماوات كالملائكة وبنظر الجن إلى أن آدم عليه السلام كان من خصائصه أنه علم الأسماء كلها وما كان هذا من شأن الملائكة على جلالة قدرهم وقربهم من الله تعالى فهل المراد من هذا الإسم هو اسم ليميز ملك، اسم نفسه عن ملك آخر كأن يقول مثلا آدم عليه السلام أنت سماك ربك جبرائيل وأنت سماك ربك عزرائيل وهكذا، أهذا كان مراد ليصبح آدم عليه السلام في الكون عظيما لأن الله أخبره إني وضعت أسماء لملائكتي فأخبرهم بأسماءهم، أهذا يكون سببا لعظم آدم عليه السلام لتقر الملائكة بعد ذلك بأنها كان من الواجب عليها أن تسجد لهذا المخلوق العظيم لأنه عرف أن هذا سماه ربه بعزرائيل وهذا بجبرائيل وهكذا؟
نقول كلا، ليس من المعقول أن يكون العظم كامناً فيها فالعظم يرجع إلى أحد أمرين أو كليهما معاً، الاسم من السمة والعلامة أو الاسم من السمو والعظمة هل يريد الله سبحانه وتعالى ليقول إن مواطن العظمة في العالم الأعلى فوق عالم الملائكة وهو عالم النور وهو عالم أم الكتاب وهو عالم الحق وعالم اللدن الإلهي لا يبلغه أحد حتى ولو كان ملكا مقربا إلا الإنسان الكامل والمعراج دليل على ذلك كما ورد أن رسول الله (ص) ليلة المعراج بعد أن وصل إلى سدرة المنتهى توقف جبرائيل عليه السلام وهو سفير الرحمن قال لو تقدمت أنملة لاحترقت فإذن للملائكة مع كل قربهم ورقيهم حد يصلون عنده فيقفون ولا يتمكنون أن يتجاوزوا ذلك المقام فالذي راح ليسير في أعماق عالم الحق والنور هو رسول الله (ص) حتى قال الإمام الصادق عليه السلام: كشف الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم سبعين ألف حجاب من النور، هذه الحجب النورانية ما كانت لتكشف لجبرائيل عليه السلام ما كانت لتكشف لأي مخلوق غير سيد الكائنات محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهل المراد من الاسماء كلها أي ما هو من شأن العظم في عالم الإمكان كل شيء كان من شأن العظم لا يتمكن أن يتوصل إليه ملك أو جن بدون واسطة الإنسان الكامل كآدم عليه السلام وعلى رأس الجميع سيد الكائنات محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإن قلنا المراد من الأسماء الإشارة إلى السمو والعظمة فالله سبحانه وتعالى يريد أن ينبه الخلائق طراً على أن هناك عالما فوق العوالم جميعا هذا العالم بعظمه ما توصل إليه الملائكة المقربون عليهم السلام مع كل قربهم ما تمكنوا أن يدركوا ذلك العالم الذي توصل إليه وأدركه وعلمناه إياه بكل أبعاده وخصوصياته وشؤونه هو الإنسان الكامل كآدم عليه السلام فإذا كان الإنسان الكامل هو في هذا المقام فكيف بحال إنسان عرج إلى الله سبحانه وتعالى في ليلة المعراج و كيف يكون قد علّم آدم عليه السلام الأسماء كلها فأين ما كان رسول الله (ص) من هذه الأسماء سنبين المراد من الأسماء هاهنا.
وتارة المراد من الأسماء التي علمها الله سبحانه وتعالى لآدم عليه السلام هي حقائق الأمور، علمه كل مصلحة ومفسدة في عالم الإمكان وعلمه كيف يتمكن الإنسان أن يتوصل إلى كل صلاح و أن يبتعد عن كل طلاح، علمه حقائق الأمور جواهر وأعراض الإنسان له جوهر ككونه إنسانا أي حيوانا ناطقا والإنسان له خصوصيات كثيرة أخرى منها أنه يكون مؤمنا وقد يكون غير مؤمن، منها أنه يكون كريما أو بخيلاً ، منها أنه قد يتصف بصفات الخير وقد يتصف بصفات الشر في المقام ولذا ورد عن علي عليه السلام: من عرف نفسه فقد عرف ربه فعرفه بُعد الإنسانية وما تحمل هذه الإنسانية من القيم (أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر) كما قال علي عليه السلام هذا الإنسان جامع لشتات عالم الامكان معجون عالم الإمكان جميعا، الله سبحانه وتعالى جمع في هذا الإنسان من كل عالم قدراً ومكانة فجعله خليطا لعالم الطبيعة وخليطا من عالم المثال والبرزخ و خليطا من عالم العقل والملائكة وخليطا من عالم النور واللدن فصار جوهرة تحمل جميع آيات الله سبحانه وتعالى على اختلافه ثم أراد منه الإتزان فمن إتزن كان أسوة ومن لم يتزن أخذ إفراطاً أو تفريطا كان خارجا عن منهج الحق ولو راح ليفرط في جانب العبادة زاهدا فإنه خارج عن منهج الحق فلا رهبانية في دين الإسلام.
فإذن هناك محتملات في الأسماء التي علمها الله سبحانه وتعالى آدم عليه السلام قبل أن ندخل في محتملات هذه الأسماء العديدة نتكلم عن شيء يقال بحسب اللغة العربية إذا كانت الكلمة جمع نحو إسم وأسماء،كل كلمة كانت جمعاً إذا دخلت عليها الألف واللام دلت على العموم المطلق وعلّم آدم الأسماء، جمعٌ دخلت عليه الألف واللام فصار جمعاً محلّى بالألف واللام بحسب اللغة العربية كل كلمة تجمع وتدخل عليها الألف واللام تدل على العموم والشمول لجميع الأفراد فما اكتفى الله سبحانه وتعالى بهذا القدر من العموم راح ليؤكده بكلمة الأسماء كلها، فيقينا تدل على الشمول وإذا كانت دالة على الشمول فلا مانع من أن يراد منه جميع ما هو من شأن السمو والعلو للعوالم الرفيعة عوالم النور واللدن ولعلها أيضا تكون شاملة لجميع الأسماء بمعنى السمة أي بمعنى العلامة.
الآن نأتي لنرى ما هي المحتملات في المقام بناء على أن المراد أيضا إضافة على السمو والعظمة أن الله سبحانه وتعالى علّم آدم الأسماء كلها أي علمه ما هو من شأن السمو والعظمة مطلقاً ما هو من شأن عالم أرفع فوق مرتبة الملائكة التي لا تتمكن أن تبلغ إليه الملائكة فما كانت الملائكة تتصور أن هناك عالما أرفع من عالمهم وهو عالم النور وعالم اللدن بحجبه النورية التي أشار إليها الإمام الصادق عليه السلام ، فالتفتت الملائكة أن هناك عالما يحيط بكل العوالم وهو عالم النور وهو فوق كل العوالم إضافة على تفسير الأسماء بعالم النور وعالم العظم التي هي فوق جميع العوالم .
نأتي لاحتمالات أخرى في المقام قال البعض أن المراد من الأسماء هاهنا أن آدم عليه السلام علمه الله تعالى أسماء جميع الملائكة فكانت الملائكة لا يعرف بعضها بعضا إلا بالشكل والظاهر فجاء ليبين لها على أن الله سبحانه وتعالى جعل لها أسماء قلنا الآن مجرد الإسم والتسمية لا يدل على العظم ، أنا وأنت حينما نضع أسماء لأبناءنا نضعه وضعا ارتجاليا شخص يريد أن يتبرك تيمناً بإسم رسول الله (ص) فيسمي ولده محمداً، وآخر يعجبه أن يسميه باسم بطل من أبطال الإسلام فيسمه فلان أو فلان وهذه تسمى أسماء ارتجالية يعني بدون مناسبة تسمى هذه الاسماء لا تحكي المسمى فقط تحكي تمييزا لشخصٍ عن شخص آخر، لكن هناك من يضع اسماً لعلاقة ذاتية تكوينية للمسمى، الله سبحانه وتعالى لا يسمي ملكا أو نبيا أو أي مخلوق إلا لرابطة حينما سمى سيد الكائنات محمدا صلى الله عليه وآله وسلم أراده مشيرا إلى الحمد والثناء والقرب الإلهي فما كان اسما ارتجاليا كما نسمي أبناءنا أريد من هذا الإسم الحكاية عن واقع الحمد والثناء على أنه ليس هناك من مخلوق قادر في عالم الإمكان طرا أن يقوم بواقع الحمد والثناء الإلهي كهذا المخلوق العظيم فالاسم كان حاكيا عن بعد واقع هذا المسمى في عالم الوجود فلعله نقول حينما جاء الله سبحانه وتعالى ليبين أسماء الأشياء لآدم عليه السلام جاء ليبين أن هذه الاسماء تحكي بعدهم في عالم الوجود أي أن كل اسم لملك كان يحكي أيعاد ذلك الملك ومرتبته فلما كشفها آدم عليه السلام للملائكة عرفت الملائكة منازلها عند الله سبحانه وتعالى بمراتب حقائق الأسماء فلا مانع من ذلك أن يكون من جملة ما يدل على عظم آدم عليه السلام أنه بين أسماء الأشياء لا ارتجالا بل بما تحكي بعد واقع المسمى وحده ومرتبته فكانت تلك الأسماء حينما علم بها الملائكة انكشفت لهم هويات ذواتهم ومراتب قربهم من الله سبحانه وتعالى هذا إحتمال في المقام والاحتمالات كثيرة .
والحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق