المحاضرة الثالثة
لا ظهور إلا بعد اليأس من كل داعية عدل
كذب الوقاتون ، لكن انتظار الفرج من الإيمان و التفاؤل
بالخير خير و علائم الظهور كثيرة ربما رآها المؤمنون في كل زمان و عصر متجلية
لسلطان الظلم و الجور على وجه الأرض طيلة القرون و بالأخص باسم الدين منذ قبض الله
تعالى
نبيه الأكرم إلى يومنا هذا حتى من كان من مظاهر تجليات الحق تعالى كعلي و
الحسن عليهم السلام ما تمكنا من
بسط شرع الله علما و عملا لرسوخ رواسب الجاهلية في أذهان الأمة الإسلامية و
الأسماء لا تحقق المسميات و لو قيل لشخص خليفة أو العالم النحرير.
و من أهم هذه العلائم إن لم تكن أهمها على الإطلاق هي
أنه لابد أن تحكم جميع الأمم على اختلاف مذاهبها و مسالكها دينية كانت أو غير
دينية حتى لا تقول طائفة من الطوائف لو حكمنا لعدلنا كما تقول الروايات.
إذا لابد من مجيء منقذ بشري تقام به الحجة و تطبق
بواسطته شرائع السماء و تخرج الأديان من الفرضية إلى واقع التطبيق من بعد ما تملئ
الأرض جورا و ظلما و هذا مما اتفقت عليه كلمات المسلمين و ما أنكره إلا شرذمة من
الجهال من أبناء العامة الذين لم يحيطوا علما بمصادر الأحاديث في مذاهبهم و لذا
قال بعض أكابر علماء العامة ) : منكر المنقذ
من آل الرسول كافر لأنه ينكر ضرورة من ضروريات الدين) .
نعم إذا سقطت جميع الأقنعة و انكشفت الوجوه لدى كافة
الناس بواقع معالمها بلا أي حجاب و ستر بعد ما يحكم الجميع على اختلاف المذاهب
يهودية و نصرانية و مسلمة سنية و شيعية و يعيثوا في الأرض الفساد باسم الشرائع
السماوية و يحكم أيضا من يدعي العدل و الحرية و الديمقراطية كالعلمانيين و غيرهم و
من قد سقطت أنظمتهم و ثبت زيفهم من دعاة الاشتراكية و الشيوعية و ظهر أنهم جميعا
لا يريدون إلا الوصول إلى مآربهم جاعلين الحرية شعارا و جسرا للتسلق إلى الكراسي و
العروش فإنه من بعد ذلك يأتي زمن الظهور و تطهير الأرض بواقع العدل و الحق من دعاة
الإصلاح الكاذبين حينما تيأس البشرية من كل منقذ و مدع .
أجل نحن في زمن سقطت فيه الأقنعة لدى ذوي الرأي و ستسقط
يوما بعد يوم أكثر فأكثر حتى و لو بقي لحد اليوم بعض الملثمين فإن أقنعتهم ستسقط
عن قريب بمشيئة الله تعالى و ستظهر
أنياب قوم ظنهم البسطاء من الأبرار و كيف يبقى الذئب راعيا و الليل حاكما و النفاق
باسم الله و رسوله رائدا .
و ليس الصلاح و الوعي و الحق و الرشاد بإحكام قراءة كتاب
الله عزوجل و قد أحكمه
من ذي قبل الخوارج أصحاب الجباه السود و لكن ما كان ليتجاوز حناجرهم.
فندعو الله تعالى
بأن يكون الفرج قريبا و أن يوفقنا لنعد العدة طهرا و زكاة للنفوس بالعلم و
العمل الصالح لنصبح عند الظهور من أهل الولاية حقا السائرين في ركب قائد السلام و
المستشهدين تحت رايته الغراء إنه تعالى ولي التوفيق و إلا فعند الظهور قد يكون وقت
الندم قد فات .
و لكن هناك رواية تخوفني و هي التي تشير إلى أن الشمس
ستبزغ و تشرق من المغرب فإنها لو لم يرد منها تغيير نواميس الكون و هو ما قد يكون
مستبعدا ،فإني لا أظن أن الرواية تشير إلى تغيير النواميس و السنن الكونية بل
لعلها تشير إلى أنه تعالى سيبدل هذه الأمة المسلمة العربية و غيرها بأمم من الغرب
يكونون أكثر وعيا لشرع الله تعالى القائم على
العلم و الدليل و البرهان حيث تكون تلك الأمم بعيدة عن روح المجادلة و المشاكسة و
العناد و الأحقاد الدينية و تقديس الرجال من الصحابة و العلماء بدلا من تقديس شرع
الله القويم و نحن نعيش هذا الواقع المرير المؤسف بعد مرور أكثر من أربعة عشر قرنا
على وفاة رسول الله (ص).
المطلب الآخر في المقام هو ما تشير إليه الروايات من إنه
لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها فهناك أمر يجزم به كل موحد عارف أن الحجة لله تعالى
على عباده و لا يجعل لأحد حجة على نفسه فله الحجة البالغة على عباده في الدنيا و
الآخرة و لابد من الالتفات في المقام إلى قصة موسى و الخضر (ع)و إن القرآن
لا يأتي بالقصص إلا بما له دخالة بالعبر أو العقيدة و الشأن الرسالي و بما يدخل في
واقع الحياة .
فإن مثل هذه القصص تشير أن هناك من يحكم من الأولياء
بواطن الأمور و يصلح قوام الدنيا و هناك من يحكم الظاهر من الأولياء كأكثر أصحاب
الرسالات السماوية و إن الدنيا لا يستقيم أمرها إلا برجال الإصلاح في ميادين
الباطن و الظاهر .
فحاجة الأرض دائما إلى مصلح يصلح بواطن الأمور و يكون
قوامها مما تشير إليه قضية موسى و الخضر B
, فالخضر أحد القادة المصلحين لما يختل
من بواطن الأمور و الحجة المنتظر هو الولي المطلق للإصلاح لشأن الدنيا باطنا و
ظاهرا عند الظهور لإقامة العدل الإلهي على وجه الأرض و إلا لساخت الأرض بأهلها و
لا أريد أن أقول هذا هو تمام المراد من لساخت الأرض بأهلها بل من جملة المراد
إصلاح بواطن الأمور التي لا تقام إلا بأولياء الله تعالى
الذين أرادهم لإصلاح البواطن كما و أن الخضر كذلك بقدر و الولاية المطلقة
في زمن الغيبة للمهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف و لا ندري كم أصلح من أمر و أقام
من ركن و أزال من فساد أمر كما صنع العبد الصالح من قتل غلام و إقامة جدار و خرق
سفينة و لا ندري كم من قضية أرشد إليها أصحاب البصائر و العلماء الأبرار سواء
كانوا ملتفتين أو غير ملتفتين إلى أنفاس قدسه على اختلاف مراتب الأولياء و
الصالحين .
فإذاً من جملة ما يمكن أن يراد من لساخت الأرض بأهلها
أنه عجل الله تعالى فرجه الشريف من أعاظم مصلحي بواطن الأمور في الأرض و أن قضية
موسى و العبد الصالح لإلفات نظر الصاغين بإمعان إلى أن هناك مصلحين لا تخلو الأرض
منهم و إن هذه القصص لإلفات الأنظار إلى واقع يحكم الأرض طيلة القرون و لا يختص
بزمان دون زمان و لا بعصر موسى (ع)بل الإصلاح
الباطني من لوازم دار الدنيا .
و قد قلنا إن الروايات تؤكد أنه لو لا الحجة لساخت الأرض
بأهلها و لا نريد أن نتكلم عن هذه الروايات من منطلق الولاية فللبحث فيها من هذا
المنظار باب واسع على اختلاف المسالك فيها عرفانا و فلسفة و شرعا بما يمكن أن
يستفاد من الكتاب و السنة.
و لكن البحث عن هذه الروايات هاهنا من حيث الولاية
الباطنية فنقول :قد تجلى الله تعالى
لموسى (ع)بلا واسطة
فخر صعقا و قد تجلى لمحمد (ص) ليلة المعراج
أو ليالي المعراج بلا واسطة في ميادين النور بعد تجاوزه سدرة المنتهى فكان كما قال
تعالى (: دنا فتدلى * فكان قاب
قوسين أو أدنى) و قال: تعالى
ما زاغ البصر و ما طغى * و ما كذب الفؤاد ما رأى)
فهو قرب كان ظهورا لموازين الاعتدال لشهود مراتب الشهادة و الغيب بالبصر و
الفؤاد و هاهنا تظهر معاني الولاية و القرب و قد أشار الإمام الصادق حينما سأله
السائل لماذا عرج برسول الله (ص) قال : } ليكشف الله له سبعين ألف حجاب من النور و ليتشرف به سكان
السماوات { .
و سأشير إلى مسألة الولاية و المعراج إن شاء الله في
الأجزاء الأخر و لكن قضية الخضر Bإنما هي مثال
لذوي الألباب لثبوت الولاية الباطنية و إنها من سنن الله تعالى
على وجه الأرض و إن الأرض لا تخلو من هذه الولاية و الحجة عجل الله تعالى
فرجه الشريف هو الولي المطلق منذ زمن الغيبة ليومنا هذا لإصلاح بواطن الأمور و أما
أن هناك عقولا لو جيء لها بألف دليل و دليل لا تصغي للسماع فضلا عن القبول لأنها
ترعرعت على الأحقاد و إلغاء الآخرين لحضارة الجاهلية المبنية على القهر و
الاستبداد و العناد.
فلا أظن من العقل و الدين بعد ألف و أكثر من أربعمائة
سنة أن نبقى مصرين على هديهم و قد أراد الله لهم العمى فهؤلاء قد تجاوزهم الزمن و
عدهم من أحاديث الغابرين ناصحا إياهم أن يصلحوا مستقبلهم قبل الظهور لمهدي آل محمد
(ص)فإن زمن التكفير و التهريج و استغلال عقول بسطاء الخلق
قد تولى و لو أصبحوا جميعا انتحاريين و عاشوا جحيم الدنيا قبل الآخرة .
و لسنا بصدد محاجتهم و قد أعمى الله تعالى
قلوب أسلافهم عن شهود معالم الكتاب المجيد الذي جعل تعالى معالمه بينه
واضحة جلية لذوي البصائر و الألباب لا لأهل العمى و العناد حينما قال علي (ع)
لعبد الله بن عباس :لا تحاجوهم بالقرآن فإنه حمّال أوجه .
نعم إنه
حمّال أوجه ببصيرة المحجوبين المعاندين الذين يبحثون عن الشبه و أبواب الجدل و
الهروب عن الحق .
فنقول بعد الإعراض عن هؤلاء: إن القرآن
تكلم عن أمور كخلق السماوات السبع في ستة أيام و انفلاق البحر و إحياء الموتى و
النفخ في طين ليصبح طيرا كما ورد }أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ
فيه فيكون طيرا بإذن الله تعالى و أبريء الأكمه و الأبرص و أحيي الموتى بإذن الله
و أنبئكم بما تأكلون و ما تدخرون في بيوتكم { و عن إحضار
عرش بلقيس و شفاء المرضى و عن إسراء و معراج يتحدث فيه عن سفر كوني في جميع
العوالم من عالم الشهادة إلى مراتب الغيب حتى بحور عالم النور الذي كشفه الله U
لنبيه و ربما
استخدمت في بعض المواطن كلمة كن الوجودية متجاوزا الحق تعالى موازين العلل و
الأسباب فمثل هذه الحقائق بمراتبها العلمية ما كان لها محل يفترض في زمن يخاطب فيه
سيد الكائنات محمد 2الأمة قائلا
سلوني عما قبل الساعة فيسأله سائل :هل أنا ابن أبي و يقول له آخر و هو من
أكابر المهاجرين لا تفضحنا يا رسول الله فيما ارتكبنا أيام الجاهلية ظانا على قدر
علمه و مبلغ طهارة نفسه أن محمد o
يريد بقوله سلوني أن يفضح الناس و يكشف سرائرهم أو يهتك أستارهم بما فعلوا
من قبيح أمر في ظلمات ليالي الجاهلية .
و كذا استمرت هذه الأمة في تدهورها و عدم وعيها و خلدها
إلى الأرض حينما خاطبها علي j
قائلا سلوني قبل أن تفقدوني يقوم له أحد المسلمين قائلا: كم شعرة في
لحيتي يا على .
فإذا لا بد من يوم يتحقق فيه كلما ورد من واسع علم أشار
إليه الله تعالى في كتابه
المجيد لكي لا تصبح ادعاءات في زمن العلم و المعرفة و لكي يعلم من ظنوا أنهم بلغوا
الرقي في العلم أنهم يعيشون البداوة بالقياس إلى ما اخبر به القرآن المجيد حاكيا
طيا لجميع الكائنات ليلة المعراج في أقل من لحظة و اللحظة كثيرة.
فماذا يشرح
محمد (ص) أو علي (ع)من بطون و
أسرار لهذا الكتاب المجيد إذا كان بعض أكابر الصحابة يتخوف من فضيحة و عامة الناس
يبكون فهذا الكتاب الذي هو تبيان لكل شيء لم يشرح بعد و لابد أن تشرح بطونه
اللامتناهية و يتحقق كل ما ادعى فيه من أمر في زمن أهله يصغون إلى محافل العلم كما
و أنه لابد أن تطبق الشريعة لتخرج من الفرض إلى مقام التطبيق في ميادين العدل و
مكارم الأخلاق و كيف تستخدم الأسباب في إحياء الموتى و ما تقدم من أمور وردت في
هذا الكتاب و كيف يتحقق تجاوز عالم الإمكان في لحظة واحدة بكلمة كن الوجودية.
المصدر للحديث الوارد عن الرسول و ما ورد عن أنس بن مالك
في موسوعة الحديث النبوي الشريف المطبوع في دمشق حيث يشير الحديث أن النبي o في أواخر أيامه جمع الناس و خاطبهم
: } سلوني عما قبل الساعة{ فراح الناس يبكون و بعضهم
يسأل هل أنه ابن أبيه و صحابي يسأل الرسول أن لا يفضحهم بما ارتكبوه في الجاهلية و
كأنه (ع) يقرأ
على مسامع المسلمين استشهاد الحسين Bليكون داعيا للبكاء و النحيب بدلا من أن يكون
داعيا إياهم لطلب المزيد من العلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق