الخميس، 25 أبريل 2013

@ الإمام المهدي المنتظر المحاضرة رقم 6



المحاضرة السادسة

     القادة عند الظهور

من المعلوم لدى الجميع أن تعامل الأنبياء و الأوصياء من حيث تعيين الولاة و القضاة و المسؤولين كان بحسب موازين الظاهر كما و أن الأحكام كانت تجري على هذا الصعيد أيضا كما قال (ص) :} إنما أحكم بينكم بالبينات و الأيمان { فقد بعث رسول الله (ص) خالد بن الوليد فارتكب مجزرة بدوافع القبلية و أحقاد الجاهلية حتى قال (ص) : } اللهم اشهد إني بريء من فعلة خالد { أو قال }إني أبرأ إليك من فعلة خالد{ و قد بعثه مع الجيش إلى مؤتة و هو يعلم أنه إن آلت إليه الأمور سينهزم خلافا لزيد و عبدالله و جعفر من أصحاب الهمم الثوابت و قد أحال علي (ع) بعض الأمور في البصرة إلى زياد بن أبيه بمقاييس الظاهر و هو أعلم به من كل أحد و قد أمر الحسن (ع) عبيد الله بن عباس فحصل منه ما حصل من خيانة تندى لها جبين الإنسانية فضلا عن عظيم مكارم الإسلام .
لكن هاهنا قد يتبادر إلى الذهن سؤال و هو أنه هل يكون عند الظهور لإقامة نظام العدل الإلهي تعيين القادة و المسؤولين لإدارة دفة أمور الدولة بحسب المظاهر أيضا أم لابد من لحاظ باطني كما كان بالنسبة إلى تعيين السفراء الأربع في زمن الغيبة الصغرى ؟
المستفاد من ظاهر الأدلة أن أنصاره و المقربين لديه عجل الله تعالى فرجه الشريف من نخبة الأوتاد و أعاظم الأولياء و المخلصين و هؤلاء يختارهم بحسب موازين علم الغيب و سرائر العرفان و هو ما يتناسب مع إقامة دولة الحق و العدل و ليس المراد أن كل من يتصدى لأمر في دولته "عج" يجب أن يكون عدلا في واقع أمره عارفا بمنهج الحق بأبعاد الكلمة فإن على الصعيد العام قد تتحقق بعض المظالم لكنها بدولة العدل و رجال الإيمان المتابعين و المراقبين لكافة الأمور تحسم حسماً لا يدع للمبطلين و لمن تسوّل لهم أنفسهم العدوان و خرق القوانين مجالا للتلاعب و لكن ليس المراد من هذا الكلام أنه يعامل الناس بحسب بواطن النفوس لتهتك الستور و تخرج الدنيا عن واقع مجراها من كونها دارا للاختبار و الإختيار .
و إن شواهد الحال و السنن الإلهية تشير إلى أنه عند قرب الظهور يلقى في روع المجتمع و لو لم يكونوا من المسلمين أو المؤمنين أن زمن الظهور لاقامة العدل قريب كما ألقى الله تعالى في روع الأمم قبل الدعوة النبوية أن هناك نبيا سيأتي عن قريب اسمه أحمد (محمد) لإحياء الأديان بعد اندراسها و لعل ما نعيشه اليوم من واقع الحياة في هذا الزمن و عالمنا الحالي ينبيء بذلك حتى لدى اليهود و النصارى و غيرهما من الأمم داعين الله تعالى أن يعجّل طلعته البهية لإقامة دولة الحق و العدل إنه ولي التوفيق .
فعلينا أن نصلح النفوس قبل فوات الأوان حتى لا تكون أماني الالتحاق بركبه الطاهر وهما و خيالا حينما تكون الرغبة في تحقيق معالم الحق و الالتحاق بها بلا أي إعداد و تحقيق أسباب كمن يتمنى الإيمان و الطهر و هو لا يجاهد النفس لزكاتها أو كمن يتمنى الكمال و العلم و هو لا يسعى لهما بسهر الليالي و طلب المعالي و هو عجل الله تعالى فرجه لا يختار من أصلحوا المظاهر و أفسدوا البواطن رياء و نفاقا و لو كانوا لدى الناس و العامة من أكابر الزهاد و العلماء العظام كما وقع الاختيار منه (عج) للسفراء الأربع و لو كان منهم السمان و ترك من يشار إليه بالبنان من أكابر العلماء أصحاب الألقاب و العناوين و ربما فسق بعضهم و حذر منه و طرده من منازل الكرام ملعونا رجيما .
اللهم اجعل زمن إظهاره (عج) على الدين كله قريبا فقد ضاقت النفوس من تلاعب المتلاعبين و مكر الماكرين و بالأخص ممن هم بمظاهر القديسين بلباس الدين و هم في بواطنهم من أعوان الشياطين إن لم يكونوا لهم من أكابر المعلمين و الأساتذة بعدما كانوا في بداية عملهم من الطلاب و التابعين.
و كون الحق تعالى يظهره على الدين كله بجعله قادرا على بيان جميع الأبعاد و مطبقا لكل مراتب العدل بلا مانع و لا تقية بنهاية زمن الظلم و العدوان حتى تبسط شريعة الاسلام التي جاء بها آدم (ع) و ختمها محمد (ص) و تخرج من الفرضية في ميادين العلم و العمل إلى واقع التطبيق و البيان التام لكافة أبعاد الرسالة فإن الله تعالى قد أبى إلا أن يظهره بجميع مظاهر أسماءه للتخلق بأخلاق الله تعالى التي هي مكارم الأخلاق و غاية بعثة الأنبياء .
فزمن الظهور زمن تجليات مظاهر الأسماء الإلهية و هو تعالى العالم العليم و الرحمن الرحيم و الحكم العدل الحكيم ، فلا يطوى سجل الأرض قبل ظهور معالم الحق علما و عدلا بجميع أسماء الله تعالى ما لم تخرج الدنيا عن كونها دار اختيار و اختبار كما لو تجلى الحق تعالى بجميع أسمائه الجلالية أي بمظاهر السلطان و القهر و الجبروت كالسلطان و المهيمن و العزيز القدير كما يتجلى بها يوم القيامة >لمن الملك اليوم لله الواحد القهار< حيث لا يفيد الندم و لا تقبل من أحد توبة.
و من أعظم تجليات أسماءه عند الظهور بروز إسم الولي المتجلي بمهدي هذه الأمة محمد بن الحسن العسكري و هو من أعظم أسماء الجمال و اللطف الإلهية التي بها تستقيم الأرض و بها تشرق أنوار الملكوت على ديار الظلمات و الجور إعزازا لأوليائه و إذلالا لإعداءه إعدادا ليوم عظيم كما يقول تعالى >و أشرقت الأرض بنور ربها و وضع الكتاب و جايء بالنبيين و الشهداء و قضي بينهم بالحق و هم لا يظلمون<.
رؤيته زمن الغيبة

من جملة ما يطرح كثيرا على الساحة في المقام و بالأخص في الآونة الأخيرة مسألة رؤيته (عج) في زمن الغيبة لبعض الأوحديين من خلص الأولياء لا رؤيته بلا معرفة إياه فإنه لا مانع منها لأنه على الأرض يعيش و قد يراه الكثير من الناس.
فإن مسألة الرؤية إياه (عج) ورد فيها في المأثور: } ألا و من ادعى رؤيتي بعد غيبتي هذه فكذبوه { فكيف يمكن أن نصدق مدعي الرؤية بعد حديث وارد عنه عجل الله تعالى فرجه الشريف .
نقول : لابد من التأمل في ما يمكن أن يستفاد من الحديث الشريف فإنه لم ينف إمكان الرؤية و إنما نفى رؤية المدعين بمعنى أن مشاهدته لأولياء الله المخلصين لا مانع من وقوعها في حين أن الحجة المنتظر من الأولياء المصلحين لبواطن الأمور كالخضر عليه السلام و عليه فقد يصلح أمرا أو يهدي طالب حق إلى الصواب سواء كان ذلك الشخص عارفا به كالأوحدي من عباد الله أو غير عارف به كالسواد الأعظم .
و لكن المدعين للرؤية يبدو منهم أنهم بذلك يريدون تكريما و إعزازا اجتماعيا أو تقديسا من السواد الأعظم و مثل هذه النفوس من أبناء الدنيا لا يمكن أن تكون صادقة في دعواها مشاهدة المهدي (عج) و ما ينسب لبعض الخدم لبعض الأعلام أو غيرهم لا يعوّل عليه ما لم يسمع من العالم المتقي نفسه و حاشا المتقين من مثل هذه الكلمات التي تفتح الأبواب لكثير من الادعاءات بما تحمل من التوالي الفاسدة حيث تصبح مدعاة لكل من تسوّل له نفسه أن يدعي ذلك أو يحرّف البشرية بدعوى أنه شاهد الإمام و سمع منه كذا في حق الشريعة.
فهذه المسألة يجب أن ينظر إليها بنحو من التأمل ببيان مقدمة :
فنقول لابد من النظر إلى المسألةبما لها من صعيد خارجي واقعي بعيد عن نسيج الخيال و تقديس الرجال و إن الخير و الشر و الحق و الباطل و الايمان و النفاق كما يمكن مشاهدتها في الأزقة و الشوارع و الأسواق كذلك لها أجلى المصاديق في المدارس و رواد المساجد فيما بين رجالات العلم و الطلاب ، فالعلم لا يكفي عصمة تمنع أبناء الدنيا مما قد يؤدي إلى التكريم و التقديس و التعظيم إن وجد البعض لدعوى الرؤية و شهود المهدي لآل محمد (ص) سبيلا لتسلق مدارج العز والكسب الشعبي و عليه فلابد من الالتفات إلى أن النفوس في رغباتها و مواطن ضعفها تختلف فرب بايع لقصور الدنيا بما فيها هزيل النفس ضعيفا بأزاء المدح و الثناء فيعيش الأكواخ و يلبس الخشن لأجل أن يقال في حقه أنه الزاهد التقي أو من أجل أن يصدّق في دعوى رؤية الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه لينال بها إجلالا و تقديسا .
فالنفوس تختلف في مجالها الإيماني و مواطن قوتها و ضعفها من حيث الرغبات فرب زاهد في مال أو جمال هو ضعيف يتهاوى في وديان حب السمعة و سماع التقديس و التكريم و لا يعرف بواطن النفوس إلا الله سبحانه و تعالى و من أخذ بأيديهم إلى أعماق أسرار النفوس من أولياءه المقربين ، فإذا فتح الباب إمام إدعاء الرؤية فقد تتاح الفرصة لمن يراه السواد الأعظم في منازل الصديقين و المقربين ليدعي ما يدعي و هؤلاء أكثر من المؤمنين الحقيقيين .
فأنا لا أرى إلا ظاهرا من الناس و أنت لا ترى إلا ظاهرا منهم و قد لا نكون أهلا لمعرفة الناس بواقع موازين الحق فإن من هم مصداق قول رسول الله (ص) }اعرفوا الحق تعرفوا أهله { قلائل من البشر و ما تمتاز الخلائق بالحق و الباطل إلا عندما تبلى السرائر و تكشف البواطن حيث لا يبقى ظاهر يخالف باطن ، لكن دار الدنيا دار تشابك و اختلاط و ازدواجية عيش و قد يكون الإنسان من زعماء المنافقين و المرائين و هو بأعين الناس من القديسين و الصديقين و المقربين لأنه يتقن التمثيل واللعبة التي تنطلي على السواد الأعظم فكيف مع ذلك تفتح الأبواب لادعاء الرؤية و لا أدري أي ثمرة لفتح باب دعوى الرؤية إن لم تحمل الكثير من السلبيات فهل هي صلاح أمر يرجع إلى الشريعة من حكم أو غير ذلك ؟
و نحن لم نسمع طيلة القرون أن أمرا أو حديثا إدعى عالم من أكابر العلماء أن الحجة جاءه و قال له أن هذا الحديث صحيح و ذاك ضعيف و لم يعهد من أحد أن جعل ذلك من جملة إصلاح الأحاديث أو منهجا لبيان الشريعة و إنه قد حصل عليه بواسطة مجيء الحجة (عج) إليه و أنه أخبر الطائفة بعد ذلك لإصلاح الأحاديث أو فهم الكتاب المجيد .
و إن كان المراد من دعوى الرؤية لإثبات أصل وجود الإمام الغائب عجل الله تعالى فرجه الشريف فيكون من قبيل من يريد إثبات التوحيد أو النبوة بشاهد من الكتاب المجيد.
فمسألة غيبة الحجة لا تثبتها أحاديث الرؤية و إن كان المراد أن من يأتيه المهدي (عج) دليل على عظمته و مكانته فحاشا أولياء الله تعالى أن يطلبوا الإعزاز و التكريم من هذا الطريق الذي قد يفتح الأبواب أمام ضعاف النفوس الذين قد يكونوا من مظاهر القدس و الإيمان بمنظار السواد الأعظم .
و عليه فأقول : من يدعي الرؤية لا يصدق و من يرى من الأولياء لا يدعي لأنه لا يريد بها تكريما و تقديسا إجتماعيا.
و لا يتصور متصور أن مهتوك الستر معروف المظاهر في المكر من أكابر المنافقين والدجالين كأمثال معاوية و عمروبن العاص و المغيرة بن شعبة بل الأخصائيون في الدجل و النفاق من رآهم العامة من الناس مظاهر القدس و التقوى فانطلت ألاعيبهم على المستضعفين من الخلق و السواد الأعظم و إلا لما كانوا حقيقة من زعماء الدجالين و المنافقين فلا يكشفون إلا يوم تبلى السرائر أو بإذن من الله تعالى عند ظهور دولة الحق على أيدي منقذ البشرية حتى تعرف البشرية الضائعة في نفق أوهامها و الغفلات من هم محرفوا الكلم عن مواضعه و من هم رؤساء المنقلبين على الأعقاب بعد أولي العزم من الانبياء .
و من يكشف نفاقه لأمثالي بجلسة أو مشاق تأمل بحث أو تأمل في سيرة لبعض الأيام لا يكون متعمقا في نفاق أو دجل ، فقادة الدجل و النفاق قد تمر الدهور و هم بأعين العامة من أعظم مظاهر خلفاء النبيين و أجلى تجليات أسماء الحق للعالمين و أبرز السلاك في ميادين الأولياء و خلفاء النبيين فتخدع بهم البشرية على اختلاف طبقاتها إلا من نظر إلى الرجال بواسطة الإيمان بأبعاد زكاة النفس .
و التلبس بلباس الدين لا يختص بمذهب دون مذهب ، فاولئك هم الضالون المضلون و الانحدار في الظلمات كالرقي في مدارج الكمال نحو الحق تعالى لا يحد بحد و لما كانت النفوس لا تعرف ببواطنها حسنا و خبثا فلا يعقل أن يفتح المعصوم عليه السلام بابا يكون مدعاة لدعوى المشاهدة التي قد يكون الصادق فيها واحدا و الكاذب المتظاهر بالتقوى الطامع في تكريم من السواد الأعظم عشرة و لذا ورد في الأحاديث عنه (عج) }ألا و من إدعى رؤيتي بعد غيبتي هذه فكذبوه{ و ليس من المعقول القول بأن العلم مع الكذب و الازدواجية لا يجتمعان بل قد يكون العالم أعرف بطرق النفاق من غيره و هلا كان المحرفون للأديان و قادة المنقلبين على الأعقاب من العلماء و أي مؤمّن لنا لو فتح باب إدعاء رؤية الحجة (عج) أن لا يأتي من يدعي الشهود و هو بمظاهر القديسين ليدعي ذلك لمصالحه الشخصية للحصول على التكريم ليتمكن بواسطة ذلك من تحريف شريعة رب العالمين و الضحك على عقول بسطاء الخلق و المستضعفين من أمة ربما راح الحلم يحقق لبعض أفرادها مستندا شرعيا تترتب عليه الآثار كل واحد من هؤلاء المفسرين للأحلام ربما أصبح ظانا نفسه يوسف عليه السلام في فهمه لتعبير الرؤيا أو فهم من يرجع إليه .
فالإمام (عج) أراد بحديث : } ألا و من إدعى رؤيتي بعد غيبتي هذه فكذبوه { أن يسد الباب أمام كل مدع من أصحاب المصالح الذين يتخذون من الدين سلما للوصول إلى مآربهم الشخصية .
كما و إنّا إن رجعنا إلى العقل بغض النظر عن الروايات لوجدنا العقل يحذّر بكل شدة من فتح هذه الأبواب خوفا من أن يكون الامر مدعاة لضعفاء النفوس ليصطادوا في الماء العكر .
و ما ينقل من قصص كثيرة في المقام عن خادم ينقل عن عالم فللتأمل فيها مجال واسع و أعاظم العلماء أجل من مثل هذه الإدعاءات التي تفتح الأبواب على شريعة رب العالمين حتى و لو كانوا في واقع الامر يشاهدون فالمدعي كاذب يريد سمعة و تكريما فهو من أبناء الدنيا و المشاهد لا يدعي لأنه لا يريد بذلك سوى القرب و المعرفة و الرضا الإلهي بما يستفيده من منقذ البشرية و هؤلاء حجج الله تعالى على خلقه بهم يهدي عباده المؤمنين و لا تخل الأرض من الحجج الأبرار و ما ينسب لبعض الأعلام من أكابر علمائنا الأخيار من دعوى الرؤية لا صحة له فإنهم أجل من أن يدعوا ذلك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق