الأحد، 12 يناير 2014

هل حديث وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا حديث صحيح السند؟

اسم السائل: أسامة المطوع
السؤال :
سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي يتعلق بالحديث التالي :
التوقيع المشهور الذي رواه اسحاق بن يعقوب عن الحجة (عج) : «قال : سألت محمد بن عثمان العمري ان يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عج) : أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك ـ إلى ان قال ـ وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وأنا حجة الله»
1- هل الحديث صحيح سندا ومتنا
2-   وهل يقتضي الحديث الولاية المطلقة للفقيه
3- عل يمكن شرح الحديث بشكل مفصل
أفيدونا سماحتكم من غزير علمكم ولكم مني جزيل الشكر  والتقدير

الجواب :
ولدنا العزيز ان التوقيع الشريف الوارد عن الحجة (عج) مما اتفقت على اعتباره آراء علماء الشيعة و هو عندي معتبر بلا شك و لا ريب فلا تردد في كونه من الأدلة في المقام لإرجاع الناس الى أهل الخبرة و العلم حتى لا يقعوا فريسة بأيدي الجهال و المنافقين و وعاظ السلاطين و الحكام  الظلمة و إن وقع بعض الإختلاف من بعض العلماء في المراد من الحوادث لكن ظاهرها الإطلاق الشامل لكل حادثة وعليه فيجب التأمل للمراد من هذا التوقيع و من غيره من الأدلة التي امرت برجوع الجاهل الى العالم في كل موطن حيث تصبح مثل هذه الادلة و غيرها من الأدلة الدالة على تقليد العلماء ارشادا لواقع امر ادركه العقل السليم من لزوم الرجوع الى العلماء و اهل الاختصاص في كل ما جهله الناس و لذا راح ليرجع المريض الى الطبيب و الراغب في البناء الى المهندس و المعمار و عليه فالمهم في المقام ان تحدد مواطن الحاجة الى اهل الخبرة و العلم و ان تُعرف حدود الولاية و ان يلتفت الباحث البصير الى الغاية من جعل الولاية في اي موطن جُعلت من قبل الشرع كولاية الأب و الحاكم و القاضي و الزوج كما و ان الذي أراه ان المستفاد من قوله (عج) : (و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم و انا حجة الله) أنه مقام ارشاد لواقع امر و لا ربط له بمسألة التقليد للوصول الى الحكم الشرعي الذي يتوصل إليه المقلد بالرجوع الى الرسائل العملية المستدل عليه بعدة أدلة التي منها (فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه او لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه و ذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم فإن من ركب من القبائح و الفواحش مركب فسقة علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا و لا كرامة ....) كما و أن هناك احاديث اخرى قد استند إليها الأعلام في مسألة التقليد أظنها جميعا حتى ولو لم تبلغ مرتبة القطع سندا و دلالة إلا أنها إرشاد لما قام عليه مبنى العقلاء و ما أرشد إليه العقل من وجوب رجوع الجاهل في كل شيء الى العالم به.
فنقول تمهيدا لتوضيح بعض المطالب قبل التعرض لمورد السؤال و الإجابة عنه ليصبح الجواب في مورد التساؤل مبنيا على اسسه العلمية من أن المراد من الولاية التي جعلها الله لبعض عباده نبيا كان او من سائر الناس كولاية الأب مثلا ان المراد منها تحميل الولي مسؤولية و ثقلا و تكليفا و ليست سلطانا و هيمنة و منصبا قد جُعل من الشارع لأحد على احد لأن الولاية هي ملاحظة مصلحة المولى عليه كملاحظة مصلحة الطفل بواسطة ابيه حيث أنه اقدر منه بالقيام بهذه المهام و كذا هو ما يراد من ولاية النبي (ص) بالنسبة الى أمته او الحاكم و الزوج و القاضي بالنسبة الى المتخاصمين  و إذا كان الأمر كذلك فلا تخرج الولاية من إطارها و حدودها لترسم مصير أمة و لتصبح تحكّما في إرادتها و قد كان من هو اعظم خلق الله محمد (ص) يشاور الناس في جميع ما يرجع الى شؤونهم و واقع حياتهم حربا و سلما و عليه فنقول أين الفقيه من هذه الولاية لتكون له الولاية بما يتجاوز أمر تطبيق الرسالة و حفظ حقوق المجتمع بما يحاول البعض ادعائه ممن ذهب الى القول بالولاية المطلقة للفقيه التي سأبين المراد منها و ما عليه علماء الشيعة قاطبة من خلافها حيث ذهبوا طلية هذه القرون الى القول بالولاية الوسطى او الصغرى او ولاية عدول المؤمنين و سأبين ذلك في رسالة اخرى تتميما لهذا البحث ان احببتم مزيدا من التوضيح حيث أرى ان الكثير من أتباع آل محمد (ص) لم يلتفتوا الى ذلك ظانين ان من لم يقل بالولاية المطلقة التي جعلت اساسا في ايران بعد الثورة هو يريد النيل من علماء الشيعة و ما فرض الله لهم من سعة هيمنة و سلطان على الناس في حين أن القول بالولاية المطلقة على مر القرون من زمن الغيبة الكبرى الى الآونة الأخيرة كان يعتبر قولا شاذا و كان الأعلام في كتبهم و محافل تدريسهم يمرون عليها و على ما يدعى من دليل لها مرور الكرام لما يرونه من ضعف لأدلتها و أنها لا تثبت الولاية المطلقة و لو بنحو الإيماء و الإشارة فضلا عن ان تصبح دليلا يستند إليه و ربما تعرض لها الكثير من الأعلام حينما كنا نحضر بحوثهم بنحو من الإستغراب و اعتبرها آخرون نسيجا من عناكب الأوهام تدفع الى القول بها روح الهيمنة و الزعامة و الرئاسة التي تجعل من الخيال عروشا و صروحا عظيمة كما و أنه لابد من الإلتفات الى أن الحوادث هي ما يحدث في الخارج من الموضوعات و هي تختلف بحسب هويتها و حقيقتها عما يتوصل اليه الفقيه في استنباط الأحكام الشرعية في علم أصول الفقه الذي تستند إليه الرسائل العملية للفقهاء و ترجع إليهم عامة الناس فيها حيث أنه ليس من شأن كل احد ان يستنبط حكما شرعيا من ادلته التفصيليه.
و عليه فنقول ان كلمة الحوادث لا ربط لها بالأحكام الشرعية المستنبطة للفقيه حيث ان ما يكتب في الرسائل العملية لا يسمى عرفا ولا لغة بحادث او حوادث بل الحوادث كما قلنا كلما يحدث في الخارج كما هو المشاهد اليوم من الحوادث الواقعة في البلاد الإسلامية حيث تحتاج الناس في مثل هذه الظروف الى من يرشدها الى الصواب في ظلمات الدهور لبيان الحق في مقابل الباطل ليعيش الناس بصيرة علم و كذلك من يهديها الى ما يدفع الى تحقيق العدل حيث انهما حقان ثابتان في كل الشرائع السماوية لانها شرايع الحياة و قد اخذ الله على العلماء ان يبينوا ذلك ليخرجوا الناس من الظلمات الى النور بعد ان يكون الانسان العالم قد عاش كتاب الله المجيد و سنة نبيه الكريم و سيرة اوليائه المعصومين اضافة الى ما تعرضنا له من استنباط الاحكام الشرعية التي تتعرض لها الرسائل العملية حيث ان الاسلام و جميع الرسائل السماوية دعت الى اقامة العدل حتى اصبح العدل عند الإمامية من اصول الدين و قد قال تعالى : (لقد ارسنا رسلنا بالبينات و انزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط...) أي العدل و ليست الشريعة مجزأة على قدر ما يكتب في الرسائل العملية و بدفع الحق الشرعي الى الفقيه الذي يرجع اليه الإنسان بالتقليد بل هي شريعة الحياة و الكرامة لبيان الحق و السعي للعدل و هذا ما يشير إليه التوقيع الشريف بقوله : (و أما الحوادث الواقعة..) حيث تحتاج الناس الى عالم بكتاب الله و سنة نبيه و معرفة سيرة اولياء الله عليهم السلام من الأنبياء و اوصيائهم الكرام ليعيش المسلم المؤمن حقا واقع الشريعة و لكن ذلك و مع كل الأسف ما هو مهجور و متروك في ديارنا الإسلامية و لذا عاش أكثر الناس جهلا بواقع الشرع حينما خلت ميادين العلم و العمل ممن من شأنه ان يحيي هذه الأمة و راح ليصول و يجول في ميادينها وعاظ السلاطين و الحكام الظالمون.
وكيف لا و قد قامت شرايع السماء على حق في مقابل باطل و عدل في مقابل ظلم بما يربط الإنسان بربه و بما يربطه بالخلق قربا الى الله تعالى بزكاة النفس و الكمال و خدمة للخلق بالتعليم و دفع الظلم عن العباد و هذا ما اوجبه الله تعالى على علماء هذه الأمة بأزاء ما يجري من تهجير و ظلم و لو تحت ذرايع دينية و مظاهر اسلامية حيث ان كل انسان فضلا عن العلماء مسؤول عن هذه الأمة كما أشار الرسول (ص) : (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) و كما قال أيضا من أصبح و لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم و قد قال أيضا (إعرفوا الحق تعرفوا أهله).
وبالجملة إن وراء التقليد لمعرفة الأحكام الشرعية حلية و حرمة هناك ما هو على صعيد اوسع بما يعم الشريعة بتمامها علما و عملا و هو ما يشير إليه التوقيع الشريف عندما كانت المشيئة الإلهية بعد الغيبة الكبرى أن يجعل العلماء الربانيين خلفاء الرسل و الأئمة الطاهرين بما كان يقوم به اؤلئك العظماء من عظيم أمر لإخراج الناس من الظلمات الى النور و بالسعي الدؤوب لدفع الظلم و تحقيق العدل ,الأمر الذي أصبح في الآونة الأخيرة أو في القرون المتأخرة يعتبر بمنظار العامة و الحوزات سياسة ينبغي الا يتدخل فيها رجال الدين و قد كانت السياسة بمنظار الأئمة الأطهار طلب الزعامات و الرئاسات لا ما هو من موازين الشرع و أسسه و قيمه النبيلة التي هي الشرع بأبعاد الكلمة غير المجزأ و المبعض و المحجم بإطار طهارة و نجاسة و بيان حكم فرعي لصلاة او صوم لكي لا تصبح الشعوب تعيش الغفلة عما كلفها الله تعالى به مما هو من شأن إلهي او اجتماعي و إن من المعلوم انه لا تسمى الأحكام الشرعية كوجوب الصلاة و حرمة الخمر بالحوادث و ما ذاك إلا لتعيش الأمة دائما حسن القيادة بالنسبة الى كل حدث يقع و لكن لما تُرك هذا الواقع عاشت الأمة ضياعا و قد قال رسول الله (ص) : (من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم) و أي أمر و شأن يعود لعامة المسلمين بالنفع هو اهم و اعظم من اخراجهم من الجهل الى نور العلم على صعيد الشريعة بتمامها لا على صعيد الرسائل العلمية و كذلك اي أمر هو أهم من السعي لتحقيق العدل بالدفاع عن المظلوم بأزاء أي عدوان من الظالمين.
و إن من الواضح ان كل انسان لولا حجب الظلمات و قطارات المبررات فإن على نفسه بصيرة يعرف بها الحق من الباطل لكن القيام بواقع التكليف بأبعاده الواسعة علما و عملا امر ثقيل و إن طريق الحق قليل سُلاكه كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام : (لا يوحشنك طريق الحق لقله ساكليه او لا تستوحش طريق الحق لقله سالكيه) وقد قال الامام الحسين عليه السلام حكاية عن واقع المجتمع في كل زمان و مكان و إن كثرت المظاهر و الإدعائات (الناس عبيد الدنيا و الدين لعق على ألسنتهم يحطونه ما درت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون) و بعد هذا التمهيد نقول بالنسبة الى ما سألتم عنه من كون التوقيع الشريف هل يدل على الولاية المطلقة للفقيه ام لا ؟
فأقول إنه قد إتضح مما أوردناه بالنسبة الى التوقيع الشريف إنه إنما يشرد بالرجوع الى أهل الخبرة من الرجال الأتقياء العلماء الذين يعيشون حياتهم مع الكتاب والسنة و السيرة لأولياء الله تعالى و على رأسهم سيرة النبي محمد (ص) و آله الأطهار ليكون ذلك السالك سبل ربه بأبعاد العلم و العمل العارف لموازين الحياة بشهودها بسيرة عظماء الخلق خير دليل للناس عند مزالق الأقدام و ظلمات الدهور و تشابك الشبه ليكون ملجأ عند حدوث الحوادث لتعيش الناس مع قياداتها السليمة مناهج الأنبياء في كل ما تحتاجه الحياة على صعيد شريعة هي شريعة الحياة لا شريعة أحكام تحدد مداها الرسائل العملية على الرغم من واسع شرع الله تعالى بما له من أصول الدين و واقع السير و السلوك الى الله تعالى ليرتبط العبد السالك سبل ربه بالخالق معرفة و بالمخلوق خدمة لكن ايها الولد العزيز مع غض الطرف عما آراه بالنسبة الى هذا التوقيع الشريف الذي يرشد الأمة الى واقع الحياة و كيف التخطي فيها الى حياة الكرامة أقول إن الإستدلال بولاية الفقيه او التقليد يجب ان يكون في صعيد آخر من الأدلة و ليس ما يدعى من الوصول الى ذلك بواسطة هذا التوقيع الشريف لأنه إنما يستفاد منه الإرشاد الى الرجال الذين يقودون المجتمع الى مسالك السلام و رضوان ربهم عند اشتباك أزمات الدهور و لو افترضنا جدلا انه يدل على ولاية للفقيه فهو إنما يثبت اصل الولاية ولا يحدد مداها أنها على نحو الولاية الصغرى او الوسطى او المطلقة المدعاة او ولاية عدول المؤمنين فالتوقيع الشريف إنما يأمر بأصل الرجوع الى العلماء الراسمين للأمة شرع الحياة حيث يحتاج الأمر وراء ذلك الى دليل آخر يحدد حدود هذه الولاية سعة و ضيقا ولا يمكن تحديد الأمور بالرغبات و الأهواء و دواعي الرئاسات ولا بإطلاقات الأدلة الشرعية و قد اشرت في كثير من المواطن الى ان ما قام عليه مذهب التشيع منذ زمن الغيبة الى الآونة الأخيرة لولا الضخ الإعلامي المسند بالقوة من قبل بعض اصحاب المصالح فإن المعتبر لدى علماء الشيعة قديما و حديثا إنما هو القول بالولاية الصغرى او الوسطى و بعد ذلك في المرتبة القول بولاية عدول المؤمنين و إن كان المؤمن لا تكون له الولاية مالم يكن عادلا عالما ولسنا كما ذهب ابناء العامة من القائلين بالولاية ولو للفاسق الجائر كما صار ذلك مسلكا لهم بتأييدهم للحكام و صياغة أحاديث تأمر بطاعتهم ولو سلبوا الناس اموالهم و ضربوا ظهورهم و أما القول بالولاية المطلقة التي أصبحت قوام حكم في إيران فكانت تعتبر من شواذ الأقوال فكيف يمكن ان يدعى بعد ذلك أن التوقيع الشريف او غيره يثبتها و هو غاية ما يدعى فيه اثبات اصل الولاية ولو احببت ايها الولد العزيز تفصيل الحديث في مسألة الولاية للفقيه على اختلاف المسالك فيها وما المراد من ولاية عدول المؤمنين فسأبينها بمسالكها الأربعة لك إن شاء الله تعالى أزادك الله حبا لمعرفة الحق و وفقك لكل خير مع التحية والسلام لك و لجميع الاهل و الإخوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق