الخميس، 10 مارس 2022

من الذي لا يجوز له أن يفسر القرآن

 من الذي لا يجوز له أن يفسر القرآن 

لسماحة الأستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني 

-----------------------------------------------------

ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله  تحذير خطير (من فسّر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار) فيجب علينا أن نكون حذرين حتى لا نكون من أمثال هؤلاء الذين يفسرون القرآن بالرأي ، وردت رواية أخرى (من فسر القرآن بغير علمٍ فليتبوء مقعده من النار) ما المراد من هذا؟

  • إذا قلنا من فسّر القرآن برأيه فليتبوء مقعده من النار أي من فسر القرآن بغير علم ، يعني جاهل و يريد أن يفسر القرآن ، فإن كان المراد الذي يريد أن يفسر القرآن برأيه أي من كان جاهلا يريد أن يفسير القرآن بذوقه ، بآراءه ، بما يفهم هو ، فليصبح من فسر القرآن برأيه أي من فسر القرآن وهو جاهل فليتبوء مقعده من النار ، لكن لعل هذا ليس مرادا ، لا يريد أن يقول أن الجهال الذين يفسرون القرآن فليتبوأ مقعدهم من النار ، ظاهر المقال أنه يقابل الشياطين و المنافقين و الماكرين ، يقابل أصحاب الدنيا الذين يريدون القرآن وسيلة لمقاصدهم أما الجهال فلا أظن بهذا الخطر الشديد يخاطبهم الرسول صلى الله عليه وآله  ، أيها الجهال الذين تفسرون القرآن.

  • نعم من فسر القرآن و لو كان جاهلا ليس من حقه أن يفسر القرآن و ارتكب جريمة و استحق عليها العقاب ، لكن الخطاب من الرسول أعظم من هذا ، فإذن ظاهر الكلام الكلامُ مع الشياطين ، علماء ، عارفين ، يريدون القرآن أداة لمقاصدهم و للوصول إلى مبتغاهم ، يفسرون الآيات على مذاقهم ، يفسر التقية بما يتخلص بها من الدين ، عارف على أن المراد من التقية ليس معناه ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ليس معناه السكوت عن الحق ، ليس معناه السكوت عن الظالمين ، لكن يعطيها قالباً دينيا يموه به على الآخرين ، فيجعل التقية آية مذلةٍ بدلا من أن تكون آية عقل لدى كل عاقل ، على أنه عند الأخطار إذا وجد الإنسان الخطر و أنه لو أقدم و بين الحق و ثبت عليه في موطن كان ضررا بلا شك ، هذا أمر فطري عقلي يراه كل عاقل ، فأولا نأتي ونقول الرأي هو التفكر ، التعقل ، فهل يريد الرسول صلى الله عليه وآله  أن يقول من فسر القرآن برأيه أي من فسر القرآن بعقله ، فليتبوء مقعده من النار ، هل يمكن هذا؟ نقول نعم يمكن لكن يجب الإلتفات إلى أمر ، من أصيب بالغرور و اعتقد أن العقل كاف لفهم القرآن بدون فهم بقية الأمور و الأسس التوحيدية يصبح كبعض الفلاسفة حينما جاء لهم الخطاب على أن الأنبياء يدعونكم إلى التوحيد ، المعارف ، إلى أن تكونوا تابعين للأنبياء ينسب إلى بعضهم أنه قال ما بعث الأنبياء إلا للجهال من الناس ونحن لا نحتاج إلى الأنبياء لأننا بعقولنا نتوصل إلى الله سبحانه وتعالى ، فلعل الرسول صلى الله عليه وآله  حينما قال من فسر القرآن برأيه يعني من أصيب بالعجب فظن العقل يكفيه للوصول إلى كل المعارف فهو من الجهال، العقل له موازينه بالعقل نعرف التوحيد ، بالعقل نعرف النبوة ، لو لا العقل لما وصلنا إلى وجوب متابعة الله و متابعة الأولياء ، فالأسس نستفيدها من القرآن لكن الكثير من التفاصيل و الأعمال في التوحيد ، في النبوة ، في الآخرة و الكثير من الموازين الأخرى في القضاء ، في القدر ، نحتاج إلى من يرشدنا إلى الصواب فيها و لو كنا نعرف أسسها إن كنا فطريين و لم نكن محجوبين.

  • فإذن الإحتمال الأول في المقام : نحمل المسئلة على معناها اللغوي من فسر القرآن برأيه أي بتفكراته ، و بآرائه و لو كان عقلية و ليست بجهل ولا بدوافع كبر ، الإستقلالية بالعقل لفهم القرآن المجيد بدون استناد إلى ما يكون معينا من قبل الرسول وأهل البيت و أمور أخرى ، من ظن عقله كافيا للوصول إلى كل شيء هو كأولئك الفلاسفة الذين ظنوا بعقلهم يتمكنون أن يتوصلوا إلى الحق بدون الأنبياء ، فإذن هذا هو الإحتمال الأول في مسئلة من فسر القرآن برأيه .

  • التبوء هو المكان ، فليتبوء يعني فلينتظر مكانه في النار ، المناسب له الذي سيقع فيه و المقام الذي سينزل به .

  • الإحتمال الثاني : الكثير من الناس يظن نفسه لمعرفته باللغة العربية لا يحتاج إلى أن يستعين بأحد ، فاستنكافا و استكبارا لا يسأل العلماء ، و لأنه يرى نفسه لنسب أو حسب أو جاه أو مقام هو من أهل العلم فيصاب بالجهل المركب فلعل المراد ، من فسر القرآن برأيه أمثال هؤلاء و لأنه يرى القرآن عربيا و هو عربي فإذن يفهم القرآن ، فلعل المراد من فسر القرآن برأيه فليتبوء مقعده من النار أمثال هؤلاء من ظنوا أن اللغة العربية تكفي و دفعتهم دوافع الكبر والغرور لجهة من الجهات فراحوا ليفسروا القرآن المجيد ،

  • الإحتمال الثالث: أن المراد من تفسير القرآن بالرأي سحب القرآن إلى مقاصده ، لا جهلا و لا غباوة كالمنافقين ، ككثير من العلماء الدجالين ، يحاول أن يعطي كل آية تفسير بآرائه و يجعل كل آية وكل رواية و كل شيء وسيلة لمبتغاه و دنياه ، فيجعل الكتاب المجيد بشيطنة و تحريف وسيلة لمقاصده فكأنه يعلم القرآن المجيد ، فالكثير من العلماء قالوا على أن المراد من تفسير القرآن بالرأي سحب القرآن وإعطائه تفاسير طبقا للمذهبية و لذا نجد الكثير من الناس على اختلاف المذاهب الإسلامية كلُ واحد يأتي للقرآن المجيد و يفسره و يرى نفسه مصيبا ، لأنه جعل الأصل مذهبه و يعطي كل آية عنوانا سواء كان من رجال الدين أو من غير رجال الدين السياسيين يأتي إلى القرآن ليجعل القرآن وسيلة لخدمة مقاصده و الوصول إلى دنياه ، فلعل هذا أيضا هو المراد هاهنا .

  • الرسول صلى الله عليه وآله  حينما يقول ستتبع هذه الأمة ما سارت عليه الأمم قبلها و ستسيرون على ما سارت عليه الأمم قبلها ، ما يتكلم احتمال و رجم بالغيب يتكلم شهودا لواقع يراه و علما يقينيا ، أبناء العامة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله  جعلوا الصحابة مجتهدين فأصبح جميع الصحابة بلا استثناء ، من آمن في أول الدعوة ومن آمن في آخر يوم ، و من دخل للإسلام خوفا ككثير من قريش ، كلهم أصبحوا مجتهدين في يوم واحد و الأمة انتهت لا منافق فيها و لا دجال كان في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله  الكفة الخطرة ، المنافقون ، بمجرد أن توفي الرسول و انتقل إلى جوار ربه أصبحت الأمة كلها خالصة لوجه الله ، انتهى النفاق بحمد الله من الأمة و انتهى الدجل والخيانة ، فلعل الرسول صلى الله عليه وآله  يريد أن يقول من فسر القرآن برأيه أي أيها الأمة أنتم مقبلون على إدعاءات و أباطيل ستدعون أن كل واحدا منكم مجتهدا ، هذا يقاتل هذا و كلٌ منهما على خير ، لأن الرسول صلى الله عليه وآله  قال المصيب له أجران والمخطئ له أجر ، و هؤلاء مجتهدون ، الحسين مجتهد و يزيد بن معاوية مجتهد فسيدنا يزيد قتل سيدنا الحسين ، و معاوية رجل مجتهد و علي مجتهد تحاربا و تقاتلا و قتلت آلاف الناس في المسئلة كلٌ منهما مجتهد ، علي عليه السلام  حسب الظاهر أكثر ايمانا و تقوى و الروايات تسنده أكثر وبحسب الظاهر كأن الروايات تقول على أن من قتل عمار بن ياسر هو معاوية لأنه من الفئة الباغية فإذن علي يحصل على درجتين يوم القيامة باجتهاده و معاوية على درجة واحدة لكن الله سبحانه وتعالى لا يضيع عمل معاوية ، لأن له أجر ، لأنه مجتهد فالأمة التي وصلت إلى هذا الحضيض في سقوطها الذي ما وصلت إليه حتى الأنعام و العجماوات هذه الأمة يريد الرسول صلى الله عليه وآله  أن يشير إليها و يقول أيتها الأمة من فسر القرآن برأيه ، هذا ليس باجتهاد ، لماذا الصحابة كلمهم مجتهدون واليوم المسلمون ليسوا كلهم مجتهدين ، المسلمون الآن كلهم على جميع طبقاتهم مجتهدون و للمجتهد المصيب أجران و لغيره أجر واحد ، مثل هذه الكلمات التي لا تنبأ إلا عن جهل و غباوة و تبعية يريد أن يشير إليها الرسول صلى الله عليه وآله  على أن الرأي لابد له من أسس ، الرأي لابد و أن يستند إلى علم ، لابد و أن يستند إلى براهين لابد و أن يستند إلى قيم ، فليس كل إنسان هو مجتهد فكيف يمكن أن نجعل الجميع مجتهدين ، عثمان مجتهد و أبوذر مجتهد ، عثمان رجل صالح و أبوذر رجل صالح و كل منهما كان مجتهدا يريد خدمة الإسلام ، مثل هذه الأباطيل لا يتكلم بها عاقل.

  • فإذن لعل الرسول صلى الله عليه وآله  يريد أن يقول إن الآراء التي ستأتي و كلها يدعى فيها على أنها آراء عقلية و مصيبة و اجتهادات و للمجتهد كذا و للمخطئ كذا هؤلاء فليتبوأ مقعدهم من النار ، لأن بهذا العمل تنسف قيمة العلم ، تنسف قيمة المعارف ، فتصبح ألعوبة بيد كل دجالٍ و ماكر كما أصبحت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله  المكرة الخونة الزنادقة كلهم أصبحوا مجتهدين و للمجتهد أجر و بررنا القضية وأضفنا لها القضاء والقدر الإلهي ، فلعل الرسول صلى الله عليه وآله  يقول من فسر القرآن برأيه كأمثال هؤلاء الذين يفسرون القرآن بأهوائهم و يدعون أن ذلك اجتهادا هؤلاء فليتبوءُ مقعدهم من النار وهذا ليس ببعيد لأن الرسول صلى الله عليه وآله  ينظر إلى أمته وما سترتكب هذه الأمة من جرائم و من انحراف و من تسليط المنافقين بعنوان المؤمنين و المتقين ثم يضيفون إلى كل ذلك أنهم يثابون على هذه الأمور ، الرسول يريد أن يحدد للأمة منهجا حتى لا يكون الاجتهاد ، اجتهاد كل من هب و دب و الحمد لله رب العالمين.

الأربعاء، 9 مارس 2022

ما ترثه الزوجة من زوجها

 ما ترثه الزوجة من زوجها 

لسماحة الأستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني 

----------------------------------------------------

فقد وردني سؤال من دولة الكويت من إحدى المؤمنات تسألني عما ترث الزوجة من زوجها بما فرض الله تعالى لها من ميراث بغض الطرف عما لو كان الزوج له وصية خاصة أو كانت عليه ديون فأقول في الجواب: إنما فرض الله تعالى فيما يتعلق بميراث الزوجة من زوجها فيه نص صريح في كتاب الله تعالى و لم يرجع الأمر فيه إلى اجتهاد الفقهاء أو الأخبار و الظنون حيث يقول تعالى في كتابه المجيد (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَٰجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ) أي ذكرا كان أو انثىۚ (فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِنۢ بَعْدِ وَصِيَّةٍۢ يُوصِينَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍۢ) بنص صريح في الكتاب المجيد أن الزوجة تملك الربع مما ترك زوجها واحدة كانت أو أربعة إذا لم يكن للزوج ذرية لا أولاد و لا بنات و تملك الزوجة واحدة كانت أو أربعة الثمن إذا كان للزوج ذرية من أولاد أو بنات و هذا حكمٌ إلهي لا خلاف فيه بين المسلمين ، كلُ ذلك شريطة ألا تكون وصية و هي لا تتعدى الثلث أو كانت على الزوج المتوفى ديون حيث يجب أن تستخرج أيضا هذه تقسيم التركة على الورثة وكلُ من يخالف ما أمر الله به تعالى فهو إما كافر إن كان ينكر ما أمر الله به تعالى وهو يدعي الإسلام أو فاسق إن كان لا يريد الإلتزام به بعد الإعتقاد بدين الله تعالى و من يخالف في تقسيم التركة و لو بدرهم واحدٍ فهو مأثوم و يجازى عليه يوم الدين و عليه فأنتِ أيتها الأخت المحترمة ترثين من جميع ما ترك المرحوم الثمن بعد إخراج الثلث إن كانت هناك وصية معتبرة و من بعد إخراج الديون أيضا ، و الأراضي في الإسلام بما هي هي لا تعتبر مملوكة لأحد إلا بالإحياء كالزراعة أو البناء و المرأة تملك منها جميعا بلا استثناء الربع أو الثمن حين وفاة زوجها كما تملك من جميع الدراهم سواء كانت مودوعة في البنوك أو كانت موجودة في مكان أو بيت و تملك من التركة ما كان منها منقولا أو غير منقول و لذا تملك المرأة البيت بتمامه أرضا مع المسقّفات لو ملّكها ذلك زوجها في حياته و ما ناقش أحد في ذلك قائلا إنما تملك المسقّفات دون الأرض أو أوصى لها بما يتعلق بثلثه بيتا من البيوت فهي تملك البيت بتمامه أرضا و بناءً و أما ما قيل من أن الزوجة لا تملك من الأراضي إلا بمقدار البناء والمسقفات فهو في موطن خاص حينما يكون الأمر فيه قد يسوق إلى خلافات بين الورثة و العوائل لا لعدم كون المرأة لا تملك مالية الأرض بل يجبُ لحسم النزاع العائلي أن يقدر ثمن الأرض إضافة على البناء للمرأة كما قال المرحوم الوالد وهو من أكابر علماء الشيعة وهو المرجع آية الله الشيخ محمد طاهر آل شبير الخاقاني بأن في مثل هذه المواطن لا يجوز رفع اليد كما هو نص قرآني من كون المرأة تملك الربع او الثمن بل المراد من ذلك أن تقدر المسقفات مع شرفية الأرض بمعنى أن تقيم و تثمن المسقفات مع ما للأرض من قيمة و يدفع للمرأة الثمن إذا أراد الورثة البيع و إلا كانت المرأة في مثل هذه المواطن تملك تمام الثمن أو الربع كاملا بمعنى أن يقدر البناء بما للأرض من قية و شرفية مالية فمثلا الأرض لو كانت في وسط العاصمة أو السوق فمن المسلّم تكون لها من السعر و الثمن غير التي تكون في قرية أو في مكان لا يُرغب فيه و هذا ما أقول به أيضا عملا بالعدل و التزاما بالقرآن المجيد حيث لا يجوز أن نتجاوز ما صرحت به الآيات لله سبحانه وتعالى لأي حديث أو خبر يتعارض مع الكتاب فالأصل المقدّم على الجميع التي تفسر به الأحاديث هو القرآن المجيد لا أن يصبح القرآن المجيد مهجورا و تابعاً للأخبار و لذا فسر المرحوم الوالد لما جاءت مثل هذه الأخبار بما تقدم بيانه من أن المراد أن المرأة تبقى مالكة لمالية الأرض كالمسقفات و إنما تقدر أثمان الأرض بما يناسب الأرض مكانة حتى لا نرفع اليد عن القرآن المجيد هدانا الله و إياكم إلى معرفة الحق و العمل به و أبعدنا عن الظلم و تفسير القرآن بتبع الهدى بعد نصوصه الواضحة في هذه الآية الشريفة أو غيرها كما و أنه قد حصلت مع كل الأسف لغير هذه الآيات الواضحات في المواريث تفاسير لآياتٍ أخرى بتبع الهوى و كلُ ذلك حينما أصبحت التفاسير و أصبح الفقه يفسر في بعض الأحيان بدوافع الذكورية حيث أعطت مثل هذه التفاسير الرجل الكثير من الحقوق و أهملت حقوق النساء أو ضيّعتها و كمثال على ذلك ما ورد في قوله تعالى (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) حيث جعل تعالى الحق بين الرجل و المرأة عدلا بالمعروف في حين أن الفقه الذكوري جعل للرجل الحق على المرأة بالمائة سبعين أو ثمانين درجة و أعطى للمراة بمقدار ثلاثين أو عشرين درجة خلافا لنصوصٍ واردة في الكتاب المجيد و لذا أقول على المسلم و المسلمة الرجوع إلى كتاب الله و جعله أصلا ترجع إليه الأخبار تفسيرا و فهما و ذلك هو سبيل الحق و الرشاد الذي لا ريب فيه.


محمد كاظم محمد طاهر آل شبير الخاقاني 


كيف تعيش الإعتدال في الدنيا

كيف تعيش الإعتدال في الدنيا
لسماحة الأستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني 

قال علي عليه السلام إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا و إعمل لأخراك كأنك تموت غدا ، إجعل موازنة عملك كأنك تعمل في الدنيا عمل المؤبدين و أنت تنظر إليها أنك ستودعها غداً ، هكذا موازنة أرادها علي عليه السلام لأهل البصائر لأهل المعارف ، لم يذهب للمعتقد بل قال إعمل ، يعني راح للواقع العملي الخارجي ، عملك أيها الإنسان المؤمن أن يكون باتزان ، إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا و إعمل لأخراك كأنك تموت غدا ، هذا في موطن العمل ، يعني أنت لا تقطع الرجاء من العمل إعمل هذا العمل إذا عملت بهذه الجامعية و بهذا الإعتدال سوف تعمل الأعمال الصالحة سوف تحسب حساب الآخرة و ما قال إبن على الدنيا أنها مخلدة و زائلة غدا ، المعتقد لا يمكن أن يجعله الإنسان تحت مثل هذه الضوابط ، هذه أفعال في مقام العمل يمكن أن نعمل هكذا ، أما في مقام المعتقد لا يمكن أن نفعل هكذا ، أعتقد أني باقٍ إلى الأبد وأعتقد أني غدا سأرتحل ، هذا لا يمكن ، هذا دونه العقلاء لا علي عليه السلام وهو إمام العقل.

فإذن كلام لعلي عليه السلام للإعتدال و كلُ واحد مهما كان من الغفلة يعرف أن الدنيا دار اختيار و اختبار و امتحان ، يعني فيها الخير و فيها الشر فيراد منك بعلمك أن تميز و بعزمك أن تعمل الخير هذه من واضحات الدنيا ، و الله سبحانه و تعالى و لو حكاية عن قول قائل لكن اعتبره صحيحا ، فقال ولا تنس نصيبك من الدنيا ، قلنا لك كن إنسانا متدينا لكن نصيبك من الدنيا لا تنساه سواء كان عملا لحياتك و كرامتك أو كان خيراً ، هناك أعمال لها رداها الفعلي تكن كاذبا في البيت فكيف تنتظر من إبنك و بنتك و زوجتك أن تكون صادقة ، يراك الطفل تكذب ، تغدر ، تحتال ، هذه ردودها طبيعية تكون على الإنسان وهلم جرا على كلٍ لا نريد أن نخرج من الموضوع .
و الأمر الذي يجب أن يلتفت إليه الإنسان و بكل دقة أيضا أن الله تعالى ما منع و ردع عن الدنيا ، قال إذا تعارضت الدنيا و الآخرة قدم غايات الآخرة  على غايات الدنيا ، إذا وقع التعارض و لم يقل إترك الدنيا للآخرة ، أو أترك الآخرة للدنيا ، لكن في أي مكان وجدت المعارضة ، الصدقُ دينك و الكذب مصلحتك ، تعارضتا ، هنا يقال لك كن إنسانا جيدا فإذن حينما تتعارض و في كثير من المواقع لا معارضة بين الطرفين يتمكن أن يكون من أبناء الدنيا وهو أيضا من أبناء الآخرة لكن لو تعارضت المصلحتان ، و الغايات فعليه أن لا يقدم الغاية الزائلة على الغاية الأبدية الباقية.