@ الإمام المهدي المنتظر المحاضرة رقم 4

المحاضرة الرابعة

قال رسول الله (ص) :}من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية{.

أقول : كان الكلام عما أورده البعض عن طول عمر المهدي (عج) و قد تقدمت بعض الكلمات في ذلك و بقي بعض الحديث نتكلم عنه في هذه الليلة .

فقد ورد حديث متفق عليه بين السنة و الشيعة عن رسول الله (ص) أنه قال : }من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية {

فلا ندري لو جئنا لنسأل من أهل الإنصاف و الوجدان هل أن من مات و لم يعرف معاوية بن أبي سفيان أو ابنه يزيد بن معاوية يكون قد مات ميتة جاهلية ؟

و هكذا الأمر بالنسبة إلى أكثر حكام بني أمية و بني العباس و العثمانيين و أغلب حكام المسلمين في العصر الحاضر فهل يرى المسلم المثقف اليوم أن من مات و لم يعرف هؤلاء يكون قد مات ميتة جاهلية ؟!

و إن كنت أعلم علم اليقين أن هناك الكثير من المنتسبين إلى التوحيد و شرع رسول الله (ص) بدوافع الأحقاد الطائفية يرى يزيد بن معاوية أمير المؤمنين و الحجاج بن يوسف الثقفي أميرا صالحا مفترى عليه ، فلا أقول في حق هؤلاء إلا أن يحشرهم الله I مع الحجاج و يزيد بن معاوية فإنهم ضالون مضلون أم هم كالأنعام بل أضل سبيلا أو لعلهم ممن يقول : قتل سيدنا يزيد سيدنا الحسين (ع) فالقاتل و المقتول و الظالم و المظلوم و سيد شباب أهل الجنة و ريحانة رسول الله (ص) و من قتل ريحانة رسول الله و هدم الكعبة و قتل الصحابة و استباح أعراضهم و أخذ الخلافة بالوراثة عندهم بمقاييس دينهم سيدان من سادات المسلمين فلهم يوم القيامة هذا القدر من الإدراك إن جمع الله تعالى الخلائق للحساب .

فهذا النحو من الفهم و النبوغ العقلي و الفهم الشرعي ليس غريبا على أتباع وعاظ السلاطين ، فكم لهم من نظير كما يحدثنا التأريخ أن أصحاب معاوية جاؤوا يوما لمعاوية معترضين عليه بأنه كيف نقاتل عليا و قد بلغنا عن رسول الله (ص) أنه قال لعمار : }يا عمار تقتلك الفئة الباغية{ و ها هو عمار يقاتل أهل الشام في صف علي ، فنحن إذن الفئة الباغية .

فقال لهم معاوية : لا تعجلوا فإن الرجل مغرر به و سيرجع إلى الحق و يستبصر و سترونه بعد أيام يترك عليا و يأتي و يقاتل معكم أهل العراق ، لكن حبل الكذب قصير فما مرت الأيام و الليالي حتى وقع عمار صريعا و هو يقاتل في صفوف أهل العراق مع علي (ع).

فوقعت ضجة في صفوف أهل الشام و كاد قتل عمار أن يوقع فتنة فيما بينهم فتدارك الأمر ماكر آخر و هو عمرو بن العاص فقال لمعاوية هوّن عليك فإني أجيب هؤلاء القوم .

فجمعهم و خطب فيهم قائلا: أيها الناس أنشدكم الله تعالى فأجيبوني هل نحن قتلنا عمارا أم قتله من غرر به و خدعه و جاء به ليجعله عرضة للسيوف فقاتل عمار هو علي لا أنتم .

فاستبصر عندها أهل الشام و عادوا إلى المعركة عندما تنوروا بنور هذا الصحابي الجليل .

فلا كلام لنا مع من كان أو يكون مبلغه من العلم و الإيمان و العقل هذا القدر فإن الخطاب معه لا يناسب شرف العقل فضلا عمن يرى نفسه مهتديا بهدى رسالة سيد الكائنات محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة و السلام .

و ليس لنا إلا أن نقول : اللهم إن كان هؤلاء جهالا فاهدهم فأنت أرحم الراحمين و إن كان الحقد على آل محمد (ص) أعمى أبصارهم و أصم آذانهم فطهر الأرض من دنسهم ليرى عبادك المستضعفون نور الهداية و معالم الشريعة و مناهج العقل فإن هؤلاء الضالون قد أضلوا كثيرا من عبادك فأضاعوا عليهم مقاييس الشرع و العقل معا .

فأعود و أقول ثانية لا أظن أن منصفا أنصف من نفسه و نظر بكنه عقله إلى الشريعة يرى أمثال يزيد و المتوكل العباسي مصداقا لقول رسول الله (ص) من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية و كيف من لم يعرف هؤلاء الطواغيت الجهال يموت ميتة جاهلية و هم رأس الجهل و الضلال .

و عندها فأقول : أين المصداق لحديث رسول الله (ص) طيلة القرون و أين الأئمة الذين من مات و لم يعرفهم مات ميتة جاهلية في كل زمان ؟

أمّا نحن الشيعة الإمامية الإثناعشرية ففي غنى عن تفسير هذا الحديث و البحث عن مصاديقه في كل زمان لأنه من بعد رحيل رسول الله (ص) إلى يومنا هذا ما خلي المذهب الشيعي من إمام زمان و لكن على بقية المذاهب الإسلامية أن يبحثوا ليجدوا تفسيرا لحديث رسول الله (ص) أو يستسلموا إلى الواقع بعد أكثر من أربعة عشر قرنا أو يغالطوا أنفسهم عصبية كما فعلوا ذلك في كثير من المواطن بالنسبة إلى الآيات و الروايات .

إرشاد و حكمة

قد ورد في كثير من الأحاديث عن الأئمة المعصومين عليهم أفضل الصلاة و السلام أنه } ليس من الحكمة و العقل أن يبقي الله تعالى الشيطان الذي يضل الناس و لا يبقى معه إماما يهديهم إلى الصراط المستقيم { أي كيف بحكمة الله عزوجل أن يبقى الشيطان مضلا للناس و يتركهم بلا ملجأ و إمام هدى يهتدون به للفرار من الظلمات و الضلالات إلى النور و الهداية .

تنبيه غافل

و قد ورد عن الإمام الصادق (ع) حينما قيل له عجبا من طول عمر مهديكم يبن رسول الله تعالى أنه أجاب قائلا } ليس العجب من طول عمره و إنما العجب من قصر أعماركم { حيث يشير بذلك إلى أن الناس لو عاشوا المعارف و اعتدلوا في مأكلهم و مشربهم و نومهم و يقظتهم و ابتعدوا عن مسالك الإفراط و التفريط باعتدال نفسي و بدني لعاشوا طويلا .

تسائل بعد إجلاء ظلمة

إن تركنا الكلام عن كل ما تقدم البحث عنه بالأمس أو اليوم لكان لنا أيضا أن نتسائل بعدما أصبحنا بعيدين عن محافل مقاص الرقاب قائلين بأن الإسلام دين الحرية و قد نادى بأعلى صوته مخاطبا البشرية فضلا عن المسلمين أنه > لا إكراه في الدين < فكيف جاز لمن يسمي نفسه مسلما طيلة هذه القرون أن يكره الناس على مذهب ارتآه صحيحا و لو كان على الفرض هو عند الله I كذلك و الحال أن الإسلام منعه من إكراه اليهود و النصارى إن لم نقل منعه من إكراه أي إنسان من قبول دين الإسلام .

و نقول أيضا بأي منطق و شرع يكون لأتباع الإمام أبي حنيفة أو مالك أو غيرهما حرية الرأي و يكون الإمام أبو حنيفة صاحب مذهب من مذاهب المسلمين و لا يكون الإمام علي عليه السلام أو غيره من بقية علماء آل محمد (ص) صاحب مذهب و يكون المتبع لعلي عليه السلام كافرا رافضيا و يكون المتبع لأحمد أو مالك تقيا نقيا ؟!

فالتكن بمنطق الحرية هذه كلها مذاهب إسلامية توصل إليها علماء المسلمين باجتهادهم و اتبعتهم العامة .

فلماذا يجوز اجتهاد أبي حنيفة و لا يجوز اجتهاد علي و الحسن و الحسين أو الصادق و الباقر و غيرهم من علماء آل محمد (ص).

فيا عجبا لمنطق السيف و أتباع بيعة الفلتات كيف وجدوا من اتبع عليا و آل البيت كافرا رافضيا ضالا و وجدوا من اتبع غيرهم هاديا مهديا متبعا لمذهب من المذاهب الإسلامية أو مؤسسا لمذهب و هي كلها مذاهب حدثت بعد عقود طويلة بعد وفاة رسول الله (ص).

فمع غض الطرف عن جميع الآيات و الروايات الدالة على كون علي عليه السلام وصيا لرسول الله (ص) نقول : لماذا لا تكون مذاهب متعددة في الإسلام كما أقررتم بالمذاهب الأربعة فيكون المذهب الخامس هو مذهب أهل البيت عليهم السلام ، و لمذا يكون الشيعي كافرا رافضيا طيلة القرون ثم بعد تجاوز زمن الإستبداد يحاول البعض في هذا العصر أن يلطف الجو ببعض التعابير فلماذا عاشت الأمة الإسلامية طيلة هذه القرون هذا التعتيم الإعلامي و لم تعِ حتى أمرا بسيطا بأن الحرية في الرأي و الاجتهاد لعلماء المسلمين يفسح المجال لأكابر علماء المسلمين و من أهمهم أهل البيت فيجعل لهم و لأتباعهم الحق بأن يكونوا أحد المذاهب الإسلامية كما فسح المجال لغيرهم فتكون مذاهب مختلفة توصل إليها علماء المسلمين باجتهاداتهم .

فإن زمن قطع الرقاب باسم الإسلام قد تولى الذي أسس عليه حكام المسلمين وعاظ السلاطين قوام مذهبهم و لتكن الأمة حرة لاختيارها أي مذهب من المذاهب الإسلامية و سوف يكون الحَكم الله تعالى يوم القيامة ، من هو المصيب أو المخطيء و من هو المحق و من هو المبطل ، حرية إن لم يتعلمها القوم من الإسلام و رفيع قيمه فلعلهم يتعلمونها من حضارة العصر إن وجودها أولى بالتبعية من حضارة الإسلام و سيرة رسول الله (ص) بعد أكثر من ألف و أربع مائة سنة و لكن لا أظن المكفرة أهلا لفهم أمر من أي أحد لأنهم لا يفهمون إلا منطق السيف و العصا و ليعلموا أن قانون الغابات أوشك أن يأكل عليه الدهر و يشرب حيث قد ولّى زمن إبادة الشعوب و خنق الحريات و لن يعود و على المكفرة أن يفيقوا من سباتهم فإن الزمن قد تجاوزهم و نحن نعيش أملا قويا بأن بوادر الحق بمشهد الطلعة البهية راح ليطل على ربوع الأرض لتشرق الأرض بنور ربها و يطوى سجل الظلمات و إن أجلسه الجهل على منابر النبيين و أعطاه سمعة الأبرار و الصالحين .

تشبّث رخيص

هجمة راحت لتستمر القرون يحاول البعض من خلالها التشنيع و التطبيل على أن الشيعة من شعارهم التقية و هي دجل و نفاق و لا أدري كيف تنقلب المقاييس في منطق الجهل أو القوة.

لكن نقول لا لهؤلاء بل لمن أراد ان يعرف الحق أولا أن هذه ملومة و نقد يتوجه على من دفعوا بالمسلمين ان يعيشوا حياة التقية التي لا محل لها إلا في ظروف الإستبداد و الفتك فكان على هؤلاء أن يسألوا أسيادهم من الحكام بأي كتاب أم بأية سنة جعلتم أتباع آل محمد (ص) يعيشون التقية حتى بلغ بهم الأمر أن تصبح التقية شعارا لهم ؟

و عندها يكون الجواب واضحا بأنكم لو كنتم بعلماءكم و قادتكم قد أعطيتم الناس و المسلمين حرية في مجال العقل و المذهب طيلة هذه القرون من بعد وفاة رسول الله (ص) ليومنا هذا و ما عشتم في نفق الإستبداد كل هذه العصور لما انساقت الأمة إلى اتخاذ مسالك التقية .

فعيش المسلمين حياة التقية من ظلمات تأريخكم و لعمري لا أدري كيف تعجبون من أنين المظلوم و لا تشاهدون سيوف الفراعنة الجبارين و لا تعجبون من فتكهم و طغيانهم الذي مارسوه على المسلمين باسم الدين .

فجعل المسلمين يعيشون التقية من قبل وعاظ السلاطين و حكامهم وصمة عار تندى لها جبين الإنسانية سيبقى على جبين المستبدين الذين جعلوا الأمة تعيش الخوف و الإضطهاد طيلة القرون باسم الله و شرعه و ليست وصمة عار على أتباع آل محمد(ص) الذين كانوا أقلية يقتلون و يفترى عليهم و تألب عليهم الأمة تحت شعار الروافض و الكفار.

و من المؤسف في هذا الزمان أن نسمع ممن يعتبر نفسه متحضراً من مثقفي العامة أن ينطق بما كان ينطق به وعاظ السلاطين و أن يورد على الشيعة ما تمليه عليه أقلام هؤلاء بدلا من أن يتقدم معتذرا من جرائم أسلافه و من سماهم من الطواغيت بخلفاء النبيين .

و يا عجبا من أمثال هؤلاء المتسارعين إلى النقد و التشنيع الذين أغمضوا الطرف بدافع الجهل أو الاحقاد عن ولاة أمرهم المستبدين الذين فرضوا حياة التقية على المسلمين بجورهم و ظلمهم و راحوا ليوردوا اللائمة على مظلوم دفعة الاستبداد إلى حياة التقية .

أجل هكذا تتبدل المقاييس و هكذا يحاول المغالطون أن يتركوا الظالم و ينقدوا المظلوم على أنينه أو صمته أو سكناه في الكهوف حينما يهرب من الجبارين.

فالذي ساق الشيعة إلى حياة التقية هو ما ساق أصحاب رسول الله (ص) إلى حياة التقية كعمار بن ياسر و غيره و هو الذي ساق من قبل ذلك الأنبياء و أتباعهم تحت ظل سطوة الجبارين كفرعون و النمرود و هامان إلى حياة التقية .

فيالله و منطق القوة منطق أبناء الدنيا و لست أدري كيف في هذا العصر من بعد ما وعى الكثير من مثقفي هذا العصر إلى ما كان عليه حكام المسلمين من الاستبداد و العنف و القسوة تحت شعار الدين يخرج البعض على بعض القنوات الفضائية متبجحا تعلوه البسمة و هو يقول : لا أدري كيف قبل الشيعة لأنفسهم مسلك التقية .

فأقول له و لأمثاله ما قاله الإمام الحسين (ع) لأصحاب عمر بن سعد } إن لم يكن لكم دين فكونوا أحراراً في دنياكم { و لتكن لكم الشجاعة التي تدفع بصاحبها و لو كان عمرو بن ود للاعتذار من فعلة أسلافه المستبدين.

و ها نحن اليوم لما انتهى زمن السيف و العدوان في بعض الديار الإسلامية جئنا نتكلم بمليء الفم عن معتقدنا و نطلب من أصحاب العلم الحوار على أسس الشرع القويم .

و أما من يريدها عصبية عمياء بجعل السلف مقياسا للشريعة بدلا من جعل الشريعة مقياسا للسلف فلا كلام لنا معه و قد قال رسول الله (ص): } اعرفوا الحق تعرفوا أهله { .

فالحق لا ينزل إلى أعتاب الرجال و رغباتهم و لا إلى منازل الاكثرية أو عروش السلاطين و لا أدري في أي زمان أو موضع مدح كتاب الله تعالى الأكثرية ليصبحوا ملاكا يقاس به الحق و يميز به عن الباطل.

و لو أن الشيعة قالوا ببطلان بقية المذاهب بعد اعتقادهم بالأوصياء لرسول الله 2و لزوم القضاء عليها لو أغمضنا الطرف عن لا إكراه في الدين و لزوم إحترام آراء الآخرين و حرية الفكر لكان لمقالتهم ما يمكن توجيهه و تأويله و لكن لا أدري كيف جاز لمذهب كالمذهب السني الذي لا يرى بعد النبي إمامة من قبل الله عزوجل و إنما هي إجتهادات علماء المسلمين و المذاهب تابعة لهذه الإجتهادات ما هو مستنده لصحة المذاهب الأربعة و بطلان مذهب يرجع إلى أهل بيت النبوة و يمكن أن يكون اجتهادا لعلماء آل محمد (ص) كبقية الإجتهادات التي أدت إلى تحقيق هذه المذاهب الأربعة .

و كيف جاز لأبناء هذه المذاهب تكفير الآخرين و هم ينتمون إلى مذهب كل علمائه من آل بيت الرسول (ص) و يا ليتهم توقفوا أيضا عند التكفير و لم يصدروا أحكامهم طيلة القرون بلزوم قتل من خرج عن هذه المذاهب الأربعة و ارتداده عن الإسلام و أنه رافضي كافر .

و كيف نعجب من التكفير و هي الدنيا و أحكام أبناءها التي نسبت يوما من الأيام الجنون و السحر و الكذب إلى سيد الكائنات محمد (ص) و حكمت عليه بالقتل حينما كان ضعيفا و جاءت لتتبرك بتراب أقدامه الشريفة و بماء وضوئه حينما أصبح فاتحا لمكة المكرمة .

و بالجملة فأي مانع أن يفهم كل ذي علم من الإسلام أمرا فتكون إجتهادات و مذاهب و كل يحترم الآخر ، فلماذا هذا الضيق في التفكير و كبت الحريات و روح الاستبداد و حضارة الجاهلية بعد صريح قوله تعالى لا إكراه في الدين.

و لماذا يخرج بعض أبناء الأمة الإسلامية على بعض القنوات الفضائية بدلا من الحوار البنّاء مندفعين بروح الأحقاد إلى الشتم و السبات بعيدين حتى عن روح أدب الإسلام فضلا عن مثله العليا و قيمه الرفيعة التي جعلت الإختلاف سببا للتعارف و الحركة نحو الأحسن لا وسيلة للتشنيع و السباب .

فلِم الخروج بمظاهر السخرية و هي خلاف الأدب و حرية الرأي و كرامة الإنسانية و لم يعجب البعض منا أو يسخرون إن قلنا إنّا أتباع آل محمد (ص) و على رأسهم علي بن أبي طالب الذي لا ينكر فضله و سابقته و عدله حتى أعدائه و هو و بقية من نتبع من آل محمد (ص) من العرب جميعا و لا يكون من حقنا أن نعجب من قوم نسبوا لنا أن مذهبنا من صنيعة الفرس في حين أنهم أتباع من ليسوا من العرب أئمة بحسب الغالب و رواة حتى أصبح أصحاب نيسابور و بخارى و بقية المدن الأعجمية من أعاظم رجالات دينهم .

و كيف يعجب منا قوم ويسخرون إن قلنا روى فلان عن فلان عن جعفر عن محمد عن علي عن الحسن أو الحسين عن علي بن أبي طالب عن رسول الله عليهم جميعا أفضل الصلاة و السلام .

و لا يحق لنا أن نعجب من قوم تركوا الصحابة أنصارا و مهاجرين و راحوا ليجعلوا راوية الإسلام أبا هريرة و هو القائل كما في الصحاح عند أهل السنة و الجماعة :جمعت من رسول الله (ص) وعائين فأما أحدهما فبثثته و أما الآخر فلو بحت به لقطع هذا البلعوم ) فترك نصف دين رسول الله (ص) الذي حمّل إياه بحسب مدعاه خوفا على بلعومه و لم لا يكون هذا الراوية متهما بالعمل بالتقية لحفظ نفسه كما يتهم القوم أتباع آل محمد بالتقية المفسرة طبقا لأهوائهم و رغباتهم .

و موقف هذا الراوية مع الخليفة الثاني و الرابع واضح فكان غير مرضي به عندهما و إنما قرّبه و جعله من أكابر الرواة معاوية بن أبي سفيان و لا ندري متى طرأ هذا الخوف على بلعومه فدفعه إلى عدم بث نصف ما حمّل من الشريعة فهل كان هذا الخوف و الخطر الحاكي عن الإستبداد في زمن الخلفاء الأربع أو في زمن معاوية فإن كان في زمن الأربعة الأول فهو إتهام منه لهم بالإستبداد و أن هناك من الشريعة ما يخالف مصالحهم و لذا دعى راوية الإسلام إلى الكتمان و إن كان في زمن معاوية و هو من مقربيه فلماذا ترك شرع الله تعالى حتى تولى معاوية مقاليد الأمور ؟!!!...

و أما استهزاء البعض منّا بطول العمر لصاحب الزمان فإنه لو كان أمرا مخالفا لنواميس الطبيعة فكم من خارق لنواميسها صرحت به الآيات كقوله تعالى : >يا نار كوني بردا و سلاما على إبراهيم.

فالنار التي هي محرقة بإرادة الحق تعالى و مشيئة ربانية أصبحت لمصلحة بردا و سلاما و هما صفتان لا تتناسبان مع النار بل بينهما كل التضاد .

و كذا ما حدث به الكتاب المجيد مما صدر على يد عيسى (ع) فإنه أيضا كان مخالفا لنواميس الطبيعة كأن يأتي بالطين و ينفخ فيه فيصبح طيرا باذن الله و هكذا إحياء الموتى و تكلمه في المهد و الكثير من مخالفات نواميس الطبيعة التي أشارت إليها الآيات و الروايات في مجالات مختلفة هي أشد مخالفة لنواميس الطبيعة مما تقول الشيعة به في طول عمر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف .

فلم يكون القول بهذا المخالف لنواميس الطبيعة الظاهرية مهزلة و سخرية عند قوم من أبناء العامة و الجماعة و إن كان كل مخالف مهزلة فاليبدؤوا بالسخرية بالكتاب و السنة المتحدثة عن هذه الخوارق ثم يثلثوا بأتباع آل محمد (ص).

و بالجملة : أي مانع بعد ورود الأحاديث في أن تكون هناك مصلحة ربانية في غيبة ولي الله الأعظم و كم تعبدنا في كثير من أمور لا نعرف المصلحة منها كما هو الشأن في أغلب العبادات من أنه لماذا كانت صلاة الصبح ركعتين و المغرب ثلاثا و البقية أربعة .

فإنا لما جزمنا أنها صادرة عن صادق أمين قبلناها فلماذا لا نقبل طول العمر الذي دلت عليه الأخبار و أشارت إلى ذلك الآيات في حق نوح عليه السلام و غيره من الأولياء و غيرهم .

فإذن لم يبق سبب للنقاش في مسألة طول عمر المهدي سوى الأحقاد المذهبية.

نعم غاية ما يمكن أن يقال : إنّ ما نعتقده من ولادته و طول عمره الشريف دلت عليه أحاديث الشيعة و إن من حق السنة أن يقولوا لم يرد ذلك في صحاح أحاديثنا فلسنا مكلفين بالإعتقاد به و لكن ذلك لا يكون مدعاة للسخرية من أمر معقول و قد دلت عليه السنن الإلهية حتى في حق غير أولياء الله تعالى .

فنحن بما نعتقد بما لدينا من الأدلة و هم على ما هم عليه و الأدب يستدعي عدم التخلق بخلق المستهزئين .

الإختفاء

قال بعض الأعلام : لو كان الإختفاء مخالفا للعقل كما يزعم البعض لما جاز أن يقع فيه تخصيص أو تقييد كما هو شأن الأمور العقلية فلا يصح أن يقال لا يجوز اجتماع النقيضين أو الضدين إلا في كذا مورد .

فلو كان الاختفاء من مخالفات العقل لما اختلف فيه الأمر بين الاختفاء القصير و الطويل و قد إختفى موسى (ع) عن قومه أربعين ليلة و هو حي يرزق و قد اختفى محمد (ص) عن قومه أيام الغار إلى وصوله إلى المدينة المنورة إن لم نجعل أيام الإنعزال في شعب أبي طالب من الاختفاء أيضا حيث كانت الإستفادة منه لكثير من المسلمين صعبة و بالأخص بعد هجرة المسلمين إلى الحبشة و كم من نبي عاش حياة طويلة في السجون منعزلا عن قومه و المؤمنين و هكذا الكثير من الأولياء و الصلحاء قضوا حياتهم في ظلمات السجون و عليه فلقائل أن يقول كما يزعم هؤلاء ما هي ثمرة إنسان يبقى في السجون عدة سنوات و قد يموت بعد ذلك فيها .

  فلهم أن يوردوا على ربهم أن هذا الاستتار و الاختفاء أمر غير صحيح فكيف صدرت منك يا إلهي هذه الأمور .

فلو كان الإنسان الموجود الذي لا نتمكن أن نستفيد منه فترة من الزمن مخالفا للعقل و لو كان خفائه لغاية إلهية لا نعرفها أو لوجود مانع من قبل البشر أنفسهم فليكن مثل هذه الموارد التي أشرنا إليها من مخالفات العقل أيضا و لا نظن القوم تطرقوا لمثل هذه الموارد سوى ما تكلمت به الشيعة في المقام لنفس ما تقدم من دوافع الأحقاد الطائفية .

و قال بعض الأعلام أيضا من الممكن أن نقول في مقابل من جاء ليدعي كلاما عقليا من أن الإختفاء غير معقول لأنه لا ثمرة فيه : بأن المنقذ البشري لغاية إلهية إضافة على كون اختفائه لمانع بشري و عند إرتفاع المانع حين إصلاح النفوس سيظهر ، إن الإختفاء كان أيضا لأجل أن يعيش المهدي حياة الأمم حتى يكون قريبا من حضاراتهم على اختلاف الحضارات و الآداب و العقليات و المسالك و الأديان ليصبح عند الظهور قريبا كل القرب من سبل تحقيق الإنقاذ العام و الإصلاح العالمي فإن من عايش كل هذه الحقائق كان عند الظهور أعرف الناس بما يصلح الناس .

مقدمات يجب الإلتفات إليها:

المقدمة الأولى : إن اللامتناهي على نحوين : اللامتناهي بالفعل و هو الله تعالى و هو الوجود الصرف الذي لا يحد بحد و لا يكيف بكيفية و لا يصور بصورة و لا يمكن أن يدرك بالمدارك لأي ممكن من الممكنات و لو كان الممكن سيد الكائنات محمدا (ص) و لم يدع موحد اللاتناهي الفعلي في حق أي ممكن من الممكنات لأنه من المحالات الأولية و النحو الثاني من اللامتناهي هو: اللاتناهي بحسب القابلية و الاستعداد أو العروج و الحركة نحو الغاية اللامتناهية و هي الله تعالى.

و أضرب لذلك أمثلة للتقريب الذهني فمثلا يقال : العدد قابل للإزدياد اللامتناهي فالواحد يمكن أن يضاف إليه واحد آخر فيصبح العدد إثنين و يضاف على المائة مائة أخرى و هكذا إلى ما لا نهاية له ، فالعدد يقبل الإزدياد اللامتناهي .

و كذلك الممكنات على اختلاف مراتبها و عوالمها من عالم الشهادة أو الغيب لما كانت مرتبطة بالمبدأ اللامتناهي فيضا و هي تسير نحو الغاية اللامتناهية أي نحو الحق تعالى كما تشير إلى ذلك الأدلة العقلية و الشرعية ( إنا لله و إنا إليه راجعون ) فيكون سيرها نحو الغايات غير المتناهية بلا تناهي الغاية .

و عندها نقول : لما كان الحق تعالى وجودا لا حد له ذاتا و صفة و فيضا لأن الفيض تابع للمفيض ، لكن كل غاية في عالم الإمكان لابد و أن تكون محدودة متناهية حسية كانت أو معنوية من أي مرتبة من مراتب عالم الغيب و ما دعى إمام المتقين عليا (ع) أن يتأوه من قلة الزاد هو زاد المتقين في سلوكهم إلى لا نهاية الحق لأنه هو المطلوب بالذات للأولياء و عباد الله المخلصين .

و إذا كانت الغاية الحقيقية هي الله تعالى اللامتناهي فلو سارت الكائنات باختلاف مراتب عروجها مليارات السنين أو الدهور لا يمكن أن تصل إلى تلك الغاية بل تبقى سالكة سبل ربها ، عارجة إليه .

و قد أشارت الأحاديث و دلت الآيات على أن القرآن المجيد يحمل بطونا سبعة و سبعين و هو تبيان لكل شيء ، لم يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها فهو الكتاب التدويني الذي يروى أحاديث الكتاب التكويني الإلهي اللامتناهي بلا تناهي فيض الله عزوجل و عروجه نحو الغاية اللامتناهية كما تقدم الآن .

و على رأس جميع الممكنات الذي هو كتاب الله الناطق و الكلمة التامة الإلهية محمد بن عبد الله 2فهو يساير الأيام الربوبية في كافة العوالم عروجا متواصلا و قد قال تعالى : > يسأله من في السماوات و الأرض كل يوم هو في شأن فلله تعالى الأيام الربوبية في كافة العوالم ، فللأرض يومها كما و أن للمنظومة الشمسية يومها و لكل مجرة أو عالم من عالم الشهادة إلى عالم الغيب مثالا و عقلا و نورا حتى قال الإمام الصادق (ع) بالنسبة إلى معراج الرسول (ص) }كشف الله تعالى لنبيه سبعين ألف حجاب من النور {من عالم العلم اللدني و هذه الحقيقة و هي الرسالة الخاتمية بما لها من البطون اللامتناهية قرآنا تشريعيا و تكوينيا لم تشرح ليومنا هذا لانقلاب الأمة على أعقابها بعد وفاة الرسول (ص).

و لا يمكن أن يترك الله تعالى رسالة محمد (ص) بما تحمل من لا تناهي العلم و الرشاد بلا مبين يشرح أبعادها و يثبّت مصداقية ما ورد فيها من خبر أو إدعاء و شرحها لابد أن يكون على يد منقذ البشرية ليتم العدل الإلهي بحكومة عدل تناسب كافة الطبقات عدلا على صعيد النظام الإسلامي و عدلا على صعيد المعارف و العلم اللامتناهي لأصحاب المعارف و طلاب العلم على اختلاف مراتبهم و مدارج عقولهم حتى تتحقق الغاية من بعثة الأنبياء عدلا عمليا و علميا لكل طالب عدل و يثبت ليوم المعاد أن حياة الظلمات و الجور كان مستندا طيلة القرون لإعراض الناس عن رسالات السماء.

و بالجملة شرح البطون اللامتناهية و إقامة العدل الإلهي على وجه الأرض لابد من تحقيقه على يد منقذ البشرية مهدي آل محمد (ص) لتتجلى بذلك الغاية من بعثة الأنبياء من آدم (ع) إلى الخاتم (ص).