الثلاثاء، 23 أبريل 2013

هل الائمة عليهم السلام كانوا يعرفون ضمائر البشر وما يكون قبل كونه؟



كتبت من محاضرة صوتية ألقاها الشيخ في الكويت عام 1995م
كان الكلام في علم المعصومين ، وتطرقنا إلى بعض كلمات الشيخ المفيد .
والآن تتمّة لكلام الشيخ المفيد([1][1])، حيث قال: ( إنّ الأئمة من آل محمّد (ص) قد كانوا يعرفون ضمائر بعض العباد، ويعرفون ما يكون قبل كونه، وليس ذلك بواجب في صفاتهم) .
هناك كلامان، وهناك أمران، لابد من الالتفات إليهما:
الأمر الأول: هناك أمور تكون من لوازم النبوة، أو تكون من لوازم الإمامة، فهل العلم بالغيب من لوازم النبوّة؟
فهناك أمور كل عاقل يراها من لوازم شيء، كالزوجية فإنها من لوازم الأربعة، والإضاءة من لوازم النور، والأبعاد من لوازم الجسم، والحدود من لوازم الماهية، فهل علم الغيب من لوازم النبوّة والإمامة أم لا؟
إنّ العصمة من لوازم النبوة والإمامة، فلا يمكن أن يكون النبي أو الوصي المطبّق لشرع والشارع لشرع خطّاءً أو مرتكباً للذنوب، فكيف يكون أسوة وهو يعيش الخطأ في التطبيق، ويعيش التجاوز في بيان شريعة، ويعيش الشهوات والرغبات في شؤون نفسه! فكل عاقل ما لم يصب بشبهة يعرف ويجزم على أنّ النبي أو الوصي لابدّ وأن يكون معصوماً فيما هو من شأن الرسالة.
فنقول: هل من اللازم أن يكون الإمام أو النبي أو المعصوم مطلقاً يعلم ضمائر الناس وخطرات نفوسهم، أم لا؟
الشيخ المفيد يقول: إن كانوا يعرفون ضمائر العباد، ويعرفون ما يكون قبل كونه فليس ذلك بواجب في صفاتهم، يعني: ليس من الواجب في صفة العصمة أن يكون الإنسان عالماً بمثل هذه الأمور، وهذه أمور جزئية كما قلنا سابقاً، وليست بعلوم، لكن إذا كان هناك مثلاً أناس يخططون لضرب نبي أو وصي من الأوصياء فسوف يطلعهم الله تعالى على ذلك، فقولـه: ( وليس ذلك بواجب في صفاتهم، ولا شرطاً في إمامتهم) أي: ليس من شروط الإمامة أن يعلم الإمام بما يجري في خواطر الناس التي لا ترتبط بالشريعة.
( وإنما أكرمهم الله تعالى به، وأعلمهم إياه، للطف في طاعتهم) ليس بخفي على أحد أنّ المراد باللطف: كل شيء يقرّب إلى الله تعالى، ويبعّد عن معصية، فهو لطف، فبعث الأنبياء لطف من الله بحال العباد؛ حيث يقرّب العباد إلى الطاعات، ويبعدهم عن المعاصي، فشرح معاني الآيات وتطبيقها على يد رسّامها الحقيقيين بعد الأنبياء وهم الأوصياء لطفٌ من الله تعالى، وهذا يقرّب العباد إلى الطاعات، ويبعّد العباد عن المعاصي.
فهو يقول: علم الغيب لهم إن كان لطفاً إلهياً فلابدّ وأن يكون من باب اللطف، لا من باب عصمتهم وإمامتهم، فالله تعالى يبيّن جميع الأمور التي تجعل الناس يتقرّبون بواسطتها إلى الله تعالى ويبتعدون عن المعاصي ويطلعهم عليها حتى تتمّ الحجة بكل أبعادها على الناس، وتكون الوسيلة للألطاف الإلهية متحقّقة، فكل غيب دخل في اللطف أطلعهم الله تعالى عليه حتى يصيروا أداة كاملة مقرّبة إلى الله تعالى بالطاعات، ومبعّدة عن المعاصي، فهذا المقدار يؤمن به الشيخ المفيد.
( وإنما أكرمهم الله تعالى به وأعلمهم إياه، للطف في طاعتهم) أي: حتى يصيروا سبباً للإطاعة، ومن أطاع نبياً أو إماماً فقد أطاع الله؛ لأنهم الأداة الموصلة إلى الله تعالى. ( والتمسك بإمامتهم) ؛ لأنّ الناس جميعاً ليسوا بمستوى واحد، فمنهم العارف، ومنهم الذي يحتاج إلى أمر حسي كالمعجزات، ومنهم الذي يحتاج أن يقول لهم الإمام هل هذا اليوم كنت تفكّر في كذا شيء أو ... ، وإذا لم يخبره عن أمر لا يكون معتقداً بالإمامة؛ لأنّ مستوى اعتقاده مرتبط بهذه الأمور.
( وليس ذلك واجباً عقلاً) لكن هل هذا من الواجب أن يكون المعصوم محيطاً بضمائر الناس؟ قال: لا.
( ولكنه وجب لهم من جهة السماع) هل هذا اللطف ــ وهو وجوب العلم بغيب أسرار النفوس ــ من اللطف الذي يحكم به العقل؟ قال: لاّ، لكنّ الأدلة السمعية دلّت على ذلك.
ثم يشير الشيخ المفيد ــ ولا ننسى أنّه من أكابر علماء الشيعة ــ بقولـه:
( فأما إطلاق القول عليهم بأنهم يعلمون الغيب، فهو منكرٌ بيّن الفساد) يقول: هناك عبارة ربما أطلقت ولابدّ أن تبيّن بقيدها؛ لأنّ الإطلاقات ربما تعطي الغلاة مجالاً للخطأ، وربّما تعطي الحاقدين على آل بيت رسول الله (ص) مجالاً للعدوان، فيقول القائل: أنظروا إلى هؤلاء القوم يقولون بأنّ أئمتهم يعلمون الغيب بذاتهم، فجعلوا أئمتهم شركاء في غيب الله، فجعلوا أئمتهم يحيطون بما يحيط به الله، فالمريض مريضٌ يريد أن يتشبّث بكلّ شيء، فيقول الشيخ المفيد: لابدّ وأن نقيّد العبارة حتى لا يستفيد منها أصحاب النفوس المريضة، فيحملون أتباع آل محمّد (ص) على أنّهم يجعلون
الأئمة
شركاء مع الله في علم الغيب، ولا يخطأ الخاطئون من الغلاة فيظنّون أنه إذا كان الرسول (ص) وأهل بيته يعلمون علم الغيب بحسب ذواتهم، فإذن ذاتهم هي كذات الله تعالى، فيساقون إلى خطأ في مقابل أعداء آل محمّد (ص) ، والخطأ خطأ، سواء كان من عدو لآل محمّد (ص) أو من موالٍ لهم .
لقد وصلت مسألة الغلو أن خاطب البعض علياً (ع) بأنّك أنت الله، وحينما أمر بحرقهم قالوا: لا يحرق العباد إلاّ الله، فقالوا: الآن تيقّنا بأنك أنت الله.
فيقول الشيخ المفيد: لابدّ وأن يبيّن أنّ التعبير بإطلاق الكلمة بأنهم كانوا يعلمون الغيب لابدّ وأن يوضّح للمجتمع بأنهم يعلمون الغيب بإذن الله تعالى، وبإعلام من الله تعالى.
( لأنّ الوصف بذلك) أي: بإطلاق الكلمة ( إنما يستحقّه من علم الأشياء بنفسه) أي: بذاته، ولا يعلم الأشياء بذاته إلاّ الله، فكما وأنّ وجودهم تابعٌ لوجود الله تعالى، فهم من الممكنات التابعة لله وجوداً، كذلك في صفاتهم يتبعون الله تعالى، ولذا رسول الله (ص) قال: ( الفقر فخري، وبه أفتخر على سائر الأنبياء) ([2][2]) بعيداً عن كل الأنانيات، لامساً فقر عالم الإمكان بكل أبعاده، فلذا يقول: إنما يستحقّه أي علم الغيب بإطلاق الكلمة مَن علم الأشياء بنفسه، أي: بذاته.
( لا بعلمٍ مستفاد، وهذا لا يكون إلاّ لله عزّوجلّ) أي: الذي علمه غير مستفاد، فيقول الشيخ: يجب أن نربّي الناس تربية تتناسب مع الشريعة الإسلامية.
ثم يقول: وأما القول في الإيحاء إلى الأئمة وظهور الأشياء لديهم فهل هناك من وحي بعد رسول الله (ص) لأحد حتى يقال بذلك للائمة عليهم السلام؟ يقول: دلّت الأدلة التي لا نتردّد فيها: أنه لا شرع بعد شرع محمّد (ص) ، ولا نبوة بعد نبوة محمّد (ص) ، ولا وحي لأحد على وجه الأرض بعد الوحي لمحمد (ص) ، وهل يظهر للأئمّة إخبار وإعلام جديد بعد رسول الله (ص) ، والمعجزات هل تصدر على أيديهم؟
يقول: وكذلك لا معجز يجري بعد رسول الله (ص) .
( وأقول ــ والكلام للشيخ المفيد([3][3]) ــ : إنّ العقل لا يمنع من نزول الوحي إليهم، وإن كانوا أئمة غير أنبياء) ، يقول: يجب أن ننظر إلى الأمور بمنظارين: بمنظار شرع، وعقل، فهل من الممتنع أن يوحي الله تعالى إلى أحد؟
نقول: كلاّ، وقد أوحى إلى النبي، فالعقل لا يمنع الوحي، كما وأنّ العقل لا يمنع نسخ الرسالات السماوية، فجاءت الرسالات السماوية لينسخ بعضها البعض الآخر، وجاءت رسالة محمّد (ص) ونسخت الكثير من الشرائع السماوية السابقة، ولا أريد أن أدخل في تفاصيل النسخ، فلا نريد أن نقول: جاءت رسالة محمّد (ص) ونسخت ما جاءت به الأديان، والأديان جميعاً إنما جاءت برسالة السّلام { إنّ الدين عند الله الإسلام} ([4][4])، { ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً} ([5][5]) ،
وعيسى (ع) يقول: { وأنا أوّل المسلمين} (
[6][6]) فنسخت ما هو من شأن النسخ، وما نسخت فطرة، ولا ما كان من شأن العقل، ولا نسخت برهاناً ودليلاً محكماً، بل نسخت ما هو من شأن الزمان والمكان، فنسخت المتغيّرات غير الثوابت.
فربّ شيء بالأمس كان طاهراً وكان جائزاً لنا أن نشربه فغلى فأصبح خمراً، فلما ذهبت الأيام والليالي عاد وصار طاهراً، فتوالت عليه الأحكام: حلية وحرمة وجوازاً، وكان يجوز لنا أن نشرب هذا الماء لأنه من شركة غير معادية للإسلام والمسلمين، فاشترت هذه الشركة دولة معادية للإسلام فأصبح هذا الماء الجائز محرّماً .
فالأمور تختلف باختلاف زمانها ومكانها، فيقول : ( إنّ العقل لا يمنع من نزول الوحي إليهم وإن كانوا أئمة غير أنبياء، فقد أوحى الله عزوجل إلى أم موسى) وهي لم تكن لا إماماً ولا نبياً، ولا رجلاً، بل إلى امرأة مؤمنة: أن تجعل ولدها في التابوت، وأوحى إليها على أنّه سيعيده إليها، فجعلته في اليم وهي معتقدة بجزم أنّ ولدها سيعود إليها، فإذا الوحي يكون على أم موسى فمن هو الثقل الثاني في عالم الإمكان كعلي (ع) بنص الكتاب المجيد { وأنفسنا وأنفسكم} بالأولى أن يوحى إليه لو رجعنا إلى العقل، لكن الأدلة الشرعية منعت الإيحاء بعد رسول الله (ص) كشرع، فمنعت شرعاً آخر بعد رسول الله (ص) .
فللتعبد بالأخبار لا نقول بالوحي إليهم، لا للعقل؛ لأنّ العقل لا يمنع ذلك.
ثم قال: ( وإنما منعتُ من نزول الوحي عليهم والإيحاء بالأشياء إليهم للإجماع على المنع من ذلك) يعني: أجمعت الأمة الإسلامية على أنّ رسول الله (ص) هو خاتم النبيين، وأنّ شريعته لا شريعة بعدها، ولا وحي لأحد بعد رسول الله (ص) .
فيرجى التوجّه إلى شيء، وهو: أنّ الوحي قد يكون شرعاً كالصلاة واجبة، والخمر محرّم، وهذا مما لاشكّ ولا ريب فيه أنه لا يوحى لأحد بعد رسول الله (ص) ، ورسالته خاتمة الرسالات، فالوحي قد يكون كمالاً جديداً وقد أتمّ الله تعالى بمحمّد قمم الكمال، فلا يعقل أن نتصوّر أمراً من هذا القبيل في حق أحدٍ، فقد نتصوّر فهماً لبُعدٍ من أبعاد رسالة محمّد (ص) التي هي سبعة وسبعون بطناً، فوحي بمعنى الشريعة هذا لا يعقل أن يتصوّره متصوّر، فهو شأن رسول الله (ص) ، واتّفق المسلمون على ذلك، ولا يقول بخلاف ذلك إلاّ أمثال البابية والبهائية من المنحرفين، لكنّ وحياً إذا كان لنحلٍ، أو لأمّ موسى، أي: حدس يقيني لا تردد ولاشكّ ولا وهم فيه، إن كان الوحي بهذا المستوى يجري حتى على نحلة أو أم موسى؛ لأنه ليس بشرع الله، فأيّ مانع من أن يكون الوحي لعبدٍ مؤمنٍ، أو يكون لسادات البشر، بل سادات الممكنات بعد رسول الله (ص) ؟
إنّ العلم لـه مراتب، والنور لـه مراتب: نور شمعة، وكهرباء، وشمس، وربّما نشاهد يوم القيامة نوراً إلهياً يجعل الأنوار بإزائه كالعدم إن كنّا من المؤمنين، أي تشكيكية، يعني: فيها قوة وضعف، والوجود كذلك وجود، وصخرة، وجبلٍ، وأرض، ونبي بثقله الإيماني، ووجود الحق تعالى الوجود اللامتناهي، فالوجود مشكّك، أي: يختلف بالشدة والضعف، وهناك بعض الأشياء متساوية، والإنسان حيوان ناطق، يطلق على سيّد الكائنات، وعلى مثلي وأمثالي من الضعفاء.
والحمد لله ربّ العالمين .


[1][1]ــ أوائل المقالات، الشيخ المفيد: 67 ، باب 41 في علم الأئمة بالضمائر والكائنات وإطلاق القول عليهم بعلم الغيب وكون ذلك لهم في الصفات.
[2][2]ــ عوالي اللآلي، ابن أبي جمهور الأحسائي 1 : 39 ، ح 38 .
[3][3]ــ أوائل المقالات، الشيخ المفيد: 68 ، باب 42 القول في الإيحاء إلى الأئمة وظهور علامات الإعلام عليهم والمعجزات.
[4][4]ــ سورة آل عمران، الآية 19 .
[5][5]ــ سورة آل عمران، الآية 67 .
[6][6]ــ سورة الأنعام، الآية 163 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق