السبت، 25 مايو 2013

@ سلسلة سيرة المتقين بدءا بسيرة علي عليه السلام

سلسلة سيرة المتقين


المقالة الأولى بدءا بسيرة علي عليه السلام


تتجلى معالم الحق والعدل بمن هم كلمات الله التامات وقرآنه الناطق ليكونوا أسوة لمن شاء الى ربه سبيلا ومن جعل الرجال او النساء او الصحابة او العلماء موازين يعرف بهم سبل ربه عاش الضياع لأنه من الواجب عقلا وشرعا أن يزن طالب الحق  الناس بموازين الله تعالى فمن تطابق سيره وسلوكه مع من جعلهم الله ميزانا كان محقا وإلا كان مبطلا ولذا قال علي (ع) : ( إن الحق لا يعرف بالرجال إعرفوا الحق تعرفوا أهله) حينما إلتبس على الأمة صراط الله المستقيم وراحت لترى الحق في وجوه الرجال جهلا ولذا رأيت من اللازم تنبيه طلاب الحق ما يجب من بيان لمسالك ربهم حتى لا تختلط عليهم الأوراق فيعيشون الأخطاء بإسم الدين.

فأقول مقدمة قبل التعرض لسيرة المتقين إن التقليد للفقهاء إنما هو في الأحكام الشرعية الفرعية فقط كبعض فروع الصلاة وبعض أحكام الحج او الصوم مثلا وليس التقليد في المسائل العقدية _العقائدية_ ولا السياسية ولا الإجتماعية التي هي من وظائف الناس او هي أمور ترجع الى الشورى و حرية الرأي ليسعى الناس سعيهم بعد معرفة شرع الله لتمييز الصالح او الأصلح.

والآن نتعرض لسيرة المتقين ليعرف أهل الحق هل ما يجري اليوم على الساحة في البلاد الإسلامية يتناسب مع هذه السيرة العطرة لأولياء الله تعالى ليكون حقا أم أنه لا يتناسب معها ليكون باطلا و إن تلبس بلباس الدين حيث أنه لطالما تلبس الباطل ملابس الحق وكم قد ظهر النفاق بلباس الزهد والتقوى و نبدأ هذه السيرة بسيرة علي (ع) حيث يقول في عهده لمالك الأشتر رضوان الله تعالى عليه حينما ولاه مصر : (إشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بالإحسان إليهم ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق…._الى قوله (ع) .. فإعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه_الى قوله(ع)_ ولا تندمن على عفو ولا تتبجحن بعقوبه_الى أن يقول_… ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده…_ثم يقول_ إن الله يسمع دعوة المظلومين وهو للظالمين بالمرصاد) ويقول أيضا في موطن آخر (و إياك والدماء وسفكها بغير حلها فإنه ليس شيء أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى لزوال نعمة و إنقطاع مدة من سفك الدماء بغير الحق والله مبتديء بالحكم بين العباد فيما يتسافكون من الدماء فلا تصونن سلطانك بسفك دم حرام _ثم يقول له مخوفا إياه من غضب الجبار_ وعما قليل تكشف عنك اغطية الأمور ويبرز الجبار بعظمته فينتصف المظلومون من الظالمين) وهذا الخطاب لعلي عليه السلام لمالك الذي يقول في حقه (كان لي مالك كما كنت لرسول الله) ويقول أيضا (عقمت النساء أن يلدن كمالك) ويقول (على مثل مالك فلتبكي البواكي) ويقول عليه السلام في موطن آخر (فإن هذا الدين قد كان أسيرا بأيدي الأشرار يعمل فيه بالهوى وتطلب به الدنيا) كما وأنه يقول (إني سمعت رسول الله (ص) يقول في غير موطن لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع).

فالموازين هي الحق في دار الدنيا والآخرة.

وقال (ع) في أيام خلافته (أأقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر ولا أكون لهم أسوة في جشوبة العيش) وهو (ع) أول من فسح المجال لمعارضيه لإبداء الرأي ولم يأخذ أحدا بالبيعة لا حبسا ولا ضربا فضلا عن القتل الذي كان منهجا جاريا بإسم الدين ولم يقطع أعطيات معارضيه حتى بالنسبة الى الخوارج القساة الغلاظ ولم يستخدم معهم الشدة على الرغم من أنهم كانوا تجاوزوا الحد بتكفيره وقطع الخطب عليه وقد أمر بعدم التعرض لهم ماداموا لم يقطعوا سبيلا ولم يقتلوا أحدا ولم يمنع من تجمعهم بل فسح المجال لمن أراد الإلتحاق بهم فراحوا ليجمعوا العدد والعدة والسلاح ولولا أنهم قطعوا السبل وإعتدوا حتى على الحوامل لما حاربهم ومع كل ذلك لم يبدأهم بالحرب كما صنع ذلك أيضا مع أهل البصرة حتى قتلوا العديد من أصحابه الذين تجاوز عددهم ستمائة رجل بل بلغ بهم الأمر ان قتلوا رسله وما منع الخوارج من مساجد الله ولم يحكم عليهم ولا على غيرهم بالكفر كما كان منهجا لمن تقدم عليه ولم يبح لأحد من جنده أن يأخذ درهما من أهل البصرة بعد فتحها بل قال من أخذ درهما من أحد اقمت عليه حد الله , كما و أنه فسح المجال لمعارضيه للإلتحاق بالمعارضة في الشام وقال لإحياء الحق والعدل (أفضل الجهاد كلمة حق _اوعدل_ عند سلطان جائر) فكان همُّ علي (ع) وضالته المنشودة تطبيق العدالة مهما كلف الأمر ليرسم بذلك للأجيال خطى الرسالة ومناهج الأنبياء الكرام فلم يتخط ذلك وإن كلفته خلافته وراح ليفقد الكثير من أنصاره حتى جائه من هو من المقربين ناصحا ظانا أن سبيل الحكم لا يعرفه علي (ع) وهو الترغيب والترهيب الذي يعرفه كل حاكم فأبى عليه السلام أن يداهن او يساوم او يعمل الموازنات السياسية لتقوية الحكم على حساب الدين والإنسانية.

وقد كان يسد جوعه بكسرة خبز يابسة ليصبح الحاكم قدوة للناس فكان يعيش أقل الناس وأضعفهم وكان يقول إن الله فرض على أئمة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس لكي لا يتبيّغ بالفقير فقره , وقد ورد في الأحاديث ان جماعة من اصحابه أتوه فقالوا يا أمير المؤمنين فضِّل بعض الأشراف والسادة من قريش و العرب على غيرهم من الموالي والعجم كما صنع ذلك من هو من قبلك ولا تعزل ولاة عثمان إلا بعد أخذ البيعة منهم وابقائهم سنة ثم يكون العزل اصلح فقال علي (ع) أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور؟! لا والله لا أفعل ما طلعت الشمس وما لاح في السماء نجم والله لو كان المال لي لساويت_واسيت_ بينهم فكيف و إنما هي أموالهم).

وقال عليه السلام رحم الله إمرءا رأي حقا فأعان عليه او رأي جورا فرده وكان عونا بالحق على صاحبه فقد بذل (ع) ما بجهده على ضرب أركان الطبقية التي ابتدعها الخليفة الثاني في الإسلام حيث كان التقديم على عهده على أسس القبلية والحسب والنسب وقد ألغى (ع) التقريب بتولي المناصب حتى بواسطة عنوان الصحبة والسابقة في الإسلام إلا ما رجع منه الى الكفائات.

وحينما اعترض عليه طلحة والزبير حينما جعلهما في العطاء كسائر الناس قائلا ماذا كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي؟ قالا إنك جعلت حقنا في القسم كحق غيرنا وسويت بيننا وبين من لا يمائلنا فقال عليه السلام لهما أما ماذكرتما من أمر الأسوة _اي التسوية في العطاء وتوزيع المال بالسوية بين الناس_ فإن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي ولا وليته هوى مني و إنكما لتعلمان أنه سيرة رسول الله (ص) أسيرة رسول الله خير ام سيرة عمر؟! فليس لكما والله عندي ولا لغيركما في هذا عتبى .

ولبيان سيرة علي (ع) والعدل تتمة ستأتي بإذن الله وتتأتي من بعدها الإشارة الى ما يعمله حكام المسلمين من أعمال بإسم دين الله تعالى لنرى هل تنطبق هذه الأعمال وشرع الله تعالى أم أنها اهواء ونهمة على حب الدنيا والزعامات والحمدلله رب العالمين.

-------------------------------------------------------------------------------

 

مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني
كما يمكنكم متابعتنا على كل من 
للتواصل معنا:
kazemalkhaghani@gmail.com

@ حضارة الإستبداد

حضارة الاستبداد



حضارة الاستبداد وتفسير النصوص الشرعية بتبع الهوى من قبل وعاظ السلاطين لمرضاة الظالمين المضيع لقيم الحق وموازين العدل وعقلية الانزواء والتخلي عن المسؤولية التي اوصلت عواصم العلم الى الصمت المطلق بأزاء ما تعاني الشعوب من ظلم حكامها وعدم اهتمام الشعوب بمعارف الشرع القويم حينما اصبحت تاركة ما أومرت به من قبل رائد السلام الرسول الاعظم (ص) حيث قال : (إعرفوا الحق تعرفوا أهل ) كل ذلك ساق الأمة الإسلامية طيلة القرون لتصبح فريسة بأيدي الظالمين, لكنّ تجاوز الحدود في الظلم وتنامي الوعي وصيرورة العالم كقرية واحدة على الرغم من كل الجهود المبذولة للتعتيم من قبل أصحاب المصالح , يشير الى مطلع عصر جديد بدأت بوادر اعلامه النيرة تلوح في الأفق , وإن كان على الامة أن تعيش الحذر لكي لا يركب الموجة المتربصون بهذه الأمة ذوو الاوجه و الالسن المتعددة من المنافقين وبيعة الشعوب وهو ما أضاع الكثير من الثورات في العالم سواء المعاصرة منها او القديمة حيث راحت الشعوب لتجد انفسها بعد جسيم التضحيات وكسر القيود مكبلة بأيدي قوم آخرين كانوا بالأمس يذرفون دموع التماسيح على الفقراء والمساكين والبائسين وهم قد أصبحوا اليوم فراعنة جبارين كما ولهم على طول التأريخ الكثير من الأشباه وعندها تختلط العَبرة بالعِبرة لدى الشعوب ويتبدل الأمل باليأس قبل أن تنفض الأمم والشعوب عن الوجوه غبار الأدران وتغسل دماء الأشجان , عندما تطبق الآيات والروايات على كل من لم يرض لنفسه أن يكون كما تشاء الحكّام مواطنا مثاليا لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم كما هو المسموع والمقروء عن تأريخنا المظلم الماضي والمشهود الملموس الحاضر .

فهذا يجعل الأمة بعد التمكن من رقابها مشمولة لعنوان شرذمة خائنة من العملاء يجب ان يُخْمِد انفاسها خوفا على مصلحة العباد والبلاد وذاك يطبق عليها عنوان المفسد في الأرض وثالث يعطي نفسه القابا بما يتماشى والزمان والمكان شرعية كانت او عصرية بما لها من بريق الحداثة ليتمكن من خلالها من نهب الشعوب وضياع الحقوق ورابع راح ليغمض الطرف عن الحكام وظلمهم وجرائمهم وقتلهم لشعوبهم وتماديهم في إضاعة الحقوق حتى الاولية المسلمة منها التي هي من لوازم الحياة الكريمة لكل شعب غير مختش ولا مبالٍ بالخالق ولا المخلوق ليفسر الآيات والروايات ويطبّقها حيثما شاء ويوجه الأحداث بما يتماشى ومصالح الحكام ناسيا أو متناسيا العلل التي تدفع بالشعوب البائسة المضطهدة على الرغم من خوف البطش ان تصرخ بأعلى صوتها في الشوارع و الأزقة : كفى أيها الحكام ظلما ومكرا وكبرا وطغيانا .

اللهم انصر الشعوب المضطهدة على حكامها الجائرين وعجل بظهور وليك الاعظم الحجة بن الحسن العسكري (عج) فإنه لا منقذ ولا مخلص للأمة الإسلامية بل للامم المحرومة المضطهدة إلا ذلك الرجل العظيم الذي هو وارث النبيين وعِدل القرآن الكريم إنك على كل شيء قدير.

---------------------------------------------------------------------------------

 

مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني
كما يمكنكم متابعتنا على كل من 
للتواصل معنا:
kazemalkhaghani@gmail.com

@ تحت ظلال السنن

تحت ظلال السنن 

نشرت هذه المقالة في جريدة النبأ



من السنن الإلهية الحقة بعث الأنبياء للأخذ بأيدي الخلائق نحو الكمال ومكارم الأخلاق لطفاً من الله تعالى بحال العباد، كما وأنه تعالى أخذ على نفسه لطفاً بحال العباد أيضاً حفظ الشرائع من الإفراط والتفريط والزيادة والنقصان على أيدي أوصياء الرسل لتصبح الرسالات السماوية حضارة للأمم طيلة حياة اثني عشر نقيبا وذلك لأن الموزاين لو وقعت بأيدي أئمة الجور والضلال ضاعت السنن واندرست الشرايع ورسمت طبقاً للميول والأغراض والشهوات فهناك ثلاثة أشواط تقطعها كافة الشرايع السماوية
الشوط الأول: منها يتكفله الأنبياء وهو أخذ الوحي وبثه على وجه الأرض وقد أخذ الله تعالى على نفسه في هذا المطاف رحمة بحال العباد أن يرفع عن طريق الأنبياء جميع السدود التي تكون سبباً لمنع انتشار دعوتهم وبسطها على وجه الأرض حتى تضرب الدعوة أركانها وتبلغ مسامع العباد وتقام الحجج على الخلائق، ولذا ما جاء نبي من أنبياء أولي العزم إلا وقد كلّله الله تعالى بالنصر المبين في آخر المطاف وذلك واضح لمن قرأ حياة الرسل وعايش تاريخهم من نوح (ع) إلى الخاتم محمد صلى الله عليه و آله 
فإنه تعالى إذا وجد المؤمنين في أي مقطع من مقاطع بث الرسالة ونشرها عاجزين عن دعمها رفع كل سد أمامهم أباد كل جبار وطاغوت كما صنع بالنسبة لنمرود وفرعون وكسرى وأبي جهل وأبي لهب وذلك لأنه بعدم بسط الرسالة على وجه الأرض تنتفي الغاية من بعث الرسل عليهم السلام

فبالنبوات تتميز الحق عن الباطل وضرب أوتاد الشرايع على وجه الأرض وقد نصر الله أولي العزم من الرسل على طول التأريخ بعد تمحيصهم بالبلاء وجعل الطواغيت تتساقط صرعى أمام ضربات جند الحق بل جعل كل شيء يسعى لدعم الشرايع من أوتار العنكبوت إلى الملائكة المسومين

الإيصال إلى الكمال
ثم يأتي دور الشوط الثاني لأبعاد الرسالات السماوية وهو جعل الرسالات حضارة للأمم لو شاءت الأمم الحياة على أيدي أوصياء الرسل بشرح بطون الرسالة وأبعادها المختلفة بداية بأسسها الفطرية ومرتبة أحكامها وموازين عدلها وإحسانها ونهاية بقممها العليا الموصلة للفناء في ذات الله تعالى التي لا يمسها إلا المطهرون من الخلق بزكاة نـــفوسهم وخلوص عملهم سير عروج يتسابقون إلى سوح لقاء الله تعالى يتباشرون بقرب جوار ربهم.
فأين هذه المراتب بقمم عليائها من أمة تتنازع سلطان محمد (ص) أو دخلت أفواجاً أفواجا إلى الشريعة تلبّي نداء منتصر فتح الحصون ودك معاقل اليهود والمشركين وهي بنفسها قد نسبت له بالأمس شتى النسب من السحر حتى الجنون حينما كان ضعيفاً يكابد الجوع ويتحمّل الأذى في شعب أبي طالب

أجل قد أراد الله تعالى بعد النبي(ص) أن تعيش الأمة باختيار منها حضارة إسلامية علماً وعملاً تحت ظل قيادة اثني عشر نقيبا حتى ترتفع الناس من حضيض الجاهلية ورواسبها إلى المثل العليا ومكارم الأخلاق وهو الأمر الذي يحتاج إلى سير متواصل ضمن حياة اثني عشر نقيب فبالأوصياء في الشوط الثاني حفظ الرسالة من التحريف وشرح البطون السبع والسبعين التي هي إشارة إلى اللانهاية في الكمال حتى يتجسّد واقع السلام والكمال على أيدي حملة الرسالة وهم المسلمون ويصبح حضارة واقعية تعيشها الأمة لتحفظ من الانقلاب على الأعقاب بعد رحيل الرسول الأعظم (ص) فبهذا الشوط إذن إيصال الدعوة بما تحمل من البطون والأبعاد الرسالية إلى أذهان المجتمع ليبلغ كل إنسان كماله المطلوب بما لديه من القابلية والاستعداد

تطبيق الرسالة
ثم يأتي دور الشوط الثالث المتأخر رتبة عن الشوط الثاني المتزامن معه جرياً في نفس الأمن الواقع وهو مرحلة تطبيق الكبريات وموازين الحق على مصاديقها وموارد انطباقها حتى لا تخلط مصاديق الحق بالباطل وإمام العدل بالجور وصبر الكرامة بالذل والهوان وصلح الرفعة بالاستسلام والجبن والإمام بالمأموم والعالم بالجاهل والمحكم بالمتشابه والقائم بالحق على إمام جائر بالباغي الخارج على إمام زمانه ومئات الكبريات الأخرى التي شوّهها الجهال الناسكون والعلماء الماكرون حتى أصبحت شريعة يقتدى بها على طول مسيرة التأريخ مع حفظ إطارها ونسف مبانيها ومحتوياتها، فبتطبيق الكبريات على الصغريات تحفظ الشريعة من الإفراط والتفريط والميول الشخصية

أجل الكتاب المجيد هو شريعة الكمال التي بها العروج إلى لا نهاية الحق تعالى والرسول (ص) هو الأسوة لتتميم مكارم الأخلاق فهو القرآن الناطق وأوصيائه رسّام لوحة الكمال بأبعادها العلمية والعملية الذين يكون على أيديهم تربية الأمة طيلة عشرات السنين ضمن حياة اثني عشر نقيب حتى يعجن الكمال وعظيم المعارف مع روح المجتمع وتطبّق الرسالة تطبيقاً عملياً بأبعادها المختلفة بإقامة الحكم الإسلامي نظاماً يرسم كافة جوانب الحياة فالشوط الأول إذن هو دور الأنبياء والثاني والثالث هو دور الأوصياء وإن احتاج التطبيق إلى طلب من الأوصياء بواسطة الأمم حتى يطبّقوا لهم الشرع باختيار منهم لكي لا تخرج الدنيا عن كونها دار اختيار واختبار وإلا لكانت بعثة الأنبياء منافية للغاية التي خلقت الدنيا من أجلها لأنه تعالى أقدر القادرين على تسليط أوليائه على وجه الأرض كما سلّط سليمان (ع) ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة تسير الصراط المستقيم

اختيار القيادة

ومن السنن الإلهية كون الإمامة تعييناً لا تحكيماً من قبل الحق تعالى وأنبيائه الكرام تقدم أن قلنا أن الله تعالى أراد الدنيا دار اختيار واختبار فهي مختبر العقول ليمتاز بها الإنسان الذي شرفه الله تعالى بما يحمل من القابليات والاستعدادات عن غيره بجهاده الأكبر مع النفس والأصغر في ميادين الخارج ليميّز بسلامة الفطرة والعقل راية الحق من بين آلاف رايات الضلال ومصباح الهدى في دجى الظلمات وقد قال تعالى:( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين). ولو سلّط الله تعالى أوليائه على وجه الأرض لخرجت الدنيا عن كونها دار اختيار واختبار وعليه فلا تتحقق الغاية من جعل الأرض جسراً به نعبر إلى منازل الآخرة

نعم شأن اللطف الإلهي هو جعل رجال صالحين راسخين في العلم وهم الأوصياء الذين يشرحون بطون الرسالات ويطبّقونها على الأمة لو شاءت الأمة حياة عدل تحت راية أئمة الهدى لكن ليس معنى ذلك بأن يجبر الله تعالى الأمم على قبول الحق والسير تحت ظلال راية إمام عادل بل هذا من وظيفة الأمم بأن تأتي طائعة تطلب من رجال الحق تطبيق الموازين وإلا خسروا أنفسهم ولذا نشاهد الرسول (ص) والكتاب المجيد بكل جد يعرّفان الأمة بأن هارون هذه الأمة هو علي (ع) وإنه الولي الأعظم بقوله تعالى:( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) وأنه باب مدينة علم النبيين وانه لا يبلّغ عن رسول الله (ص) إلا هو أو رجل منه ومئات الأدلة الأخرى، من النقل كتاباً وسنة ومن العقل الصريح لو لم يشب بحجب متابعة الآخرين ولكن الرسول (ص) وكذا الأئمة (ع) لم يخططوا لقبض أزمة الأمور لأن ما كان من شأن اللطف رسالة وبياناً قد تم من قبل الحق وأوليائه لطلاب الحق وأما التطبيق على النفس فهو شأن الأمة فإنها لو جاءت وطلبت ذلك من أوصياء الرسل لطبّقوا ذلك لها وإن هذا السير لواضح لكل من اتبّع سيرة الأوصياء بعد الأنبياء لأن اختيار القائد للأمة شأن من شؤون الأمة وإن وجب عليها طبقا لمنهج الرشاد وأوامر الحق تعالى أن تختار خلفاء الرحمن ومظاهر الأسماء والصفات الإلهية بعد الرسول الأعظم (ص) ولكن عدم التخطيط لقبض أزمة الأمور ليس معناه العزلة والسكوت بإزاء ما يجري باسم الدين بل كان كل إمام على الرغم من ظروفه القاسية يبيّن الحق ويشرح بطون الرسالة ويرشد إلى الصواب في مواطن التطبيق وينذر مغبة الأخطاء ويندد بكل منكر يجري على اختلاف مراتب الإنكار ومواطن التقية ولذا كانوا دائماً يعيشون مرارة العيش والسجون والقتل من قبل طواغيت الأرض فمسألة الغدير وعشرات الحقائق الأخرى إنما كانت حجج حق تقام على البشرية لكي تحيى النفوس أو تهلك عن بينة وبالجملة فما هو من الألطاف الإلهية بعثة الأنبياء وجعل الأوصياء من بعدهم وليس من وظيفة الحق تعالى تحكيم الأوصياء ولا من وظيفة الأوصياء أن يخططوا لقبض أزمة الأمور وإنما وظيفتهم شرح بطون الرسالة وبيان كيفية تطبيقها والتنديد بما يجري من الباطل باسم الحق وكان هذا هو السبب لمواجهتهم مع طواغيت عصرهم

نعم كل وصي لو طلبت منه الأمة التطبيق والقيام بالأمر لقام به كما قال علي (ع) في خطبته الشقشقية أما والذي فلق الحبة وبرء النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز

فطرية التوحيد
ومن السنن الإلهية المودوعة في فطرة البشر الإقرار بوجود الصانع فإن كل من تأمل تاريخ الأديان سيجد الإقرار من الأمم بوجود الصانع والموجد لهذا العالم لبداهة احتياج الممكن إلى المؤثر والعلة وكون المنكر له شاذاً كالزنادقة

فإن كانت هناك اختلافات بين الأمم فإنما هي في مرتبة الربوبية والتدبير لعالم الإمكان أو الطبيعة ولذا كانت كلمات مشركي قريش صريحة حينما يسألون عن سبب عبادة الأصنام قائلين: لتقربنا إلى الله زلفى، فإذن ما كانت قريش منكرة للصانع والموجد بل إنما كان نزاعهم مع الرسول الأعظم (ص) في مرتبة الربوبية فهم ليسوا كالملحدين في يومنا هذا، بل أقول من راجع بقية الأديان حتى الفرس القدامى على الرغم من كونهم كانوا يعبدون إله النور أو الخير، فإن الباحث سيجد عند التأمل كلماتهم صريحة بالإقرار بوجود الأهرومزدا وهو الصانع وليس التعدد المنسوب إليهم في هذه المرتبة بل قالوا بالتعدد في مرتبة الربوبية للعالم حيث قالوا باليزدان وهو إله الخير والأهريمن وهو إله الشر وكأنهم انحرفوا عن صواب الطريق جهلاً لعدم فهم العامة لمثل أرباب الأنواع والمثل والمدبرات أمراً

لكن لعل قائلاً يقول لو كانت قريش لم تنكر الصانع وكذلك المجوس فَلِمَ شدّد الأنبياء الهجمة على أمثال هؤلاء وتركوا الزنادقة والطبيعيين وهم أقبح مسلكاً من المشركين في مقام الربوبية فأرجو التوجه ها هنا إلى مطلب وهو أنه دائماً وأبداً الأمر الذي يناقض الفطرة بصراحة من القول لا يقابله الأنبياء بكل الشدة والصراحة بل يرشدون إلى الخطأ ليعود الإنسان إلى سلامة فطرته ومحكم عقله لأنه أمر ينتقض بنفسه لمناقضته للفطرة لكون الفطرة قاضية لولا الحجب بوجود صانع مبدع لعالم الإمكان وكل إنسان مهما بلغ من الطغيان والجبروت يقرّ بالفطرة في أعماق ضميره ولو حينما تنقطع به السبل من جاه ومقام وعشيرة وعدد وعدة وترتفع عنه حجب الظلمات، فنجد حتى فرعون يقول آمنت برب موسى بل كل إنسان يقرّ بواقع الفطرة كما قال تعالى:( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين) ومن موارد إنكار الفطرة ما دعت إليه بعض فرق النصارى من الزهد والرهبنة الموصل إلـــى الدعوة إلى ترك الزواج ومن ذلك ما دعت إليه الاشتراكية الشيوعية من إنكار الصانع ودعوى كون الإحساس بالاختصاص والملكية أمرا يمكن التخلص منه ببلوغ فردوس الشيوعية فإن مثل هذه الإدعاءات لمّا كانت مناهزة للفطرة البشرية انهارت أسسها بنفسها على الرغم من سلطان الشيوعيين الدموي ولم تستمر حتى لقرن واحد

فليس الخطر يكمن في مواطن إنكار الفطرة بل إنما هو دفين في ربوع تحريف الحقائق وهو تلبيس الحقائق بالشبهات أو الانحراف عن الطريق مع بقاء ظاهر الموازين، فههنا حصون الشياطين ومعاقل الماكرين وميادين ملاعب خيل الجائرين فلذا نشاهد القرآن المجيد والنبي (ص) وجميع المناهج الإلهية تضرب بيد من حديد على معاقل المشركين لأنها تحريف للمنهج التوحيدي والصراط المستقيم مع بقاء إطاره الظاهري الصوري فالمشركون والمجوس والمنحرفون من أهل الكتاب قابلهم الــرسول بأشد ما يفرض من التقابل والجهاد لأنهم تحريف وتدليس للأصول الثابتة، من أنه لا يؤثر في الخلق سوى الله تعالى فالشرك والثنوية خطر عظيم لأنه تشبيه للحق بالباطل

ولنأتي إلى المرحلة الثانية من التحريف وهو الانحراف في داخل الهيكل الإسلامي لنشاهد الإسلام كيف قابل الذين انحرفوا وكانوا جرثومة فساد في داخل الهيكل الإسلامي وهم المنافقون. أجل قد ركعت صناديد قريش وجبابرة الفرس والروم صرعى أمام ضربات المجاهدين لكن الأمة الإسلامية سقطت شهيدة عند أعتاب المنافقين لما أصبحوا جزءا من الهيكل الاسلامي من بعد ما كانوا في عهد رسول الله (ص) فرقة متميزة قد أعلن الجهاد المتواصل عليها الرسول الأعظم فيقع التساؤل ههنا من أنه هل انتهت جبهة المنافقين  واصبحت في داخل الهيكل الإسلامي أو انتهت عند وفاة رسول الله (ص) أو تزعمت أو تصالحت مع الفصائل الإسلامية لجعل القيم الرسالية قشوراً بلا محتوى وجسداً بلا روح حتى تمهدت الفرص لضرب أسس الشريعة ظاهراً وباطناً على أيدي أمثال يزيد بن معاوية وأمثاله على طول التاريخ ولذا نشاهد الإمام علي (ع) بذل قصارى جهده لإرجاع المياه إلى مجاريها الرسالية وتطبيق الموازين على مواطنها الخاصة من بعد ما ابتعدت وتشبّه الباطل بالحق وفسّرت الكبريات تحت ظلال السيوف تبعاً للرغبات والأهواء ولم يسع لتوسعة نطاق الحكم بل أراد أمة تكون أسوة لحمل قيم الرسالة تقتدي بها الأمم كما هي مسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمخوف في عصرنا الحاضر هو تحريف الـــموازين مع حفظ إطارها الظاهري وتلبيس الباطل باسم الحق والجهل باسم العلم والظلمة باسم النور والظلم باسم العدل والكفر باسم الإيمان وتردّى الجائرين والمنحرفين رداء الصالحين والمتقين والعمل بالأهواء تحت لواء سيّد المرسلين (ص) وأوصيائه المعصومين عليهم أفضل الصلاة والسلام

 -------------------------------------------------------------------------------

 

مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني

كما يمكنكم متابعتنا على كل من 
للتواصل معنا:
kazemalkhaghani@gmail.com

@ تأملات في مواطن الشهود

تأملات في مواطن الشهود



بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد وآله الطبين الطاهرين.

وبعد فإنه لابد من السير والسلوك بعيدا عن التبعية والتسليم لكل ما قيل او يقال لشهود الحقائق بقدر المستطاع , تلك الحقائق النيرة التي راحت لتسدل عليها حجابا حوادث الدهور و تراكم صفحات الأيام والسنين وظلمات الليالي و إجتهادات الرجال سواء كانت ناشئة عن قصور او تفسير للحقائق بتبع الهوى حيث أن لهذه الأسباب وغيرها التأثير البالغ لفهم الكتاب والسنة وسيرة المعصومين عليهم السلام.

لأن مما بات جليا أن كل إنسان على قدر سعة عقله و سلامة فطرته وما للزمان والمكان والحضارات من تأثير ينظر الى الحياة و يقرأ التاريخ و رسالات السماء.

و نحن لا ندري كم من تأثير كان لهذه العوامل على فهم الشريعة التي وصلت بأيدينا و لذا كان على كل طالب حق أن يُمعن النظر بنفسه إن كان أهلا لذلك ليعيش الشريعة على جميع أبعادها الثلاث كتابا وسنة وسيرة بعيدا عن هذه الغشاوات والحجب حتى لا يستلم موروثا قد كبلته قيود الزمان والمكان و الأهواء والتقاليد و قد يكون في ضمن ذلك ما لا أصل له مما قد أصبح من المسلمات.

فالبدوي الأمي قد ينظر الى الحياة نظرة تختلف بكل مقاييسها و أبعادها عما يراه الحضري المثقف وإن كان كل منهما يحمل روح الإيمان.

و إذا كان محمد (ص) يدعو ربه أن يرى الحقائق كما هي فما هو حالنا نحن و نحن نعيش شرع الله بما له من البطون والأبعاد و الأسرار والخفايا التي تحتاج الى قدر ما من الحرية في الرأي و الإبتعاد عن التقاليد الموروثة و هذا مما يدعو طالب الحق أن يبتعد عن روح الكبر الذي قد يسوق الى الجهل المركب او الى الجزم الذي قد تكون مناشئه التقليد تحت مسميات الإجتهاد و لذا أقول أولا وقبل كل شيء لابد من التأمل في بعض مفردات الشريعة حتى نتمكن من خلال هذه المفردات قبل التوغل في أعماق العقيدة و فهم أبعادها بآياتها و عظيم رواياتها من الحصول على فهم يأخذ بنا شيئا بعد شيء للنظر والتأمل فيما هو أرفع منها مكانة حتى نرقى الى فهم أبعاد التوحيد و النبوة والإمامة و سيرة المعصومين سيرة نشاهد من خلالها شرع الله مطبقا على صعيد الخُلق العظيم و الحكومة الإسلامية كما وانه لابد من التأمل في عظيم المراد من القضاء والقدر و الأمر بين الأمرين بعيدا عن الجبر والتفويض و مزالق الأقدام التي دفعت و تدفع بالأمة  أن تعيش بعيدة عن روح الحياة حيث أصبحت أمة راكدة لا حراك فيها  إلا فيما يسوقها الى الجدل والعناد و التشتت والتمزق.

و أضرب لهذه المفردات التي يجب ان تكون منطلقا للحركة نحو فهم الشريعة أمثلة حيث أن كل واحد منا حين ينظر الى مفردة قد يفسرها بتبع الذوق و ماهو عليه من البعد المعرفي او الحضاري و لذا كانت هذه الأمور مؤثرة حتى على صعيد فهم هذه المفردات على الرغم من بساطتها فكيف بنا و فهم عظائم الأمور ودقائق الآيات والروايات و لذا نقول رب سامع لكلمة وردت عن الرسول (ص) وهي : (صوموا تصحوا) راح ليعطيها بعدا خاصا لأنه طبيب حيث تكون النظرة لديه نظرة تناسب الصحة الجسدية وما للصيام من تأثير على البدن و آخر راح لينظر إليها بمنظار آخر يشاهد فيها معالم الثبات و الخلق ومواساة الآخرين لتكون مدعاة له ليحس بآلام الفقراء والمساكين لنقاء نفسه و طهرها من حجب الغفلات و رب ثالث أعطى الكلمة او هذه الجملة بعدا اوسع من كل ذلك لتعم شؤون الحياة بما لها من بعد نفسي و جسدي و إقتصادي و سياسي و هي كلمة واحدة راح لينظر إليها كل واحد بمنظاره و يفسرها بما يناسبه من تفسير وربما قطع كل واحد بما ذهب إليه بتبع مناشيء قطعه.

أجل هكذا تفسر الكلمات و تختلف الآراء حتى بالنسبة الى المفردات فضلا عما كان يعود الى عميق معالم التوحيد و رفيع مقام الآيات و الروايات و سيرة المعصومين عليهم السلام.

و هكذا هم الناس على طول التأريخ في تلقيهم لمفاهيم الرسالة المحمدية فهذا لا يفهم من آية او رواية تحدثت عن الرزق إلا ما كان مرادا ماديا و آخر يتبادر ذهنه الى عظيم المنة و رفيع الهداية و شآبيب الألطاف ومنحة العقل من الله الرؤوف الرحيم.

وثالث بمجرد ان يسمع مثلا بأن الشكر يزيد النعم يزداد دعاءا وصلاة طالبا من ربه مزيدا من المال و ربما رأى أن أداء شكر النعمة هي كلمة الحمد بعد كل وجبة طعام و أنه بذلك قد أدى ما عليه من واجب النعم و قام بما عليه من أداء شكر النعمة و الحال لو أن متكلما او حكيما طرقت مسامعه كلمة شكر النعمة او المنعم لذهب الى القول بأن ذلك واجب عقلي حيث يجب شكر المنعم و لعل الفقيه يقول في المقام نعم إن ذلك قد ورد الأمر به فهو واجب لأن الأمر ظاهر في الوجوب.

فهكذا هي الأمور بكل أبعادها الإجتماعية والسياسية و الشرعية تختلف بإختلاف الآراء و تتقيد بقيود الزمان والمكان و تُفسر بتبع الإجتهاد وتسدل عليها الحجب تقليدا للآخرين حينما تعظم مكانتهم في النفوس حيث قد راحت هذه الامور وبعد طي القرون ان تدفع بالناظر الى الآيات والروايات نظرة مكبلة بالقيود حتى كاد ان يصبح العقل البشري غير حر من بعد ما خلقه الله تعالى حرا و أراد منه ان ينظر الى الحقائق بعقله و سلامة فطرته ولذا راحت لتشير الروايات الى انه حينما يأتي مهدي آل محمد (ص) ويفسر ويطبق شرع الله بما كان على عهد الرسول (ص) يأتيه بعض المؤمنين مستغربا قائلين له يبن رسول الله هل جئت بدين جديد؟! و إذا كان هذا هو حال بعض المؤمنين في أبعاد معارفه لفهم شرع الله فكيف حال سائر الناس , كل ذلك لإبتعاد الامة عن واقع شرع الله حينما راحت لتتهاون في الدين لتعرف الدين بكل أبعاده من أفواه الرجال إلا من كان من النوادر من البشر الذين حصّنهم الله عن مزالق الأقدام لطهر نفوسهم وخلوص نياتهم رحمة من الله بواسع لطفه حيث أن الله تعالى لا يضيّع عباده المخلَصين فهو الآخذ بأيديهم الى صراطه المستقيم رحمة بحالهم بعد اختبار نفوسهم وتمحيصها بشدائد الأمور و لإقامة الحجة على الآخرين ليوم الحساب حتى لا يقول قائل يومئذ إلهي وسيدي ومولاي ضاعت علي السبل في ظلمات الدهور ليقال له لو كنت أهلا لإهتديت الى سواء السبيل و أي احد أصدق مقالا من الله تعالى حيث يقول : (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين).

أجل هكذا قد اخذ الله تعالى على نفسه لطفا بحال العباد أن يهديهم الى سواء السبيل إن علم صدق النية و سبل الهداية لا تحد بحد في مدارج العلم والعمل حيث أن من المستحيل أن يبقي الله الشيطان مضلا ولا يجعل لأوليائه ما يتمسكون به ومن تلك المسالك لبلوغ الغايات و شهود معالمها ما أشار إليه تعالى في كتابه المجيد بالنسبة الى العبد الصالح و موسى عليهما السلام وعلى رأس الجميع هو مهدي آل محمد (ص) إصلاحا لبواطن الأمور و هديا لرجال الله المخلصين ولو بإشارة من قول تشعر به نفس اولئك الذين هم من أصحاب البصائر.

ولما اختلف شهود الحق باختلاف الآراء والغايات راح البعض ليعطي عظيم مقام الحب الذي هو أعظم مقام في الكون في مواطن حب الله تعالى وحب آل الرسول (ص) وفي مواطن فهم المراد من القربى مفهوما لغويا او قبليا ناسيا او متناسيا ان شرع الله بعيد كل البعد عن ضيق دائرة النزعات و ظلمات رواسب القبليات حيث أن الحب والآل حب إلهي والبيتوتة نبوية تحكي ابعاد الخلوص وسير الرسالة في مواطن التطبيق والبيان حيث يصبح الحب للقربى حبا للسلوك نحو معالم التوحيد في جميع هذه الأبعاد علما وعملا للعروج الى الله تعالى بطهر وبصيرة ومشاعل علم.

نعم هكذا تفهم الحقائق في ظلمات الدهور او بتبع طهر النفوس ليأخذ كل بقدر عقله وطهره بعد طي هذه القرون حيث أن ذلك هو واقع الأمم بما تعيشه على اختلاف مذاهبها وما تدعيه من يهودية او نصرانية او اسلام حينما جائت لتنظر الى شرايع السماء من خلال اجتهادات الرجال وغاياتها على طول التأريخ حتى أصبح لهذا التهاون في الدين رسالات السماء شعارا و إطارا لا يروي لناظره انوار الملكوت ولا حياة الكرامة والعدل والحق التي كانت غاية لجميع الانبياء والمرسلين وبها احيوا الأمم واخرجوها من الظلمات الى النور و جعلوها ثورة ضد الباطل والمبطلين.

أجل قد فُسرت كلمة المحبة بتبع ذهنية قبلية بأن المراد منها بأن محمدا (ص) نبي الرحمة والسلام هو كما انا وانت يتكلم بدوافع الحب الغريزي الفطري العائلي ظنا منهم ان سيد الكائنات رئيس قبيلة دفعته نوازع القبلية ان يدعو كغيره الى حب أهله واسرته كما هي سنن الحكام ورؤساء القبائل فراح ليُعطى الحب النبوي النابع من حب الله اللامتناهي بما يحمل من عظيم التآلف والتقارب والهدي والرشاد حبا ضيق الدائرة وجده البدوي متحققا بينه وبين أهل بيته كما وأن البيتوتة أيضا تختلف باختلاف الرؤى ومدارج المعارج الراجعة الى مسالك الربوبية ومعالم التوحيد حيث راح البعض ليظن أن الله ورسوله على مستوى عقولهم وأن مناشيء الحب والقرب عندهما هي كما عند زيد وعمرو.

هكذا راحت لتفسر بسائط الكلمات الى دقائقها في مواطن التوحيد والنبوة و الإمامة والقضاء والقدر بتبع الهوى وضيق مزالق الفهم حينما أنزل الحب الإلهي و النبوي الرفيع الى مستويات ظلمات القبائل حتى راح ليدفع بالبعض الى أن يتشوق لشهود ربه شابا جميلا في ساحة المحشر و راح ليصبح القضاء والقدر بما يحمل من عظيم المعاني حاملا في طياته الجبر المستلزم لوصف الله تعالى بالظلم و قائله على الرغم من هذه الأخطاء يبشر نفسه بأنه اصبح من المتألهين المتوغلين في أعماق المعارف الإلهية حيث أنه لا يرى ان القدرة الإلهية محددة و راحت لتصبح النبوة التي هي تجليات الأسماء والصفات الإلهية حيث أن انبياء الله على اختلاف مراتبهم هم ظهور عدله وحكمته وعلمه و رحمته وغضبه راح ليدفع ضيق الرؤى بالبعض ان يرى محمدا سيد الكائنات حامل بريد كأعراب الجاهلية قبل ان يُحمّل اعباء الرسالة لإحياء البشرية بل رحمة للعالمين.

كما وأن بصمات الليالي والأيام والآراء والأذواق وقيود الحضارات كانت وما تزال مؤثرة مشهودة حتى بالنسبة الى مفاهيم كادت ان تكون بنفسها بديهية واضحة لولا أن ألقت هذه المؤثرات بظلالها عليها فخدشت معالم وجهها الناصع كمفهوم الخير والشر والحق والعدل فأصبح الخير مالا و الشر فقرا لا يتبادر الى الأذهان منهما إلا ذلك وقد كان قارون غنيا والأنبياء الكرام فقراء , هكذا هي الأذهان حينما أصبحت المجتمعات تعيش مادية الفكر حتى كاد أن ينسى المؤمن فضلا عن غيره أن الخير هو العقل و الهداية والتوفيق الإلهي لسلوك سبل الربوبية والثبات على الصراط المستقيم أجل من بعد ان كان للخير ابعادا كثيرة راح كل انسان ليراه بمنظاره حتى تضيقت دائرته عند الكثير في الدرهم والدينار و إن كانا هما من الخير لو سلك بهما صاحبهما مسالك الرحمة والجود ولم يصبح مثالا لقوله تعالى (إن الإنسان ليطغى إن رآه استغنى) وهم اكثرية البشر إلا من رحمه الله تعالى لزكاة نفس إشتعلت بمشاعل العلم و تأدبت بأدب الله تواضعا يسوق إلى معارج الربوبية.

هكذا راح الناس ليفسروا حتى البديهيات من المفاهيم كالخير والشر حينما عاشوا ليالي الغفلات بعيدين عن الغاية التي من أجلها خُلقوا المشار إليها بقوله تعالى : (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) كما وأنه تعالى ما بعث الأنبياء الكرام إلا ليقوم الناس بالقسط لكن العبادة التي هي واقع الحياة بكل أبعادها خُلقا ومعرفة وسلوكا على الصراط المستقيم بكل ما يحمل من أبعاد الحق في مقابل الباطل وما للعدل من رفيع مقام في مقابل الظلم والظالمين راحت لتصبح كل هذه الحقائق مجرد ذكر لفظي لا حراك ولا روح فيه حينما فسر للناس الذين هان عليهم دينهم شرع الله أصحاب المآرب والغايات بتبع الهوى وهكذا راحت لتفسر الجماعة بالأكثرية بدلا من أن تكون جماعة الإيمان و راح ليفسر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأمر بالصلاة و النهي عن شرب الخمر فقط تاركين ما لهما من واسع امر يدعو الى كل خير و يبعد عن كل شر و راحت لتفسر الطاعة بالإستسلام لمن ملك مقاليد الأمور و لو كان من الأشقياء و هكذا راحت لتفسر التقية بالصمت وهلمّ جرا راحت لتتصدع معالم الدين في كل مجالاتها بعد أن كانت رسالات السماء ثورة ضد الجهل و الظلم والظالمين وبتبع ما تقدم من البيان أقول إنه لابد من نظرة جديدة حرة و قراءة نزيهة لجميع معالم شرع الله كتابا و سنة وسيرة للمعصومين عليهم السلام حتى لا يكون شهود الحق من وراء هذه التراكمات التي املتها صحائف الأيام و أعطتها طابع الصدق حتى اصبحت وكأنها من مسلمات الشرع القويم التي لا يجوز لأحد التأمل فيها فضلا عن التشكيك او الحكم عليها بالبطلان.

و إذا كان كتاب الله تعالى ميزانا توزن به الأحاديث صدقا وكذبا وعليه يجب ان يعرض أيضا ما يدعى من سلوك للرسول و آله الكرام علي الكتاب المجيد حتى يضرب بما يخالفه من أمر عرض الجدار فإنه مما يجدر به أن يقال كيف يمكن العرض على كتاب الله وهو قد أصبح مهجورا بين المسلمين و كيف يمكن لمن لا يعرف القرآن ان يعرض عليه الأحاديث و سيرة المعصومين ولذا يجب الرجوع الى الكتاب المجيد اولا ليصبح ميزانا للحق حتى يطرح ما يعارضه من حديث او مالا يناسبه من سيرة تدعى بالنسبة الى المعصومين التي أريد منها ان تكون تجسيدا لأبعاد الحق والعدل لمن أراد الى ربه سبيلا لكن من المؤسف ان هذه أيضا أصبحت لا تروي لعشاق الحق إلا تأريخ ولادة او وفاة وكم هو عدد الأبناء والزوجات وبعض الفضائل والكرامات التي تنتقى بتبع الأذواق وقد يكون بعضها من الخرافات تاركين منها ما يكون يقظة للضمير و نورا للهدى ليكون سيرة و سلوكا للأمة في ظلمات الدهور.

و إذا كانت الغاية من بعثة الأنبياء عليهم السلام (ليقوم الناس بالقسط) و( أن الله تعالى لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لأطال ذلك اليوم حتى يخرج مهدي آل محمد (عج) لإقامة العدل وتطهير الأرض من الجور) فإنه يصبح لزاما على كل مؤمن ومؤمنة أن يراجع نفسه ويحاسبها قبل الحساب و كذلك قبل يوم الظهور هل هو وجد الدين في نفسه عدلا به قوام كل شيء فراح ليسعى لتحقيق العدل في نفسه و مجتمعه ليكون أهلا لذلك لو جاء يوم الظهور أم انه يحيي الأيام والليالي بالأدعية ويجري المدامع صبيحة يوم الجمعة إذا قرأ دعاء الندبة وهو في واقعه يعيش من اعوان الظالمين ولو بصمته عن الظلم والظالمين وهو يعلم علم اليقين أن تحت راية الظلم و إن تلبست بلباس الدين يفسر الكتاب المجيد بتبع الهوى وكذلك الروايات و تقسم الاموال كذلك و تقام الصلوات في معابد رب العالمين و لو بإمامة من هم من أشباه الحجاج بن يوسف الثقفي والحال ان شرع الله لا لبس فيه لمن عاش سيرة الرسول و الأئمة الكرام ولحسن الختام نذكر شواهد حق من سيرتهم العطرة لتكون ذكرى للذاكرين ومن أحب الحياة الكريمة ولم يغالط النفس بجعل الرجال موازين للحق فمن تلك السيرة العطرة لإصلاح النفوس ومعرفة الحق ما جاء عن علي (ع) :(إن الله جعلني إماما لخلقه ففرض علي التقدير في نفسي و مطعمي ومشربي و ملبسي كضعفاء الناس كي يقتدي الفقير بفقري ولا يطغي الغني غناه) وقال عليه السلام في موطن آخر : (إن الله عزوجل فرض على أئمة العدل أن يقدروا انفسهم بضعفة الناس كي لا يتبيغ بالفقير فقره).

وقد ورد عنهم عليهم السلام (إن قائمنا أهل البيت إذا قام لبس ثياب علي عليه السلام وسار بسيرته) وقد جاء عن علي عليه السلام في سيرة رسول الله (ص) (إنه كان طبيبا دوارا بطبه) أي أنه كان يخالط الناس ويعيش حياتهم ويصلح حالهم بما أوتي من علم ومال ولم يعش العزلة عن مأساة الأمة .

وقد ورد عن الحجة (عج) بالنسبة الى من هم فقهاء الأمة الذين يجب الرجوع اليهم : (وأما الحوادث الواقعة فإرجعوا فيها الى رواة حديثنا…) و الحوادث كما يعلم الجميع ليست حكما شرعيا وإنما هي ما تعيشه الأمة لكي يكون الفقيه مرشدا يعيش احزان الأمة و مأساتها لتقتدي به الأمة لمعرفة مناهج الانبياء والأئمة الكرام.

والبصير يعرف الحق بالحق لا بالرجال إلا من وجدهم ميزان صدق به شهود سيرة الأنبياء والأوصياء الكرام جعلنا الله و إياكم ممن عاش البصيرة لشهود الحق و العمل به والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

--------------------------------------------------------------------------------

 

مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني

كما يمكنكم متابعتنا على كل من 
للتواصل معنا:
kazemalkhaghani@gmail.com