الثلاثاء، 2 يوليو 2013

@ معنى الشورى في الإسلام 1

معنى الشورى في الإسلام 1

ردا على سؤال احد الاخوة الكرام في معنى الشورى في الاسلام والقرآن الكريم

القسم الاول


قامت الأديان الإلهية على تكريم الإنسان ولذا كانت العدالة أساسا من أسسها حتى جعلت من أصول المعتقد عند الإمامية وما ذاك الا لأن الاديان ما جائت إلا ليقوم الناس بالقسط حيث أن بالقسط تؤول وتفسر مناهج الحق من التوحيد والنبوة و الإمامة التي هي نظام الملة وما يرجع الى المبدأ والمعاد تأويلا وتفسيرا سليما وقد رسم الشرع أطرا على كثير من الأصعدة ليست داخلة تحت عنوان الاختيار ولا الشورى حيث انه لا اختيار ولا شورى فيما أوجب الله تعالى او حرّم لمن اعتقد الاسلام دينا وان كان في الاصل لا يجبر اي احد على اعتناق الاسلام لأنه لا اكراه في الدين ولأن حدود بعثة الإنبياء كما جاء في الآيات المتواترات انما انت بشير ونذير وأنه تعالى بعث الانبياء مبشرين ومنذرين وليسوا بمصيطرين محكمين الأديان على رقاب البشرية لو ابت ذلك .

وقد ورد عن الرسول (ص) : (ما تشاور قوم الا هدوا لأرشد  امرهم ) وامر الشورى انما يعود الى الامور العامة وشؤون المجتمع لإدارة امورهم سلما وحربا وكيفية ادارة الدولة بما لا يخالف الشرع ولا يكون متناولا لما جعل من الخطوط الحمراء مما اوجب او حُرّم حى قال الرسول (ص) في بعض الموارد ولو لتدريب الأمة على حياة الحرية والكرامة وجعلها تحسّ بالمسؤولية فيما يرجع الى حياتها (أشيروا عليّ) وكذا ورد (وشاورهم في الامر)حيث شاورهم في أحلك المواطن وأشدها صعوبة وخطرا كما حدث في يوم احد وبدر وقد أكد هذه القاعدة الاسلامية وهي الرجوع الى الشورى اي الى رأي الأمة فيما يعود الى شأن حياة المجتمع حيث يكون من شأن الزمان والمكان والقضايا المدنية العامة العائدة الى حياة المجتمع الى الشورى حيث امتنع الامام علي عليه السلام ثلاثة أيام من قبول البيعة ثم احال الامر الى بيعة عامة في المسجد النبوي فهو من احالة الامر لمايرجع لاختيار الناس بعد كون الأمة بعد وفاة النبي (ص) لم تلتزم بما امر الله تعالى به ورسوله من قبول اوصياء الانبياء وتفصيل الاختيار ولزوم طاعة امر الله تعالى ورسوله يحتاج الى بيان خاص في مورده وعليه فتكون الشورى اذن بعد مسألة الجعل الالهي للاوصياء بعد الانبياء هي القاعدة العامة التي يجب العمل بها على طول التأريخ في جميع ما يعود الى شأن الأمة فيما يختص بأمر الزمان والمكان لأنها امور تحتاج الى معرفة في مواطنها الخاصة ويكون المشخص لهذه المصالح بحسب الزمان والمكان هم الناس بما لكل انسان من شأن واختصاص وما ذاك الا لأن الدين ثبات من ناحية وتطور بما يناسب الزمان والمكان مع حفظ الثوابت الرسالية علما وعملا والعمل بما هو من شأن المتغيرات العائد الى الأمة حتى قال علي (عليه السلام) مشيرا الى بعض هذه الجوانب المتغيرات : (ربوا ابنائكم لزمان غير زمانكم ) فإذا نقول من لا يتجدد بما يفرضه واقع التطور والتغيير بما يناسب كل زمان ومكان يحكم على نفسه بالفناء وهذا التطور المستمر جارٍ في كل شؤون الحياة بما يعمّ الشؤون للمأسسات الدينية والاجتماعية والتربوية وغيرها بل أقول ايضا وبما يعم الاجتهاد والفهم للكتاب والسنة وبما يفهم من سيرة المعصومين عليه افضل الصلاة والسلام وهكذا هو ما يفهم من الشورى والمشورة فإنه قد يتغير بحسب مقتضيات الزمان والمكان حيث ان للزمان والمكان والحضارات التأثير البالغ في فهم هذه الامور واغوارها .

فأقول عودا على بدء ان ما عدا الخطوط الحمراء التي قد تفتح الباب لتلاعب المتلاعبين بشرع الله القويم من واجب او محرم يكون كل ما عدا ذلك شأنا اجتماعيا يعود الى شؤون المجتمع ولا يمكن اجراؤه الا بمشورة لأنه امر يعود الى حياة الأمة من جهة ومن ناحية ثانية يجعل الفرد يحس بالمسؤولية تجاه حياته والآخرين ومن غير المعقول الجمود على فهم اهل زمان او مكان خاص فيما يرجع الى فهم كثير من النصوص وأطرها ضيقا وسعة التي منها الشورى وما ذك الا لأن الحياة دائمة في التطور والتغيير ولذا لم يحدد الشرع القويم مثل هذه الامور ككيفية الشورى مثلا على الرغم من التحديد فيما يرجع الى اصول العقائد التي ليست قابلة للتغيير كمعرفة التوحيد وما يجب الاعتقاد به في بقية الموارد كالمبدأ والمعاد والنبوة والامامة والفضائل والرذائل والعدل والظلم وكذا حسن او قبح كثير من الامور الاخرى المبحوث عنها في علم الاخلاق واصول التربية حيث انها لا تبلى بصروف الازمان وتغير الاوطان وقد شاور الامة في الحرب والسلم في كثير من الامور اهل العصمة على ما هم عليه من الوحي وعظيم العلم والمعرفة فكيف حال من يخطيء ويصيب فالشورى من لوازم الحياة بما هو من شأن المجتمع زمانا ومكانا بما لا ينافي ما فرض الله تعالى لأن شأن الزمان والمكان والفهم البشري من المتغيرات المحتاجة الى المسايرة بالاخذ بعين الاعتبار ما يراه المجتمع مصلحة لنفسه لأنه حياة الامة وهذه المصالح لا تناط بالاحكام بما هي بل بما تكون بقيودها الزمانية والمكانية وبما يرجع الى فهم النصوص من حيث التطبيق على الواقع الخارجي وهذا لا يمكن ان يقيد بقيد فهو سار مع سيلان الزمان على مر الدهور والازمان وبالجملة ما هو من شأن الزمان والمكان لابد وان يكون خاضعا للتغيير ولا يمكن ان يصبح حكما مطبقا على المجتمع بلا مرضاة الشعب عن طريق المشورة والاخذ بالراجح من الامور فالشورى في الامور الاجتماعية العامة والمشورة في كل شيء من الامر الراجح حيث انها تكون مع اهل الاختصاص لسبيل الكمال والحصول على الافضل من المصالح.

ومن المعلوم ان التطبيق للعدالة او الشورى او الحكومة الاسلامية او غير هذه من المفاهيم الأخرى تابع لحضارات الأمم فمثلا قد جرت الشورى او المبايعة على مدى قرون طويلة تحت ظلال السيوف ولكن اعتبرتها الامة مبايعة او شورى على اختلاف مدى هذا الاعتبار والقبول لكنها ما كانت متنافرة مع عقلية الأمة وحضارتها وإلا لما امكنها ان تستمر و أن يعتبر المخالف للحاكم من يشق عصا المسلمين او من الناكثين للعهود والعقود وما ذاك الا تصديقا لقوله تعالى : (إن الله لا يغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)الرعد11 وما ورد عن الرسول (ص) : (كيفما تكونوا يولى عليكم) فإذن لما كان الاستبداد قرين حضارة هذه الامة راحت لتفهم من الحكومة الإسلامية بما لها من بعد الشورى والعدالة ما فهمت وكذا كان التأثير على بقية الأبعاد في مواطن التطبيق سواء الشورى منها او العدالة او المبايعة اوغير هذه المفاهيم و القيم الرسالية وليس ذلك بغريب أمر حتى على صعيد حضارات الامم الأخرى فالعدالة او الديمقراطية او حقوق الانسان للحضارات تأثير واضح في فهم هذه الأبعاد وكذا التطبيق فكم راح العالم وبالاخص في عصرنا الحالي ليفخر بعناوين هي في القمم صرحا وفي عظيم الابعاد خيالا لكن لم يلمس منها العالم ليومنا هذا سواء على صعيد الفهم او التطبيق إلا بعض الجوانب النادرة .

أجل التجدد بما هو من شان الزمان والمكان امر لازم لحياة البشرية وكذا ما هو من شأن الفهم للقيم الانسانية او النصوص الرسالية الالهية ولذا لا يمكن الحكم على ذلك بالجمود لافيما يتبع ما فهمه المتقدمون ولا مايرجع الى مواطن التطبيق فالشورى ايضا ايها الاخ الكريم من هذه الامور الخاضعة لهذا المجال سواء على صعيد الفهم او التطبيق وان كانت هي باطارها العام من رفيع رسالة السلام لكنها جُعلت من حيث السعة والضيق في متناول ايدي الناس لتأخذ بهم الى قمم الحرية والكرامة بتبع حضارتهم ومعرفتهم او الى الضيق كما اخذتهم بهم في ظلمات زمن الجاهلية وان سُمِي ذلك بحكم اسلامي حيث انها وصل امرها الى ما وصلت اليه بعد نبي السلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم على أيدي فراعنة حكام المسلمين ووعاظ السلاطين حينما كانت الامة من حيث الفهم والقبول للحكم تتناسب مع هؤلاء المتسلطين الظالمين لقاعدة كيفما تكونوا يولّى عليكم وذلك واضح لأنه لا اثنينية في واقع الامر بين الحاكم والمحكوم والكلام كما هو واضح انما هو عن السواد الاعظم لا الفرد فإن في المجتمع قد يكون امثال ابي ذر وعمار ومالك الاشتر كما وانه قد يكون فيهم من هو من رؤوس المنافقين والزنادقة والملحدين.

وفتح الباب للفهم والتطبيق هو الاجتهاد الذي فُتح بابه في المذهب الشيعي في مقابل الجمود الذي اختاره لنفسه المسلك السني في حين ان العالم سيلان وتطور وتغيير بما يناسب الزمان والمكان إلا فيما كان من الثوابت التي اشرنا إليها وهي الخطوط الحمراء من حيث النص الشرعي او الخلق الكريم البشري فالتجدد اذن في الفهم لما هو قابل لذلك من الشرع في هذه الميادين وكذا التطبيق فالشورى اذن يجب ان يحدد اطارها سعة وضيقا بحسب الفهم البشري على قدر البعد المعرفي وزكاة النفس وبما يخدم مصلحة الامة لتحقيق واقع العدالة الاجتماعية في مواطن القضايا العامة والمشورة في كل مجالات الحياة مع من هم أهل الخبرة والاختصاص ليعيش الفرد خبرة الآخرين واختيار الراجح وما فيه مزيد المصلحة لحياة أحسن وما ذاك إلّا لأن الوجود فيه ماهو ثابت لا تناله يد الاقدار والاطوار وفيه ماهو متغير وتابع لما يحدث في الزمان والمكان حيث ان الوجود سيّال أيضا فمن تمكن ان يلحظ واقع الوجود ببعديه الثابت والمتغير لم يضيّع القيم الثوابت ولا المتغيرات والشورى وان كانت ضرورة الحياة شرعا وعقلا إلا أنها من حيث الفهم والتطبيق قابلة للبحث, والأديان وان اشتركت جميعا من زمن آدم عليه السلام الى الخاتم (ص) في اصول مباديها لكنها بما يناسب الزمان والمكان تعرّضت للنسخ والتغيير كما وانها تعرضت لذلك من حيث طرو التحريف والجمود وسوء الفهم والاجتهاد تأويلا وتفسيرا بتبع ايحاءات العقول والحضارات فللفهم وسلامة العقل التأثير البالغ في حقوق الامة حتى ولو فرض ان الشورى قد تحفظ حقّ الاكثرية لكن ليس معناه ضياع حقوق الأقلية فانه يجب دراستها وكيفية حفظها لو فرض ان الاحكام راحت لتجري لخدمة مصلحة الاغلبية لكثرة الاصوات في مجلس الشورى فمثل هذا يجب ان يدرس درسا عقليا وعلميا سليما حتى لا يضيع حق بأزاء حق آخر تحت لواء الدين او الديمقراطية.

يتبع انشاءالله تعالى في القسم الثاني

--
مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني


كما يمكنكم متابعتنا على كل من 

@ منطقة الفراغ التشريعي

منطقة الفراغ التشريعي

​مقالة لسماحة الأستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني​


التعبير بمنطقة الفراغ التشريعي قد يكون بحسب الظهور البدوي متضمنا لشيء من التسامح أو مؤديا لمفهوم غير مراد لأصحاب النوايا السليمة حيث لا فراغ في نفس الأمر و الواقع لشريعة كانت تبيا
​​
ناً لكل شيء في مواطن الكتاب و السنة و السيرة ، فلم تترك واقعة ولا حادثة إلا بينتها لذوي البصيرة الذين يعيشون أبعاد الرسالة بأبعادها الثلاثة أصلا بحسب الكتاب و بيانا بحسب السنة و تطبيقا بحسب السيرة ليصبح كل حدث صغرى كل لتلك الكبريات التي رسم خطاها المعصومون في غضون حياة أربعة عشر معصوماً من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حتى زمن الغيبة للحجة (عج) .

و المراد من الفراغ هي الصلاحيات بما تناسب حياة الأمة بمقتضى الزمان و المكان في مجال تطبيق الشريعة بما يناسب الأولويات العقلية أو الاجتماعية في حياة الفرد و المجتمع و النظام الإسلامي بحسب ما يستوحيه المسلم من سيرة المعصومين لكافة شؤون حياته الفردية و الاجتماعية و نظامه الإسلامي على اختلاف المسؤولية لهذا المسلم في حياة أمته الإسلامية حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم : } كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته { .

فمن جملة هذه الصلاحيات تطبيق الكبريات على مصاديقها بتنفيذ الشريعة في مواطن الضرورات و المسلمات و كذلك ما يكون راجحا بحسب الاجتهاد و أهل الخبرة سواء في ذلك الاجتهاد الفقهي أو الاقتصادي أو السياسي أو الثقافي أو غيره من محاور الاجتهاد و الاختصاص تحت ظل الشريعة و ضوابط الشورى .

و منها إجراء الأحكام الثانوية من قبل الشورى المختصة بها بعد ثبوتها بأدلتها بالنسبة إلى ذلك الأمر الطارئ في محاور المصالح العامة و الحكومة الإسلامية لا ما يعد من العناوين الثانوية في مجال شؤون الفرد حيث يكون حقا شخصيا أو تكليفا خاصا يميزه الفرد بوجدانه و عقله و مشورته مع الآخرين و بمسؤولياته الباطنية تجاه الحق تعالى و الخلق .

و منها مواطن تزاحم الملاكات ثم العمل طبقا لما يرجحه أهل الخبرة تحت ضوابط الشورى سواء كان التزاحم في ميادين الأمور العقلية العائدة إلى المصالح العامة أو الاجتماعية أو الاقتصادية حيث انه ليس من حق أي أحد بانفراده أن يقرر مصير أمة كما عاشته الأمة الإسلامية طيلة القرون سواء باسم أمير المؤمنين أو ولي الأمر أو الأمير حيث عاشت الأمة استبدادا لا مثيل له حتى في الغابات باسم الله سبحانه و تعالى و رسوله حشد لتلقين الأمة شرعيته وعاظ السلاطين .

و منها مواطن تشخيص الأولويات للأخذ بالراجح منها بعد انصياعها أيضا تحت ضوابط الشورى لأصحاب الخبرة ليكون التنفيذ أيضا بيد الحكومة الإسلامية لأن ولاية الحاكم هي ولاية تنفيذ للشيء و ليست ولاية تبديل و تغيير للأحكام الشرعية ككون البضاعة تمرًا أو سيفاً أو حصيراً في يوم من الأيام و كونها من مستجدات العصر الحديث في يوم آخر بعد كونها مما أحلها الله سبحانه و تعالى .

و الأمة بحاجة ماسة في كافة مجالات الحياة لأصحاب الخبرة على صعيد العلم و العمل حتى يصبح ميدان جولان الحكومة الإسلامية في المواطن النظرية و كذلك في مجال تطبيق الشريعة على الواقع الخارجي مزدهرا بأهل الاختصاص و محفوفا بضوابط الشورى حيث يكون العمل بالشورى راجحا في مواطن الحياة الفردية و لازما في مواطن الحياة الاجتماعية و التخطيط لرسم مصير أمة أو شرح الرسالة الإلهية .

أجل من الضروري أن تقع الأمور بأيدي أهل الخبرة و الأخصائيين ليعمل كل ذي خبرة و اختصاص في مجال عمله من فقه أو اقتصاد أو سياسية أو علم نفس وهكذا، كل ذلك تحت ظل موازين الشريعة بإشراف من قبل شورى الفقهاء لصيانة الأمور و شرعيتها .

فقد حدد الإسلام حدود التصرفات الفردية و الاجتماعية و صلاحيات الحاكم و الحكومة الإسلامية تحت ضوابط الشرع و الشورى و لم يفتح المجال تحت عنوان منطقة الفراغ لهجمة الاستبداد للتلاعب بالقوانين و ضياع حقوق المجتمع و الأقليات بادعاء تشخيص المصلحة ليتلاعب المتلاعبون تحت غطاء التأويل و التفسير بكل أبعاد الرسالة و حياة المجتمع و أوكل مواطن التطبيق لمنهج الشرع بما يناسب الفرد و المجتمع و الحكومة إلى كل بما يناسب  المقام بإشراف لسليم العقل و نور العلم حتى و أنه منع الإنسان من التصرف في أمواله الشخصية إذا لم يتزن من حيث البذل و سماه سفيها و جعله تحت سلطان الولاية .

فتطبيق الشريعة في ميادين المسؤوليات العامة و المصالح الاجتماعية بما يكون رسما لمنهج الشرع و تخطيطا لمصير أمة لابد و أن يجري تحت ضوابط الشورى بما يعم تطبيق الشرع بعناوينه الأولية أو الثانوية و كذلك بالنسبة إلى كل ما يعود إلى مواطن الاجتهاد سواء كان اجتهاداً فقهياً أو اقتصادياً أو سياسياً أو اجتماعيا أو غير ذلك لأن الاجتهاد حتى و لو كان في مواطن الفقه و الأصول إذا تجاوز حدود الفتوى و التقليد و راح ليرسم شرعا أو يخطط لمصير أمة لابد و أن يكون تحت ضوابط الشورى في كافة ميادينه العلمية و التطبيقية بما يناسب المقام من شورى الفقهاء أو الاقتصاد أو السياسة أو غير ذلك .

و كذلك لابد أن تحدد الصلاحيات للحكومة الإسلامية تحت ضوابط الشورى من أهل الخبرة و الاختصاص فيما تعود إلى تشخيص الأولويات في المصالح العامة و الأخذ بالراجح في مجال التزاحم للملاكات من صراعات في ميادين الأهم و المهم و القبيح و الأقبح و الفاسد و الأفسد حيث لا يكون هناك مخلص من أحدها عند التزاحم .

فيتعين الأهم أو القبيح أو الفاسد في مجال التزاحم في مورد المصالح العامة ليقدَم على ما هو المهم في أو الأقبح أو الأفسد مما يحتاج المقام أيضا إلى ضوابط الشورى لتشخيص هذا الواقع و من كونه أمرا عقليا أو سياسيا أو اقتصاديا و يكون المقام عند العجز عن التشخيص أو عدمه هو التخيير.

و من صلاحيات الحكومة الإسلامية تطبيق مسلمات الشريعة و ضرورياتها تحت إشراف لجان مؤمنة و من أهل الخبرة لتجنب سوء العمل في مواطن التطبيق مما قد يعود على الشريعة ببعض السلبيات لما لحسن التطبيق من أثر بليغ على النفوس و كذا العكس عند سوء العمل في مواطن التطبيق حيث يكون تشويها للشرع .

و من صلاحيات الحكومة الإسلامية أيضا تطبيق الكبريات على صغرياتها تحت ضوابط الشورى و إشراف أهل الخبرة و ذلك لأن الكثير من المصاديق ربما دخلت في ظرف زمني أو مكاني خاص تحت كبرى من الكبريات ثم كانت بمقتضى زمان أو مكان داخلة تحت كبرى ثانية كما تقدم في بعض المقدمات من أنه قد يعد شيء من لباس الشهرة عند عرف أو بحسب ظرف خاص ثم لا يكون كذلك عند عرف آخر أو بحسب ظرف زماني أو مكاني آخر .

و رب بضاعة حرمت بمقتضى زمان لأنها تشترى من المحاربين أو تباع عليهم و إذا انتهى هذا التخاصم فلا موجب لبقاء الحكم على مثل هذه البضاعة المباحة بحسب نفسها و رب أداة كانت مختصة بالقمار لا مورد لاستعمالها في غير ذلك أو تمثال أو مجسم لا مورد له سوى العبادة الباطلة و قد انتهى زمنها و أصبح لهما مواطن استعمال أخر .

و رب شيء كان في زمان لا مالية له فأصبح في زمان آخر ذا مالية لدى العقلاء يعتد بها تبذل بإزائها الأموال و رب عمل كان عبثا بحسب عرف أو زمان أو مكان أصبح عملا عقلائيا في ظرف آخر و لو كان من قبيل جمع الحشرات لأنها أصبحت موردا لاستعمال طبي أو عملي و رب حكم كانت له ضرورة بحسب ظرف قد لا تكون له بحسب ظرف آخر تلك الضرورة و لذا يجب أن تكون مثل هذه الأحكام تعايش واقع الحياة لأنها ليست من قبيل الحكم على الصلاة أو الصوم أو الحج أو الخمر و الميسر و الغيبة .  

و كذلك قد تختلف الأحكام بحسب ظروف الاضطرار و العسر و الحرج كما و أن شيئا قد تكون له في ظرف مرجحاته العقلية أو الاجتماعية أو السياسية أو يكون الشيء لهوا و عبثا أو ضررا أو باطلا بالقياس إلى فرد أو ظرف خاص و قد لا يكون كذلك بالقياس إلى فرد أو ظرف معين .

كما و أن الأحكام الثابتة لموضوعاتها قد تختلف باختلاف الأفراد فقد تكون الصلاة واجبة من قيام على فرد و من جلوس على فرد آخر و قد يجب الصوم على فرد و قد لا يكون واجبا أو يكون محرما بالقياس إلى فرد آخر كما و إنه قد يعتقد شخص بتحقيق شرط لشيء و يراه الآخر مفقودا أو يرى تمامية بينة و الآخر لا يراها عادلة ، و مثل هذه المواطن ليست من باب تغيير الأحكام .

و قد اتضح من المقدمات أن الفقيه يكون مرجعا في تشخيص الكبريات في مواطن الأحكام الشرعية و لا عموم لذلك في بقية شؤون الرسالة التي هي رسالة الحياة في كافة جوانبها .

كما و أنه لا خصوصية له في مواطن تشخيص المصاديق و لو في كبريات كانت من اختصاصه إلا أن يكون هو من أهل الخبرة فيها فتكون لخبرته مرجحات الاطمئنان و الوثوق لمن ليس من أهل الخبرة لكن لا شأن لذلك في التقليد حتى لمقلديه .

كما و أنه من اللازم تحديد ميادين البحث الفقهي الكبروي ليمتاز عن مواطن الصغريات ليرجع فيها إلى أهل الخبرة بما يناسب المقام من العرف أو المباني العقلائية أو أهل الاختصاص ككون هذا من مصاديق الخمر أو الربا أو اللهو أو الضرر المحرم .

لكن ربما وقع الخلط فراح المقلد يسأل الفقيه عن الدخان أنه من المفطرات أم لا ؟ في حين أن الكلام كبرويا عن الغبار الغليظ و مصاديقه عرفية غاية ما يمكن أن يدعى فيه أن الفقيه أحد أفراد العرف في ذلك لا لأنه من مواطن التقليد التي يجب فيها رجوع العامي إلى مقلده .

كما و أنه لا بد و أن تحدد ميادين التقليد التي هي في مواطن الأحكام عما هو من الأمور العقائدية التي لا تدخل تحت إطار التقليد و هي المباحث التي تستفاد من علم الكلام و الحكمة أو التفسير و الروايات في مجال العقائد حتى لا تساق الأمة للتقليد حتى في مثل هذه الأمور العقائدية كما هو مشاهد في أغلب المدن .

كما و أنه لا بد من فرز و تمييز بين ما هو من خطى المعصوم الواجب الإتباع و بين ما فعله المسلمون إلا أن تكون سيرة من المتشرعة أهل العلم و التقوى حيث تطمئن النفس بحكايتها خطى من أوجب الله سبحانه و تعالى إتباعهم و إلا فقد أصيبت الأمة بتقديس الرجال على حساب الشرع القويم فضاعت الكثير من معالم الشرع في ظل هذا الخطأ و رب حسن ضيَع ما هو أحسن منه و حق ضيع ما هو أحق منه .

هذا كله إن لم يكن من ماكر جاء بكلمة حق يريد بها باطلا أو كان من جاهل عاش حضارة جاهلية باسم الدين يريد شهود شرع الله سبحانه و تعالى في وجوه الرجال و النساء خلافا لما ما ورد عن الهداة }  إن الحق لا يعرف بالرجال اعرفوا الحق تعرفوا أهله {

كما و إن الأمة قد أصيبت من خلال تقديس الرجال بتقديس فهمهم لنصوص الكتاب و السنة ظانة أن ما توصل إليه السلف من فهم أو تطبيق للرسالة في ميادينها المختلفة كان وحيا غير قابل للاجتهاد و النقاش و إن وجدت الأمة نفسها أن الاختلاف في الفهم و التطبيق ساق الكثير من السلف إلى الحروب فضلا عن الشتم أو التكفير لبعضهم البعض الآخر .

أضف إلى ذلك ما حاولت الأمة من غمض الطرف عما تشاهده من العديد من الأخبار المتواترة التي تشير إلى أن أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ستسير على ما سارت عليه الأمم كاليهود و النصارى شبرا بشبر و ذراعا بذراع  و إنهم لو دخلو جحر ضب لدخلت هذه الأمة فيه و لما ورد من قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أنه يؤخذ ببعض أصحابه إلى النار فيقول : أصحابي أصحابي فيقال له : ما تدري ما أحدثوا بعدك .

كما و أنه في كثير من الموارد تدخلت أيدي السياسة و السلطة لتفسير و توجيه النصوص فأطلقت أيدي  وعاظ السلاطين و منعت من إبداء الرأي بقية علماء و مفكري هذه الأمة و إلا فأين المهاجرون و الأنصار ليصبح أبو هريرة راوية الإسلام في عهد معاوية و هو القائل كما  في الصحاح كالبخاري و غيره يتهمني المسلمون بكثرة الأحاديث و الكذب فيها و لماذا تخاف السلطات من كتابة السنة و نشرها و تمنع المسلمين من تدوينها .

أجل يمنعها متقدم لينشرها آخر كمعاوية على أيدي أبي هريرة و أمثاله من مقربي السلطات العايش في كنف نعيمهم و قطر ندى أفضالهم ، فما أذن الحكام في نقله من السنة إلا ما كان يوافق فقهاء السلطة أو لا يعارض آرائهم مما لا دخل له في شؤون حكمهم و أصيبت جراء ذلك الأمة التي عاشت تحت ظل الجبابرة المستبدين باسم أمراء المسلمين أو المؤمنين بالذل و التبعية ليصبح المسلم المثالي من لا يتكلم و لا يسمع و لا يرى .

فراحت الأمة تعيش تحت ظل الجبابرة هذه المأساة و راح الكثير من العلماء يراعون أولياء نعمهم و هم الحكام الذين ملكوا مصادر الحياة المالية و الاجتماعية ليصبحوا موظفين يتقاضون الرواتب منهم و يداهنونهم من أجل العيش على حساب الشرع و الأمة بإخفاء كثير من حقائ

و كيف نعجب من مراعاة كثير من العلماء أولياء النعم كالسلطات الذين يملكون مصادر الحياة المالية و الاجتماعية و ها نحن نشاهد أيضا البعض من العلماء ممن تحرر بحسب مسلكه من تبعية الجبابرة راح ليسعى لمرضاة أولياء النعم أيضا حين اختلف أولياء النعم من مذهب لآخر فأصبح ولي النعمة بدلا من الحاكم هم عامة الناس فراح ليكتم الكثير من موازين الحق و يعيش بعقلية العوام لأن بأيديهم أيضا مصادر الحياة كالحق الشرعي و المكانة الاجتماعية .

و إن كان عند التأمل لا يجد الإنسان داعيا للتعجب في المقام لأنها سنة الحياة بإزاء أولياء النعم حكاما كانوا أو من سائر الناس ما لم يحصل التحرر من قيود العبودية للدنيا و المتحررون نوادر من البشر و هم الأقلون الذين اختارهم الله سبحانه و تعالى حججا على خلقه و إلا فالناس عبيد الدنيا و الدين لعق على ألسنتهم يدورونه ما دارت معايشهم كما قال الإمام الحسين عليه السلام إلا من عصم الله ، فإنه ولي التوفيق .

و كيف نعجب من تعيين مصير الأمة على أيدي الفرد باسم أمير المؤمنين و هو ما أذعنت إليه الأمة طيلة القرون تحت أعواد وعاظ السلاطين على حساب الشرع لتعيش هوان التبعية و الذل بعد ما عشنا نحن نفس هذا الواقع و إن تبدلت الأسماء و العناوين حينما أصغت الأمة أيضا لضجيج من ملؤوا مساجد الله سبحانه و تعالى بهتاف الموت لكل من خالف رأي الحاكم في كيفية تدبير دفة الحكم و إن كان المخالف هو جل علماء الطائفة إلا من ندر منهم في هذه الأزمنة الأخيرة كما وقع الأمر بالنسبة لمسألة ولاية الفقيه و ذلك على مرأى و مسمع من الأمة و علمائها و لا أدري أين ذهب مفهوم الاجتهاد و حرية الرأي عند قوم ينزلون إلى الشوارع بهتافات الموت لكل من لم يوافق رأيهم في مسالة الولاية المطلقة و يجعلون الحماس الشعبي لأناس لا يفهمون مفردات الكلمات العلمية مستندا لصحة منطقهم و صواب منهجهم .

و قد صرح بعض الأعلام بأن منطقة الفراغ التشريعي هي المباحات و المندوبات و المكروهات دون الواجبات و المحرمات ، فلولي الأمر أن يتدخل فيها كأن يمنع الأشخاص مثلا عن شرعية الإحياء للأراضي وفقا لمقتضيات الظروف الخاصة و الدليل على ذلك النص القرآني حيث يقول تعالى } يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم {  بحيث تكون محاور الصلاحيات تعم كل مورد لم يرد فيه نص خاص يدل على حرمته أو وجوبه كالنفقة على الزوجة ، ففي مثل هذه المواطن ليس لولي الأمر التدخل فيها .

فنقول : إن ثبوت هذه الصلاحيات لولي الأمر لا يدل على سريانها بالنسبة إلى الفقيه أو رئيس الحكومة الإسلامية لأن كلامنا في المقام ليس عن صلاحيات أصحاب الولاية المطلقة الذين هم أولى بالناس من أنفسهم لأنهم مظاهر الحق و موازين العدل و إنما الكلام في حدود صلاحيات الفقيه و رئيس الدولة الإسلامية التي يجب أن تحدد بإطار تطبيق الشريعة بالدليل و البرهان تحت ضوابط الشورى من أهل الخبرة و الاختصاص حيث لا صلاحية لفقيه في تقنين أو تقرير مصير أمة أو رسم شريعة بنحو التفرد في الرأي طبقا لاجتهاده الخاص .

نعم ما يكون من أعمالهم عليهم السلام راسما لحكم شرعي بحيث يستفاد منه بنحو الجزم أنه ما كان من شان ولايتهم الخاصة بل جيء به لتطبيق الشريعة في ميادين السنة العملية بعناوينها الأولية أو الثانوية فإنه يكون من الصلاحيات في المقام لولي الأمر شريطة أن يتمشى مع ضوابط الشورى لأهل الخبرة و أما ملاحظة المصالح الاجتماعية بما يناسب الزمان والمكان فهو تحت ضوابط الأولويات بإطارها الشرعي بحدود الشورى أيضا .

وأما الأحكام الشرعية سواء منها الواجبات و المحرمات أو المباحات و المستحبات والمكروهات فهي جميعا ثابتة لموضوعاتها لدخول الصغريات تحت كبرياتها مطلقا بلا أي دليل على التخصيص بولاية الحاكم الشرعي والضرورات تبيح المحظورات في كل المواطن إلا أن يمنع من السريان طروء قاعدة عليا ( حاكمة ولو عقليا ) أو تكون بعض مصاديق الضرورات خارجه عن إطار الكبرى بحسب ظرف زمني أو مكاني كما تقدم بيانه في المقدمات .

فإذن على فرض طرو عنوان ثانوي على ما كان من المباحات كالأرض لمن أحياها لظروف خاصة  كعدم اتساع الأراضي وكثرة الناس وتحقق قدرات طائلة لبعض أصحاب القدرات المالية لإحياء الأراضي بنحو يكاد أن يمنع الضعفاء من الإحياء لعدم مقدرتهم و عدم مقدرة الحكومة على مساعدتهم قد يكون سببا لطرو عنوان ثانوي في ميادين المصالح العامة التي لا يمكن العمل بها إلا من خلال ضوابط المشورة من أهل الخبرة و الاختصاص سواء كان المقام يستدعي التشاور مع أصحاب الاختصاص في مجال الاقتصاد أو غير ذلك .

و لا يكفي مجرد دعوى تحقق العناوين الثانوية في ميادين المصالح العامة من قبل الحاكم أو الهيئة الحاكمة ما لم يقرن ذلك بتأييد من قبل اللجان المختصة و ضوابط الشورى و إلا فلو فسح المجال لدعوى ثبوت العناوين الثانوية و تشخيص المصالح بلا تقييدها بضوابط الشورى فسوف لا تبقي معاول أصحاب المصالح ركنا من أركن الشرع إلا و هدمته و لا تبقي معرفيتهم المتأطرة بالمصالح موردا إلا و فسرته و أولته بما يتمشى مع مصالحها الشخصية تحت عناوين مختلفة فضلا عما لو قيل بأن من صلاحياتها التدخل في ميادين الأحكام الأولية من المباح و المكروه و المستحب بإعطائها حكما وجوبيا أو تحريميا .

ولا أظن أنه مع تحقق العدل و التطبيق السليم للشريعة يحدث عنوان ثانوي في مثل إحياء الأراضي التي أراد الله سبحانه و تعالى للتنافس في مجالات الرشد و التنمية و العمران إلا في ظروف نادرة جدا يجب تشخيصها من قبل أهل الخبرة كما تقدم .

فإذا كان العنوان الأولي كالأرض لمن أحياها مانعا من حق الحياة للآخرين كأن كان الأغنياء بقدرات طائلة وكان العجز من قبل الحكومة الإسلامية مانعا من مساعدة الضعفاء لإنعاش الحياة الاقتصادية و التنافس في مجال إحياء الأراضي ففي مثل هذه الظروف النادرة يمكن طرو عنوان ثانوي يعطي الحكومة الإسلامية الصلاحية لمنع الأغنياء من الإحياء للأراضي و لكن فرض كلمة [ يمكن ] لا يكفي لطرو عنوان ثانوي في المقام لرفع اليد عن العنوان الأولي و هو [الأرض لمن أحياها ] ما لم يثبت ذلك بواسطة أهل الخبرة لكي لا يحصل التلاعب من الحكام كما هو المشاهد في أغلب المناطق الإسلامية .        

و بالجملة لو أطلقت أيدي الحكام من قبل الشرع تحت عنوان منطقة الفراغ التشريعي و لو في مثل المباحات بأن يجعلوها واجبة أو محرمة بدعوى طرو عنوان ثانوي سوف لا تبقى قاعدة من قواعد الشرع في ميادين المباحات و المندوبات و المكروهات إلا و نسفتها معاول التوجيه و التأويل تحت غطاء تشخيص المصلحة و العناوين الثانوية فضلا عما لو أطلقت أيديهم بلا شورى و بلا حاجة إلى مختصين في الواقع البشري و إرهاصاته تحدد بهم هوية الموضوع و حيثياته كما و أن الابتعاد عن منطقة الفراغ قد يفضي إلى الجمود تحت عنوان المحافظة على الشرع فلذلك لابد من تفاعل مع الواقع حتى لا توسم الشريعة مع سعة انطلاقها بطابع يظهرها قاصرة عن تفسير مستجدات العصر و هجمة التطور .

فالإسلام بحاجة إلى رجال و نساء يعيشون سعة الصدر ، يحتضنون البشرية بأسرها مع المحافظة على مبادئ الإسلام في ظل أبعاد الشريعة الثلاث الكتاب و السنة العملية و العلمية يدافعون عن أسسها الثابتة و تراثها المنهوب الذي شوهته تراكمات التاريخ ، يميزون بين الأسس التي لا تقبل النقاش و بين الاجتهادات التي طرأت في ضمن أربعة عشر قرنا حيث يمكن أن يجري في حق بعضها التعديل و التنظيم أو الاستفسار و التغيير تبعا لاجتهاد و بحث علمي جديد و بالأخص لو كانت البحوث العلمية من أهل الخبرة بنحو مشترك بعيد عن رواسب التقليد باسم الاجتهاد بروح تذعن بكل إقرار بأن ما توصل إليه البشر من لمس روح الشريعة و فهم أبعادها إنما كان نقطة من بحر حتى لا يصاب المسلم بالتوقف عن مسيرة الكمال .

فليس الشك في المنهج الإسلامي و قابلياته لمواكبة الزمن و إنما الشك في ما توصل إليه الكثير من المجتمعات الإسلامية من فهم الشريعة خوفا من أن يكون سوء الفهم ينعكس على نفس الشريعة و يدعوا إلى صياغة أسسها من العدل أو الإحسان بصياغة جافة على أيدي بعض من ينسب نفسه إلى العلم و المعارف الإلهية فلو أريد من العنصر الثابت هي الكبريات المسلمة الشرعية و من المتغير ما يفهمه المجتهدون من الشريعة فيما يعود إلى مواطن الاجتهاد و استنباط الأحكام من أدلتها الظنية و محاور الأصول العملية أو موارد الدلالات غير القطعية و ما هو من موارد تشخيص المصاديق لإدخالها تحت الكبريات فلا مانع من ذلك فإنه لا مشاحة في الإصلاح أو كون المتغير هو ما كان راجحا لتغيّر الحكم تبعا لتغيّر موضوعه .

فإذن ليست هناك من صلاحيات خاصة للدولة تسمى بمنطقة الفراغ سوى تطبيق الشريعة بأبعادها المختلفة في محاور الأحكام الأولية و الثانوية و تشخيص مواطن التزاحم للملاكات و الأولويات .

و قد وقع التلاعب في كثير من مواطن التطبيق و التفسير مع حفظ الإطارات العامة للشريعة و ذلك من خلال التلاعب بالمقاييس .

و الخوف في هذه العصور من التحلل باسم التطور بما قد يوصل إلى التلاعب بالمقاييس تحت عناوين شتى من قبيل دعوى فهم الغايات أو لمس المصالح أو المفاسد و العمل بروح الدين لا
​ بروح العصبيات.​

و من جانب عدم التخصص في كثير من مواطن الشريعة على ضوء الكتاب و السنة أفضى بالبعض لتصور فراغ و قصور في الشريعة بمعناه السلبي في حين أنه كان ناشئا من عدم مواكبة المسلمين للشريعة بأبعادها الثلاث و عدم  وجود خبراء في كثير من المجالات كالاقتصاد الإسلامي أو علم النفس أو غيره تحت ضوابط الشرع التي قد تكون مهجورة أيضا و إن كان في بعض الموارد حصل فيها بعض التحرك بقدر متابعة و مسايرة الآخرين تحت ضغوط الزمن لكنها لا تفي لرسم الشريعة و دفع شبه القصور أو توهم فراغ تشريعي في المقام .

فلابد أن تحدد صلاحيات الدولة الإسلامية ضمن إطار الشورى في كافة مجالات الحياة تحريكا لروح المسؤولية و القابليات المختلفة لكيلا تذهب الطاقات هدرا أو تتحجم أو تتحجر العقول تحت مطارق الاستبداد أو التقليد . 

و إن كان من الملحوظ أن لكل أمة بحسب حضارتها و زمانها و مكانها التفاعل الخاص مع روح الشريعة التي هي الفطرة و الاستسلام إلى الحقيقة ، فلا أظن أن جميع الأمم لو أسلمت لتفاعلت مع الإسلام تفاعلا واحدا ما لم تصل إلى الكمال المطلوب حيث لا يختلف عند ذلك الواقع في أعينها .

فتفاعل العربي الحضري يختلف عن القبلي بأزاء الآباء و الأمهات و حقوق الأبناء و حسن الضيافة و الشجاعة حيث ينظر كل بمنظاره الخاص سعة و ضيقا إلى الشريعة بأبعادها المختلفة كما و أن الغربي المسلم ينظر إليها بمنظار آخر حتى و لو كان كل مسلم يعيش سلامة في دين ، كما و أن التفاعل مع حقيقة واحدة كالصلاة يختلف باختلاف النفوس فقد تكون مسقطة للتكليف فقط كما و أنها قد تكون قربانا و معراجا و عمودا للدين على اختلاف مراتب الإيمان و الخلوص و بعد المعرفة .

و الذي يجب أن يلحظ في المقام الخوف من وقوع التلاعب في مواطن التطبيق و التفسير مع حفظ المتون و الإطارات تدليسا و خداعا للشعوب و ذلك من خلال استغلال الجهل بالشريعة أو عدم الإحساس بالمسؤولية تجاه التخطي للقوانين من قبل أصحاب المصالح الشخصية فإنه رب حق أريد به باطل تحت غطاء العناوين الثانوية أو حصل في حقه التحريف في مواطن التطبيق و دعوى تشخيص المصالح بعيدا عن قاعدة الشورى و حدود الحرية و مجالات صلاحيات الحكومة الإسلامية .     

 

فالشرع تبيان لكل شيء ما ترك أمرا إلا وبين حكمه فإذن ليس هناك من منطقة فراغ بما توحي به العبارة بحسب ظاهرها البدوي من ترك الشرع لواقعة أو حكم قد أوكل أمره إلى ولاة الأمر .

 

و لا أظن أن الشريعة ثابتة بأحكامها الوجوبية و التحريمية فقط لتكون بقية الأحكام في مواطن الندب و الكراهة و الإباحة محلا لمنطقة الفراغ التشريعي و تصدي الحاكم الإسلامي بل كل حكم لموضوعه باق على ما هو عليه و إنما يقع النزاع في صغروية المصاديق لكبرى من الكبريات من حيث تشخيص الموضوع و يبقى التأمل في جميع الأحكام التي أصابها الفقيه باجتهاده من حيث كونها متطابقة مع الواقع أم لا ؟ و إلا فجميع الأحكام الخمسة يمكن أن تعمها الأحكام الثانوية لأن الضرورات تبيح المحظورات حتى الصلاة بلحاظ كيفياتها و إن كانت هي لا تسقط بحال .

 

و هذا مما يمكن أن يختلف باختلاف ظروف الحياة و هو ميدان واسع يجري فيه النزاع لكي لا يصبح التقليد جالسا على كرسي الاجتهاد لأن الاجتهاد ليس تقنينا للشرع بل هو سعي للوصول إلى فهم الشريعة و أحكامها الثابتة في نفس الأمر و الواقع التي قد يقع فيها الخطأ من قبل المستنبط كبرويا أو من حيث التطبيق صغروياً .

 

فإذن الصلاحيات لرئيس الحكومة الإسلامية أو ولي الفقيه محددة في الكبريات بوجوب الالتزام فيها و تنفيذ قواعد الشرع المسلمة و أما الاجتهادية فهي داخلة تحت ضوابط الشورى و أهل الخبرة و الاختصاص و كذلك الأمر في مجال الصغريات ثم يعود التنفيذ إلى رئيس الدولة تحقيقا لقوله تعالى }  و شاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله { فالعزم تطبيق للمنهج بعزم و جد بعد مراحل المشورة مع أهل الخبرة في كافة مجالات العلوم المختلفة .

 

و نحن اليوم بحاجة ماسة إلى خبراء في كافة المجالات المختلفة للشريعة حتى لا يتوهم البعض أن الشرع ترك جانبا من جوانب الحياة حيث يكون قد نظر إلى جانب من الجوانب فظن وجود فراغ في التشريع .

 

نعم ليس من السهل التطبيق السليم للشريعة من الكبريات على مصاديقها المناسبة لها بعد الابتعاد عن معايشة الشريعة بأبعادها الثلاثة و لو من بعض الجهات .

 

فالتطبيق السليم وظيفة اجتماعية تتبع حسن النوايا و العمل بأبعاد المعرفة حتى نتدارك بعض ما حصل طيلة أربعة عشر قرنا من قسوة للزمان على العلم و الحريات و وقوع الأمور في أغلب الأزمنة بأيدي غير أهلها و قد أضاف على هذه السلبيات التي سببت البعد عن التطبيق السليم كما تقدم الكثير من العوامل منها إن الكثير منا لا يرى لغيره حق الحياة في مواطن العلم و المعرفة جازما بأن ما توصل إليه من الاستنباط و الفهم هو الحق الذي لا نقاش فيه و أن كل ما كان مخالفا لهذا الفهم يكون باطلا يجب أن يحكم عليه بالاضمحلال و العدم في حين أن المتنازع فيه من شؤون الاجتهاد و ليس من مسلمات الشريعة .

و ربما صار في بعض المقامات تأييد الرأي بكثرة المؤيدين و الأنصار و الحماس الشعبي بدلا من الاستدلال بالكتاب و السنة و العقل و هذا ربما جرى بين أهل الطائفة الواحدة فضلا عن جريانه بين الطوائف المختلفة الإسلامية التي ساقها الكبر الباطني بدلا من السلام الإسلامي إلى تكفير الآخرين جهلا بالشريعة تبعا لخطوات الشيطان كما تبدو معالم هذا الجهل لدى المكفرة المبيحين لدماء المسلمين فضلا عن غيرهم طهّر الله سبحانه و تعالى منهم الأرض قبل ظهور وليّه الأعظم الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف إنه العلي القدير .

 

و ربما أضاف على هذه السلبيات كتمان الحقيقة من قبل البعض مماشاة مع السلطات أو استعطافا لعواطف الجماهير ، و راح آخرون ينظرون إلى الجوانب السلبية و لو بمعتقد أنفسهم بدلا من النظر إلى الإيجابيات و الجوامع في العقيدة .

 

و هناك الكثير ممن يندفع وراء الجوانب الجانبية بدلا من دراسة الأسس و القواعد الإسلامية و إضاعة الحياة في بعض البحوث التي لا طائل من ورائها في دراسة المنهج الإسلامي و السعي بمجادلات شتى لجعل ثمرات نادرة أو وهمية بل قد يصل بنا الأمر في بعض المقامات أن يقول القائل منا : بأن هذه البحوث و إن لم تكن لها ثمرات علمية و لا عملية إلا أنها تفيد لتشحيذ الذهن حتى سارت القرون المعاصرة بنحو من الإفراط و التفريط بالنسبة إلى علم أصول الفقه و إدخال ما لا دخل له بالاستنباط بحيث جعلت الطالب كأنه يسبح في بحر لا ساحل له كما تقدم بيانه .

 

فالكثير من هذه العوامل و غيرها صيرت الكثير من الحقائق يصعب تناولها سواء في مراحل العلم أو في مواطن التطبيق في حين أنه تقدم أن قلنا أن الأساس و الميزان هو الكتاب المجيد الذي كاد أن يكون عند المسلمين مهجورا .

 

فبعض العوامل كعدم المماشات مع الكتاب المجيد و السنة العملية التطبيقية ربما أدى لتوهم باطل و هو الاعتقاد بمنطقة فراغ بمعنى قصور الشرع القويم عن بيان كل شيء بعد كون الشريعة هي فطرة الحياة ، وسنن الله لا تبديل و لا تحويل لها سواء في واقع التكوين أو التشريع و إن حقائق الأحكام تابعة للمصالح و المفاسد التي لا يمكن تحت شعار الحركية أو التطور أن ينال البشر من قدسيتها كما لا يتمكن أن ينال من القوانين الثابتة الطبيعية أو الفلكية أو الرياضية أو الفيزيائية أو الفلسفية .

 

فمثلا هناك أسس عقلية حكمية لا تنالها مطارق الحدثان كعدم اجتماع النقيضين أو احتياج الممكن إلى العلة و استحالة الترجح بلا مرجح و كالثوابت في علم الهندسة و الرياضيات و كالفطريات البشرية و الوجدانيات و حسن و قبح ما تسالمت عليه البشرية من الفضائل و الرذائل الأخلاقية حيث لا يمكن أن يقال أن حسن العدل و قبح الظلم أصبح كلاما رجعيا و إن أمكن أن يختلف الناس في محققات كل من العدل و الظلم في الخارج بتبع اختلاف العقليات و الحضارات و الديانات .

 

فشعار التطور و التغيير يجب أن يلحظ بدقة كي لا يأخذ جانبا وهميا يوجب الخلط بين نواميس الكون الثابتة و الأحكام التابعة لموضوعاتها تبعا للمصالح و المفاسد المتغيرة بما يناسب الزمان و المكان و الأفراد و المجتمعات البشرية و ما هو من شأن التكامل الذي بني عليه عالم الإمكان طرّا بحيث يعم الجبال و الكواكب و المجرات لسيلان عالم الإمكان نحو الكمال كما قال تعالى }  فترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب {  فلا ليل ثابت و لا نهار و لا جبل فكل في فلك يسبحون و قد أمرنا أن نربي أبنائنا لزمان غير زماننا لما هو من مقتضيات التطور تبعا للزمان و المكان .

 

فإذن لا يجوز الجمود لكونه ينافي سنة التطور في الأرض بما فيها من التكامل و التغيير و لا شيء ثابت من أرض و لا سماء حيث تُبّدل الأرض غير الأرض و السماء غير السماء فالكل محكوم للتبدل و التغيير و السير نحو الغايات و غاية الغايات اللامتناهية في الكمال هي الله سبحانه و تعالى فبهذا اللحاظ و التقويم لمعرفة المباني الإسلامية لا ثبات لأي موجود لسيلان عالم الإمكان و الحركة نحو الكمال المطلق .

و من ناحية ثانية أنه سيلان و حركة نحو الكمال تحت ضوابط العلم و النواميس المحكمة السليمة الصحيحة .

فإذن هناك قواعد و قوانين و سنن و محكمات و أصول ثابتة في كافة المعالم لا تبديل و لا تغيير لها هي ضوابط التكامل لعالم الإمكان و ليست منهجا للجمود و التخلف مع عين ثباتها .

 

و هناك سنن بما يناسب المكان و الزمان فهي ثابتة بلحاظ موضوعاتها و ظروفها الخاصة فمثلا يقال إن في كذا ضوابط و شروط و زمان و مكان يقع كذا شيء و في كذا ظرف يجب الحرب أو السلم أو الصلح و عند كذا فصل يكون الجو باردا أو حارا و هكذا آلاف الضوابط التابعة لشرائطها و عللها بما يناسب ظروفها الخاصة سواء كانت بحسب التكوين أو بحسب العقل بحيث يجب أن يكون الإنسان متفاعلا مع مقتضياتها حتى لا يحكم على الليل بحكم النهار و لا على الشتاء بحكم الصيف و لا على السلم بحكم الحرب و لا على الصديق بحكم العدو و لا على الجاهل بحكم العالم و لا على نفسه في أيام شيخوخته بحكم ما كان شابا .

 

و لا يطبّق على نفسه أحكام الصحة حينما يصبح مريضا و لا يتعامل مع مستوجبات الغضب و الشدة تعامل البسمة و الحنان و هذا التغيير للأحكام من لوازم تغيير الموضوعات و الزمان و المكان و بقية المستجدات و العوامل التي يجب التعامل معها طبقا لما تقتضي الأشياء تبعا لعللها و أسبابها من الشرائط الطبيعية و العقلية .

 

و عليه فنحتاج إلى لجان من أهل الخبرة و الاختصاص في كثير من المواطن لدراسة السنن الثوابت بإطلاق الكلمة و إلى معرفة السنن الثوابت بحسب زمانها و مكانها و مستوجباتها الخاصة بما لها من الاختلاف بمصاديقها و كيفياتها و مظاهرها و ما هو من شأن السيلان و التغيير و التبديل لحركة كل شيء نحو غايته الخاصة بما للأشياء جميعا من الحركة نحو غاياتها حتى لا يقع الخلط بين السيلان و التغيير الذي هو من شأن الكمال لكل شيء حتى لا يفر الإنسان من الجمود و التقليد و يقع في مغالطات كلامية و أوهام باسم الثقافة و التطور بالتحلل من كل شيء بلا تنقيح و لا تمييز لما هو من شأن التكامل و التغيير لكل شيء بحسب ما يناسبه و بين ثوابت السنن في عالم الإمكان .                  

فلا بد من تنقيح البحث لمعرفة مواطن الثبات و محكمات السنن و ما يكون من السنن المتغيرات في عين ثباتها في أصول قواعدها بتبع ظروفها الخاصة من السيلان و التغيير لكل شيء في عالم الإمكان من حيث المصداق سواء كان التغيير في جوهره أو كمه و كيفه أو بقية شؤونه و خصوصياته المختلفة و ما هو من الثوابت بحسب واقع النفس و الفطرة و الخلق السليم .

@ من معالم الثورة الحسينية

من معالم الثورة الحسينية

 لبى الحسين عليه السلام صرخة الأمة واستغاثتها , تلك الأمة التي كانت تعيش حياة البؤس والحرمان والذل والهوان على أيدي حكامها الطغاة الذين كانوا يحكمون الناس بإسم الله و شرايع السماء واصفين انفسهم بأمراء المؤمنين و أولي الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم تفسيرا للآي الحكيم بتبع الهوى .

فأسرع عليه السلام نحو العراق ملبيا دعوة الداعين لتخليص الأمة من ذئاب قد افترستها بلا رحمة قاصدا بذلك تحقيق الحق و إقامة العدل .

فخرج عليه السلام هو و أهل بيته من مدينة رسول الله (ص) متوجها نحو مكة المكرمة لإقامة الحجة على كافة المسلمين و منها توجه إلى العراق حاملا معه النساء والأطفال ومن عزّ لديه من أهل بيته و خلص أصحابه.

ولما اعترض عليه المعترضون قائلين يا حسين : لا تخرج وتشق عصا المسلمين, أعرض عنهم وقال كلمته الخالدة (إنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي رسول الله (ص) آمر بالمعروف وانهى عن المنكر ),فلم تأخذه في الله لومة لائم صاغتها ظلمات حناجر الدجالين او تلتها ألسن الجهلة المتنسكين الذين ظنوا شرع الله كثرة صلاة بها تُسّود جباههم و إن كانوا لداعية الحق الذي افترضه الله تعالى عليهم تاركين وللحق جاهلين وعن إقامة العدل معرضين في حين انه لو كانت كثرة العبادة منجية من سخط الله تعالى لما كان ابليس في الدرك الاسفل من النار بعد ستة آلاف سنة من العبادة عندما أبى واستبكر عن امتثال أمر الله تعالى .

ولما وصل الحسين عليه السلام الى مشارف الكوفة وسأله البعض عما دعاه لحمل نسائه و أطفاله ونساء بني عمومته قال مقالته التي لو شرحناها و بينا مدى ابعادها للأم وبالأخص للمسلمين منهم لميزوا بذلك بين الصادقين والكاذبين حينما قال لأهل الكوفة أو العراق ( أهلي مع أهليكم ونفسي مع أنفسكم) مبينا للعالم ان دعاة الحق والصالحين لا يدعون أحدا الى تحقيق عدل ودفع ظلم ونساؤهم واطفالهم في الأمان و أعراض الناس و أطفالهم معرضون للعدوان والقتل والأخطار كما يفعل ذلك الدجالون والماكرون .

كما وأنه عليه السلام خلافا لما يشاع ويكتب من أنه لما وقع النزاع بين أصحابه و أهل بيته مِن أنه مَن يتقدم للقتال يوم العاشر من المحرم, الأنصار او بنو هاشم وأنه ما رضي الانصار إلا ان يتقدموا فرضي بذلك بنو هاشم  فإنه يؤسفني ان اسمع مثل هذا الطرح صادرا من بعض الخطباء و رجال الدين بعد كونه مخالفا لسيرة الصادقين ومنهج الشرع وما عليه واقع الحروب من كونها تبدأ بتقدم بعض الابطال من الطرفين ثم تلتحم الحرب بعد ذلك وكان الحسين عليه السلام قبل التحام الحرب قال لولده علي الأكبر تقدم يا بني ولذا كان علي الأكبر اول قتيل يوم الطف لأنه بعد قتله الكثير من الابطال أمر إبن سعد الجيش بالهجوم و قال اشهدوا لي عند الأمير عبيد الله بن زياد أني اول رام رمى الحسين بن علي فاحتوشوه من كل جانب ومكان وقطعوه بالسيوف وكان ذلك مخالفا لأعراف الحروب لكن لا عرف ولا دين لبني أمية و أزلامهم .

 وهكذا كانت سيرة الصادقين على طول التأريخ في حروبهم فذا هو علي عليه السلام و هو بطل الابطال يحدثنا ان المعارك التي كانت تجري في عهد رسول الله (ص) اذا اشتدت المعركة وحمي الوطيس واحمرت الحدق قال علي عليه السلام كنا عندها نلوذ برسول الله (ص) فما كان احد منا اقرب الى العدو منه.

أجل كان رسول الله (ص) عندما تشتد المعركة يجعل نفسه درعا يقي به أهل بيته والمسلمين وذا هو علي (ع) ايضا يحدثنا قائلا كان رسول الله (ص) اذا تقابلا الجيشان المسلمون والمشركون يقول تقدّم يا علي تقدم يا حمزة تقدم يا فلان ويا فلان من أهل بيته وعمومته فيجعل اهل بيته درعا يقي بهم المسلمين ونفسه درعا يقي بها أهل بيته وما سمعنا يوما من الأيام ان صالحا من الصالحين او اماما من الائمة او نبيا من الأنبياء الذين هم الأسوة لرسم معالم الشرع أمر اصحابه بالدفاع عن حق او عدل واختبأ ورائهم طالبا للآمن وكيف يكون ذلك وهو يرى القتل شهادة يلقى بها ربه و ذا هو علي عليه السلام يقف في القلب في معركة الجمل ويعطي الراية العظمى لولده محمد و يأمره بالتقدم فلما ابطأ بعث إليه ان تقدم يا بني فبعث إليه محمد بن الحنفية والله اني لأتقدم على جبال من الاسنة والسيوف فلما رأى علي عليه السلام نفسه اولى بحمل الراية العظمى من ولده محمد تقدم وأخذ الراية منه و سار بها نحو القوم فلم يسبقه احد اليهم ولم يكن احد أقرب منه الى أصحاب الجمل وكان قد جعل ولده الحسن و الحسين في الميمنة والميسرة وهكذا كانت حروبه في صفين والنهروان دروسا لطلاب الحقيقة واصحاب البصائر لنميز بذلك بين دعاة الحق والباطل وأهل الصدق والكذب ولنعرف سيرة الصادقين ومن كان يريد الاسلام لنفسه ليعيش به في الدنيا حياة الترف والرئاسة و الجبروت والسلطان على حساب قيم رسالات السماء ومن يريد نفسه للحق والاسلام مضحيا بكل غال ونفيس من أجل اعلاء كلمة لا إله إلا الله كلمة الحق التي بها تحقيق موازين العدل ليعيش الناس حياة الكرامة والعز لا الذل والهوان .

فكفى أيها الحكام ضحكا على الشعوب باسم الدين ومظاهر التقوى يا من قدمتم و تقدمون ابناء الناس و الفقراء والمساكين الى محارق الموت في لهوات الحروب وأنتم آمنون فاكهون في بيوتكم تستغلون جهل الأمة بشريعة الاسلام لغاياتكم وعروشكم يا من قلتم وتقولون إن تساقط ابناء الفقراء و البسطاء من الناس كالورق في أيام الخريف في محارق الحروب يا ليتنا كنا من حرس الثورة فهب انكم كنتم شيوخا عاجزين فأين قافلة الشهداء التي قدمتموها من الابناء و الاحفاد والاصحاب وذا هي الحرب قد دامت بين ايران والعراق ثمانية اعوان اكلت الاخضر واليابس وقتل فيها الملايين من المسلمين وجرح من جرح وهدمت فيها الديار واضيعت الحريم وقد قاتل مع الانبياء والائمة الصالحين من تجاوز الثمانين عاما كعمار وحبيب بن مظاهر وغيرهما من الابرار كثير على طول التأريخ فإن الحرب بين ايران والعراق ان كانت كما تزعمون بين الاسلام والكفر فلماذا لم تبادروا اليها شهداء في سبيل الحق لتكونوا اسوة يقتدي بكم الصالحون كما هي سنة الله في عباده بأن جعل الأنبياء واوصيائهم الكرام اسوة يقتدي بهم اهل البصائر.

هدانا الله وإياكم ايها الناس ويا أمة محمد (ص) الى مناهج اوليائه وثبتنا على الطريق وابعدنا عن الدجل والنفاق و الرياء انه ولي التوفيق والسلام على من اتبع الهدى .

فهذه كلمة حق لمن شاء الى ربه سبيلا لكي لا نكون من الكاتمين للحق وسيرة محمد و آله الطاهرين لمرضاة الاكثرية التي تقدس الرجال بدلا من تقديس شرع الله تعالى كما وانها كلمة تقال لإقامة الحجة ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من اتى الله بقلب سليم .

و أسمعوها ايها الناس لا من امثالي من الخاطئين والجهال المذنبين بل من الصادق الأمين سيد المرسلين محمد ابن عبد الله (ص) حيث يقول : (الحق لا يعرف بالرجال) فلا تخدعوا بالمظاهر وزنوا الرجال بالحق ولا تزنوا الحق بالرجال  واسمعوها ايضا ايها الناس من امام المتقين امير المؤمنين علي عليه السلام حيث يقول (الحق لا يعرف بالرجال اعرفوا الحق تعرفوا أهله).

أجل إنه من عرف الحق عرف أهله بموازين الحق علما وعملا وبذلك سيجد معالمه واضحة يتمكن بها ان يميز بين رجال الحق والباطل فاقرؤا ايها الناس بانفسكم سيرة محمد وآله الطاهرين قراءة لله تعالى تهتدوا بها الى سبل ربكم اللهم وفقنا للحق والعمل به و ابعدنا عن العيش على حساب دينك وجنبنا مسالك الشياطين الساكتين عن الحق لمرضاة العامة من عبادك إنك انت ارحم الراحمين حسبنا الله عليه توكلنا انه هو ارحم الراحمين.

--
مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني


كما يمكنكم متابعتنا على كل من 

@ السعي للوصول إلى الله تعالى



السعي للوصول إلى الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد وآله الطبين الطاهرين.

وبعد فإنه لابد من السير والسلوك بعيدا عن التبعية والتسليم لكل ما قيل او يقال لشهود الحقائق بقدر المستطاع , تلك الحقائق النيرة التي راحت لتسدل عليها حجابا حوادث الدهور و تراكم صفحات الأيام والسنين وظلمات الليالي و إجتهادات الرجال سواء كانت ناشئة عن قصور او تفسير للحقائق بتبع الهوى حيث أن لهذه الأسباب وغيرها التأثير البالغ لفهم الكتاب والسنة وسيرة المعصومين عليهم السلام.

لأن مما بات جليا أن كل إنسان على قدر سعة عقله و سلامة فطرته وما للزمان والمكان والحضارات من تأثير ينظر الى الحياة و يقرأ التاريخ و رسالات السماء.

و نحن لا ندري كم من تأثير كان لهذه العوامل على فهم الشريعة التي وصلت بأيدينا و لذا كان على كل طالب حق أن يُمعن النظر بنفسه إن كان أهلا لذلك ليعيش الشريعة على جميع أبعادها الثلاث كتابا وسنة وسيرة بعيدا عن هذه الغشاوات والحجب حتى لا يستلم موروثا قد كبلته قيود الزمان والمكان و الأهواء والتقاليد و قد يكون في ضمن ذلك ما لا أصل له مما قد أصبح من المسلمات.

فالبدوي الأمي قد ينظر الى الحياة نظرة تختلف بكل مقاييسها و أبعادها عما يراه الحضري المثقف وإن كان كل منهما يحمل روح الإيمان.

و إذا كان محمد (ص) يدعو ربه أن يرى الحقائق كما هي فما هو حالنا نحن و نحن نعيش شرع الله بما له من البطون والأبعاد و الأسرار والخفايا التي تحتاج الى قدر ما من الحرية في الرأي و الإبتعاد عن التقاليد الموروثة و هذا مما يدعو طالب الحق أن يبتعد عن روح الكبر الذي قد يسوق الى الجهل المركب او الى الجزم الذي قد تكون مناشئه التقليد تحت مسميات الإجتهاد و لذا أقول أولا وقبل كل شيء لابد من التأمل في بعض مفردات الشريعة حتى نتمكن من خلال هذه المفردات قبل التوغل في أعماق العقيدة و فهم أبعادها بآياتها و عظيم رواياتها من الحصول على فهم يأخذ بنا شيئا بعد شيء للنظر والتأمل فيما هو أرفع منها مكانة حتى نرقى الى فهم أبعاد التوحيد و النبوة والإمامة و سيرة المعصومين سيرة نشاهد من خلالها شرع الله مطبقا على صعيد الخُلق العظيم و الحكومة الإسلامية كما وانه لابد من التأمل في عظيم المراد من القضاء والقدر و الأمر بين الأمرين بعيدا عن الجبر والتفويض و مزالق الأقدام التي دفعت و تدفع بالأمة  أن تعيش بعيدة عن روح الحياة حيث أصبحت أمة راكدة لا حراك فيها  إلا فيما يسوقها الى الجدل والعناد و التشتت والتمزق.

و أضرب لهذه المفردات التي يجب ان تكون منطلقا للحركة نحو فهم الشريعة أمثلة حيث أن كل واحد منا حين ينظر الى مفردة قد يفسرها بتبع الذوق و ماهو عليه من البعد المعرفي او الحضاري و لذا كانت هذه الأمور مؤثرة حتى على صعيد فهم هذه المفردات على الرغم من بساطتها فكيف بنا و فهم عظائم الأمور ودقائق الآيات والروايات و لذا نقول رب سامع لكلمة وردت عن الرسول (ص) وهي : (صوموا تصحوا) راح ليعطيها بعدا خاصا لأنه طبيب حيث تكون النظرة لديه نظرة تناسب الصحة الجسدية وما للصيام من تأثير على البدن و آخر راح لينظر إليها بمنظار آخر يشاهد فيها معالم الثبات و الخلق ومواساة الآخرين لتكون مدعاة له ليحس بآلام الفقراء والمساكين لنقاء نفسه و طهرها من حجب الغفلات و رب ثالث أعطى الكلمة او هذه الجملة بعدا اوسع من كل ذلك لتعم شؤون الحياة بما لها من بعد نفسي و جسدي و إقتصادي و سياسي و هي كلمة واحدة راح لينظر إليها كل واحد بمنظاره و يفسرها بما يناسبه من تفسير وربما قطع كل واحد بما ذهب إليه بتبع مناشيء قطعه.

أجل هكذا تفسر الكلمات و تختلف الآراء حتى بالنسبة الى المفردات فضلا عما كان يعود الى عميق معالم التوحيد و رفيع مقام الآيات و الروايات و سيرة المعصومين عليهم السلام.

و هكذا هم الناس على طول التأريخ في تلقيهم لمفاهيم الرسالة المحمدية فهذا لا يفهم من آية او رواية تحدثت عن الرزق إلا ما كان مرادا ماديا و آخر يتبادر ذهنه الى عظيم المنة و رفيع الهداية و شآبيب الألطاف ومنحة العقل من الله الرؤوف الرحيم.

وثالث بمجرد ان يسمع مثلا بأن الشكر يزيد النعم يزداد دعاءا وصلاة طالبا من ربه مزيدا من المال و ربما رأى أن أداء شكر النعمة هي كلمة الحمد بعد كل وجبة طعام و أنه بذلك قد أدى ما عليه من واجب النعم و قام بما عليه من أداء شكر النعمة و الحال لو أن متكلما او حكيما طرقت مسامعه كلمة شكر النعمة او المنعم لذهب الى القول بأن ذلك واجب عقلي حيث يجب شكر المنعم و لعل الفقيه يقول في المقام نعم إن ذلك قد ورد الأمر به فهو واجب لأن الأمر ظاهر في الوجوب.

فهكذا هي الأمور بكل أبعادها الإجتماعية والسياسية و الشرعية تختلف بإختلاف الآراء و تتقيد بقيود الزمان والمكان و تُفسر بتبع الإجتهاد وتسدل عليها الحجب تقليدا للآخرين حينما تعظم مكانتهم في النفوس حيث قد راحت هذه الامور وبعد طي القرون ان تدفع بالناظر الى الآيات والروايات نظرة مكبلة بالقيود حتى كاد ان يصبح العقل البشري غير حر من بعد ما خلقه الله تعالى حرا و أراد منه ان ينظر الى الحقائق بعقله و سلامة فطرته ولذا راحت لتشير الروايات الى انه حينما يأتي مهدي آل محمد (ص) ويفسر ويطبق شرع الله بما كان على عهد الرسول (ص) يأتيه بعض المؤمنين مستغربا قائلين له يبن رسول الله هل جئت بدين جديد؟! و إذا كان هذا هو حال بعض المؤمنين في أبعاد معارفه لفهم شرع الله فكيف حال سائر الناس , كل ذلك لإبتعاد الامة عن واقع شرع الله حينما راحت لتتهاون في الدين لتعرف الدين بكل أبعاده من أفواه الرجال إلا من كان من النوادر من البشر الذين حصّنهم الله عن مزالق الأقدام لطهر نفوسهم وخلوص نياتهم رحمة من الله بواسع لطفه حيث أن الله تعالى لا يضيّع عباده المخلَصين فهو الآخذ بأيديهم الى صراطه المستقيم رحمة بحالهم بعد اختبار نفوسهم وتمحيصها بشدائد الأمور و لإقامة الحجة على الآخرين ليوم الحساب حتى لا يقول قائل يومئذ إلهي وسيدي ومولاي ضاعت علي السبل في ظلمات الدهور ليقال له لو كنت أهلا لإهتديت الى سواء السبيل و أي احد أصدق مقالا من الله تعالى حيث يقول : (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين).

أجل هكذا قد اخذ الله تعالى على نفسه لطفا بحال العباد أن يهديهم الى سواء السبيل إن علم صدق النية و سبل الهداية لا تحد بحد في مدارج العلم والعمل حيث أن من المستحيل أن يبقي الله الشيطان مضلا ولا يجعل لأوليائه ما يتمسكون به ومن تلك المسالك لبلوغ الغايات و شهود معالمها ما أشار إليه تعالى في كتابه المجيد بالنسبة الى العبد الصالح و موسى عليهما السلام وعلى رأس الجميع هو مهدي آل محمد (ص) إصلاحا لبواطن الأمور و هديا لرجال الله المخلصين ولو بإشارة من قول تشعر به نفس اولئك الذين هم من أصحاب البصائر.

ولما اختلف شهود الحق باختلاف الآراء والغايات راح البعض ليعطي عظيم مقام الحب الذي هو أعظم مقام في الكون في مواطن حب الله تعالى وحب آل الرسول (ص) وفي مواطن فهم المراد من القربى مفهوما لغويا او قبليا ناسيا او متناسيا ان شرع الله بعيد كل البعد عن ضيق دائرة النزعات و ظلمات رواسب القبليات حيث أن الحب والآل حب إلهي والبيتوتة نبوية تحكي ابعاد الخلوص وسير الرسالة في مواطن التطبيق والبيان حيث يصبح الحب للقربى حبا للسلوك نحو معالم التوحيد في جميع هذه الأبعاد علما وعملا للعروج الى الله تعالى بطهر وبصيرة ومشاعل علم.

نعم هكذا تفهم الحقائق في ظلمات الدهور او بتبع طهر النفوس ليأخذ كل بقدر عقله وطهره بعد طي هذه القرون حيث أن ذلك هو واقع الأمم بما تعيشه على اختلاف مذاهبها وما تدعيه من يهودية او نصرانية او اسلام حينما جائت لتنظر الى شرايع السماء من خلال اجتهادات الرجال وغاياتها على طول التأريخ حتى أصبح لهذا التهاون في الدين رسالات السماء شعارا و إطارا لا يروي لناظره انوار الملكوت ولا حياة الكرامة والعدل والحق التي كانت غاية لجميع الانبياء والمرسلين وبها احيوا الأمم واخرجوها من الظلمات الى النور و جعلوها ثورة ضد الباطل والمبطلين.

أجل قد فُسرت كلمة المحبة بتبع ذهنية قبلية بأن المراد منها بأن محمدا (ص) نبي الرحمة والسلام هو كما انا وانت يتكلم بدوافع الحب الغريزي الفطري العائلي ظنا منهم ان سيد الكائنات رئيس قبيلة دفعته نوازع القبلية ان يدعو كغيره الى حب أهله واسرته كما هي سنن الحكام ورؤساء القبائل فراح ليُعطى الحب النبوي النابع من حب الله اللامتناهي بما يحمل من عظيم التآلف والتقارب والهدي والرشاد حبا ضيق الدائرة وجده البدوي متحققا بينه وبين أهل بيته كما وأن البيتوتة أيضا تختلف باختلاف الرؤى ومدارج المعارج الراجعة الى مسالك الربوبية ومعالم التوحيد حيث راح البعض ليظن أن الله ورسوله على مستوى عقولهم وأن مناشيء الحب والقرب عندهما هي كما عند زيد وعمرو.

هكذا راحت لتفسر بسائط الكلمات الى دقائقها في مواطن التوحيد والنبوة و الإمامة والقضاء والقدر بتبع الهوى وضيق مزالق الفهم حينما أنزل الحب الإلهي و النبوي الرفيع الى مستويات ظلمات القبائل حتى راح ليدفع بالبعض الى أن يتشوق لشهود ربه شابا جميلا في ساحة المحشر و راح ليصبح القضاء والقدر بما يحمل من عظيم المعاني حاملا في طياته الجبر المستلزم لوصف الله تعالى بالظلم و قائله على الرغم من هذه الأخطاء يبشر نفسه بأنه اصبح من المتألهين المتوغلين في أعماق المعارف الإلهية حيث أنه لا يرى ان القدرة الإلهية محددة و راحت لتصبح النبوة التي هي تجليات الأسماء والصفات الإلهية حيث أن انبياء الله على اختلاف مراتبهم هم ظهور عدله وحكمته وعلمه و رحمته وغضبه راح ليدفع ضيق الرؤى بالبعض ان يرى محمدا سيد الكائنات حامل بريد كأعراب الجاهلية قبل ان يُحمّل اعباء الرسالة لإحياء البشرية بل رحمة للعالمين.

كما وأن بصمات الليالي والأيام والآراء والأذواق وقيود الحضارات كانت وما تزال مؤثرة مشهودة حتى بالنسبة الى مفاهيم كادت ان تكون بنفسها بديهية واضحة لولا أن ألقت هذه المؤثرات بظلالها عليها فخدشت معالم وجهها الناصع كمفهوم الخير والشر والحق والعدل فأصبح الخير مالا و الشر فقرا لا يتبادر الى الأذهان منهما إلا ذلك وقد كان قارون غنيا والأنبياء الكرام فقراء , هكذا هي الأذهان حينما أصبحت المجتمعات تعيش مادية الفكر حتى كاد أن ينسى المؤمن فضلا عن غيره أن الخير هو العقل و الهداية والتوفيق الإلهي لسلوك سبل الربوبية والثبات على الصراط المستقيم أجل من بعد ان كان للخير ابعادا كثيرة راح كل انسان ليراه بمنظاره حتى تضيقت دائرته عند الكثير في الدرهم والدينار و إن كانا هما من الخير لو سلك بهما صاحبهما مسالك الرحمة والجود ولم يصبح مثالا لقوله تعالى (إن الإنسان ليطغى إن رآه استغنى) وهم اكثرية البشر إلا من رحمه الله تعالى لزكاة نفس إشتعلت بمشاعل العلم و تأدبت بأدب الله تواضعا يسوق إلى معارج الربوبية.

هكذا راح الناس ليفسروا حتى البديهيات من المفاهيم كالخير والشر حينما عاشوا ليالي الغفلات بعيدين عن الغاية التي من أجلها خُلقوا المشار إليها بقوله تعالى : (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) كما وأنه تعالى ما بعث الأنبياء الكرام إلا ليقوم الناس بالقسط لكن العبادة التي هي واقع الحياة بكل أبعادها خُلقا ومعرفة وسلوكا على الصراط المستقيم بكل ما يحمل من أبعاد الحق في مقابل الباطل وما للعدل من رفيع مقام في مقابل الظلم والظالمين راحت لتصبح كل هذه الحقائق مجرد ذكر لفظي لا حراك ولا روح فيه حينما فسر للناس الذين هان عليهم دينهم شرع الله أصحاب المآرب والغايات بتبع الهوى وهكذا راحت لتفسر الجماعة بالأكثرية بدلا من أن تكون جماعة الإيمان و راح ليفسر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأمر بالصلاة و النهي عن شرب الخمر فقط تاركين ما لهما من واسع امر يدعو الى كل خير و يبعد عن كل شر و راحت لتفسر الطاعة بالإستسلام لمن ملك مقاليد الأمور و لو كان من الأشقياء و هكذا راحت لتفسر التقية بالصمت وهلمّ جرا راحت لتتصدع معالم الدين في كل مجالاتها بعد أن كانت رسالات السماء ثورة ضد الجهل و الظلم والظالمين وبتبع ما تقدم من البيان أقول إنه لابد من نظرة جديدة حرة و قراءة نزيهة لجميع معالم شرع الله كتابا و سنة وسيرة للمعصومين عليهم السلام حتى لا يكون شهود الحق من وراء هذه التراكمات التي املتها صحائف الأيام و أعطتها طابع الصدق حتى اصبحت وكأنها من مسلمات الشرع القويم التي لا يجوز لأحد التأمل فيها فضلا عن التشكيك او الحكم عليها بالبطلان.

و إذا كان كتاب الله تعالى ميزانا توزن به الأحاديث صدقا وكذبا وعليه يجب ان يعرض أيضا ما يدعى من سلوك للرسول و آله الكرام علي الكتاب المجيد حتى يضرب بما يخالفه من أمر عرض الجدار فإنه مما يجدر به أن يقال كيف يمكن العرض على كتاب الله وهو قد أصبح مهجورا بين المسلمين و كيف يمكن لمن لا يعرف القرآن ان يعرض عليه الأحاديث و سيرة المعصومين ولذا يجب الرجوع الى الكتاب المجيد اولا ليصبح ميزانا للحق حتى يطرح ما يعارضه من حديث او مالا يناسبه من سيرة تدعى بالنسبة الى المعصومين التي أريد منها ان تكون تجسيدا لأبعاد الحق والعدل لمن أراد الى ربه سبيلا لكن من المؤسف ان هذه أيضا أصبحت لا تروي لعشاق الحق إلا تأريخ ولادة او وفاة وكم هو عدد الأبناء والزوجات وبعض الفضائل والكرامات التي تنتقى بتبع الأذواق وقد يكون بعضها من الخرافات تاركين منها ما يكون يقظة للضمير و نورا للهدى ليكون سيرة و سلوكا للأمة في ظلمات الدهور.

و إذا كانت الغاية من بعثة الأنبياء عليهم السلام (ليقوم الناس بالقسط) و( أن الله تعالى لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لأطال ذلك اليوم حتى يخرج مهدي آل محمد (عج) لإقامة العدل وتطهير الأرض من الجور) فإنه يصبح لزاما على كل مؤمن ومؤمنة أن يراجع نفسه ويحاسبها قبل الحساب و كذلك قبل يوم الظهور هل هو وجد الدين في نفسه عدلا به قوام كل شيء فراح ليسعى لتحقيق العدل في نفسه و مجتمعه ليكون أهلا لذلك لو جاء يوم الظهور أم انه يحيي الأيام والليالي بالأدعية ويجري المدامع صبيحة يوم الجمعة إذا قرأ دعاء الندبة وهو في واقعه يعيش من اعوان الظالمين ولو بصمته عن الظلم والظالمين وهو يعلم علم اليقين أن تحت راية الظلم و إن تلبست بلباس الدين يفسر الكتاب المجيد بتبع الهوى وكذلك الروايات و تقسم الاموال كذلك و تقام الصلوات في معابد رب العالمين و لو بإمامة من هم من أشباه الحجاج بن يوسف الثقفي والحال ان شرع الله لا لبس فيه لمن عاش سيرة الرسول و الأئمة الكرام ولحسن الختام نذكر شواهد حق من سيرتهم العطرة لتكون ذكرى للذاكرين ومن أحب الحياة الكريمة ولم يغالط النفس بجعل الرجال موازين للحق فمن تلك السيرة العطرة لإصلاح النفوس ومعرفة الحق ما جاء عن علي (ع) :(إن الله جعلني إماما لخلقه ففرض علي التقدير في نفسي و مطعمي ومشربي و ملبسي كضعفاء الناس كي يقتدي الفقير بفقري ولا يطغي الغني غناه) وقال عليه السلام في موطن آخر : (إن الله عزوجل فرض على أئمة العدل أن يقدروا انفسهم بضعفة الناس كي لا يتبيغ بالفقير فقره).

وقد ورد عنهم عليهم السلام (إن قائمنا أهل البيت إذا قام لبس ثياب علي عليه السلام وسار بسيرته) وقد جاء عن علي عليه السلام في سيرة رسول الله (ص) (إنه كان طبيبا دوارا بطبه) أي أنه كان يخالط الناس ويعيش حياتهم ويصلح حالهم بما أوتي من علم ومال ولم يعش العزلة عن مأساة الأمة .

وقد ورد عن الحجة (عج) بالنسبة الى من هم فقهاء الأمة الذين يجب الرجوع اليهم : (وأما الحوادث الواقعة فإرجعوا فيها الى رواة حديثنا…) و الحوادث كما يعلم الجميع ليست حكما شرعيا وإنما هي ما تعيشه الأمة لكي يكون الفقيه مرشدا يعيش احزان الأمة و مأساتها لتقتدي به الأمة لمعرفة مناهج الانبياء والأئمة الكرام.

والبصير يعرف الحق بالحق لا بالرجال إلا من وجدهم ميزان صدق به شهود سيرة الأنبياء والأوصياء الكرام جعلنا الله و إياكم ممن عاش البصيرة لشهود الحق و العمل به والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

--
مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني


كما يمكنكم متابعتنا على كل من 

@ معنى الشورى في الإسلام 2

معنى الشورى في الإسلام 2

ردا على سؤال احد الاخوة الكرام في معنى الشورى في الاسلام والقرآن الكريم

القسم الثاني


فالشورى هي الحكم المجعول في مواطن التطبيق للحقوق العامة الاجتماعية العائدة الى مصالح الأمة لكي لا تضيع الحقوق التي اضاعها الاستبداد وتلاعب بها وعاظ السلاطين لمرضاة اسيادهم وصمت عنها العارفون فهذا الحكم العام الضامن لحقوق المجتمع اول ما تلاعب به المتلاعبون بأن قال قائلهم الشورى لقريش وقال آخر انها لأهل الحل والعقل وقال ثالث أنها لأهل المدينة كل بتبع غايته حتى ضيع هذا الحق العائد الى مصالح المجتمع واصبح بتبع ذلك الفقه مجزئا لا يبحث الا عن قضايا خاصة لا تمس بحكم الحاكمين كما وأنه أضيع الحق والعدل اللذان هما أساس الدين وأصبح العالم المتقي بمنظار الأمة من يحدد خطاه البيت و المسجد لإقامة صلاة الجماعة و اصبح المتكلم عن الحق في مقابل الباطل والعدل في مقابل الظلم متدخلا فيما لا يعنيه او انه رجل سياسي منحرف في حين انه بذهاب الحق والعدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على صعيد الشريعة بما هي يفقد الشرع مداه العام الذي جيء به لحياة المجتمع .

أجل جاء الإسلام لبناء حضارة فيها الثوابت كالحق والعدل والخير وان كانت لهذه الثوابت متغيرات بما يناسب الزمان والمكان ومن المعلوم ان تشخيص المصاديق يرجع الى أهل الاختصاص وليس مما يرجع فيه الى الفقيه وانما هو أحد افراد العُرف في هذا المجال.

واذا كانت الشورى بمعنى التشاور فنقول ان التشاور حكم عام وان كان يخصص بحسب الموضوع بما يناسب أهل الخبرة فالتشاور في البناء مع المهندس وفي البدن مع الطبيب وفي المكاسب مع التجار وفي شأن الامة وحقوقها مع كل من هو ذي حق من أفراد الأمة لأنه عائد الى المصالح والمفاسد الإجتماعية لنفس المجتمع ولما ورد في قوله تعالى : (وشاورهم في الأمر) حيث أنه أمر وظاهر الامر الوجوب فيكون حكما واجبا في الأمور الاجتماعية ولا يجوز لأي احد أن يتخطاه تحت اي تأويل وتوجيه كما صنع ويصنع الحكام المستبدون تحت ذرايع شتى واذا عجزوا عن فعل ذلك كما في العصر الحاضر راحوا ليتلاعبوا به تزويرا في صناديق الاقتراع ومن المعلوم ان كان النبي الأعظم مكلفا من قبل الله بمشورة الأمة فيما يرجع الى حياتها فكيف لا يكون ذلك واجبا بالنسبة الى الحاكم والوالي لكن أبت الأمة لنفسها بتبع حضارة الاستبداد إلا أن تعيش تابعة لاستبداد الحاكمين ولذا تفشى ذلك طيلة القرون من زمن البعثة ليومنا هذا لقاعدة كيف ما تكونوا يولى عليكم فليس الأمر كما يظن السواد الأعظم من كون الحاكم فقط هو من يتحمل الوزر والتخلف يوم الحساب بل له شركاء كل بحسبه فعالم بكتمان الحق وآخر بتأويله وتفسيره بتبع هوى الحكام وهلمّ جرى فلكل فرد من افراد الأمة نصيب على اختلاف مراتب الناس و تأثيرهم في ضياع شرع الله ومصالح الأمة ولا يستثنى من ذلك إلا ما ندر فالحكمومة الإسلامية من دعائمها الشورى للأخذ بأيدي الناس الى حياة الكرامة لتقرر الأمة ما يخدم مصالحها بوعي ودراية ليطبق العدل لكن بين الأمة وقمم علياء هذه الموازين الرسالية مابين السماء والارض وان رحنااليوم لنتطلع لإشراقة صبح جديد إذا انتفضت الأمة ضد حكامها الجائرين و وعت ما تريد حتى تستعد النفوس لقبول دولة الحق التي وعد الله تعالى بواسطة أنبياءه وكتابه المجيد البشرية بها .

وقد شاور الرسول (ص) الأمة في كثير من المواطن وفي أشدها حساسية وصعوبة كالحرب وعليه فلا يجوز بحكم الشرع والعقل لأي شخص مهما بلغ من العلم ان يفرض رأيه على الآخرين كما صنع ويصنع الحكام وبالأخص المنتسبين الى الاسلام فإن الاستبداد يسوق المجتمع الى الجمود العقلي ويدفع به الى عدم الاحساس فلابد من المشورة في  الامور لتشترك العقول والمواهب في كافة ميادين الحياة لبناء مجتمع احسن .

وعليه فلابد من تحكيم روح المشورة في كافة مجالات الحياة ابتداءا بالأسرة لأنها الخلية الأولى لبناء المجتمع إلى أن يصل الأمر الى مرحلة العدالة الاجتماعية حتى يصبح قرار الحياة للأمة حقيقة وما ذاك إلا لأن مصير الأمة هو حق الأمة ولا يجوز لأي انسان ان يستبد فيه .

قال رسول الله (ص) : (إذا كان أمراءكم خياركم و أغنياءكم سمحاءكم وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها واذا كان امراءكم شراركم وأغنياءكم بخلاءكم ولم يكن أمركم شورى بينكم فبطن الارض خير لكم من ظهرها ).

وكلمة شاورهم فعل امر من الله تعالى لنبيه (ص) بأن يبدي لهم رأيه ويأخذ آرائهم وبعد المشورة والوصول الى الامر الراجح لابد من العمل بالراجح بنحو القطع والابتعاد عن التردد والشك في الأمور .

ولم تترك الشورى في حياة الرسول (ص) كما تقدم حتى في اشد مواطن الحياة خطرا على الاسلام والمسلمين كما حدث في غزوة احد وغيرها وذلك لما يُعلم من أن ايجابيات حفظ السنن أولى من تخطيها على الرغم من بعض السلبيات التي قد تحفها لسوء التطبيق او الجهل فإن بالشورى تشترك الأمة في المسؤولية وتحمل النتائج وتنمو القابليات ويبتعد النظام الحاكم عن روح الاستبداد .

ومن المعلوم ان الخطأ ينبه الامة الحيّة إلى منازل الصواب ويبعدها عن مواطن الهزيمة لأن الهزيمة في بعض المجالات قد تبني أواصر القوة بعد مشاهدة الثغرات وطعم مرارة مذاقها وعمق تأثيرها على نفوس الاحرار لا بالنسبة الى الأمة الميتة المستسلمة لحكام الجور ولا بالنسبة الى نفوس الجبناء الذين يألفون حياة الذل والهوان.

وقد عوّد النبي الأكرم الأمة على المشورة حيث أنه لا خلود لنبي أو وصي نبي لتعتاد الأمة لو شائت حياة الكرامة في عصر عدم المعصومين للقيادة السليمة بما فيها من الايجابيات والسلبيات اذا خضعت لقانون العدل والشورى لا كما حدث بعد الرسول الاعظم من النهمة على الحكم حتى راح البعض ليقول ان الامارة لقريش والوزارة للانصار وآخر الى القول بأن الشورى هي لأهل المدينة وثالث الى القول بأنها لأهل الحل والعقد الى ان وصلت الشورى وغيرها من المناهج التي أسسها الاسلام الى مواطن المهازل العقلية كشورى الخليفة الثاني حيث أصرّ على ما أصر عليه الخليفة الاول من أن الشورى لقريش حينما جاء بهذه الاحاديث لابعاد الانصار بلا أي مستند شرعي من آية او رواية فقال الخليفة الثاني مدعيا إن رسول الله (ص) مات وهو راض عن هذه الستة من قريش فجعل كسلفه شرع السلام الذي جاء به نبي الرحمة رحمة للعالمين شرعا قبليا وهؤلاء الستة هم علي وعثمان و طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد ابن ابي وقاص ولعله نسي او تناسى ما قاله ابو بكر قبل وفاته حينما جاءه طلحة معترضا على تعيين عمر بلا شورى إنك يا طلحة شرّ هذه الامة فكيف يكون من هو شر هذه الامة هو من مات رسول الله وهو راض عنه ليصبح أحد افراد الشورى الستة ثم قال فقد رأيت ان اجعلها شورى بينهم ليختاروا لانفسهم ثم قال ادعوا لي ابا طلحة الانصاري فدعوه فقال له انظر يا ابا طلحة اذا عدتم من حفرتي فكن في خمسين رجلا من الانصار حاملي سيوفهم فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الامر وتعجيله واجمعهم في بيت وقف باصحابك على باب البيت ليتشاوروا ويختاروا واحدا منهم فإن اتفق خمسة وأبى واحد فاضرب عنقه وان اتفق أربعة وابى اثنان فاضرب اعناقهما وان اتفق ثلاثة وخالف ثلاثة فانظر الى الثلاثة التي فيها عبد الرحمن بن عوف فارجع الى ما اتفقوا عليه فإن أصرت الثلاثة الأخرى على خلافها فاضرب اعناقهم وإن مضت ثلاثة أيام ولم يتفقوا على امر فاضرب أعناق الستة جميعا ودع المسلمين يختاروا لانفسهم فأيها الاخ الكريم بمثل هذه المهازل العقلية مرت الامة الاسلامية حينما راح الحكام ليفسروا لهم ويطبقوا شرع الله بتبع اهوائهم وهكذا تلاعب المتلاعبون بمباديء الشرع بتبع الهوى بمرأى ومنظر من الامة وعلمائها حينما ترك الحق في مقابل الباطل والعدل في مقابل الظلم حتى صار المتكلم عن الحق والعدل في أمة محمد رجلا سياسيا خارجا عن الدين وأصبح الساكت عن الحق الذي نعته الرسول (ص) بالشيطان الاخرس مثالا للزهد والتقوى الى أن وصل أمر هذه الأمة في شوراها الضامنة للعدل الى ما وصلت إليه بأن اصبح الحكم بالوراثة وأصبحت البيعة تحت ظلال السيوف ومع هذا كله راحت الامة لتسمى الخلافة شرعية يجب اتباعها وقد لفق لها أصحاب المصالح من وعاظ السلاطين الأحاديث المناسبة حتى قال قائلهم لا يجوز الخروج على الولاة ولو كانوا فسقة ظالمين ونسبوا الى رسول الله (ص) احاديث مضمونها أنه قال اصبروا على اذى الولاة وإن ضربوا ظهوركم وسلبوا أموالكم وأنه أمر بالصبر على جور الولاة والسمع والطاعة لهم وقال آخر ممن ينسب الى العلم في هذه الأمة لا نرى الخروج على أئمتنا ولا ولاة امرنا وان جاروا علينا ولا ندعوا عليهم ولاننزع يدا عن طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله عزوجل ولذا نقول إن الشورى التي هي من أسس الشرع لحفظ حقوق الامة يجب أن تراجع بتأمل وامعان كغيرها من الاسس الاخرى ليرى المسلم بنفسه بعد ظلمات الدهور ماهي ادلتها في الكتاب والسنة وما يناسبها من التطبيق بما يتماشى مع كل زمان ومكان لأن موازين الشرع تأويلا وتفسيرا وتطبيقا قد نال منها جور الزمان مانال حتى اصبح بعضها مشوه الوجه لسوء الفهم او لسوء التطبيق مع كونها هي شرع السلام للحياة الكريمة لكنها بقيت في عرش الخيال ولم تلق هذه القيم النبيلة ليومنا هذا على مسرح الواقع ظهورا ولا نأمله من أحد من المدعين على جميع الاصعدة من المنتسبين الى الاديان سنة وشيعة ويهودا ونصارى ولا من غيرهم من المدعين للديمقراطية و حقوق الانسان إلا على يد ذلك الرجل العظيم منقذ البشرية ألا وهو مهدي آل محمد الحجة بن الحسن العسكري عجل الله تعالى فرجه الشريف , جعلنا الله وإياكم من انصاره لتحقيق الحق ومن المستشهدين تحت لوائه انه أكرم الاكرمين .


--
مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني


كما يمكنكم متابعتنا على كل من 

@ معالم الحضارة الإسلامية

معالم الحضارة الإسلامية

مقتبس من سلسلة إعرفوا الحق تعرفوا أهله

لسماحة الأستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني

 

من معالم الحضارة الإسلامية نغم يهب من رواسي بحور الأزل على سوح قلوب الوالهين ليقظة ضمير ترشد إلى سلامة فطرة تشاهد ربط الكائن الفقير بمبدأ الكمال اللامتناهي فتأخذ بأيدي السالكين سبل الرشاد إلى كون العوالم على اختلاف مراتبها قربا وبعدا من عالم الشهود والغيب تسير سيرا متواصلا لا وقفة فيه نحو الحق تعالى في ظل أسماءه وصفاته

لأنه تعالى مبدأ المبادئ وحقيقة الحقائق الجواد الفياض الذي لا يحد بحد في ذات أو صفة فهو الكبير المتعال الذي برحمته المطلقة دائم الفضل على البرية كما وأنه غاية الغايات المطلوب لكافة العوالم طوعا أو كرها لأن كل غاية دون جلال قدسه متناهية بموازين الحق وهي (إنا لله وإنا إليه راجعون)فلا مطلوب سواه رشاد قول يهدي إلى سنن الخلد والأبدية في مسالك الربوبية في قوسي النزول والصعود فلا مبدأ سواه ولا عطاء إلا عطاءه ولا مطلوب غيره تعالى ربنا عن ضيق مزالق الوهم والخيال ومحافل الجهل باسم العقل والكمال

أجل لو عاش العقل ضنك الاستقلال لرواسب الأنانية بلا مدّ يد السؤال إلى عظيم خلق الله عزوجل ألا وهو الإنسان الكامل خليفة الرحمن ومسجود الملائكة الجامع لشتات عالم الإمكان والكلمة التامة الإلهية التي أشير إلى ذلك إضافة إلى ما في الكتاب المجيد على لسان أولياء الله تعالى عليهم أفضل الصلاة والسلام (نحن الكلمات التامات ونحن الموازين وإنهم القرآن الناطق) لراح العقل بحجب الأنانية والكبر يحصد من جهله المركب أوهاما رجيما مطرودا عن ساحة رحمة الله تعالى يتردى رداء الشياطين في حين أنه أخذ الآخرون يسيرون الكمال والمعارف لأسماء الله تعالى في ميادين رحمة العزيز القدير كما هو شأن الملائكة كما يرشد إلى ذلك الكتاب المجيد بل المعلم لكنوز المعارف اللدنية هو آدم عليه السلام الإنسان الكامل وعلى رأس الجميع سيد الكائنات محمد صلى الله عليه وآله

نعم منه وإليه تعالى حقائق الأمور (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) وحيث يقول(وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون)فالكل منه نزولا وإليه عروجا يطلبون الكمال يخرقون الحجب النورية على اختلاف مراتبها حتى يبلغ خرق الحجب الربوبية بلا واسطة عالم الأسباب والمسببات آخذا من الحق العزيز الحكيم حيث يقول تعالى: (ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدني) ليكشف له سبعين ألف حجاب من حجب النور اللدني

فكل الموازين والسبل مجار لفيض الله تعالى يشاهدها العبد المؤمن في ظل مدرسة معالم الربوبية ومسالك الشريعة الإسلامية حيث يعيش المسلم حياة الكائنات طرا يراها ناطقة شاعرة يسايرها في أوج روعة البقاء والخلود والعروج والأبدية(تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) *(يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم)فالكل حي شاعر على اختلاف مراتب الحياة والشعور لأن الكل آيات الله عزوجل وجميع العوالم علامة على أسماءه وصفاته فهي حية بحياته عالمه بعلمه قادرة بقدرته باقية ببقاءه وسائرة إلى الكمال بواسع جوده ورحمته

فهكذا يكون المسلم في مدارس الربوبية ومناهج الرسالة الإسلامية بعيدا عن ظلمات وديان العدم في نفق الجاهلية والزندقة الطبيعية مترفعا عن قيود محافل المجسمة المشبهة حيث يرى نفسه مرتبطا بمبدأ الجود اللامتناهي الدائم الفضل على البرية ينتقل في مسالك الربوبية من مرحلة إلى مرحلة حينما تصغي مسامع القلوب إلى عظيم قوله تعالى (يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن) فيلمس فقر عالم الإمكان وأنه لا خصوصية لهذا الفقر لعالم دون عالم فالكل طالب الكمال حتى الملائكة الكرام وأن الله تعالى هو الغني المطلق المفيض على الكائنات على اختلاف مراتبها (فسالت أودية بقدرها) كل راح يأخذ على قدر قابليته و سعة وجوده

فمن جانب الممكن فقر وسؤال دائم ومن جانب الحق تعالى فضل وجود مستمر فإنه تعالى كل يوم بظهور وعطاء وفيض جديد على هياكل الممكنات على اختلاف أيام الربوبية وقابليات عالم الإمكان لأنه الكنز الخفي الظاهر بأسماءه وصفاته اللامتناهية بلا تناهي الذات الأزلية والعوالم والآيات دلائل على ذاته وأسماءه لمن شاهد الحق من خلال أنفاس الخلائق وإلا فهو مشهود بذاته لأولياءه الكرام (يا من دل على ذاته بذاته) وقد شاهده الصديقون حيث يقول الإمام الحسين عليه السلام (إلهي متى غبت حتى يكون غيرك دليلا عليك)وحيث يقول (إن التردد في الآثار يوجب بعد المزار)وحيث يقول تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد)*(و شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم

فمعرفة الله تعالى بقدمه وأزليته ولا تناهي وجوده ورحمته المطلقة وفيضه الدائم على البرية ومعرفة الممكن بالفقر الذاتي يرشد المسلم إلى سير متواصل لمسيرة الكمال التي لا اختصاص لها بعالم الطبيعة بحركتها الجوهرية بل يشاهد المسلم عالم الإمكان سيرا وسلوكا إلى الله تعالى لأن كل غاية ومطلوب دون الله تعالى متناهية وإن كانت الكلمات التامة من الأنبياء والأوصياة الكرام سبل العروج إليه لمن أراد كمال المقربين وسير المتقين

فالإنسان بما منحه الله تعالى من عظيم صنع كان في أحسن تقويم يحمل الأمانة العظمى قابلا لكل كمال ورفعة وقرب يفوق الملائكة الكرام معلما إياهم خليفة لله تعالى لا يبلغ مقام قربه أحد كما أشار إلى ذلك تعالى بالنسبة إلى مظهر الأسماء والصفات الرسول الأعظم محمد (ص)قائلا : ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى

لكن الإنسان قد يصبح بسوء اختياره متأخرا  على كافة الخلائق حين تسافله تتبرأ منه العجماوات وتتعالى عليه الخلايا والذرات فيتمنى يوماً أن يكون ترابا فلا يبلغ هذه المرتبة التي بدأ منها حياته وهذا ما جنته يداه فاستحقه بموازين العدل لخروجه عن استقامة العدل والفطرة وسنن عالم الرشاد ولا ندري حينئذ أتطهره نار الله الموقدة بلطف من الله تعالى لأن رحمته وسعت كل شيء أو يبقى رهين حجب الظلمات يسير وراء كافة العوالم مسيرة (إنا لله وإنا إليه راجعون) فتلك أمر يعود عرفانه وتحقيق مقامه إلى تقدير العزيز الحكيم

وأما نحن فمصداق قوله تعالى (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا)إلا الذين شرح الله تعالى صدورهم فوجدوه باعتدال أنفسهم في الأفق المبين برحمته التي وسعت كل شيء إنه الغفور الرحيم التواب وأنه شديد العقاب فشاهدوه بكل أسماءه وصفاته ولكن أولئك هم الأقلون عددا

فقد إتضح  مما تقدم من مسايرة الشرع القويم أن آدم عليه السلام هو المعلم للملائكة الأسماء كلها من الأسماء الذاتية الإلهية والفعلية سواء كان الإسم هو العلامة والآية أو هو الرفعة والعظمة وسواء كانت الأسماء من شأن الجمال أو الجلال أو من اللطف والقهر في مراتب الأحدية جمعا لحقائق الأمور قرآنا بما لإسم الله عزوجل من الدلالات وفي مراتب كثرة الأسماء وتعددها في ميادين الربوبية فرقانا في مرتبة الواحدية شهودا للحق تعالى على قدر أسماءه وشهودا له على قدر أنفاس الخلائق في مرتبة الفعل

وأنه لمن المعلوم لدى المتأمل أنه لا يراد من الأسماء ما كان من الاسماء الإعتبارية التي لها شأن التمييز لكل فرد عن الآخر كتمييز هذا عن ذاك باسم زيد أو عمرو إذ من الواضح أن جعل الإسم الإعتباري لا يحمل في طياته عظيم أمر يستوجب الخلافة الربانية الداعية للسجود لهذا الكائن الذي من لم يأت من طريقه للوصول للحق تعالى للعروج إلى سوح الكمال كان رجيما مطرودا عن رحمة الله تعالى كإبليس المتقيد بقيود حجب ظلمات الأنانية والكبر

فالغاية من بعثة الأنبياء التخلق بأخلاق الله تعالى الداعية للعروج إلى سوح الكمال اللامتناهي للاتناهي الحق ذاتا وصفة

فالدعوة للتخلق بأخلاق الله التي جاء بها الرسول (ص)حيث يقول: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وحيث مدحه الله تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم)ترشد في ظل معالم المدرسة السامية الإسلامية إلى مسيرة كمال وعروج لا يحد بحد لطلاب الحقيقة الذين عشقوا الوجود الأزلي وساروا نحو غاية الغايات سعيا وراء التخلق بأخلاق الله تعالى في دعوة للكمال اللامتناهي

فالشريعة الإسلامية بكل أبعادها العلمية والعملية دعوة نحو الكمال اللامتناهي بلا تناهي الحق تعالى لأنه هو المطلوب للعارفين وغيره مطلوب بالتبع

فهذا يشاهد أبواب العروج نحو الحق تعالى مفتحة من طريق وجوب التخلق بأخلاق الله تعالى وهذا بشهود الصديقين للانهاية الحق تعالى لأنه شاهد الله عزوجل قبل الكائنات وشاهد القدم قبل الحدوث والغنى قبل الفقر وحقيقة الوجود قبل الممكن الموجود بالغير فقال أولياء الله تعالى (إلهي متى غبت حتى يكون  غيرك دليلا عليك)و (إن التردد في الآثار يوجب بعد المزار) حيث يقول قائل العرفان الإمام علي عليه السلام:(ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله وبعده ومعه وفيه)وحيث يقول أولياء الله تعالى (يامن دل على ذاته بذاته) وحيث يقول تعالى :أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد

إن عظماء الخلق ما شاهدوا إلا الله تعالى وبه شاهدوا الأسماء والصفات ثم شاهدوا الفيض الخلق على اختلاف مراتب عالم الإمكان فهم شاهدوا الحق بالحق

وآخرون شاهدوا الحق تعالى من خلال الدليل والبرهان فلمسوا بداهة حاجة الممكن إلى وجود لم يكتسب الوجود من غيره وإن كل ما بالغير لابد وأن يرجع إلى ما بالذات فهو هالك الذات فقير لا قوام له إلا بمبدأ الجود الفياض الدائم الفضل على البرية

فعالم الإمكان سير وسلوك في ميادين الربوبية لطفا من الله تعالى بحال الكائنات وعليه فلا وقفة في العروج على اختلاف مراتب الكائنات لأنه تعالى غاية لا متناهية أخذ على نفسه لطفا بحال العباد أن يمدهم بجوده وكرمه على اختلاف قابليات الممكنات في العوالم المختلفة

وهناك من يشاهد العروج إلى الله تعالى من طريق نصوص الكتاب والسنة اللفظية وإن كان السابق من القول شهودا لمدارج الكمال من طريق الشريعة أيضا لكن من حيث معرفة الحق لعظم النفوس أو لأن الناظر هو القرآن الناطق وهو ظهور الأسماء والصفات وهو الإسم الأعظم الإلهي في مقام الفعل لأن الكلمة التامة الإلهية فليس الكلام إلا في مراتب شهود الأولياء من الصديقين المقربين ثم مراتب الأولياء الشامخين السالكين إلى ربهم في ميادين الحكمة

فراح المسلم ينظر من خلال معالم الرسالة الإسلامية إلى أهم حدث كوني وهو عروج الرسول الكريم (ص) ليتأمل في معاني كشف الحجب النورية المشار إليها في الأحاديث الشريفة وأنه تعالى كشف لحبيبه محمد (ص) سبعين ألف حجاب من النور وهو تعالى كل يوم في شأن وتجل جديد لأولياءه في ميادين الربوبية

وقد تحدث القرآن المجيد عن الإسراء والمعراج ووردت بذلك الأحاديث الكثيرة تدل على أن مسألة المعراج عظيم أمر له المساس التام بواقع العقيدة الإسلامية حتى أصبح لزوم الاعتقاد به من ضروريات المذهب بل الدين وإن اختلف المسلمون فيه إجمالا وتفصيلا في أنه كل مجرد رؤيا أو عروجا روحيا أو أنه كان بالجسم والروح معاً كما هو الحق آخذا من سفن النجاة وأبواب مدينة العلم النبوي وهم خلفاء الرسول (ص) علي وأولاده المعصومون عليهم السلام

والمستفاد من الكتاب والسنة أن الغاية من المعراج مشاهدة آيات الله الكبرى وأنه تعالى أوحى إلى عبده ما أوحى وقد دلت الأحاديث الشريفة أنه عرج برسول الله صلى الله عليه وآله إلى السماء ومنها إلى سدرة المنتهى ومنها إلى حجب النور ثم ناجاه الله وكشف له سبعين ألف حجاب من النور وأن من جملة ما له دخل في الغاية وأن يشرّف الله تعالى بنبيه سكان السماوات وهم الملائكة الكرام وأن يريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه وليس ذلك  كما يقوله المشبهون سبحانه وتعالى عما يصفون

وقد ورد في العلل بإسناده عن ثابت بن دينار أنه قال:سألت الإمام زين العابدين عليه السلام قلت:فلم أسرى الله تعالى بنبيه محمد (ص)إلى السماء؟ قال ليريه ملكوت السماوات وما فيها من عجائب صنعه وبدائع خلقه قلت فقول الله تعالى (ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى)قال ذلك رسول الله (ص) دنا من حجب النور فرأى ملكوت السماوات فكان المعراج كمالا وشهودا من ناحية وتكميلا للملائكة والجن والإنس من ناحية أخرى بواسطة رسول الله صلى الله عليه وآله

وفي بعض الروايات أن من الآيات التي شاهدها الرسول (ص)وهي تجلي أنوار الجمال والجلال الإلهي على سدرة المنتهى

وعن هشام بن الحكم عن موسى بن جعفر(ص) أنه لما أسري بالنبي (ص) وكان من ربه قاب قوسين أو أدنى رفع له حجابا من حجبه وقال جبريل لرسول الله قد بلغت قرباً ليس لملك ولا رسول طريق له قال تعالى: ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى* فرسول الله (ص) كلمة الله تعالى التامة التي فيها تجلي الأسماء والصفات الإلهية فهو الجامع لشتات الكلم وهو ظهور التخلق بأخلاق الله عزوجل

وتشير الروايات إلى تعدد المعراج للرسول (ص) حتى نقل أنه تجاوز عدد المعارج المائة والعشرين مرة!  وهذا مما يشير ويدل على أن العروج إلى الله تعالى لا يحد بحد للانهاية الحق تعالى فكان الرسول (ص) يساير أيام الله تعالى في تجليه على الكائنات ويأخذ الأنوار من الكنز اللدني

وتدلي الثمرة تعلقها بالشجرة والآية ترشد إلى أن تمام القرب يوجب تمام التعلق والتدلي بما في ذلك من تمامية الربط ولمس فقر عالم الإمكان بإشعار تام ولطف إلى أن محض التعلق والعبودية ثمرها عائد للسائرين كما هو شأن ثمار الأشجار لمن رفع رأسه فإنه يشاهد الثمر ليتناول منها فهكذا حياة الأنبياء

وإجمال القول في المقام أن المنهج الرسالي للشرع القويم يشير بكل وضوح إلى عرفان الحق تعالى بلا نهاية وجوده وفقر عالم الإمكان وسؤاله الدائم وفيض الحق اللامتناهي بلا تناهي الذات وأنه تعالى كل يوم هو في شأن هذا أولاً

كما وأن الدعوة للتخلق بأخلاق الله تعالى لا تحد بحد تبعا للانهاية الحق هي الغاية من بعثة الأنبياء  كما قال (ص): إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق هذا ثانيا

وإن معرفة المعراج وأنه بالجسم والروح وأنه كان لرسول الله (ص) حتى قيل أنه تجاوز المائة والعشرين مرة مسايرا في ذلك الأيام الربوبية كل هذه الأمور الثلاث تجعل المسلم يشعر بوضوح من المنهج الإسلامي أن مسيرة الكمال لا تحد بحد وأن العالم الإمكاني على اختلاف مراتبه بكله وتمامه سير وسلوك وجولان وتحرك نحو الغاية اللامتناهية وهي الحق تعالى وأن أداتها الموصلة الشارحة للبطون اللامتناهية لهذاا العروج هو خاتم الولاية المطبق لشرع الله القويم لبلوغ الغاية ألا وهو منقذ البشرية من الضلال المحقق للعدل محمد بن الحسن العسكري عجل الله تعالى فرجه الشريف

وقد أشار القرآن المجيد إلى التكامل لبلوغ مراتب العرفان في كافة أبعاد الوجود الإنساني في مسألة المعراج حيث جمع النبي (ص) شؤون عالم الإمكان ظاهرا وباطنا لقوله تعالى (ما زاغ البصر وما طغى) مشيراً إلى الشهود الحسي لعالم الظاهر وقال تعالى مشيراً إلى الشهود المعنوي لعالم الباطن (ما كذب الفؤاد ما رأى) لأنه (ص) ميزان الحق وجامع شتات كمال عالم الإمكان وإعتدال البصر والبصيرة وأن الإنسانية حقيقة واحدة تسير الكمال والعروج إلى الله تعالى على اختلاف مراتب السالكين إلى الله تعالى  بكل أبعادها الوجودية جسما وروحا والإنسان يحشر كذلك بكل أبعاده  يوم القيامة ولا يتوقف سيره نحو الكمال والغاية اللامتناهية بعد دخوله الجنان بل يبقى سائرا نحو الحق تعالى سيرا لا متناهيا فتتبدل بكماله الجنان إلى جنان أخرى على اختلاف مراتب الجنان وأبعادها حسا  ومثالا وعقلا ونوراً

فإذا كل المعالم الإسلامية من التخلق بأخلاق الله تعالى وكون الحق سبحانه هوالغاية والوجود اللامتناهي وأنه كل يوم في شأن جديد وكون الممكنات عين الفقر والسؤال وكذا التأمل في مسألة المعراج وأنها روحانية جسمانية وأن المعراج تعدد بالنسبة إلى الرسول (ص) وضرورة مجيء منقذ بشري يخلص العالم من دماره وظلماته تحقيقا لوعد الله تعالى إن الأرض يرثها عباده الصالحون كل ذلك يلفت نظر السالك سبل الشريعة الإسلامية إلى تكامل وسير وسلوك إلى الله تعالى لا يحد بحد وأنه لا وقفة فيه دينا وآخرة والحمد لله على هديه سبل الرشاد فإنه ولي التوفيق

 


--
مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني


كما يمكنكم متابعتنا على كل من