الخميس، 25 أبريل 2013

@ لماذا الله تعالى لم يجعل الأرض تحت قبضة أولياءه الصالحين سليمان بعد سليمان؟



كتبت من محاضرة صوتية ألقاها الشيخ في الكويت قبل سنين

لو شاء اللَّه تعالى لسلّط على الأرض سليمان بعد سليمان، وسلّط على الأرض علياً (ع)، ثمّ من بعده الأئمّة الأطهار، ثمّ جعل الأرض مستمرّة تحت قبضة أوليائه حتى لا يتسلّط عليها الماكرون والمنافقون والمراؤون، ولَجلس كلّ ماكر في بيته خائفاً على نفسه، لكنّ المشيئة الإلهية اقتضت أن تكون الأرض دائماً إلاّ ما ندر لفترة زمنية ليبثّ فيها اللَّه تعالى أنوار الهداية فقط، فإذا تمّت أنوار الهداية على وجه الأرض فتح المجال مرّة ثانية ليحكم على الأرض الطواغيت، لكي يختبر الناس بواسطتهم؛ لأنّ الدنيا كما يعلم الجميع هي دار اختبار واختيار، فلو سلّط اللَّه تعالى أولياءه على وجه الأرض لبقيت الضمائر مستورة، ولما ظهرت الضمائر، ولما برزت، ولتساوى في الأرض من كان كعمّار ومالك والمقداد وهشام بن الحكم، مع المغيرة بن شعبة ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وما شاكلهم من المكرة المجرمين.
فإذن: لا يتصوّر متصوّر، ولا يلقّن نفسه ملقّن: أنّ اللَّه تعالى ونبيه الأعظم (ص) والإمام علي (ع) أرادوا تحكيم رسالة السماء على وجه الأرض، وسبقهم السابقون إلى ذلك.
لو أراد اللَّه تعالى أن يسلّط علياً (ع) بعد وفاة رسول اللَّه (ص) لما كان لأي إنسان أن يتكلّم وأن يتحرّك، لكنه تعالى ــ من بعد تمامية البيان، ومن بعدما أتم الحجة والبرهان على البشرية وعلى المسلمين خاصة ــ ترك الأمر لهم، لكي يختاروا، فاختاروا ما شابههم وما شاكلهم عقلاً وديناً.
أين المسلمون ومراتب نفوسهم من علي (ع) ؟ أين النور والرحمة والصفات الإلهية التي تجسّدت وتمثّلت في إمام المتقين من أمة أظهر نواياها القرآن المجيد حينما قال: { وما محمد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} ([1][1]) ؟ فهذه الآية الشريفة لو طرحت على كلّ إنسان نزيهٍ عن العصبية وعن متابعة السلف مؤمناً كان أو غير مؤمن لتوجّه بكلّ وضوح إلى أنّ المنقلبين على الأعقاب ليسوا من عاش البادية كما قالوا وزعموا في حق الرجل الصالح، وهو مالك بن نويرة. وليس المنقلب على العقب مسيلمة الكذاب، ولا المنقلب سجاح، ولا طليحة، ولا الأسود العنسي، فإنّ هؤلاء أظهروا خلافهم وادّعوا النبوة في عهد رسول اللَّه (ص) ، فما كان فعلهم انقلاباً على الأعقاب بعد وفاة الرسول (ص) ، وهذا التاريخ يقول: إنّ رسول اللَّه (ص) سمى مسيلمة
بـ ( مسيلمة الكذّاب) ، وأظهر الرسول أكاذيب هؤلاء الجمع الذين ادّعوا النبوّة، فما كان انقلاباً، ولا نفاقاً، بل كان ارتداداً عن الإسلام في عهد رسول اللَّه (ص) .
فهذه الآية صريحة، تتكلّم حول مَن كانوا في كنف وفي جنب رسول اللَّه (ص) ، فالانقلاب انقلاب الأمة بعد رسولها الأعظم حينما بدأ الخلاف وبدأت المنازعات، وتخلّف الجماعة عن أوامر الرسول (ص) في جيش أسامة، ولا أظن أن تاريخاً سنّياً أو شيعيّاً يتردّد في كون الجماعة كانوا في الجيش الذي أمره الرسول الأعظم بالتوجّه للغزو في حياته، ولم يتردد متردد في مخالفتهم لأوامر الرسول الأعظم.
فإذن: نقول: بمناسبة قرب شهادة إمام المتّقين علي (ع) لا يتصوّر متصور أنّ اللَّه أراد أن يحكّم أولياءه على وجه الأرض، وما تمكن من ذلك؛ وذلك لأنّ غاية ما تحمل رسالات السماء هو البيان بقدر البشارة والنذارة، فلو سلّط اللَّه تعالى علياً على وجه الأرض لما اختبرت الأمّة ولما كان الناس يختلفون في طبقاتهم، ولولا شدائد الأمور لما وصل الأبرار إلى منازلهم، فلولا شدائد الأمور وكون الأمور بيد الطواغيت لما وصل أمثال حجر بن عدي الكندي إلى ما وصل إليه حينما بُعّد إلى الشام ثم من بعد أيام جاء الأمر من قبل معاوية بضرب أعناق سبعة على رأسهم حجر بن عدي الكندي، فلما جاء الأمر بتنفيذ حكم القتل بالنسبة إلى هؤلاء الأبرار وإذا بحجر بن عدي يقف ويقول لابنه: تقدّم يا بني لكي تضرب عنقك أمامي، فسأله السائل وتعجب منه: إنّك كيف تقدّم ابنك للقتل وتتأخّر عنه؟ قال: إني عاشرت رسول اللَّه (ص) وعاشرت علياً ولا أتردّد في أمر، ولكن مخافتي على هذا الشاب أن يضعف من بعدي، فأريد أن يطمئن قلبي أنه لا يتردّد بعد ذلك. فبهذه النفوس، وبهذا الإيمان واليقين قدموا على اللَّه تعالى.
فإذن: أراد اللَّه تعالى لأوليائه الاختبار، فلولا المحن والمشاكل لما وصل الناس إلى منازلهم، فهذا ينال الشهادة، وهذا يعيش السجون، وذاك يعيش الإرهاب من قبل الطواغيت، وهذا يكون مشرّداً من بلاد إلى بلاد أخرى، وهذا يتعدّى على عرضه كمالك بن نويرة، وهذا يتعدّى على ماله، فثبت المسلمون الأتقياء يدافعون عن دينهم وعقيدتهم لكي يفتح باب الرشاد أمام الذين يريدون الرشاد، وكذا لمن أراد الضلالة واتباع الشياطين فتح لـه الباب أيضاً، وإذا بعمرو بن العاص على ملأ الأشهاد مع معاوية خال المؤمنين، كاتب الوحي كما يزعمون, يقول له: أساعدك على علي (ع) على أنّ لي مصر طعمة.
هكذا كان التعامل! هكذا وقف الذين يدّعون ما يدّعون! أين كانوا حينما كانت الحروب في عهد رسول اللَّه (ص) يفرّ الواحد منهم ثم يأتي بعد ثلاثة أيام، فيقول لـه الرسول: ذهبت بها عريضة؟! والأول والثاني يفرّان ويكاتبان أبا سفيان ويطلبان منه الأمان، فلمّا تمّ الأمر وانتهى وإذا بهما يتقدّمان على كل أحد!
فهذه عقيدتنا، عليها نعيش ونموت، واللَّه يعلم أنّ كلّ إنسان لو نظر إلى التاريخ بلا عصبية، ولو نظر إلى كتاب اللَّه وسيرة رسوله بلا عصبية لاهتدى الى سراط الله المستقيم، لكن إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، فإنّ المنهجية في المقام هي: وجدنا آباءنا !
هذه مقدّمة، والآن نأتي إلى البحث الذي نريد أن ندخل فيه:
فالمسألة التي نريد أن نتكلّم عنها هي مسألة التربية الإسلامية. قال علماء التربية: إنّ أول قدم يجب على الإنسان أن يرفعه هو أن يستيقظ من نوم الغفلة، وقد تقدّمت الكلمات عن اليقظة من بعد مرحلة عدّ النعم والتوجّه إلى اللَّه تعالى.
فالمرحلة الثانية هي أنه على الإنسان أن يعلم أن اللَّه تعالى كما وصف نفسه بالرحمة وصف نفسه بالغضب والجبّارية، فليس مؤمناً من نظر إلى اللَّه تعالى فقط وفقط من جانب الرحمة والعطف، وليس بمؤمن أيضاً من نظر إلى اللَّه تعالى من جانب السخط والغضب والانتقام، لأنّ مَن يئس من رحمة اللَّه ليس بمؤمن، كما وأنّه من تمادى في غيّه اتّكالاً على الشفاعة والعفو ليس بمؤمن، فالمؤمن من عرف اللَّه بنعمائه وجوده وكرمه وعفوه، وعرف أنّ اللَّه عند الانتقام شديد العقاب.
فكم من أمة من بعدما أتم اللَّه عليها الحجّة وتمّ الدليل والبرهان في حقّها ورآها اللَّه تعالى أنها قد وصلت إلى مرحلة الظلمة التامّة بعد ذلك أنزل عليها غضبه.
فاليقظة تحتاج إلى توبة، فمن لم يتب من الذنوب تمادى فيها، وكما أشار اللَّه تعالى { ومن شرّ غاسقٍ إذا وقب} ([2][2]) يعني: عليكم أن تستعيذوا من شرّ الظلمات إذا دخلت، فإنّ الخطر كل الخطر في دخول الظلمات وبداياتها، فمن تساهل في دخول الظلمة بقدمها الأول هانت عليه الظلمة بقدمها الثالث، وإذا أخذ يرفع قدماً بعد قدم لعلّه يصل إلى مرحلة لو جاء الأنبياء والأوصياء إلى استخراجه من ظلمته لما أثّر فيه كلامٌ ولا هداية ولا رشاد.
فلذا على الإنسان أن يعالج نفسه بالتوبة إلى اللَّه، وليعلم أنّ من تاب ورجع إلى اللَّه تعالى بقدم كان اللَّه توّاباً رحيماً، ولو توجّهت إلى اللَّه بقدم لاستقبلك اللَّه تعالى أميالاً لا تعدّ ولا تحصى.
فإذن: أنت تتوب، واللَّه هو التوّاب الرحيم، وأنت تتراجع من خطأ، واللَّه تعالى يفتح المجال لكي تتراجع من خطأ آخر ويغفر لك الذنوب، فإذا رأى فيك أنوار الهداية أخذ يساعدك ويفتح لك المجال لكي تتقرّب قدماً بعد قدم حتى تستخلص، وينتهي كلّ ما أنت فيه من الأخطاء حتى يصل الأمر إلى رجوع الإنسان من الظلمات إلى مرتبة عظيمة من الأنوار، ثم يسير من نور إلى نور، ونحن مع ما فينا من الذنوب والأخطاء نقول للَّه تعالى: إلهي أنت الذي استخرجت وأنقذت امرأة فرعون من يد فرعون، فأنت قادر أن تستنقذ هذه الأمة ممّا هي فيه، وأنت الذي استنقذت السحرة الذين بنيت حياتهم على السحر ومشاركة الطواغيت كفرعون فأخذت بهم إلى الهداية والنور فأنت القادر المطلق أن تستنقذنا من ذنوبنا وممّا نحن فيه، فلا نيأس من رحمة اللَّه، ولا نبرّىء أنفسنا، فإنّا خاطئون، لكننا لا نيأس من روح اللَّه، ولا نطمئن أيضاً من أخذ اللَّه تعالى وغضبه، فكم من إنسانٍ كان من حواري رسول اللَّه (ص) فأصبح من العاصين المنقلبين على الأعقاب! فهذا الزبير وقد كان من حواري رسول اللَّه (ص) ، يقول علي (ع) حينما وجده صريعاً نظر الى سيفه، فقال: ( إنه لسيف طالما جلى الكرب عن وجه رسول
اللَّه
لكن الآن وميتة السوء(ص) ) ([3][3]) فهذه منزلة عظيمة، وهي كشف الكرب عن وجه
الرسول
لو استقام على الطريق ولم يصبح من المنقلبين على الأعقاب(ص) .
فإذن مهما نكن من المؤمنين فعلينا أن لا نصاب بالعجب والغرور كما أصيب إبليس من جرّاء عبادته ستة آلاف سنة، وعلينا أن نلتفت إلى أنّ هناك أقداماً ارتفعت نحو الهداية ثم ضلّت الطريق وأضلّت غيرها، وهناك أقداماً سارت المتاهات فترة طويلة من الزمن ثم أنقذها اللَّه تعالى مما هي فيه من الظلمات، فأنقذ السحرة، وأنقذ امرأة فرعون، وأنقذ الحرّ بن يزيد الرياحي، وأنقذ الكثير من الناس الذين كانوا في أحضان الطواغيت.
وإذا نظرنا إلى جانب آخر نرى كم من إنسان مؤمن وقف بإيمان وإخلاص كالزبير بن العوام، وكثير من الأنصار وأضرابهم، وإذا بهم زلّت أقدامهم عن الطريق.
فإذن: علينا ــ من أجل اليقظة ــ أن نرفع القدم الأول وهو قدم التوبة، فإذا الإنسان تاب إلى اللَّه يصل به إلى سبل الهداية.
والمسألة الثالثة هي سيرة علي (ع) ، فقد ورد في التاريخ بأن الناس بايعوا بيعة عامة إلاّ ثلاثة نفر، وقيل: سبعة، وقيل: ثمانية، منهم مروان بن الحكم، وكلكم تعرفون مروان وآباء مروان طريد بن طريد، قد حكم عليه الرسول (ع) ، وهو صاحب العفو وصاحب الرحمة الذي عفى حتى عن أبي سفيان، حتى قال كلمته الخالدة: من دخل دار أبي سفيان كان آمناً، فالرسول الأعظم (ص) بهذا العفو العظيم ما عفى عن أمثال مروان وآباء مروان، وإذا بالخليفة الثالث ــ مع كلّ الأسف ــ يجعل وزراء الإسلام والمستشارين في أمور الإسلام والمسلمين الطريد لرسول اللَّه وابن الطريد مروان بن الحكم وسعيد بن العاص والوليد بن عقبة، هؤلاء هم الذين خالفوا علياً ولم يبايعوه، وتاريخهم الأسود لم يخف على أحد، سواء كان من أبناء الشيعة أو من أبناء السنة.
فكان الوليد لسان القوم، فقال مخاطباً لعلي (ع) : يا هذا، ويقصد أمير المؤمنين (ع) .
وهنا يجب التوجّه إلى أمر، وهو: أنّ كل قانون إذا لم يكن في مكانه المناسب لـه يورث المشاغبات، فأمة اعتادت في زمن الخلفاء على كون الجواب بالسيف من بعد وفاة الرسول (ص) حتى جاء دور الإمام علي (ع) ، فاعتادت الأمة أن لا كرامة لها، وأن المتكلّم جوابه بفم المدفع والسيف، فهذه التربية نشأ عليها المسلمون، فمن يبايع يبايع، ومن لم يبايع يقتل، ومن يأتِ يأتِ، ومن لم يأت يتّبع. هكذا رُبّي المسلمون بعد وفاة الرسول (ص) ، فكيف بهذه الأمة لو جاءها متكلّم وقال: من شاء منكم أن يبايع فليبايع، ومن شاء منكم أن لا يبايع تجري إليه عطاياه، ولا يقطع راتبه، ومن أراد البقاء معي كان مكرّماً مجلّلاً، ومن أراد الوصول إلى معاوية أو غيره من المخالفين فتحت له الطريق للوصول إليهم.
فأمة اعتادت على الاستبداد فرأت حرّية، فأخذت لا تتحمّل، وأخذت تطغى، وأخذت إذا صعد أمير المؤمنين (ع) يخطب فيهم فهذا يسأله: كم شعرة في لحيتي، فلو كان المتكلّم الحجاج بن يوسف الثقفي لكان تحت المنبر حقيراً ذليلاً؛ لأنه يعلم أنه يُقتل، وقبيلته تُقتل ونساؤه تسبى. لكن لما وجدوا الحرّية، ولمّا وجدوا معنى الإسلام الحقيقي، وهم بينهم وبين الإسلام ما بين السماء والأرض، تمرّدوا، فأين المسلمون من الإسلام؟ أخذوا يلعبون ويتجاسرون.
شخص لا يفهم الأدب، ولا يفهم الثقافة، وتريد أن تخاطبه بعظيم لسان الأدب والكرامة، إنّ الأمة تعيش البدايات، والانحطاط، وتعيش البعد عن كل القيم الإسلامية، وإذا بعلي (ع) يريد أن يخاطبها بروح النبل والعظمة والحرية، فأخذ الناس يتجاسرون عليه.
أجل، كل قانون إذا لم يكن في محلّه وزمانه، فإنّ الناس يتخبّطون ويتجاسرون، ويخرجون عن الموازين، لكن كل يعمل بمعدنه.
وليُعلم: أنّ هذه القوانين المعبّر عنها ــ بالقانون الجديد ــ بالديمقراطية مع ما فيها من الأخطاء، لو جئنا بها من الغرب وطبّقناها في بعض المناطق التي لا تعرف الثقافة لأكل بعضهم بعضاً؛ لأنه اعتاد إذا لم يخَفْ يتعدّ على كل شي‏ء، فهو لا يمكر ما دام يرى السيف على رقبته، ولا يأكل الأموال ما دام يرى السيف على رقبته، ولا يقتل أخاه ما دام يرى السيف على رقبته، فتراه يسير كأنه إنسان، لكن بمجرد أن يعلم أنّه لو تكلّم لا يقتل ولا يؤخذ بذنبه تختلف الأمور تماماً، ولا يمكن أن يطبق القانون أبداً.
فمن الأمور التي دعت الناس والمسلمين إلى التجاسر على علي (ع) وأن يرتكبوا ما إرتكبوا حينما رأوا ديمقراطية مثالية لا يمكن أن توصف أبداً بوصف في أمة اعتادت على القمع والذل.
لقد جاء علي (ع) بمثالية لو مرّ على تاريخ البشرية ألف سنة بعد اليوم وهي تسير التكامل لا يصل إليها الناس، فعلي (ع) يتكلّم عليه الناس فيعفو، ويتجاسر عليه الناس فيصفح، ويخاطبه أحدهم: إنّي لا أبايعك، فيقول (ع) لـه: إنّي كفيلك، فهذه الأمور سبّبت ضعف حكومة علي (ع) .
وهناك أسباب عديدة أخرى نتطرّق إليها إن شاء اللَّه، فعلي (ع) يريد تحكيم القانون والمثالية التي جاء بها الرسول (ص) { وإنّك لعلى خلقٍ
عظيم} ([4]
[4])، فالخلق العظيم أين هو؟ وأين المسلمون الذين لا يعرفون الحق والعدل واعتادوا أن يعيشوا تحت ظلال السيوف؟ لكن لم يتأثّر لما جرى؛ لأنه جاء ليطبّق القانون، وإن شاغبت الأمة، لكي يجعل نبراساً تهتدي به الأمم إن شاوؤا الهدي الى ربهم إلى أن يظهر صاحب الأمر عجل اللَّه تعالى فرجه، فقال لـه الوليد: ( يا هذا) انظر إلى تعبير هذاالجاهل حينما يأمن العقوبة وحيث يقول ايضا: ( إنّك قد وترتنا جميعاً) يعني: ليس عندنا إنسان من قريش إلاّ وهو يطالبك بدم، فلمن هي هذه الدماء النزيهة التي سفكها علي (ع) ؟!!!
قال الوليد : ( أمّا أنا فقتلت أبي يوم بدر) فإن كان هناك اعتراض فهو على اللَّه ورسوله، وإن كان هناك اعتراض فهو على أبيك المشرك الذي طالما خالف ونازع وحارب الرسول الأعظم (ص) ، فأين المسلمون من مثل هذه الكلمات التافهة؟ واللَّه لو كان يعلم أنّ هناك رجالات إسلامية حقيقية لبقي أمثال الوليد في بيته خائفاً، لكنّه يعلم أنّ لـه أعواناً، فراح يطالب علياً بواقعة بدرٍ التي كانت بأمر اللَّه ورسوله.
ثم قال: ( وأما سعيد بن العاص فقتلت أباه يوم بدر، وكان أبوه من نور قريش) .
وهل يوجد عجب أكثر من هذا؟! فرجل مخالف لرسول اللَّه (ص) ويقتل بأمر الرسول (ص) يعتبر من نور قريش!
أنظر إلى القيم التي وصلت إلى هذا الحضيض؛ حيث تفتح الأبواب لأمثال الوليد ليقف ويتبجّح بأبيه المشرك، فأين كان المسلمون؟ وأين كانت القيم التي فتحت الباب لأنْ يتكلّموا بمثل هذه الكلمات؟
( وأما مروان فقد شتمت أباه) .
أولاً: فليعرف الجميع أنّ علياً أرفع وأعلى من أن يشتم أحداً، وهو القائل: ( إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين) ([5][5]) ، يقيناً قال كما قال رسول اللَّه ( إنّه طريد وملعون ومتبع ومهدور الدم) هذه كلمات رسول اللَّه (ص) ، وليست بكلمات علي، فهم موتورون من رسول اللَّه (ص) ، وما تمكّن متمكنهم أن يتكلّمها باسم الرسول (ص) ، والرسالة، ولكن فتحت لهم الأبواب من يوم السقيفة وما بعد لكي يتكلّموا بها مستهترين تحت ألوية أخرى من ألوية النفاق .
( وأمّا مروان فقد شتمت أباه، وعبت على عثمان حين ضمّه إليه) .
فكأنّه يشكل على علي (ع) بالنسبة إلى أبي ذر وعمّار، وأمثال هؤلاء البررة، فهو يشكل على علي (ع) لأنّه تكلّم على مروان الطريد بن الطريد، طريد الرسول (ص) .
ثم يقول: إنا نشترط شروطاً عليك يا علي لكي نبايع، فقال علي (ع) فما هي شروطكم؟
فقال: ( فنبايعك على أن تضع عنّا ما أصبنا) ، يعني كلّ السرقات ونهب أموال المسلمين، والباب الذي فتحه لنا الفاتحون وسلبنا المسلمين في كلّ أقطار العالم، فنحن نريد أن لا تحاسب عليها أحداً منّا ( فنبايعك على أن تضع عنّا ما أصبنا) وهذا منطق إسلامي جميل!
( وتعفي لنا عمّا في أيدينا وتقتل قتلة صاحبنا) ([6][6]) يعني عثمان.
وأمّا الجواب لعلي (ع) فيبقى للمحاضرة القادمة إن شاء الله تعالى.
والحمد للَّه ربّ العالمين.


[1][1] ــ سورة آل عمران، الآية 144 .
[2][2] ــ سورة الفلق، الآية 3 .
[3][3]ــ تاريخ الأمم والملوك، ابن جرير الطبري 3 : 539 ، مقتل الزبير بن العوام.
[4][4] ــ سورة القلم، الآية 4 .
[5][5]ــ نهج البلاغة، شرح محمد عبده 2 : 185 ، خطبة رقم 206 .
[6][6]ــ تاريخ اليعقوبي، أحمد اليعقوبي 2 : 178 ، خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق