المحاضرة 10
كتبت من محاضرة صوتية ألقاها الشيخ في الكويت قبل سنوات
كان من المقرّر أن
نتكلم عن التوحيد لكن لسؤال بعض الأخوة حول مسألة التقية، ولأنّها من المسائل التي
تحدث كثيراً ما، وقد يتصور البعض أنّ من موارد الإشكالات التي قد تتوجّه على
الشيعة: أنّهم يقولون بالتقية، والحال أنّ تفسير التقية الذي شاع في الأقطار
الإسلامية بالنسبة إلى الشيعة كان تفسيراً غير مراد، وغير مقصود عند علماء الشيعة.
فإذن: في هذه المحاضرة
نخصّص البحث في مسألة التقيّة، فنقول:
قبل أن نأتي إلى البحث
عن التقية بمواردها في الكتاب والسنة نبحث عنها بجانبها العقلي، ثم نأتي إلى
مداركها، وما يقول فيها العلماء: سنّة وشيعة، والمثال يكون عادة من المقرّبات،
فإنّا لو تصوّرنا: أنّ إنساناً يسير في طريق مع أولاده وعائلته فقصده بعض الأعداء،
فوجد الخطر على نفسه، أو على عرضه، أو أولاده، أو على إخوانه المؤمنين، أو على
أموالـه، فهاهنا لو علم أنّه لو تكلّم بما يعتقد يهدر دمه، أو يتعدّى المعتدي على
عرضه، أو على إخوانه المسلمين، أو علم أنّ هناك من يجهل الحقيقة، فإذا اعترف بها
سيتعدى المتعدّي على مالـه وكرامته، كان بضرورة العقل أن لا يظهر ما
يعتقد؛ لأنّ إظهار الحق في بعض الأزمنة قد يكون ضرراً بلا نفع، وهذه هي سيرة
الأنبياء.
ولدينا
من الشواهد الكثير الكثير مما يدل على مشروعية التقية
عقلا ونقلا، وكلّ من يتردد فعليه أن يدرس سيرة الأنبياء، فأكثر الأنبياء
الذين قد وصلت سيرتهم إلينا كتموا الدعوة فترة من الزمن، وما كانوا يخبرون بها
إلاّ من اطمأنوا به حتى تأخذ الدعوة بالنشر، وتصبح لها قاعدة اجتماعية، وبعد ثبوت
القاعدة الاجتماعية يؤمر النبي ببث الدعوة علناً
كما هي سيرة رسول الله في التدرج بإعلان الدعوة في مكة المكرمة.
فإذن: في مقابل الخطر
والعدوان على النفس والمال والعرض بحكم العقل يجب عليك أن تخفي الحقّ، وتسكت لفترة
زمنية عن الحق، وتتربّص الفرص حتى تتمكّن بإذن الله تعالى من إظهار الحق في زمانه
المناسب لـه، ولذا فإنّ الرسول (ص) أخذ فترة بالدعوة السرية، ولا أحد في الكون
أصدق لهجة وأثبت جناناً وعزماً من رسول الله (ص) ، فلو كان كتمان الحقيقة وعدم
إظهارها في فترة زمنية لا يساعد عليها الزمان والمكان نفاقاً أو انحرافاً عن
المسيرة، لكانت هذه الشبهة متوجّهة على نفس الأنبياء أيضاً؛ لأنّهم في بداية
الدعوة يأخذون بنشرها سرّاً، ثم إذا حصلوا على قاعدة جماهيرية يبثّونها جهاراً،
فحتى مَن ينتقد الشيعة في شعارهم ــ وهو التقية ــ هو بنفسه لو وقع في مخالب دولة
جائرة ظالمة لسكت عن كثير من معتقداته، وهذا التاريخ شاهد، فكم من فئة سنّية
تطاحنت فيما بينها فجاء حاكم انتمى وأيّد فرقة من الفرق السنّية وأخذ يجور ويعتدي
على بقية الفرق، وكأنّه وحيٌ يوحى إليه لا تردد فيما يعتقد، وأخذت بقية الفرق تسكت
أو تنهزم أو تحاول باخفاء معتقدها تخفيف الوطأةعلى
انفسها من عدوان الحكّام.
فإذن: ما كانت التقية
أمراً خصّ بالشيعة، بل خُصّ بكل ضعيف وقع في مجتمع لا يعرف المنطق، وإنما يحاول أن
يأخذ كلّ شيء بلسان القوة والسيف، فإذا كان السيف جواباً لكل منطق حكم العقل لدى
كلّ ضعيف أن يحاول ولو بقدر ما طالباً للفرصة والزمان المناسب حتى يتمكن من إبداء
الحق.
ومع كل الأسف نرى البعض
من أبناء العامة والجماعة ينسون السبب ويرجعون
إلى المسببات، فيلومون المظلوم على أنينه وبكائه، ولا ينظرون إلى ما فعل الظالم من
جريمة وإبادة عامة على الشيعة حينما حكم
الظالمون على الشيعة في طول التاريخ بأنهم روافض كفرة.
وهذ التاريخ مليء
بالمجازر التي قام بها الحكام باسم الدين، فلنا الكثير من العتاب على أبناء العامةو
الجماعة، وخصوصاً في مثل هذا العصر الذي ينبغي أن يكون عصر دليلٍ وبرهان،
أن ينظروا إلى أنين المظلوم، ولا ينتقدوا الشيعة للتقية في مقابل حكّام الجور
ووعاظ السلاطين .
وهذا التاريخ أكبر شاهد
على أنّه ليس هناك من رجال ثبتوا على رغم الاضطهاد والعدوان والاستبداد كرجالات
الشيعة.
فهذا حجر بن عدي وقف
أمام معاوية، ولو كان أي رجال غير الشيعة لأبادهم الزمن وذهبوا، لكن نحن نشاهد أئمة
الشيعة ورجالات الشيعة في كافة الأزمان ثبتوا، وما كانوا ينافقون، ولا يداهنون،
ولو كان السيف جواباً وكان صدى المظلوم ينتشر لوقفوا حتى بدمائهم، لكنها كانت
أزمنة ظلم وجور، لقّن العامة من المسلمين أنّ من كان من أتباع علي (ع) هو رافضي
مرتد يتقرّب الإنسان المسلم الآخر بدم الشيعي إلى الله تعالى، وكان هذا نهج الكثير
من العلماء مع كل الأسف مداهنة مع الحكام وطلبا
للمناصب منهم.
وأما الحكام فسبيلهم
معروف لكلّ من نظر إلى تاريخ حكام المسلمين بدقة بدون عصبية.
فمع كل الأسف أنّ
أبناء العامة والجماعة ينتقدون المظلوم على
بكائه وأنينه، ويتركون الجائر يعمل ويرتكب ما يرتكب، ولمّا كانت مسألة التقية من
المسائل التي شوّهت وما نشرت كما هي فكأنّ الشيعة قد ابتدعوها من أنفسهم، وها هي
في كتاب الله تعالى موجودة، وها هي في فتاوى علماء السنّة موجودة، فنقرأها نصّاً،
ونوضّح المسألة حتى لو استدعت أكثر من محاضرة واحدة، فنقول:
التقية: ضرورة الحياة،
فلو أنّ أحداً من أبناء السنّة ذهب إلى بعض المناطق الشيعية التي لم تعرف الموازين
التي أمر بها أئمة الشيعةفراح بدواعي الجهل والتقابل لما ارتكبه
حكام السنة ووعاظ السلاطين منهم فوصل الأمر في العصبية
فيه جهلاً أن تصوّر هذا المتصوّر البعيد عن روح
وثقافة التشيّع أنّ السنّي كافر مرتد نجس، فهل كان هذا السني الذي ينتقد الشيعة
يظهرتسنّنه؟ أو كان يكتم ذلك في هذا المكان؟ يقيناً لو علم أنه لو أظهر تسنّنه في
هذه القرية سيقتل، وتسبى نساؤه، وتصادر أموالـه، يقيناً لا يظهر عقيدته حتى يخرج
منها.
وها هم الشيعة عاشوا
أربعة عشر قرناً في مثل هذه الظروف، وقد أعلن الحكام أن الشيعة دمهم مهدور،
ومالـهم ينهب، وعطاءهم يقطع، وهذا التاريخ شاهد، فكم ارتكب الحكام باسم الدين من
مجازر! وكم أفتى بعض الفقهاء تأييداً وطمعاً ليد الحكام! فقد أفتوا: أنّ الشيعة
روافض، وأنّهم قد خرجوا عن مسلك الإسلام.
فالتقية ضرورة الحياة
والعقل والفطرة والدين، وقد أشار الشارع المقدّس إلى صحة استعمال التقية في مواضع
من الكتاب؛ لصيانة وحفظ النفس أو العرض أو المال، وقد أخذ بها عمار بن ياسر حينما
استشهد أبواه، فجاء الكتاب المجيد ليقرّ ما قام به عمار بن ياسر.
والتقية من الوقاية،
وهي تجنّب الشيء، وكثير من الآيات تؤكّد ما يقرّه العقل، فمن ذلك يقال: فلان وقى
نفسه أي ابتعد واجتنب، ومن ذلك التقوى؛ لأنّ المؤمن يتقي من عذاب الله تعالى، وقد
شرّعت التقية في مواضع الضرر، والله تعالى قد أذن بالتقية في موارد التوحيد في مقابل
الشرك، وهي أشد من التقية في بعض الأفعال العاديّة، ولو كانت التقية مخالفة للدين
والعقل لما اُيّد عمار على التقية حينما
استشهد أبواه، فأظهر الكفر وأبطن الإيمان، وهذا أشدّ مما تفعله الشيعة، وهذا على
خلاف النفاق؛ لأنّ المنافق على عكس من يرتكب التقية، فإنّ المنافق يجلس مع
المؤمنين فيظهر نفسه مؤمناً، ويجلس مع الكفار فيظهر نفسه مشركاً، وهو المتلوّن،
والحال أنّ الشيعة ثبتوا على عقيدتهم تحت أشدّ الضغوط
التي مرت بهم وتسلط عليهم من الطواغيت أمثال الحجاج وزياد بن
أبيه ومعاوية وكثير من بني أميةوبني
العباس والعثمانيين وغيرهم، والمنافق لا يثبت بل يتلوّن مع الزمن، والمرائي يظهر التقوى أكثر
من واقعها، والشيعي لا يظهر لأبناء السنّة شيئاً، ولا يتقرّب إليهم، بل يكفّ خطرهم
إذا استعملوا الاستبداد، ولمّا تبدّلت الأيام وأخذ المذهب الشيعي ينتشر يوماً بعد
يوم، وأصبح هناك في بعض المناطق قدر من الحرية، أخذ الشيعي
يعلن بكلّ صراحة معتقده، وما حكمنا يوماً على
أحدٍ بالكفر والارتداد، وإنما حُكم علينا بالكفر والارتداد.
فإذن: ما كنّا معتدين،
بل كنّا نريد أن نحفظ عقيدتنا، كنّا نريد أن نسير خلف من قال في حقّه رسول الله
(ص) : ( أنا مدينة العلم وعليّ
بابها) ([1][1])، وقال أيضاً: ( أنت منّي بمنزلة هارون من موسى) ([2][2]) ، وقال: ( لا فتى إلاّ علي) ([3][3]) ، فما اتبعنا إنساناً جاء من الهند، أو جاء من شرق العالم، أو غربها، بل اتّبعنا رجالا هم أهل بيت الرسالة، فكُفِّرنا واتّهمنا وتُعدّي علينا على طول التأريخ.
بابها) ([1][1])، وقال أيضاً: ( أنت منّي بمنزلة هارون من موسى) ([2][2]) ، وقال: ( لا فتى إلاّ علي) ([3][3]) ، فما اتبعنا إنساناً جاء من الهند، أو جاء من شرق العالم، أو غربها، بل اتّبعنا رجالا هم أهل بيت الرسالة، فكُفِّرنا واتّهمنا وتُعدّي علينا على طول التأريخ.
والمنافق يظهر الإيمان
ويبطن الكفر، قال تعالى: { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنّك لرسول الله والله
يعلم إنّك لرسوله والله يشهد إنّ المنافقين لكاذبون} ([4][4]) .
فالتقية لا تباح للمؤمن
إلاّ في ظروف انتهكت فيها الحرية قولاً وعملاً، وساد الاستبداد، وكان المنطق
والجواب بالسيف،وهذا هو مسلك اكثر حكام ابناء العامة
والجماعة ووعاظ السلاطين منهم, فوجب على كلّ مسلمٍ إذا كان لا يتمكّن من إبداء
عقيدته أن يسكت حتّى يفرّج الله تعالى عنه، كما ورد الكلام عن مؤمن آل فرعون، وكما
عاش المسلمون فترة طويلة تحت وطأة النظام الشيوعي، وهذا الأمر لم يختص
بالشيعة، بل هو أمرٌ فطري
عقلي ومن ادّعى خلاف ذلك فمكابر او مصاب بشيء من الخلف.
قال الله تعالى في
كتابه المجيد: { وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربي
الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم
بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب} ([5][5]) .
فقد ورد كتمان الإيمان
في الكتاب المجيد، والله تعالى وصف
هذا الكاتم لمعتقده بالإيمان، ولم يقل: رجلاً منافقاً مثلاً، وهذا كتاب الله حكم فصل.
وقال تعالى: { فوَقاهُ
اللَّهُ سيِّئاتِ ما مكَرُوا وحاقَ بآلِ فِرعَونَ سوءُ العذَابِ} ([6][6]) ، فالله تعالى دافع
عنه، ولو كان كتمان الحق جريمة وخيانة لما وصف
هذا الرجل بهذه الأوصاف.
يقول العلماء: فبتقية
هذا المؤمن من آل فرعون حفظ الله موسى (ع) فقال لـه : { إنّ الملأ يأتمرون بك
ليقتلوك فاخرج إنّي لك من
الناصحين} ([7][7]).
الناصحين} ([7][7]).
وقال تعالى: { من كفر
بالله من بعد إيمانه إلاّ من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً
فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} ([8][8]) وهنا مدح الله تعالى
عمار بن ياسر، فقال: { إلاّ من أكره
وقلبه مطمئن بالايمان} وأي إكراه أشد ممّا مرّ على الشيعة من قتلهم عموماً وإباحة
دمائهم على
ايدي الظالمين؟
ولما اتّهم البعض
عماراً بالكفر فأخذ الكثير ــ إمّا جهلاً أو نفاقاً ــ يظهرون أنفسهم فوق
مستوياتهم، فأخذوا يوردون بالنقض على عمّار على أنّه كان عليه أن يستشهد، وأن
يقدّم نفسه كما استشهد أبواه، فقال رسول الله (ص) لما سمع هذه الكلمات: ( كلاّ،
إنّ عماراً ملىء إيماناً من قرنه إلى قدميه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه) ([9][9]) ، وهناك بعض الروايات
في مدح عمّار وردت من رسول الله (ص) : ( عمار جلدة ما بين عينَي) ([10][10]) .
وأما ما ورد في حقّ
عمار من عليّ (ع) فهي روايات كثيرة، وقد قال الرسول (ص) لعمار: ( تقتلك الفئة
الباغية) ([11][11]) فمع كونها فئة باغية
بقول رسول الله (ص) ولكن يؤسفنا أن نسمع أنّ الفئة الباغية رئيسها يصبح أميراً
للمؤمنين!!
وقال رسول الله (ص)
لعمار: ( إن عادوا فَعُد) ([12][12]) فهاهنا جوّز الله
تعالى للعبد المؤمن إظهار الكفر عند الخطر فضلاً عن كتمان بعض الأمور العقائدية
أو العملية، فلا يلام المسلم الشيعي لو أظهر خلاف ما يعتقد؛ خوفاً على نفسه من
الحكام الجائرين، وكيف لو اجتمعت الأمة يوم القيامة ولذنا بعلي (ع) وأهل بيته ولاذ الآخرون بيزيد
او المتوكل العباسي واضرابهما من حكام ابناء العامة والجماعة؟ وكيف يقول الله تعالى
لمن لاذ بعترة رسول الله (ص) وباب مدينة العلم أو سيدي شباب أهل الجنة
وأمهما الصديقة الكبرى (ع): أنتم بعيدون كلّ البعد عن الإسلام، ومن لاذ برئيس الفئة الباغية:
أنت مؤمن؟!
لا أريد أن أتّهم أحداً
بعناد الحق، لكن أقول: على كلّ إنسان أن يتنازل إلى الحق، ويجلس مجلس التفاهم، ولا
يكون الاستبداد حاكماً كما كان في العصور المظلمة حتى نتمكن من كلمة سواء، ومقاسم
مشتركة بين المسلمين.
فنورد أوّلاً ما كتبه
علماء أبناء السنة في التقية:
1 ــ قال الزمخشري في
الكشّاف عن حقائق التنزيل (ج 2 ص 420 ) : روي أنّ أناساً من أهل مكّة فتنوا
فارتدّوا عن الإسلام، وكان فيهم من أكره وأجرى كلمة الكفر وهو معتقد للإيمان، منهم
عمار بن ياسر، وصهيب، وبلال، وخبّاب.
2 ــ وقال الحافظ ابن
ماجة: والإيتاء معناه الإعطاء أن وافقوا المشركين وأعطوهم ما أرادوا منهم تقية،
والتقية في مثل هذا الحال جائزة؛ لقوله تعالى: { إلاّ من أكره وقلبه مطمئن
بالإيمان} ([13][13]) .
وقال أيضاً: أجمع أهل
العلم على أنّ من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل أنه لا إثم عليه إن كفر
وقلبه مطمئن بالإيمان، إلى أن قال: هذا قول مالك والكوفيين والشافعي([15][15]) .
4 ــ وقال تعالى: لا يتّخذ المؤمنون
الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلاّ أن تتقوا
منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ([16][16]) .
قال الرازي في تفسير
هذه الآية: { إلاّ أن تتقوا منهم تقاة} : المسألة الرابعة: إعلم أنّ للتقية
أحكاماً كثيرة ونحن نذكر بعضها.
أولاً: إنّ التقية تكون
إذا كان الرجل في قوم كفّار، ويخاف منهم على نفسه ومالـه فيداريهم باللسان، وذلك
بأن لا يظهر العداوة باللسان، بل يجوز أيضاً أن يظهر الكلام الموهم للمعية
والموالاة.
ثانياً: التقية جائزة
لصون النفس، وهل هي جائزة لصون المال؟ يحتمل أن يحكم فيها بالجواز لقولـه (ص): (
حرمة مال المسلم كحرمة دمه) ([17][17])
ولقولـه (ص) : ( من قُتل دون مالـه فهو شهيد) ([18][18]) .
ولقولـه (ص) : ( من قُتل دون مالـه فهو شهيد) ([18][18]) .
فإذن: التقية من الأسس
الإسلامية، فما افتريناها وماجئنا بها من أنفسنا.
5 ــ وقال الآلوسي:
وبالآية دليل على مشروعية التقية، وعرفوها بمحافظة النفس أو العرض أو المال من شرّ
الأعداء، والعدو قسمان:
الأول: من كانت عداوته
مبنية على اختلاف الدين كالكافر والمسلم.
فإذن: عمّت المسألة وما
اختصّ بالمسائل العقائدية فهي عامة إذا وقع الإنسان في خطر، ومن المعلوم لدى فطرة
العقل أنّ التقية لدى النفس والمال حينما لا يؤدّي إعلان الحق إلاّ إلى الضرر،
وكون الآيات وردت عن الكفّار في التقية لا يكون مخصّصاً للحكم.
ومناط التقية الخطر
والخوف، فمن خاف ووقع في ظروف استبدادية لا حرية فيها جازت لـه التقية، وعلى هذا
لو حصل الملاك لـه وهو تحقق الضرر ولو بين المسلمين أنفسهم لوجب أيضاً العمل
بالتقية، كما لو علم الإنسان المسلم بأنّ هناك بعض المذاهب الإسلامية تقول بقدم
القرآن أو حدوثه؛ حيث مرّت مجازر بين السنّة أنفسهم، وهذا التاريخ موجود بأنّ من
جملة ما اعتقدوا به أنّ القرآن حادث أو قديم، ولمثل هذه المعتقدات التي يجب أن
تكون محلّ استنباط واجتهاد وتفاهم، وما كان الوحي ينزل لا على المأمون ولا على
غيره، فهي نظريات واجتهادات، فكم سفكت الدماء فيما بينهم أنفسهم! وهنا علماء السنة
استخدموا التقية في مقابل مسلم، فسكتوا عن آرائهم طبقاً لنظريات الحاكم؛ خوفاً على
دمائهم وأعراضهم وأموالهم، فلماذا هذا النقد يكون خاصّاً ويعتبر بدعة فقط من
الشيعة ومن علمائها؟
يقول الإمام الرازي في
تفسير قولـه تعالى: { إلاّ أن تتقوا منهم
تقاة ...} : ظاهر الآية يدل على أنّ التقية إنما تحلّ مع الكفار الغالبين، إلاّ أنّ مذهب الشافعي أنّ الحالـة بين المسلمين إذا شاكلت الحالـة بين المسلمين والمشركين حلّت التقية؛ محاماة عن النفس([20][20]) .
تقاة ...} : ظاهر الآية يدل على أنّ التقية إنما تحلّ مع الكفار الغالبين، إلاّ أنّ مذهب الشافعي أنّ الحالـة بين المسلمين إذا شاكلت الحالـة بين المسلمين والمشركين حلّت التقية؛ محاماة عن النفس([20][20]) .
فأين علماء المسلمين من
مثل قول الشافعي والرازي؟
وقال الرازي أيضاً:
التقية جائزة لصون النفس، وهل هي جائزة لصون المال؟ يحتمل أن يحكم فيها بالجواز
لقولـه (ص) : ( حرمة مال المسلم كحرمة دمه) ، وقولـه (ص) : ( من قُتل دون مالـه
فهو شهيد) ([21][21]) .
هذا بعض ما أردنا
بيانه، وإن شاء الله في المحاضرة القادمة سنتكلّم ونتمّم البحث عن مسألة التقية.
والحمد لله ربّ العالمين.
[13][13]
ــ سنن ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني 1 : 53 شرح حديث رقم 150 .وكتاب الاعتصام
بالكتاب والسنة للشيخ جعفر السبحاني ص321.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق