المحاضرةالسابعة
يكاد المطل على مسالك أزقة الماضين من أبناء هذه الأمة المسلمة
أن يموت حزنا حينما يقص آثارهم و هم كسواد أعظم يسيرون في نفق الأوهام أحقابا من
الزمن كلما حملت طائفة من أبناء الأمة راية لعنت أختها و هم جميعا في الظلمات
غارقون إلا من عصم الله تعالى
يستبدلون الحق بالباطل و العلم بالجهل
و العدل بالجور و الجد بالهزل و الفضيلة بالرذيلة و السلام بالبغي و الحياة بالموت
و العز بالذل.
يسمون المغتصبين تراث الأنبياء بخلفاء النبيين و المتقمصين ما
ليسوا أهلا له بحملة لواء الصديقين و يفخرون بالغزو و لو كان على أيدي المجرمين من
هم على شاكلة جنكيز كالحجاج بن يوسف الثقفي و كم راحوا بمقاييس حضارة الجاهلية
ليعتبروا الذئب راعيا و الخائن مؤتمنا و المنافق قدّيسا و المرائي زاهدا و تقديم
المفضول على الفاضل محمدة يجب من أجل هذا التوفيق العظيم شكر المنعم و تقديس
الرجال بسحق قيم الشريعة غيرة على دين الله تعالى و الدفاع عن المظلوم لإقامة العدل
سياسة لا تناسب رفيع مقام رجال الدين و العزلة بعدم الاعتناء بشؤون الأمة زهدا.
و هكذا مئات المقاييس المغلوطة و المقلوبة و التفاسير التابعة
للهوى التي أصبحت ضرورة من ضروريات الدين و المستفهم عن مدى صحتها ضعيف الإيمان
يستحق أقصى التوبيخ أو التعزير و الحد قربة إلى الله تعالى و كيف لا يصل أمر الأمة
المسلمة إلى هذا المنحدر و بمسمع و مشهد منها تسحق النصوص و يتلاعب المتلاعبون
بموازيين الشورى بأن يقال تارة الخلافة هي لقريش بمعزل عن الأنصار يوم السقيفة و
تارة يقال أنها تكون لأهل الحل و العقد و تارة يقال لأهل المدينة و هكذا بتبع
المصلحة تتغير موازين الشرع و يعتدى على أشرف الموجودات و سيد الكائنات محمد بن
عبد الله (ص) رائد السلام تارة بقول القائل إنه
يهجر و تارة بقوله من ينازعنا سلطان محمد.
فتكون رسالة الرحمة للعالمين ملكا لقريش و سلطانا لهم و قد
تقدم الكلام عن مبلغ علم السواد الأعظم من هذه الأمة حين خاطبها نبيها سلوني عمّا قبل الساعة في آخر أيام حياته فراح البعض بدافع
عقل حضارة الجاهلية يسأل عن نفسه هل أنه ابن أبيه أم لا ؟ و آخر و هو من كبار
الصحابة من المهاجرين ممن يدعى في حقه ما لا يدعى في حق الأنبياء الكرام يسأل
الرسول (ص) أن لا يفضحه بكشف ستره أيام الجاهلية
و كأنه خائف من كشف أمر طالما دبر له في ليل أن يكشفه رسول الله (ص) قبل وفاته و هو يودع الأمة الإسلامية
.
و أما السواد الأعظم فبدلا من طرح أسئلة عن دينهم أو دنياهم
راحوا ليضجوا بالبكاء و النحيب و كأن الرسول (ص) يلقي
على مسامعهم محاضرة تأبين و تعزية و هو يكرر عليهم سلوني أيها الناس .
و أعيد نفس المشهد ثانية بعد أكثر من ربع قرن حينما خاطب أمير
المؤمنين علي (ع) الأمة الإسلامية قائلا: سلوني قبل أن تفقدوني فإني أعرف بطرق
السماوات إلى آخر خطبته حيث يقوم له أحد
الجلساء قائلا: كم شعرة في لحيتي يا أمير المؤمنين.
فيا لها من نفوس رفيعة و مدارج علم راقية , و الأمة هي الأمة
حينما راح المأمون آمنا سخطها مقدما على قتل و استشهاد إمامها الرضا (ع) و هو يعيش بين ظهراني شيعته و حينما
قال قائلها: يا جعفر جئت بنا إلى هاهنا لتقتلنا عندما إدعى ذلك الوفد أن له في
خراسان أكثر من مائة ألف مقاتل و هو ساكت عن حقه.
أو على رواية حينما أمر أحدهم بالدخول في التنور فلم يقم أحد
منهم شاكا في صحة أوامر إمامه حتى جاء قصاب من أهل المدينة فدخل فيه حيث يحكي هذا
الواقع أبعاد الفهم و اليقين بالنسبة إلى إمام زمانهم فالأمة التي تعيش قرونا
طويلة بهذا المستوى العلمي و العقلي و الإيماني بحسب سوادها الأعظم ليست مؤهلة
لحمل راية الحق تحت راية إمام معصوم إلى أن يعدها الله تعالى عند
الظهور مع بقية الأمم لحمل هذه الراية لإقامة العدل و إظهار العلم الإلهي على وجه
الأرض.
و
كيف يتمكن أن يرقى إلى فهم أبعاد الرسالة بأبعادها السبعة و السبعين و أن يحمل
أثقال عدلها أيضا من كان يعيش التمزق و روح الاستبداد و التكفير و الحقد و هم خلف
النهروان الجّهال المتنسكون الذين قال في حقهم و حق العلماء الماكرين علي (ع):( قصم ظهري شخصان عالم متهتك
و جاهل متنسك {.
و ما كان هذا الواقع المؤسف لهذه الأمة على اختلاف مذاهبها و
تفاوت مسالكها قربا و بعدا عن الحق انحدارا في ظلمات الوديان تعالت عن حضيض مزالقه
هذه الأمة بعد حين ، بل راح الخلف ليواصل السير على ما كان عليه السلف فخورا يتخبط
في وديان الظلمات و قد عاشت الأمة عقودا من الزمن و هي تتصارع قدم القرآن أو حدوثه
و كل حزب بما لديهم فرحون يكفر بعضها بعضا و يلغي بعضها بعضها الآخر , تسمي جفاف
الاستبداد الذي لم يبق محصورا في قصور الظالمين صلابة إيمان غيرة على الدين حتى
تسرب هذا المرض إلى حجيرات مدارس الحوزات و زوايا قاعات المساجد و الحسينيات ليلغي
باسم الغيرة على المذهب كل من الأصوليين و الإخباريين و الشيخيين بعضهم البعض
الآخر بدلا من أن يكونوا دعاة حرية الرأي من بعد ما عانوا أكثر من أربعة عشر قرنا
من الحكّام و علماء السوء أبشع مظاهر الاستبداد و العدوان باسم شرع رسول الله (ص) .
لكن أبى الضعيف إلا أن يرث الكثير من مظاهر القوي و آدابه و
سننه و لو كان لفعلة القوي من المستنكرين و راح البعض باختلاف العناوين ليعيد ما
كان عليه الخلفاء من العامة من تعيين مصير الأمة في كافة أبعاد حياتها بعقلية
الفرد في مذهب أهل البيت مذهب الحرية و العلم مدعيا هذا النمط من الاختيار المطلق
للفرد الذي هو من أشد مسالك الاستبداد منهجا شرعيا يجسّد نيابة العلماء لأئمة
الهدى عليهم أفضل الصلاة و السلام و هو يجعل من ميادين سلطان الحاكم المطلق سجنا
مترامي الأطراف لأكابر العلماء فضلا عن سائر الناس حينما حسّنه في أعين أصحابه ما
حسن ذلك لولاة الأمر قبلهم و أمضاه على سائر الناس ما أمضاه على الشعوب المتقدمة
عليهم .
أجل القوم أبناء القوم و سنن الله تعالى هي
الحاكمة (و لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) و الدنيا دار اختبار و عند الصباح
يحمد القوم السرى و (إنا لله و إنا إليه راجعون).
لكن زمن الظهور سيكون عدلا تحت ظلال العلم بعيدا عن ضيق عقول
المستبدين و إن كانوا برداء العلم و الزهد متجملين و لحناجر الأحرار بعد استعارتها
سارقين و بها في محافل المستضعفين البسطاء الغافلين ناطقين.
أجل في يوم ظهور العدل الذي تشرق فيه شموس العلم قبل الساعة
بواسطة مهدي آل محمد (ص)
ستعرف البشرية ما هو المراد من
السماوات السبع و الأيام الست و ما هي بطون رسالة السماء السبع و السبعين في
أبعادها العلمية و كيف بالعلم طاف رسول الله (ص) عوالم
الإمكان قبل لحظة ليلة المعراج و كيف و كيف مما حدّث به القرآن الكريم من إحياء
للموتى و إحضار لعرش بلقيس و الأيام الربوبية و ستجد البشرية مكارم الأخلاق
متجلية.
فأين هذه الأمة الإسلامية عن المثل العليا , فهل تجسدت في يوم
السقيفة حين ضرب الطامعون في الحكم أحد أكبر الأنصار أو يوم الهجوم على دار من
لولاهم ما شيدت أركان الدين أو يوم قتل رضيع في ساحة كربلاء ؟!
و عليه فلابد أن يحقق الله تعالى ما
جاءت به الأنبياء من القسط و العدل و المثل و بطون العلم و كنوز الأسرار الإلهية.
و هل من المعقول أن تطوى الأرض بسجلها ليقف الناس يوم الحساب و
هم يسألون عن رسالات سماوية أريد تطبيقها منهم لم تطبق يوما من الأيام من قبل
الأولياء من الأنبياء و الأوصياء و هل يمكن أن تكون لله تعالى على الناس الحجة
البالغة في دعوى مراتب العلم التي تحمله هذه الرسالات و العدل الذي وعدت به بدون
تحقيق و تجسيد لهذه الحقائق على أيدي الصالحين من عباده على وجه الأرض.
نقول ليس من المعقول أن تطوى الأرض بدون شهود فردوس العلم و
العدل و إلا لكان لقائل أن يقول يوم القيامة يا إلهي إن ما دعت إليه الأنبياء كان
فرضية إلى الخيال أقرب منها إلى التطبيق و عليه فلابد من يوم و لو كان ذلك اليوم
في آخر أيام الدنيا يظهر الله تعالى به على
يد منقذ البشرية بأن رسالات السماء ما كانت فرضية لا مصداقية لها على أرض الواقع و
إن ما عاشته البشرية من الذل و الهوان و الجهل و الظلم و الجور كان نتاج سلوكها و
عدم التزامها بموازين الحق و السلام الذي هو منهج الفطرة و هذا هو ما أكدته
الروايات الواردة عن الرسول (ص) عند
العامة و الخاصة.
وليس من المستبعد أن يحيي الله تعالى الكثير
من العظماء و الأبرار من أتباع آدم إلى الخاتم إلى ما بعد ذلك من الذين عاشروا
الأوصياء المعصومين إلى هذه العصور تحقيقا لما أشار إليه تعالى من إحياء الموتى
ليكون هؤلاء الأبرار مع نخبة من أهل زمن الظهور هم قوام دعوة الحق إلى إقامة نظام
القسط و العدل و إنهاء عهود الظلم و الجور لأن الحق لا يقام إلا بفتية صدقوا ما
عاهدوا الله عليه كأصحاب الكهف.
كما و أنه لا يبعد أن يحيي الله تعالى بعض
الجناة و الظالمين و من حرفوا شرائع الأنبياء و كانوا سببا لانقلاب الأمم على
الأعقاب بعد محمد و موسى و عيسى عليهم أفضل الصلاة و السلام حيث أن لكل أمة عجل و
سامري و قد ورد في الحديث الشريف المتفق عليه بين الفريقين سنة و شيعة أن أمة محمد
تدخل فيما دخلت فيه الأمم السابقة كاليهود و النصارى و أنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلت
هذه الأمة فيه و قد ورد أنه يطاف بقوم يؤخذ بهم إلى النار فأقول و الحديث عن رسول
الله (ص) } أصحابي أصحابي فيقال لي لا تدري ما ارتكبوا من بعدك{
و كيف كانوا سببا لانقلاب الأمم بعد أنبيائها على الأعقاب تحقيقا لإتمام الحجة
بإحياء الموتى و إقرارهم بما فعلوا من تحريف باسم الأديان.
و لعل الله تعالى يظهر
الكثير من أعمال المتقدمين بما لا نعلم كيفية إظهاره و إن أمكن أن نقرّبه اليوم
إلى الأذهان بأنه كشهود الحقائق على شاشة الإنترنت و التلفاز ليثبت علما متقدما و
يكشف مكرا و تآمرا على رسالات السماء بعد الأنبياء بواسطة قادة المنقلبين على
الأعقاب بعد كل نبي و بالأخص بعد سيد الكائنات محمد (ص) بما
حدث من إغتصاب لمواريث النبوة بواسطة الطامعين بالحكم و الرئاسة باسم الدين و قد
يكشف الله تعالى جلسات تآمرهم التي كانوا يدبرون فيها
الأمر مصورة يشاهدها كل أحد و بالأخص الذين قدسوا الرجال بدلا من تقديس شريعة رسول
الله (ص) و الأنبياء الكرام و إذا كان زيد أو
عمرو قادرا على رسم مجريات الأمور و الأحداث على شاشة ببعض أبعادها فالله تعالى أقدر القادرين على كشفها بجميع
أعماقها حيث تتجسم الأعمال و تلقي الأرض ما فيها من كنوز و أسرار.
ليرتدع بذلك المستضعفون من الخلق بسطاء العقول عن نهج : > وجدنا آباءنا على ملة و إنا على آثارهم
مهتدون <[1][1]
و إن سمي ذلك حضاريا بما يناسب الزمن بمتابعة الخلفاء أو السلف أو الأئمة أو
العلماء أو الحجج و الآيات و قطارات من الألقاب بعد ذلك لا ندري بما يناسب التطور
الحضاري إلى أي مبلغ ستبلغ في كمالها الاسمي زخرفة و جمالا , كل حزب بما لديهم
فرحون.
نعم إن عشت أراك الدهر عجبا في زمن كثر فيه الإدعاء و تألقت
العناوين و تكثرّت الألقاب و ازداد المتحدثون فيه كل يدعي الوصل بليلى.
و بالجملة لابد بحكم العقول عند الظهور أن تشرح بطون الشريعة و
تتجلى جميع الحقائق التي ورد ذكرها في الكتاب المجيد من راجمات جوية كطير الأبابيل
و سرعة تحيط بعالم الإمكان بلحظة كما وردت في مسألة المعراج و ما هي حجب النور و
كيف يكون النور حجابا و إحياء الموتى و غير ذلك من أمور كثيرة تحدث عنها القرآن
المجيد و الروايات الشريفة الصحاح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق