المحاضرة 11
كتبت من محاضرة صوتية ألقاها الشيخ في الكويت قبل سنين
في هذه المحاضرة ــ
تتميماً لبحث التقية ــ نتعرّض لبعض النصوص وبعض الأقوال والفتاوى، ونشير إشارة
مختصرة إلى بعض ما مرّ من الأحداث والمآسي التي مرّت باسم الإسلام على المسلمين.
فإنّ العارف من سار
ونظر إلى الأسباب؛ لأنّه بإصلاح الأسباب تصلح النتائج؛ حيث إنّ النتائج تابعة
لأسبابها.
فمثلاً يمرّ الإمام علي
(ع) ــ والقصة مشهورة، لكننا نستشهد بها في المقام ــ في سوق الكوفة في زمن خلافته
فيرى إنساناً يسأل في الطريق، فيقف متعجّباً، كيف يكون هناك سائل في حكم عدل! وأين
العدالة عن المجتمع حتى يبقى الإنسان تحت ظل ونظام الإسلام يستجدي في الشارع؟
فيأتي الإمام (ع) إلى ذلك السائل فيقول لـه: لِمَ تسأل؟ فقال: يا أمير المؤمنين،
لا شيء عندي، فدعتني الحاجة إلى السؤال، فيقول لـه: أمسلمٌ أنت؟ قال: كلاّ، إنّما
أنا من أهل الكتاب، قال: الآن احضروا لي الخازن لبيت مال المسلمين، فأحضر الخازن
على ملأٍ من المسلمين، فقال لـه: لماذا يسأل هذا؟ ولماذا لم تُسَد حاجته؟ فأراد أن
يعتذر بأنّه من أهل الكتاب، فقال لـه (ع) : حينما كان قادراً متمكّناً أما أخذتم
منه الجزية؟ قال: نعم، قال: كيف تأخذون منه الجزية حين مقدرته وتتركونه يستجدي في
الطرقات حين عجزه؟ أما والله إن رأيت بعد اليوم مسلماً أو كتابياً أو أي إنسان
يستجدي في الشارع أقمتُ عليك حدّ الله.
فتقام الحدود على
المسبِّب، فيؤدّب من سبب حادثة أو انحرافاً، فإذا صدرت حوادث أو انحرافات تخالف
العفّة، فعلينا أن نسأل عن أسبابها، ولا نتّبع الشاب أولاً، فكم من شاب نزيه لكن
لأسباب وعصبيات من الكبار منع من فتاة تريده ويريدها على شريعة الإسلام، فننسى ما
يرتكبه الكبار.
فالمصلّي والشيخ الكبير
يرتكبه عصبية وجهلاً ونسرع إلى شباب أو فتاة ساقها الكبار لعصبية أو لجهل إلى عملٍ
قبيح.
وهذا هو الإسلام، يقول:
( المؤمن كفؤ المؤمنة) ([1][1]) فالكفاءة لا ننسى أنها
كفاءة إسلامية شرعية، ولا يراد منها أن يكون الشخص من طائفة معينة أو شخصية معينة،
فإذا كان مؤمناً وكانت مؤمنة فيقول الرسول (ص) : ( من جاءكم ترضون دينه وخلقه
فزوّجوه) ([2][2]) .
فالإسلام قانون مترابط،
إذا صلحت جوانبه جميعاً ساد المجتمع الخير والبركات والمودة والحنان، وتمكّنوا ــ
من قاعدة سليمة ــ أن ينشروا الإسلام إلى العالم كافة، أما إذا كان كلّ واحدٍ منّا
يحرّف الشريعة على قدرٍ ما قولاً أو عملاً، وهو شأن الكثير من المتسلّطين، كما هو
في تاريخ بني أمية وبني العباس وغيرهم.
وتارة أنا وأنت نحرّف
الشريعة بقدرٍ ما ولو في بيوتنا، ثم نتعجب ممّا يحدث من نتيجة تلك الأسباب،
فالأخطاء لا أقول إنها خصّت طائفة ومذهباً من المذاهب، بل هي عامة لكلّ المذاهب
السنّية، ولكلّ المذاهب الشيعية أيضاً، والتطبيق من حيث العمل، فلا يتصوّر الشيعي
أنّه يشايع
علياً (ع) ، بل الشيعي من ساير علياً (ع) قولاً وفعلاً، وها نحن لا نتفق فيما بيننا، ويطعن بعضنا بعضاً، فيتّهم بعضنا بعضاً، ويتعدّى بعضنا على بعض، ويدعونا الجهل أو الحسد فنعيش متشاحنين، يتكلّم بعضنا على البعض الآخر.
علياً (ع) ، بل الشيعي من ساير علياً (ع) قولاً وفعلاً، وها نحن لا نتفق فيما بيننا، ويطعن بعضنا بعضاً، فيتّهم بعضنا بعضاً، ويتعدّى بعضنا على بعض، ويدعونا الجهل أو الحسد فنعيش متشاحنين، يتكلّم بعضنا على البعض الآخر.
فإذن: نقول: نسي إخواننا
أبناء السنة الأسباب وبدأوا يسألون عن المسبّبات، فنسوا سيف جائرٍ وغدر إنسانٍ
تجاوز على كل القيم باسم الدين، وراح باسم الدين يرتكب المجازر ويقتل النفوس
ويتعدّى على كلّ ما جاء به الرسول (ص) وهو يصيح: وادنياه، حتى وصل الحال أنّ من
اتّبع باب مدينة العلم ومن هو هارون هذه الأمّة، ومن اتبع سيّدي شباب أهل الجنة،
ومن اتّبع أهل البيت يعبّر عنه بالرافضي،
والخارج عن الدين، ويهدر دمه، فكم من دم بريء قد أهدر! وكم من عرض قد هتك! وكم من
مالٍ قد هدر! وكم من جريمة قد
ارتكبت بأسماء شتّى على طول التاريخ الإسلامي! وليس اللوم على عامة الناس من أبناء
السنة والجماعة، وإنما اللوم على علمائهم الذين يعرفون الحقيقة، فعليهم أن يعتذروا
منّا؛ لأنّهم بدؤونا، ونسبوا إلينا
الكفر والارتداد.
ولو تنزّلنا وقلنا: إنّ
علياً (ع) هو أحد العلماء، فليكن عالماً من العلماء، كما كان الخليفة الأول
والثاني والثالث، ولا يقلّ عليّ (ع) عن مالك والشافعي و ... ، فلماذا يكون لأولئك
الحرية والمجال ليتكلّموا بآرائهم، وأن يكتبوا في قاموس المذاهب الإسلامية، ولا
يجوز لإنسان أخذ دينه من
علي (ع) ، وأخذ تفسير الشريعة عن علي والحسن والحسين ؟
علي (ع) ، وأخذ تفسير الشريعة عن علي والحسن والحسين ؟
فعلى المرء أن يكون
مسلماً، ولكن بأيّ قانون، وبأيّ ملاكٍ جوّز أبناء السنة أن يكون من اتّبع زيداً
وعمراً مسلماً مؤمناً تقبل شهادته، ولا يخرج من المسالك الإسلامية؟ ومن قال: إنّه
يتبع أهل بيت الرسالة يكون كافراً؟
يَنقل جمال الدين
القاسمي عن الإمام مرتضى اليماني في كتابه ( إيثار الحق على الخلق) ما نَصُّه: (
وزاد الحق غموضاً وخفاء أمران: أحدهما خوف العارفين مع قلّتهم من علماء السوء) ،
وهذا الكلام يبيّن: أن هناك علماء سوء ينظرون إلى أيدي السلاطين، ( وسلاطين الجور،
وشياطين الخلق، مع جواز التقية عند ذلك بنص القرآن وإجماع أهل الإسلام، وما زال
الخوف مانعاً من إظهار الحق، ولا برح المحقّ عدوّاً لأكثر الخلق، وقد صحّ عن أبي
هريرة أنّه قال في ذلك العصر الأول: حفظت من رسول
الله (ص) وعائين: أما أحدهما فبثثته بين الناس، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم) .
الله (ص) وعائين: أما أحدهما فبثثته بين الناس، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم) .
هذا هو حال راوٍ سني
يؤيّد الحكام، فما هو حال من روى عن
علي (ع) ؟!
علي (ع) ؟!
نعم، يصبح المخالف
للحكام رافضياً مرتدّاً خارجاً عن الشريعة بمنظار ولاة المسلمين.
قال المراغي في تفسير
قولـه تعالى: { من كفر بالله من بعد إيمانه إلاّ من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} ([4][4]) قال: ويدخل في ذلك
مداراة الكفرة والظلمة والفسقة([5][5]) .
إذن: ليس تعميم حكم
التقية إلى الكفرة والظلمة والفسقة مختصّاً بعلماء الشيعة فقط، ويقولون: تجوز إلانة
الكلام مع الحكام والتبسّم في وجوههم.
فلا أتصوّر أنّ الشيعة
وصل بهم الحال أن يتبسّموا في وجوه الظلمة، فهم
يجوّزون حتى التبسّم والإلانة، ونحن نقول: نكفّ ونبتعد عنهم؛ خوفاً من شرّهم، وسفك
دمائنا، وبذل المال لهم لكفّ أذاهم، وصيانة العرض منهم.
ونضرب أمثلة تاريخية
للظروف التي حقّقت التقية:
فمن جملتها: ما روى أبو
الحسن علي بن محمّد بن أبي سيف المدائني في كتاب ( الأحداث) ، قال: كتب معاوية
(خال المسلمين وكاتب الوحي الذي أخذ يطالب بدم عثمان) نسخة واحدة إلى عماله بعد
عام الجماعة: ألا برئت الذمّة (يعني يُقتل وتصادر أمواله، ويستباح دمه، وأنت عليك
أن تفسّر بعد ذلك) ممّن روى حديثاً في مناقب علي بن أبي طالب، أو فضائل أهل بيته،
وقد أحلّ بنفسه العقوبة([6][6]) .
أنظر: كيف عمّم
المسألة، ولنفرض ــ وفرض المحال ليس بمحال ــ أنّ معاوية اجتهد فأخطأ في حق علي
(ع) ، ولا تزر وازرة وزر أخرى، فكيف جوّز لنفسه أن يعدّي الحكم من علي (ع) إلى أهل
بيته وأبنائه ؟!
فعلى المؤمن أن يتوجّه
إلى: إنّ من المؤسف أن يصل أمرنا كمسلمين إلى أن نحتاج لإقامة الدليل إلى ما فعل
معاوية في مثل هذا الزمن وهو مكشوف الهوية مكراً وخروجاً عن منهج الحق ورئيس الفئة
الباغية، كما وأنّه من المؤسف أن يقف الواقف، فيقول: الآن نهارٌ، في حين أن الكل
يعرف أنّه نهار، فلا تقام البيّنات في البديهيّات، فخروج معاوية عن المسلك الإلهي
بديهي لا غبار عليه، وقد ورد أنّ أحد
الكتّاب جاء إلى بعض البلاد الإسلامية وكان يكتب في تاريخ الإسلام، فلما نزل في
المطار وإذا بحشدٍ من الصحفيّين وقفوا يسألونه بعض الأسئلة، حتى جاء الدور إلى رجل
قال لـه: أسألك، أعلي بن أبي طالب أفضل أم معاوية؟ فأجاب الصحفيين جميعاً، وترك هذا السائل، ثمّ انتقل
الكاتب إلى الفندق، فتبعه الصحفي وسأله مرّة ثانية: إنّك أجبت الجميع ولم تجبني!
فسكت عنه مرة ثانية، حتى انتهى ذلك اليوم، وصار اليوم الثاني واجتمع الصحفيون،
فكرّر سؤاله مرة ثالثة، فنظر إليه متعجّباً مستهزئاً، فقال لـه: كنت مستعدّاً إذا
دخلت البلاد الإسلامية أن اُسأل: أمحمّد (ص) أفضل أم علي (ع) ؟ وأردت أن أجيب:
بأنه أقرّ
علي (ع) بمتابعته لمحمد (ص) ، وقال: علمني رسول الله (ص) ، وبهذا يثبت أنّ محمداً (ص) أفضل من علي (ع) بلا شكّ ولا ريب، وما كنت أظن أنّ الانحطاط في البلاد الإسلامية يصل إلى مرحلة أن يسألني السائل: أعلي (ع) أفضل أم معاوية الماكر الجائر؟ فلذا ما كان لك جواب عندي، فيجاب من يكون لـه قابلية وفي مورد يكون محلّ ردٍّ وقبول. أما من يسأل مثل هذه الأسئلة فلا جواب لـه عندي، فإنّا عندما نسمع مثل ذلك عن باحث غير مسلم نأسف على ما جرى على طول التاريخ باسم الإسلام، فإنها أحداث مرّت ومأساة تحقّقت، وكان على السنة أن يعتبروا من مثل هذه الأعمال، كما علينا إذا رأينا شيئاً يصدر من الشيعة يتنافى وسيرة علي (ع) أن نستنكر ذلك؛ لأنّ السكوت على الخطأ يفتح باب الأخطاء.
علي (ع) بمتابعته لمحمد (ص) ، وقال: علمني رسول الله (ص) ، وبهذا يثبت أنّ محمداً (ص) أفضل من علي (ع) بلا شكّ ولا ريب، وما كنت أظن أنّ الانحطاط في البلاد الإسلامية يصل إلى مرحلة أن يسألني السائل: أعلي (ع) أفضل أم معاوية الماكر الجائر؟ فلذا ما كان لك جواب عندي، فيجاب من يكون لـه قابلية وفي مورد يكون محلّ ردٍّ وقبول. أما من يسأل مثل هذه الأسئلة فلا جواب لـه عندي، فإنّا عندما نسمع مثل ذلك عن باحث غير مسلم نأسف على ما جرى على طول التاريخ باسم الإسلام، فإنها أحداث مرّت ومأساة تحقّقت، وكان على السنة أن يعتبروا من مثل هذه الأعمال، كما علينا إذا رأينا شيئاً يصدر من الشيعة يتنافى وسيرة علي (ع) أن نستنكر ذلك؛ لأنّ السكوت على الخطأ يفتح باب الأخطاء.
نعم، قال معاوية: برئت
الذمّة ممّن روى حديثاً في مناقب علي بن أبي طالب، أو فضائل أهل بيته.
ولا ننسى: أن الكثير من
الخطباء والشعراء والفقهاء على طول التاريخ مدحوا الحكام؛ طلباً للدنيا والدراهم،
ولو جلست مع المادح واطمأن لك لقال: إنّ مَن مدحه هو فرعون هذه الأمة، فإن قلت
لـه: أيها الشاعر والفقيه أو الخطيب، لماذا تصعد المنبر وتمدح؟ فإنه يقول لك: إذا
لم نصنع ولم نفعل ذلك لما تمكّنا أن نعيش، هذا إذا أراد أن لا يمكر، وأن لايتظاهر
بخلاف الواقع، وإلاّ فقد يتدرّع بدرع التقية أو بتفسير الكتاب والسنة طبقاً لهواه،
ويقول لك: هذا من شرع الله تعالى.
فهذا هو معنى التقية،
فإنها تشرّع عند الخطر، فيجوز ذلك أمام الطاغية أن تشرب كأساً من الماء مثلاً، ولا
يجوز لك أن تشرب الكأس الثاني، فالأول دفعت به الخطر، فكان جائزاً لك عندما كنت
مجبراً على ذلك، لكن أن تجلس أكثر وتشرب الشاي، وتأكل، وتتكلّم معه، وتتبسّم؛ لجلب
مرضاته لكي يتقبّلك، وتدخل في قلبه، وتبقى معه للغذاء، فهذا كلّه نفاق على حساب
الدين.
ومن باب الفرض: لو دعا
الحجّاج بن يوسف الثقفي شخصا، وكان يعلم: أنّ
الحجّاج لو علم أنه من أتباع علي (ع) يضرب عنقه و... ، أيجوز لـه أن يتكلّم بكلام
التورية، فيما لو سأله: كم هم الخلفاء الراشدون؟ فيقول: أربعة أربعة أربعة،
فيتخلّص بهذا الكلام، وإن لم يكن لـه باب التورية مفتوحاً، فيجوز لـه أن يقول: إنّ
خلفاء الرسول (ص) الذين حكموا المدينة المنورة هم أربعة: فلان و ... ، وإن كان هذا
على خلاف معتقد الشيعة، لكن عند الخوف يجوز لك ذلك.
والآن نحن بصدد ذكر بعض
الوقائع التأريخية حتى يعلم السنّي أننا ما استعملنا التقية لا مجاراة ولا ليناً
ولا ضعفاً، وإنّما استعملناها لكي لا يباد جمع التشيّع.
يسأل شريح القاضي ابن
مرجانة ويستفتيه في قتل الحسين (ع) ، وهو عالم، والعالم تصل به الحالـة أن يخدع
نفسه ويخدع المجتمع، ويظن أنّه نجا من { وقفوهم إنّهم مسؤولون} ([8][8]) فجاءه ابن مرجانة يستفتيه
في قتل
الحسين (ع) حتى تكون المجزرة مجزرة شرعية بفتوى عالم عاشر الخلفاء، فقال شريح: من قام على إمام زمانه دمه مهدور يُقتل بسيف رسول
الله (ص) ([9][9]) .
الحسين (ع) حتى تكون المجزرة مجزرة شرعية بفتوى عالم عاشر الخلفاء، فقال شريح: من قام على إمام زمانه دمه مهدور يُقتل بسيف رسول
الله (ص) ([9][9]) .
نعم، لا شك ولا ريب،
لكن هذا كلام حقٍّ يراد به باطل، فمن قام على إمام زمانه يقيناً يجب قتله، لكن مَن
هو إمام الزمان؟ فالكلام في المصداق، فهل هو يزيد بن معاوية ابن الطلقاء، الذي جاء لا بشورى
ولا بأيّ شيء، وارتكب ما ارتكب من المجازر، كواقعة الحرّة، وضرب الكعبة بالمنجنيق،
وقتل الحسين (ع) ؟
فيغضّ النظر عن كونه
تسلّط على رقاب المسلمين بلا قانون ولا حجة ولا شورى، ويكتب الرجل ويظن بأنّ ذمّته
برئت يوم القيامة، فأخذها ابن مرجانة وجاء بها إلى الجيش، والجيش بين جاهلٍ وبين
من يتجاهل، وهذا يعبّر عنه بتشويه المصاديق، فبعد
كون الحسين (ع) هو إمام الزمان المفترض الطاعة لكن
بظاهر فتوى شريح يكون يزيد هو إمام الزمان، بحسب ظاهر هذا الحديث، ثم تأتي القاعدة
الكلية وهي: من قام على إمام زمانه يقتل بسيف رسول الله (ص) .
هكذا لعب المتلاعبون ــ
من حاكم، وعالم، وخطيب، وشاعر ــ بالمقاييس الإسلامية.
نعم، قام الخطباء في كل
مكان يلعنون علياً (ع) ، ويتبرّؤون منه ومن أهل بيته؛
مرضاةً للجبابرة، فاستعمل معاوية على الكوفة زياد بن
سمية، وضمّ إليه البصرة، فكان يتّبع الشيعة وهو (أي زياد) عارف بهم؛ لأنه كان من
أصحاب علي (ع) ، ولـه رسائل كتبها إلى معاوية وهاجمه هجوماً شديداً وفسّقه، لكن
لما جاءت الدنيا ورأى أنّ العيش الهنيء يكون مع معاوية تغيّر تغيّراً كاملاً، وصار
سبعاً ضارياً، يتعدّى على المؤمنين والصالحين، فقتلهم تحت كل حجر ومدر، وأخافهم،
وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وشرّدهم عن العراق.
وهذا التاريخ تاريخ
سنّي، وليس بشيعي.
وكتب معاوية إلى عماله
في جميع الآفاق: ألاّ تجيزوا لأحدٍ من شيعة علي بن أبي طالب ولا من أهل بيته ولا
من أهل ولايته ــ الذين يروون فضله، ويتحدثون بمناقبه ــ شهادة([10][10]) .
وهذا هو الحكم الثاني،
وقد ضربنا مثالاً بمعاوية، وإلاّ فالتاريخ مليء بإخوان معاوية، كبني أمية، وبني العباس،
وأما العصر الحالي فأنتم أعرف به من كلّ أحد.
ثم كتب إليهم: وانظروا
من قامت عليه البيّنة أنه يحبّ علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان (يعني اقطعوا
عطاياه)، ومن اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوا به، (يعني لا يحتاج الأمر إلى
إقامة بيّنة، بل حتى لو كان بالتهمة والظنة، ولا ريب أنّ الكثير من الناس لو عرف
أنه إذا رفع تقريراً على أحد سوف يقرّب لدى الحاكم، فيفعل ذلك، فما بالك بمن رسمه
الإعلام بأنه رافضي مرتد كافر) .
ثم ازداد الأمر سوءاً
بعد مقتل الحسين (ع) حينما ولي عبد الملك بن مروان الأمر، فاشتدّ على الشيعة،
وولّى عليهم الحجاج بن يوسف الثقفي، فجاء الحجّاج ــ بزعم البعض ــ ليطبّق شريعة
رسول الله (ص) بأمر أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان.
هكذا تمثّل شريعة رسول
الله على أيدي أمثال عبد الملك والحجاج، في حين أنّ رسول الله (ص) يقول مخاطباً
قريشاً: اذهبوا فأنتم الطلقاء، على الرغم مما ارتكبت قريش في حقّه، وإذا به يرسم
نهجه المثالي في الحرية والعفو أمثال الحجاج من الولاة!
ثم راح الرسول (ص)
يخاطب القوم قائلاً: ما تظنّون أني صانع بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، فقال
لهم: أنتم الطلقاء.
وضرب أروع الأمثلة في
العفو حينما قال: ومن دخل بيت أبي سفيان كان آمناً.
وعفا علي (ع) كذلك
حينما فتح البصرة.
وهكذا استمرّ تتبع
الشيعة وقتلهم واتهامهم بالرفض للشريعة في زمن الأمويين والعباسيين والعثمانيين،
فكيف تُنسى الأسباب التي دعت الشيعة إلى التقية، ويكف أبناء السنة عن النقد لما
حدث على الإسلام من كبت الحرّيات، ومنع إبراز العقيدة التي ترجع إلى ما يراه أهل
البيت من علي وأولاده
الطاهرين الذين هم باب مدينة العلم النبوي، ويذهبون لتوجيه النقد على الشيعة بأنّ
من مسلك الشيعة العمل بالتقية، ويفسّرون بأهوائهم التقية بالنفاق، وكأن الكثير من
أبناء السنة ما مرّت عليه الآيات، وما سمع معنى التقية في الكتاب والسنّة، فجاء
عارفهم ليتلاعب بالأمر، وجاء جاهلهم
ليخلط بين التقية والنفاق؟!
نعم، ليست التقية حكماً
عامّاً لكلّ أحد، فقد يكون الشخص في مواقع التقية ولا يجوز لـه أن يستعمل التقية.
فمثلاً: لو أمرت بأن
تقتل بريئاً وأنت تعلم أنه ليس مهدور الدم، فلا يجوز لك أن تقول: إنّ نفسي معرّضة
للخطر، فأستعمل التقية؛ حفظاً لدمي، فأقتل بريئاً، فكما وأن دمك لـه حرمة كذلك
لدماء الآخرين أيضاً حرمة، فلا تقية في الدماء.
وأيضاً ربما لا يجوز
العمل بالتقية لو كان المسلم بمكانة بمنظار عامة المسلمين يرسم بسكوته اومجاراته
شرع الله تعالى فانه يجب عليه بيان الحق ولو عرض بنفسه للأخطار حتى لا تندرس شريعة
السماء , كما كان الامر بالنسبة الى الامام الحسين في عهد يزيد بن معاوية لان
لكلمة الحق في عصر يزيد شارب الخمر جهارا الأثر الكبير بخلاف عصر الامام الحسن
ومعاوية المتظاهر بالتقوى والمعروف كما يدعي بكاتب الوحي عند بسطاء المسلمين الذين
لا يعرفون عن الاسلام إلا الظواهر وإن كان معاوية من المؤلفة قلوبهم, لكن يعدّه
الجاهلون من صحابة رسول الله (ص) ،
والحسن (ع) من الطبقة الثانية، فهذه هي المقاييس الباطلة القبلية، ولم يكن المقياس عندهم { إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم} ([12][12]) .
والحسن (ع) من الطبقة الثانية، فهذه هي المقاييس الباطلة القبلية، ولم يكن المقياس عندهم { إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم} ([12][12]) .
لكن لما جاء دور الإمام
الحسين (ع) لم يختلط الأمر على الناس عامّة: شيعة، وسنّة، فلا يمكن أن يتصور أحد
أنّ الحسين (ع) بمنزلة يزيد بن معاوية تقوىً وإيماناً، فكان (ع) يرسم ــ بخطاه
المقدّسة ــ الإسلام للمسلمين، فكان حجة يقتدى به لدى عامة المسلمين، فإنه لو بايع
يزيد بعدد عدة أهل الكوفة لـه لكان إقراراً لحكم جائرٍ قد يدفع بكثير من المسلمين
إلى الأخطاء.
فلما كان الأمر هكذا ما
شملت التقية الحسين (ع) ، ولذا وقف مع أنصارٍ قلائل، ودعى المسلمين إلى الحق،
وحارب الإجرام الظاهري والباطني، كما أنه ما استعمل التقية أبو ذر مقابل عثمان،
ولا حجر بن عدي في مقابل معاوية.
والحمد لله ربّ العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق