الأربعاء، 12 يونيو 2013

@ ما حصل بعد الرسول هل كان جهادا ام عدوانا

ما حصل بعد الرسول هل كان جهادا ام عدوانا

الجهاد


الجهاد بذل الجهود لبلوغ الغايات واكبر جهاد هو ترويض النفس بالطهر والزكاة والعلم للعروج الى الله تعالى حيث انه الجهاد الأكبر ليصبح القرآن خُلقا والعلم نورا والعقل هاديا حيث يصير البصر حديدا لشهود الحق وذهاب حجب الظلمات من الكبر والحسد والنفاق والرياء وحب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة .

فهؤلاء هم المجاهدون في سبيل الله حقا فهم المتقون وعباد الله المخلصون الذين يرون الحق حقا والباطل باطلا , ينظرون بنور الله الى الآيات و الروايات بعيدين عن الأهواء والمغالطات و العناد واللجاج وهم بهذا الشهود يميزون ما صح من الجهاد وما كان باطلا مدعوما بهوى النفس وقد قال تعالى :(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وأن الله لمع المحسنين )العنكبوت آية 69 , فلا حجاب بين الحق والمجاهدين في سبيل ربهم .

وبعد هذه المقدمة نقول إن الجهاد بحسب المصطلح الشايع بين الفقهاء يقسم الى قسمين جهاد ابتداعي وجهاد دفاعي .

أما الإبتدائي : فهو يبدأ بدعوة الأمم الى الاسلام فمن رفض منهم وكان كتابيا كان عليه ان يدفع الجزية وإلّا فالحرب , ومن رفض من غير أهل الكتاب الدخول الى الإسلام فالحَكَم هو السيف .

ثم انقسمت الأمة الإسلامية الى قسمين : فأبناء العامة والجماعة المعبرعنهم بحسب الإصطلاح بأهل السنة قالوا ان هذا النوع من الجهاد كما هو من شأن الرسول (ص) فكذلك هو لحكام المسلمين من بعده وعليه فللحاكم الإسلامي ان يندب الناس الى هذا الجهاد لنشر الإسلام في العالم وهو ما حدث بعد وفاة الرسول (ص) من قبل الخليفة الأول وكذا الثاني والثالث ثم بقية خلفاء بني أمية وبني العباس ومن جاء من بعدهم وما كفّ حكام المسلمين عن هذا النوع من الجهاد إلا في القرون المتأخرة للضعف وإلا فهو حكم شرعي يجب القيام به على مذهب أبناء العامة والجماعة , وأنه لابد من قهر البشر على قبول الإسلام إن لم يكونوا من أهل الكتاب وعلى أهل الكتاب أن يدفعوا الجزية ومثل هذا لا يرونه منافيا للحرية في العقيدة ولا مناقضا للآيات الدالة على الحرية كقوله تعالى : (لا إكراه في الدين ) وقد سفكوا الدماء وإستباحوا الأعراض و قسموها بينهم حتى فتحت أسواق النخاسين في أغلب المدن لبيع الجواري والعبيد ومن تردد في هذا المقال فعليه بالرجوع إلى ما قام به خالد بن الوليد كمثال لأروع دولة راحت لتمثل الإسلام السني بعد وفاة الرسول الأعظم (ص) وإلا فالشواهد على طول التأريخ كثيرة لكن من المؤسف أن أغلب الناس لا يقرؤون بأنفسهم بل إنما يسمعون من خلال قنوات وعاظ السلاطين الذين لا ينقلون لهم إلا زهو الفتوح ونشر الإسلام على وجه الأرض ولو بسفك الدماء وإلا فلو قلت لأي مسلم على وجه الأرض اليوم يعيش روح الحرية هل ترى من العقل ان نقول للبشر الذين يعيشون على وجه الأرض الكتابي منهم وغير الكتابي إما ان يسلموا او يدفعوا الجزية وإلا فالحكم بيننا وبينكم السيف لقال لك القائل ان هذا هو الإستبداد بعينه وكيف يجبر الله تعالى الناس على الإسلام وهو يريد الدنيا مختبرا للعقول وهو القائل ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة وقد راح أبناء العامة ليشنعوا على الشيعة بانهم يعطلون الأحكام الإلهية وينتظرون احيائها على يد مهديهم كما يزعمون ومعنى كلام ابناء العامة انه لو امتنع أهل الكتاب من دفع الجزية في شرق الارض وغربها لجاز قتالهم و رقهم وكذا لو امتنع غيرهم بما لهم من مليارات البشر كأهل الصين والهند وغيرهما لجاز قتالهم او رقهم و أخذ جميع ما يملكون وتقسيم ذراريهم ونسائهم بين المسلمين .

فهكذا رأي أبناء العامة حق الحياة لبقية البشر بما يقرره الحكام بما لهم من الاهواء و دوافع حب السلطة والشهرة وكيف يجعل الله تعالى البشرية رهن شهوات حكام المسلمين وأكثرهم الفاسقون وكيف يجيب عن ذلك يوم الدين علماء العامة عند رب العالمين .

ولا ننسى ان مذهب العامة قائم إلا ما ندر منهم على أن الشيعة من الروافض مهدوري الدم وعلى هذا فلم يبقى حق الحياة إلا لمن كانوا من ابناء العامة والجماعة والحكم على بقية البشر بالاستسلام او الموت او دفع الجزية ان كانوا من أهل الكتاب في حين أن الرسول الأعظم وهو القائل ما أوذي نبي مثل ما أوذيت وقد عانى ما عانى من أهل مكة  نجده عند فتحها يخاطب القوم قائلا : (ما تظنون أني فاعل بكم ) قالوا اخ كريم وابن اخ كريم قال ( فاذهبوا فأنتم الطلقاء) .

فبعد اكثر من عقدين من الزمن وهو البشير النذير مخاطبا ومبينا شرع الله لقريش ومن فيها من أهل مكة ما وجدناه عاملهم كما عامل الامم الخليفة الأول ابو بكر حينما بعث بجيوشه تدعوا الناس الى الاسلام بل راح ليمنح قادة الأمم على ابواب المدن ثلاثة أيام وعامة الناس لا علم لها بأمر ولا سبق معرفة بدين جديد ثم اندفعت الجيوش الإسلامية واحتلت البلاد وقتلت من قتلت واسترقت من استرقت وقسمت الجواري وسمت ذلك بالجهاد والفتح الإسلامي ولم يظهر من أحد من الناس خلافا او مقاومة بخلاف قريش الذين كانوا قد سمعوا الدعوة وخالفوها حتى كلّت سواعدهم وقد عفى عنهم الرسول (ص) ولو قال قائل قد عفى عنهم لأنهم من قريش وهم أهله وبنو عمومته لكان ذلك مدعاة للشك في نبوة محمد (ص) وهو خاتم الرسل و الرحمة للعالمين فكيف يعقل ان يعامل الناس بهكذا تمييز على الرغم من معرفة قريش واصرارهم على الحرب بعد اكثر من عشرين عاما ويكون حكم الأمم الإنذار على أبواب المدن ثلاثة أيام ثم اقتحام البلاد واسترقاق العباد .

الجهاد على مذهب الشيعة الإمامية


الجهاد عندهم على نحوين :الجهاد الابتدائي والجهاد الدفاعي . أما الجهاد الابتدائي فخلافا لمذهب ابناء العامة والجماعة الذين اعتبروه بيد الحكام فإن الشيعة يرونه من خواص الرسول (ص) والأئمة المعصومين عليهم السلام وليس من حق احد على وجه الأرض مطلقا ولو كان من اعلم العلماء و اتقى الناس فضلا من ان يجعل الله تعالى ذلك بأيدي الحكام الذين لو افترضنا وجود واحد منهم صالح في كل قرن لوجدنا بالمائة تسعة وتسعين منهم طلاب دنيا يريدون الدين وسيلة لزعاماتهم و غاياتهم فكيف يطلق الله تعالى أيدي امثال هؤلاء الطواغيت وان تلبسوا بلباس الدين على رقاب البشر ليذلوا عزيزهم و ينهبوا ثرواتهم ويستعبدوا رجالهم ويتلذذوا بنسائهم جوار في البيوت تحت ذريعة الفتح و الدعوة الى الإسلام حتى يصبح الحاكم الإسلامي لقصيدة يمتدح بها يهب للشاعر عشرة من الجواري او اكثر من ذلك و هذا ما حدث بعد وفاة رسول الله (ص) حيث اصبح الكثير من الصحابة يمتلك المئات من الغلمان والجواري من بعد ما جاء نبي الإسلام لإخراج البشرية من الذل والعبودية وسنّ سننا تدفع لتحرير العبيد , فحاشى لله رب العالمين ان يفتح المجال للطواغيت بإسم الدين لإذلال البشرية ونهب ثرواتها .

وثانيا الدين عقيدة تحمله القلوب ولا يحمّل على الناس بالسيف وثالثا إن من حمل الدين بالسيف على رقاب الناس صنع منهم المنافقين والكذابين فكيف يصنع الله تعالى من المؤمنين الذين يجب ان يحملوا الدين  في أعماق قلوبهم منافقين كذابين ورابعا لا تجتمع الحرية وحياة الكرامة مع مثل هذا النهج من نشر الأديان السماوية التي بنيت على المعارف والتي يكفيها لنشرها ما تحمل من الخُلق والإيمان والعلم الذي هو سندها على طول التأريخ البشري حيث انه قد أصبح من حديث الغابرين اكبر الدول واعظمها وقد بقيت الأديان على إختلافها وضعف الكثير من مبانيها للإنحراف عن واقع رسالات السماء قائمة ليومنا هذا وخامسا حدود بعثة الانبياء لمن عايش القرآن الكريم يجدها واضحة في كتاب الله من أن الله تعالى ما بعث الرسل إلا مبشرين ومنذرين .

فإذن مذهب الشيعة قائم على أن الفتح الإبتدائي من خصائص المعصومين عليهم السلام الذين لا يعملون عملا إلا كان من مظاهر رضى الرب تعالى بمعنى انه لو رؤوا في مورد القيام بمثل هذا الجهاد صلاحا لفعلوه لأنهم لا يعملون أمرا بدوافع الفتح والسلطان والزهو والكبر والغرور ولكن على الرغم من كل ذلك ما حدثنا التاريخ يوما من الأيام أنهم قاموا بمثل هذا النحو من الجهاد وجميع حروب الرسول الاعظم (ص) والإمام علي عليه السلام إنما كانت دفاعا عن بيضة الإسلام وكرامة المسلمين وحقوقهم واذا كان صاحب الحق المأذون من قبل الله تعالى لم يقم بمثل هذا الجهاد وإن حاول أبناء العامة والجماعة أن يدّعوا ذلك في بعض حروب الرسول فأين منه حكام الجور وفراعنة المسلمين كأكثر حكام بني أمية وبني العباس والعثمانين .

أجل ليس الجهاد الابتدائي من حق أحد في العالمين بل هو من حق الرسول (ص) وأهل بيته المعصومين فلا يحق لأحد حتى ولو كان من أكبر علماء الشيعة و زهادهم ولذا عبّر بعض أكابر علماء الشيعة بأن الجهاد مع ائمة الجور خطأ يستحق فاعله الإثم وقال آخر القتال مع غير الإمام المفترض الطاعة حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير وهو مضمون كثير من الروايات لأنه من المستحيل عقلا ان يحكّم الله تعالى غير المعصوم في مثل هذه الأمور لأن الافساد فيها أولى من الإصلاح ولا يحرز القتال في سبيل الله إلا بأمر الإمام المعصوم لأن الجهاد فيه سفك للدماء وإتلاف للأموال وقد ورد في بعض النصوص التي لا ريب فيها وهي من الإرشاد لحكم العقل (إن القتال مع غير المعصوم حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير) وهو فتح البلاد والتسط على الأمم تحت ذريعة الدعوة الى الإسلام وقد ورد في الروايات ما مضمونه ان الإمام الصادق عليه السلام سأل أحد أصحابه لماذا لا تخرج مع الخارجين الى الجهاد فقال الرجل إني انتظر أمركم يا مولاي فقال (ع) إي والله لو كان به خير لما سبقنا إليه هؤلاء وأكبر دليل على ما نقول إن فارس الفرسان وبطل الإسلام اعتزل مثل هذه الحروب المسماة بالفتح الإسلامي وأعنى بذلك الإمام علي عليه السلام في زمن كل من الخليفة الاول والثاني والثالث وهو أكبر دليل على عدم مشروعيتها ومن يحاول توجيه ذلك فإنما يغالط نفسه وليس هذا من تعطيل لحكم من أحكام الله تعالى كما يحاول ان يطبل ويزمر به أبناء العامة أتباع الحكام لأنه من خصائص المعصومين بل نقول اكثر من ذلك انه ما ثبت وجوده حتى في زمن الرسول نفسه (ص) وإنما كانت حروبه دفاعية .

الجهاد الدفاعي


وأما الجهاد الدفاعي عن النفس والمال والعرض وعن الاسلام والمسلمين فهو من مسلمات العقل والشرع وهو واجب لا شك ولا ريب فيه اذا حصلت شروطه و داهم المسلمين عدو يخاف منه على بيضة الإسلام وحياة المسلمين و اموالهم وجميع الآيات الواردة الآمرة بالجهاد لمن تتبعها بامعان بعيدا عن الهوى ومتابعة الآخرين يسجدها انما شرّعت في مقابل الأعداء لا في مقابل البشر واعلان الحرب عليهم اذا لم يسلموا فقد قال تعالى (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) ومنع من العدوان وسنشير الى هذه الآيات بإذن الله تعالى إن سنحت الفرصة حتى لا يتصور المسلم ان الله أمر بالقتال واعلان الحرب على البشرية كافة بل إنما أمر بالجهاد في مقابل من حاربوا الإسلام والمسلمين في عهد رسول الله (ص) كما ورد في قوله تعالى (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فقاتلوا المشركين حيث وجدتموهم…..)التوبة آية5 , وقال ايضا (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة )التوبة36 , فالآيات تحدد القتال في مقابل المعتدين الذين كانوا يقاتلون المسلمين وليس فيها اشارة لا من قريب ولا من بعيد الى اعلان الحرب على العالم كافة إن لم يسلموا او لم يؤدوا الجزية ورسائل الرسول (ص) الى ملوك العالم واضحة لمن قرأها بنفسه لا بقراءة وعاظ السلاطين تمهيدا لرغبات اسيادهم من الحكام.

وبالجملة الجهاد الابتدائي الذي قام به بعض حكام الجور على طول التأريخ اشد حرمة من أكل الميتة وشرب الخمر لأنه ليس إلا لإشباع نهمة الحكام واعطائهم المبرر الشرعي للعدوان على الآخرين ولذا اشترط جميع علماء الشيعة في الجهاد وجود الامام المعصوم عليه السلام او نائبه الخاص كأن يأمر مثلاعلي عليه السلام مالك الاشتر بذلك ولكن التأريخ لم يحدث ان عليا عليه السلام قام بمثل هذا الجهاد وفي الختام نقول والسلام على من اتبع الهدى .

 

 


--
مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني


كما يمكنكم متابعتنا على كل من 

@ كلمة حق يراد بها باطل

كلمة حق يراد بها باطل

بسم الله الرحمن الرحيم


أيها السيدات والسادة الكرام بعد التحية والسلام فإني بإذن الله تعالى سأقوم بما وعدتكم به من التسجيل ولو صوتيا حتى أتمكن من إرسال ما هو صوت وصورة إليكم بما يناسب بيان الحق والدفاع عن المظلوم في عالمنا الإسلامي وبالأخص بلادنا وما يعانيه شعبنا من الظلم والعدوان لكن حتى تتاح تلك الفرصة لا بأس بكتابة بعض ما يرتبط بالمقام والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

محمد كاظم الخاقاني

كلمة حق يراد بها باطل


كثيرا ما يطلق وعاظ السلاطين وعلى رؤوس الأشهاد في كل زمان ومكان شعاراتهم الخلابة التي تأخذ بالقلوب لرفيع أدبها وحسن مظاهرها وبالأبصار للمعان بريقها و كأنهم لصفاء النفوس ملائكة كرام يحملون صحف النور من الله رب العالمين الى عباده المؤمنين كل ذلك تزلفا وتملقا لأسيادهم الحكام في الديار الإسلامية قائلين وأصواتهم قد امتزجت برعشة الخوف خشوعا وقوة الإيمان صلابة تمثيلا على البسطاء من الخلق: أيها الناس إعلموا ان الإسلام دين الإنسانية الذي لا قومية فيه وأن الدولة الإسلامية لا تحمل صفة القومية والعرقية لأنها دولة الحق الذي جاء بها الأنبياء والمرسلون الذين جاؤوا يحملون للبشرية لواء الإنسانية بعيدا عن روح العصبيات القومية والطائفية النابعة عن قيم الجاهلية فلا تدنسوا أيها الناس طهر إيمانكم و وحدة صفوفكم بظلمات وساوس الشياطين وقد قال تعالى : (أطيعوا الله والرسول و اولي الأمر منكم) فلا تمزقوا وحدة صفوف الأمة بإحياء سنن الجاهلية ودوافع العصبية والمطالبة بحقوق لا تنبيء إلا عن روح قومية جاهلية فتجعلوا أنفسكم عرضة لغضب الجبار ومحلّا لأخذ الولاة الأخيار فأطيعوا ولاة امركم الذين فرض الله تعالى طاعتهم عليكم بما جعل لهم من الولاية فإنكم بذلك تهتدوا الى الرشاد ومسالك رب العباد.

ثم يختمون جواهر كلماتهم ببعض الآيات والروايات مستشهدين بها مكرا و زورا لإذلال الأمة لأصحاب الفخامة والجلالة والسمو ذوي الولاية المطلقة من ظلمة حكام السنة والشيعة مصورين للأمة إياهم بأنهم خلفاء الأنبياء والمرسلين وخلف الأئمة الهادين ثم يكللون الكلمات بالحمد والثناء على الله تعالى الذي وفقهم للقيام بمثل هذه الطاعات وعندما يحين الحين بقدر محتوم للهبوط الى منازل ذل العبودية بين أيدي أسيادهم و أولياء نعمهم الحكام بعدما تسلقوا تلك الأعواد في دور العبادة يذهبون ليتبادلوا واسيادهم دقيق النظرات وهمس الكلمات على حين غفلة من الأمة يتعانق فيها الرضاء والاعجاب والشعور بالقيام بالواجب بما يناسب كلا من السيد الحاكم والفقير العبد الذليل الراجي فضل ربه وهم وعاظ السلاطين مشترين بذلك سخط الخالق بمرضاة المخلوق.

أجل هكذا تبتلع الشعوب بحضاراتها وكرامتها وعظيم حقوقها على حين غفلة بكلمة حق يراد بها باطل حينما تفسر الآيات والروايات بتبع الهوى وتقدم بأطباق من ذهب بأحسن شعارات بين أيدي الحكام لإضلال الأمة وإغوائها و كأن هؤلاء الخطباء ما قرؤوا قوله تعالى : (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) الحجرات13 , حيث تشير الآية الشريفة إلى أن إختلاف الناس شعوبا وقبائل هو واقع بشري لا يمكن لأي احد تحت أي عنوان وشعار دينيا كان او مدنيا إنكاره لإضاعة الحقوق و إلغاء وجود الأمم والشعوب بما لها من الحضارات والمعتقدات لغة ودينا ومسلكا وكون الكرامة عند الله بالتقوى شأن إلهي يعود ليوم الحساب بلحاظ ليصير ميزانا توزن به الأعمال عند رب العالمين لا ليصبح ذلك في دار الدنيا سببا لإلغاء وجود الآخرين و تجاوز حدود العدل الذي هو قانون الله تعالى لكافة الناس اجمعين ولو كانوا غير مسلمين حتى ولو فرضنا الحاكم نبيا من الأنبياء عربيا كان او اعجميا فإنه ليس من حقه قهر الشعوب على لغة او حضارة او دين وهو يعيش لغته وحضارته فضلا عما لو كان الحاكم كأمثال حكامنا الذين ما شموا يوما من الأيام رائحة الحق والعدل إلا ما ندر منهم طيلة هذه القرون التي بها تسلطوا على رقاب المسلمين حيث وجدوا انفسهم للكبر أنهم الأمة والقانون وأن من حقهم أن يفعلوا كل شيء وأن على الشعوب أن تطيعهم وقد راح ليعطي ذلك شرعية وعاظ السلاطين قائلين على أن على الناس أن تطيع الحكام ولو كانوا فسقة ظالمين حفظا لوحدة صفوف الأمة و لو بإلغاء الشرع والعقل والأمة نفسها لأن هذا الإلغاء إنما يكون لغاية أهم وأنبل وهي قوة جند السلطان التي بها عز الإسلام.

أجل هكذا أيها الاخوة والأخوات عرّف شرع الله تعالى للأمم وعاظ السلاطين.

وكلمة التعارف الواردة في الآية الشريفة مأخوذة من العرف وهو العدل والمعروف في مقابل ما كان نكرا وقبحا و أريد منها هاهنا أن تتعارف الأمم والشعوب بعضها مع بعض على أساس قيم العدل والإحسان على اختلاف حضاراتها ولغاتها ومسالكها وأديانها ليحصل بذلك التكامل بدلا من أن تعيش كل أمة بمعزل في زنزانة أوهام الفخر والكبر العنصري الذي راح ليدفع ببعض الشعوب للتفاخر والعدوان على الآخرين كما يشاهد ذلك في كثير من بلداننا الإسلامية بدوافع روح العنصرية التي هي مدعاة للعدوان و إنكار الآخرين ونهب خيراتهم و إن لبس ذلك في بعض البلاد الإسلامية احيانا لباس الدين وجلس فوق منابر سيد المرسلين وإلا فأي عقل  او عرف او دين او ضمير يجيز لأحد ويجعل من حقه ان يتكلم بلغته ويجبر الآخرين أن يتكلموا بها ثم يتجاوز الحدود في العدوان والخروج عن زي الإنسانية والقيم بأن يمنع الأمم الأخرى من التكلم بلغة الآباء والأمهات ويمنعهم أيضا حتى من تسمية أبنائهم وبلادهم بما يحبون ثم يتمتع وراء ذلك كله بخيرات بلادهم ليبني بها القصور و لتزدهر بها بلاده على حساب الآخرين و أبناء البلاد أصحاب الخيرات يعيشون الفقر والحرمان والأكواخ إن لم يجد من حقه أيضا أن يزج بهم في زنزانات السجون او أن يأخذ بهم الى خشب الصلبان و وابل النيران.

نعم أراد الله تعالى في هذه الآية الشريفة و غيرها من الآيات أن يكون هذا التعارف بين الشعوب والتمازج والتخالط قائما على أسس التقوى في دار الدنيا حتى لا يجلس الطغيان مكرا و زورا مجالس العدل فيضيع به الهدى ويصبح الفخر والحقد العنصري بديلا عن الإخاء والمودة التي أرادها الله تعالى أن تكون هي الحَكَم الفصل بين عباده جميعا عربا كانوا او أعاجم ذكرانا كانوا او إناثا حيث أن بالتعارف القائم على العدل والتقوى يكون حفظ الحقوق المشتركة بين الشعوب بما لها من الحضارات لا بإلغاء الآخرين بما لهم من حضارة النابع عن روح الجهل والحقد والكبر والتخلف التي هي جميعا من قيم الجاهلية والإسلام منها براء, هدانا الله تعالى وإياكم الى رفيع مقام الإنسانية و أبعدنا عن تخلف الجاهلية وظلمات النفاق و المنافقين إنه ولي التوفيق .

محمد كاظم الخاقاني

----------------------------------
 
مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني
كما يمكنكم متابعتنا على كل من 
للتواصل معنا:
kazemalkhaghani@gmail.com

@ كلمة بمناسبة عيد الغدير



كلمة بمناسبة عيد الغدير

بسم ا
​​
لله الرحمن الرحيم

كلمة بمناسبة عيد الغدير


نبتهل الى الله تعالى بالحمد والثناء لاتمام النعمة واكمال الدين بعيد الله الأكبر عيد الغدير الأغر الذي قال تعالى في حقه : (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) حيث اعتبر تعالى رسالة السلام المحمدية بكل ابعادها بشارة ونذارة لأنه البشير النذير بلا تطبيق صدق علوي هو نفس الرسول (ص) بنص الكتاب المجيد (وانفسنا وانفسكم ) ونفس الرسالة لأنه (ع) هو القرآن الناطق رسالة لا جدوى فيها فهي بحكم العدم لقوله تعالى ( وان لم تفعل فما بلغت رسالته) مع ما في الآية من تلميح بل تصريح بمآمرات تحاك ضد الرسالة والرسول (ص) الى قيام قائم آل محمد ترقى في أبعاد خبثها وجريمتها وضلالتها للنيل من حياة رسول السلام محمد (ص) لقوله تعالى : (و الله يعصمك من الناس) فإن كان مجرد البيان والتبليغ من سيد الكائنات بما أريد بيانه يوم الغدير وهو نصب وصيه الاعظم إمام المتقين الإمام علي (ع) يحتاج الى حفظ إلهي بلا واسطة لساحة قدس نبي السلام لعظيم المآمرات التي كانت تحاك ضد النبي ورسالته فما هو حال الرسالة في بعدها العلمي و التطبيقي و حال الوصي بعد ذلك وما حفهما من الخطر والتحريف بواسطة من كان يهدد الرسالة والرسول (ص) ليعلم المسلم لو كان طالب حق  وما مرّ على الرسالة في ميدان العلم والتطبيق و اوصياء الرسول (ص) في مرحلة تأويل الرسالة و شرحها في ضمن حياة اثني عشر نقيب وماذا عانى امام الموحدين في ايام خلافته حينما اراد ان يرجع المياه الى مصبها بعد تحريف المحرفين ليكون تطبيقا محمديا يحكي بعد الرسالة بعيدا عن الاهواء والميول والشهوات التي عاشها المسلمون تحت انظمة الانحراف والظلم باسم الاسلام بعد وفاة الرسول (ص) الى زمن خلافة الامام علي عليه السلام وبهذه المناسبة العظيمة نهنيء جميع من في السموات والارض من الملائكة والجن والانس اجمعين فضلا عن المسلمين وأهل الولاء والعرفان أتباع آل محمد وإن جهل الجاهل بالنعمة او كبره بأزاء الحق لا يحدد أبعاد فيوضات الحق تعالى على عباده والشاهد على ذلك قوله تعالى بالنسبة الى نبي الرحمة محمد (ص) حينما قال بأنه رحمة للعالمين وان جحده الجاحدون وانحرف عن طريقه أكثر المسلمين بتبع الهوى وحب الدنيا.

داعيا الله تعالى الغفور الرحيم ان يهدينا سبل السلام ويوفقنا للعمل الصالح وان يهدي من ضل الطريق وينتقم من المعاندين في الدنيا قبل الآخرة بواسطة من يملأ الارض قسطا وعدلا من بعد ما ملئت ظلما وجورا ويجعلنا ممن يمتثل أوامره وينتهي بنواهيه ويكتب لنا الشهادة بين يديه إنه ولي التوفيق وهو أرحم الراحمين العالم بسرائر القلوب الذي لا تخفى عليه خافية في السموات و الارضي
​​
ن آمين رب العالمين .

 

--
مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني


كما يمكنكم متابعتنا على كل من 

@ في رحاب السيرة النبوية الشريفة

في رحاب السيرة النبوية الشريفة

                    

مقتبس من سلسلة إعرفوا الحق تعرفوا أهله الجزء الأول

لسماحة الأستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني

في رحاب السيرة النبوية الشريفة


تمر البشرية في طي تأريخها الطويل بليالٍ عصفت بالخلق الكريم إلى هوة كادت أن تمسخ هوية هذا الكائن الذي ما خلق إلا من أجل غاية تفوق الملائكة قدرا وماكان ليحدث ما حدث من رأي أو فعل تندى لهما جبين الإنسانية لو عاش البشر حياة التأسي بعظماء الخلق كالأنبياء وأوصياءهم الكرام.

فنحن اليوم بأمس الحاجة إلى دراسة معمقة في أبعاد السيرة النبوية لسيد الكائنات محمد (ص) لنلقي الأضواء من خلالها على مناهج الرشاد علما وعملا لنستعيد بها هوية السلام التي كادت أن تندرس في هذا العصر من بعد ما انبهر العقل البشري بظاهر من الحياة الدنيا فأخلد إلى الأرض ظانا بأن الغاية المنشودة من خلقه تحصل سراباً بأعين أبناءها من بعد ذهاب ربيع الأيام ومن الواضح عند التأمل أن ما يعاني منه المسلمون اليوم من التخبط والانهيار في أغلب مجالات الحياة لا يكمن فقط في جانب الغزو الخارجي لنعلل به الانهزام والانحطاط الذي نعيشه اليوم بل لابد وأن نبحث ذلك بكل دقة أولاً وبالذات في عوامل البعد الخارجي لمجتمعنا المسلم عن مسيرة الكمال التي جاء بها  الرسول محمد (ص)ليأخذ بنا إلى تراث الأنبياء الخالد الذي به ضمان سعادة الدارين وإلا فنقد حضارة الغرب بلا بديل يضمن للأمة مجدها قد لا يكون سوى منهجا خطابيا و شعريا كما وأنه بات الأمر من الواضح أنا نعيش في زمن لا يمكن فيه حسم الامور بأحكام تكليفية وها نحن نعيش هجمة ثقافية في عقر دارنا ربما لبت لها الكثير من رغبات النفوس ولو في ميادين الرغبات الحسية أو عالم الوهم والخيال حيث ضاعت عندها الكثير من المقاييس الحقة أو التي هي أولى وأجدر بالأخذ لسبل الرقي والكمال فالكفيل بخروج الأمة من مأزقها ومحنتها التي عمت كافة أبعاد الحياة فانهارت عندها القيم المادية والمعنوية معا هو أن تقر الأمة مرة ثانية ببواطن ضميرها بأنها لابد وأن تكون لها الأسوة برسول الله (ص) ثم تحاول الجهد من وراء ذلك للمس الأسباب التي أدت إلى الإنهيار ثم السعي بعد ذلك للتخلص من هجمة أجنبية بعد وجدان البديل الضامن للمجتمع سعادة الدارين لأنه ربما كان الكثير من دواعي الانهيار كامنا وراء تفسيرنا الخاطئ لمناهج الإسلام القويم من بعد ما ابتعدنا عن مسلك الشرع أحقابا من الزمن سواء في ذلك تفسيرنا للكتاب المجيد أو السنة النبوية المتجسدة بسيرة إثني عشر نقيب هم مظاهر العلم والعدل والملاذ الذي يردّ الأمة عند اضطراب الأهواء إلى الله تعالى والرسول (ص)حيث قال تعالى :(فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول)النساء 59 فإذا لابد من دراسة حياة المعصومين للتوصل إلى معرفة الكتاب والسنة ولابد أن تكون دراسة السيرة النبوية في كافة مجالاتها المختلفة المادية والمعنوية على أيدي أهل الاختصاص لتكون مترامية الأطراف يأخذ كل بحّاثة على قدر ما لديه من القابلية ما هو من شؤون اختصاصه في المقام فهذا يبحث الجانب الأخلاقي وذاك يبحث الجانب الإقتصادي وثالث الجانب النفسي وهكذا بقية الجوانب المختلفة من العسكرية والسياسية والمعنوية في ميادينها الإلهية فرسول الله (ص) مجمع الكمال وقد أوتي جوامع الكلم فهو القرآن الناطق ومن أراد الخلق الكريم عليه أن يعيش حياة أكبر رائد في عالم الإمكان لقوله تعالى:(قد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)وقال تعالى :(وإنك لعلى خلق عظيم)وقال هو صلى الله عليه وآله(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)و قال علي عليه السلام مخاطبا لولده الحسن عليه السلام: واعلم يا بني أن أحدا لم ينبئ عن الله سبحانه كما أنبأ عنه الرسول (ص) فأرض به رائدا وإلى النجاة قائدا ومن المسلم أن الأنبياء قادوا أممهم وبالأخص الرسول محمد (ص) إلى قمم الكمال والعز حيث جعلهم خير أمة أخرجت للناس لو استقاموا على الطريق ولم ينقلبوا على الأعقاب لكن بلوغ الكمال والسعادة بواسطة الكتاب والسنة رهين معرفة ترسم الشرع بأبعاده المختلفة بما للكتاب والسنة القطعية من دلالة بعيدة عن أهواء الرجال ثم البحث عن صحة أسانيد الأخبار بعيدا عن الأخذ بها مطلقا لقاعدة التسامح في أدلة السنن في بعض مواطن الأحكام وإلا فقد ورد عن الإمام علي عليه السلام أنه قال:(وقد كذّب على رسول الله (ص) في عهده حتى قام خطيبا فقال من كذب علىّ متعمداً فاليتبوء مقعده من النار)ولا ننسى المنافقين الذين انحلوا في المجتمع الإسلامي بعد وفاة الرسول (ص)ليومنا هذا راحوا يوجّهون ويحرّفون الكلم عن مواضعه حتى فتحت الأبواب لكثير من الدخلاء على العلم والمعرفة ليفسروا الكتاب والسنة طبقا لأهواءهم عن عمد أو جهل بعيدين عن مناهج العلم غافلين عن جمع الدلالات بالعام والخاص والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه وأن القرآن يفسربعضه بعضا وأن الأخبار لابد وأن تعرض على الكتاب والسنة القطعية وقد بذل أوصياء الرسول (ص) الجهد الشديد لحفظ السيرة النبوية حيث جعلوا الكتاب المجيد هو الملاك الذي يجب أن تعرض عليه جميع الأحاديث ليكون المخالف للكتاب مردودا وأن يكون الكتاب والسنة القطعية هما الملاك لتمييز الحق من الباطل ليكون غير ذلك زخرفا من القول يضرب به عرض الجدار ومن جملة ملامح السيرة  النبوية كأصول تذكر في المقام وإن كان كل مفردة منها تحتاج إلى دراسة وبحث واسع النطاق هي المساوات والعدل والحرية والشورى والدعوة لطلب العلم حيث يكون به العز والكمال والخشية من الله سبحانه وتعالى والابتعاد عن مناهج التقديس المستندة إلى قوة الوهم والخيال البعيدين عن واقع السيرة النبوية المبتنية على العلم والعمل الصالح ورسم المعايير التي بها يتمكن المسلم من تمييز دعاة الحق عن الباطل والدعوة إلى الاتزان في كافة مجالاة الحياة حيث لا تكون رهبانية ابتدعوها ولا يهودية منغمسة في حضيض عالم المادة باسم الشرائع السماوية والسعي في ميادين التزاحم للأخذ بالأهم على الرغم من ملاك المهم والإقدام على القبيح عند دوران الأمر بين محذورين فرارا من الأقبح إلى القبيح حيث لا مفر عنهما ليعيش المسلم روح المقاييس والاختيار للإصلاح أو الأقل ضررا وكذا حياة المواساة والمحرومين ومعالجة المجتمع قبل الدليل والبرهان بالخلق الكريم والقيم الرسالية العليا كما عالج به الرسول (ص) الأمة والعمل بالعدل والإحسان حيث يكون بالعدل استقامة الأمور وبالإحسان امتلاك القلوب والهجرة عند لمس الخطر بعد كافة الأصحاب والتسابق إلى ميادين الجهاد حيث يقول علي (ع) : كنا إذا حمي الوطيس لذنا برسول الله صلى الله عليه وآله، وهكذا مئات المناهج الحقة والسيرة المشرقة التي لكل مفردة منها كتاب كريم.


--
مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني


كما يمكنكم متابعتنا على كل من 

@ سلسلة سيرة المتقين المقالة الأولى في سيرة علي عليه السلام

سلسلة سيرة المتقين

المقالة الأولى بدءا بسيرة علي عليه السلام


تتجلى معالم الحق والعدل بمن هم كلمات الله التامات وقرآنه الناطق ليكونوا أسوة لمن شاء الى ربه سبيلا ومن جعل الرجال او النساء او الصحابة او العلماء موازين يعرف بهم سبل ربه عاش الضياع لأنه من الواجب عقلا وشرعا أن يزن طالب الحق  الناس بموازين الله تعالى فمن تطابق سيره وسلوكه مع من جعلهم الله ميزانا كان محقا وإلا كان مبطلا ولذا قال علي (ع) : ( إن الحق لا يعرف بالرجال إعرفوا الحق تعرفوا أهله) حينما إلتبس على الأمة صراط الله المستقيم وراحت لترى الحق في وجوه الرجال جهلا ولذا رأيت من اللازم تنبيه طلاب الحق ما يجب من بيان لمسالك ربهم حتى لا تختلط عليهم الأوراق فيعيشون الأخطاء بإسم الدين.

فأقول مقدمة قبل التعرض لسيرة المتقين إن التقليد للفقهاء إنما هو في الأحكام الشرعية الفرعية فقط كبعض فروع الصلاة وبعض أحكام الحج او الصوم مثلا وليس التقليد في المسائل العقدية _العقائدية_ ولا السياسية ولا الإجتماعية التي هي من وظائف الناس او هي أمور ترجع الى الشورى و حرية الرأي ليسعى الناس سعيهم بعد معرفة شرع الله لتمييز الصالح او الأصلح.

والآن نتعرض لسيرة المتقين ليعرف أهل الحق هل ما يجري اليوم على الساحة في البلاد الإسلامية يتناسب مع هذه السيرة العطرة لأولياء الله تعالى ليكون حقا أم أنه لا يتناسب معها ليكون باطلا و إن تلبس بلباس الدين حيث أنه لطالما تلبس الباطل ملابس الحق وكم قد ظهر النفاق بلباس الزهد والتقوى و نبدأ هذه السيرة بسيرة علي (ع) حيث يقول في عهده لمالك الأشتر رضوان الله تعالى عليه حينما ولاه مصر : (إشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بالإحسان إليهم ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق…._الى قوله (ع) .. فإعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه_الى قوله(ع)_ ولا تندمن على عفو ولا تتبجحن بعقوبه_الى أن يقول_… ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده…_ثم يقول_ إن الله يسمع دعوة المظلومين وهو للظالمين بالمرصاد) ويقول أيضا في موطن آخر (و إياك والدماء وسفكها بغير حلها فإنه ليس شيء أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى لزوال نعمة و إنقطاع مدة من سفك الدماء بغير الحق والله مبتديء بالحكم بين العباد فيما يتسافكون من الدماء فلا تصونن سلطانك بسفك دم حرام _ثم يقول له مخوفا إياه من غضب الجبار_ وعما قليل تكشف عنك اغطية الأمور ويبرز الجبار بعظمته فينتصف المظلومون من الظالمين) وهذا الخطاب لعلي عليه السلام لمالك الذي يقول في حقه (كان لي مالك كما كنت لرسول الله) ويقول أيضا (عقمت النساء أن يلدن كمالك) ويقول (على مثل مالك فلتبكي البواكي) ويقول عليه السلام في موطن آخر (فإن هذا الدين قد كان أسيرا بأيدي الأشرار يعمل فيه بالهوى وتطلب به الدنيا) كما وأنه يقول (إني سمعت رسول الله (ص) يقول في غير موطن لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع).

فالموازين هي الحق في دار الدنيا والآخرة.

وقال (ع) في أيام خلافته (أأقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر ولا أكون لهم أسوة في جشوبة العيش) وهو (ع) أول من فسح المجال لمعارضيه لإبداء الرأي ولم يأخذ أحدا بالبيعة لا حبسا ولا ضربا فضلا عن القتل الذي كان منهجا جاريا بإسم الدين ولم يقطع أعطيات معارضيه حتى بالنسبة الى الخوارج القساة الغلاظ ولم يستخدم معهم الشدة على الرغم من أنهم كانوا تجاوزوا الحد بتكفيره وقطع الخطب عليه وقد أمر بعدم التعرض لهم ماداموا لم يقطعوا سبيلا ولم يقتلوا أحدا ولم يمنع من تجمعهم بل فسح المجال لمن أراد الإلتحاق بهم فراحوا ليجمعوا العدد والعدة والسلاح ولولا أنهم قطعوا السبل وإعتدوا حتى على الحوامل لما حاربهم ومع كل ذلك لم يبدأهم بالحرب كما صنع ذلك أيضا مع أهل البصرة حتى قتلوا العديد من أصحابه الذين تجاوز عددهم ستمائة رجل بل بلغ بهم الأمر ان قتلوا رسله وما منع الخوارج من مساجد الله ولم يحكم عليهم ولا على غيرهم بالكفر كما كان منهجا لمن تقدم عليه ولم يبح لأحد من جنده أن يأخذ درهما من أهل البصرة بعد فتحها بل قال من أخذ درهما من أحد اقمت عليه حد الله , كما و أنه فسح المجال لمعارضيه للإلتحاق بالمعارضة في الشام وقال لإحياء الحق والعدل (أفضل الجهاد كلمة حق _اوعدل_ عند سلطان جائر) فكان همُّ علي (ع) وضالته المنشودة تطبيق العدالة مهما كلف الأمر ليرسم بذلك للأجيال خطى الرسالة ومناهج الأنبياء الكرام فلم يتخط ذلك وإن كلفته خلافته وراح ليفقد الكثير من أنصاره حتى جائه من هو من المقربين ناصحا ظانا أن سبيل الحكم لا يعرفه علي (ع) وهو الترغيب والترهيب الذي يعرفه كل حاكم فأبى عليه السلام أن يداهن او يساوم او يعمل الموازنات السياسية لتقوية الحكم على حساب الدين والإنسانية.

وقد كان يسد جوعه بكسرة خبز يابسة ليصبح الحاكم قدوة للناس فكان يعيش أقل الناس وأضعفهم وكان يقول إن الله فرض على أئمة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس لكي لا يتبيّغ بالفقير فقره , وقد ورد في الأحاديث ان جماعة من اصحابه أتوه فقالوا يا أمير المؤمنين فضِّل بعض الأشراف والسادة من قريش و العرب على غيرهم من الموالي والعجم كما صنع ذلك من هو من قبلك ولا تعزل ولاة عثمان إلا بعد أخذ البيعة منهم وابقائهم سنة ثم يكون العزل اصلح فقال علي (ع) أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور؟! لا والله لا أفعل ما طلعت الشمس وما لاح في السماء نجم والله لو كان المال لي لساويت_واسيت_ بينهم فكيف و إنما هي أموالهم).

وقال عليه السلام رحم الله إمرءا رأي حقا فأعان عليه او رأي جورا فرده وكان عونا بالحق على صاحبه فقد بذل (ع) ما بجهده على ضرب أركان الطبقية التي ابتدعها الخليفة الثاني في الإسلام حيث كان التقديم على عهده على أسس القبلية والحسب والنسب وقد ألغى (ع) التقريب بتولي المناصب حتى بواسطة عنوان الصحبة والسابقة في الإسلام إلا ما رجع منه الى الكفائات.

وحينما اعترض عليه طلحة والزبير حينما جعلهما في العطاء كسائر الناس قائلا ماذا كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي؟ قالا إنك جعلت حقنا في القسم كحق غيرنا وسويت بيننا وبين من لا يمائلنا فقال عليه السلام لهما أما ماذكرتما من أمر الأسوة _اي التسوية في العطاء وتوزيع المال بالسوية بين الناس_ فإن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي ولا وليته هوى مني و إنكما لتعلمان أنه سيرة رسول الله (ص) أسيرة رسول الله خير ام سيرة عمر؟! فليس لكما والله عندي ولا لغيركما في هذا عتبى .

ولبيان سيرة علي (ع) والعدل تتمة ستأتي بإذن الله وتتأتي من بعدها الإشارة الى ما يعمله حكام المسلمين من أعمال بإسم دين الله تعالى لنرى هل تنطبق هذه الأعمال وشرع الله تعالى أم أنها اهواء ونهمة على حب الدنيا والزعامات والحمدلله رب العالمين


--
مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني


كما يمكنكم متابعتنا على كل من 

@ حضارة الاستبداد

حضارة الاستبداد

حضارة الاستبداد وتفسير النصوص الشرعية بتبع الهوى من قبل وعاظ السلاطين لمرضاة الظالمين المضيع لقيم الحق وموازين العدل وعقلية الانزواء والتخلي عن المسؤولية التي اوصلت عواصم العلم الى الصمت المطلق بأزاء ما تعاني الشعوب من ظلم حكامها وعدم اهتمام الشعوب بمعارف الشرع القويم حينما اصبحت تاركة ما أومرت به من قبل رائد السلام الرسول الاعظم (ص) حيث قال : (إعرفوا الحق تعرفوا أهل ) كل ذلك ساق الأمة الإسلامية طيلة القرون لتصبح فريسة بأيدي الظالمين, لكنّ تجاوز الحدود في الظلم وتنامي الوعي وصيرورة العالم كقرية واحدة على الرغم من كل الجهود المبذولة للتعتيم من قبل أصحاب المصالح , يشير الى مطلع عصر جديد بدأت بوادر اعلامه النيرة تلوح في الأفق , وإن كان على الامة أن تعيش الحذر لكي لا يركب الموجة المتربصون بهذه الأمة ذوو الاوجه و الالسن المتعددة من المنافقين وبيعة الشعوب وهو ما أضاع الكثير من الثورات في العالم سواء المعاصرة منها او القديمة حيث راحت الشعوب لتجد انفسها بعد جسيم التضحيات وكسر القيود مكبلة بأيدي قوم آخرين كانوا بالأمس يذرفون دموع التماسيح على الفقراء والمساكين والبائسين وهم قد أصبحوا اليوم فراعنة جبارين كما ولهم على طول التأريخ الكثير من الأشباه وعندها تختلط العَبرة بالعِبرة لدى الشعوب ويتبدل الأمل باليأس قبل أن تنفض الأمم والشعوب عن الوجوه غبار الأدران وتغسل دماء الأشجان , عندما تطبق الآيات والروايات على كل من لم يرض لنفسه أن يكون كما تشاء الحكّام مواطنا مثاليا لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم كما هو المسموع والمقروء عن تأريخنا المظلم الماضي والمشهود الملموس الحاضر .

فهذا يجعل الأمة بعد التمكن من رقابها مشمولة لعنوان شرذمة خائنة من العملاء يجب ان يُخْمِد انفاسها خوفا على مصلحة العباد والبلاد وذاك يطبق عليها عنوان المفسد في الأرض وثالث يعطي نفسه القابا بما يتماشى والزمان والمكان شرعية كانت او عصرية بما لها من بريق الحداثة ليتمكن من خلالها من نهب الشعوب وضياع الحقوق ورابع راح ليغمض الطرف عن الحكام وظلمهم وجرائمهم وقتلهم لشعوبهم وتماديهم في إضاعة الحقوق حتى الاولية المسلمة منها التي هي من لوازم الحياة الكريمة لكل شعب غير مختش ولا مبالٍ بالخالق ولا المخلوق ليفسر الآيات والروايات ويطبّقها حيثما شاء ويوجه الأحداث بما يتماشى ومصالح الحكام ناسيا أو متناسيا العلل التي تدفع بالشعوب البائسة المضطهدة على الرغم من خوف البطش ان تصرخ بأعلى صوتها في الشوارع و الأزقة : كفى أيها الحكام ظلما ومكرا وكبرا وطغيانا .

اللهم انصر الشعوب المضطهدة على حكامها الجائرين وعجل بظهور وليك الاعظم الحجة بن الحسن العسكري (عج) فإنه لا منقذ ولا مخلص للأمة الإسلامية بل للامم المحرومة المضطهدة إلا ذلك الرجل العظيم الذي هو وارث النبيين وعِدل القرآن الكريم إنك على كل شيء قدير.


--
مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني


كما يمكنكم متابعتنا على كل من 

@ تحت ظلال السنن

تحت ظلال السنن

 

نشرت هذه المقالة في جريدة النبأ

 

من السنن الإلهية الحقة بعث الأنبياء للأخذ بأيدي الخلائق نحو الكمال ومكارم الأخلاق لطفاً من الله تعالى بحال العباد، كما وأنه تعالى أخذ على نفسه لطفاً بحال العباد أيضاً حفظ الشرائع من الإفراط والتفريط والزيادة والنقصان على أيدي أوصياء الرسل لتصبح الرسالات السماوية حضارة للأمم طيلة حياة اثني عشر نقيبا وذلك لأن الموزاين لو وقعت بأيدي أئمة الجور والضلال ضاعت السنن واندرست الشرايع ورسمت طبقاً للميول والأغراض والشهوات فهناك ثلاثة أشواط تقطعها كافة الشرايع السماوية
الشوط الأول: منها يتكفله الأنبياء وهو أخذ الوحي وبثه على وجه الأرض وقد أخذ الله تعالى على نفسه في هذا المطاف رحمة بحال العباد أن يرفع عن طريق الأنبياء جميع السدود التي تكون سبباً لمنع انتشار دعوتهم وبسطها على وجه الأرض حتى تضرب الدعوة أركانها وتبلغ مسامع العباد وتقام الحجج على الخلائق، ولذا ما جاء نبي من أنبياء أولي العزم إلا وقد كلّله الله تعالى بالنصر المبين في آخر المطاف وذلك واضح لمن قرأ حياة الرسل وعايش تاريخهم من نوح (ع) إلى الخاتم محمد صلى الله عليه و آله 
فإنه تعالى إذا وجد المؤمنين في أي مقطع من مقاطع بث الرسالة ونشرها عاجزين عن دعمها رفع كل سد أمامهم أباد كل جبار وطاغوت كما صنع بالنسبة لنمرود وفرعون وكسرى وأبي جهل وأبي لهب وذلك لأنه بعدم بسط الرسالة على وجه الأرض تنتفي الغاية من بعث الرسل عليهم السلام

فبالنبوات تتميز الحق عن الباطل وضرب أوتاد الشرايع على وجه الأرض وقد نصر الله أولي العزم من الرسل على طول التأريخ بعد تمحيصهم بالبلاء وجعل الطواغيت تتساقط صرعى أمام ضربات جند الحق بل جعل كل شيء يسعى لدعم الشرايع من أوتار العنكبوت إلى الملائكة المسومين

الإيصال إلى الكمال
ثم يأتي دور الشوط الثاني لأبعاد الرسالات السماوية وهو جعل الرسالات حضارة للأمم لو شاءت الأمم الحياة على أيدي أوصياء الرسل بشرح بطون الرسالة وأبعادها المختلفة بداية بأسسها الفطرية ومرتبة أحكامها وموازين عدلها وإحسانها ونهاية بقممها العليا الموصلة للفناء في ذات الله تعالى التي لا يمسها إلا المطهرون من الخلق بزكاة نـــفوسهم وخلوص عملهم سير عروج يتسابقون إلى سوح لقاء الله تعالى يتباشرون بقرب جوار ربهم.
فأين هذه المراتب بقمم عليائها من أمة تتنازع سلطان محمد (ص) أو دخلت أفواجاً أفواجا إلى الشريعة تلبّي نداء منتصر فتح الحصون ودك معاقل اليهود والمشركين وهي بنفسها قد نسبت له بالأمس شتى النسب من السحر حتى الجنون حينما كان ضعيفاً يكابد الجوع ويتحمّل الأذى في شعب أبي طالب

أجل قد أراد الله تعالى بعد النبي(ص) أن تعيش الأمة باختيار منها حضارة إسلامية علماً وعملاً تحت ظل قيادة اثني عشر نقيبا حتى ترتفع الناس من حضيض الجاهلية ورواسبها إلى المثل العليا ومكارم الأخلاق وهو الأمر الذي يحتاج إلى سير متواصل ضمن حياة اثني عشر نقيب فبالأوصياء في الشوط الثاني حفظ الرسالة من التحريف وشرح البطون السبع والسبعين التي هي إشارة إلى اللانهاية في الكمال حتى يتجسّد واقع السلام والكمال على أيدي حملة الرسالة وهم المسلمون ويصبح حضارة واقعية تعيشها الأمة لتحفظ من الانقلاب على الأعقاب بعد رحيل الرسول الأعظم (ص) فبهذا الشوط إذن إيصال الدعوة بما تحمل من البطون والأبعاد الرسالية إلى أذهان المجتمع ليبلغ كل إنسان كماله المطلوب بما لديه من القابلية والاستعداد

تطبيق الرسالة
ثم يأتي دور الشوط الثالث المتأخر رتبة عن الشوط الثاني المتزامن معه جرياً في نفس الأمن الواقع وهو مرحلة تطبيق الكبريات وموازين الحق على مصاديقها وموارد انطباقها حتى لا تخلط مصاديق الحق بالباطل وإمام العدل بالجور وصبر الكرامة بالذل والهوان وصلح الرفعة بالاستسلام والجبن والإمام بالمأموم والعالم بالجاهل والمحكم بالمتشابه والقائم بالحق على إمام جائر بالباغي الخارج على إمام زمانه ومئات الكبريات الأخرى التي شوّهها الجهال الناسكون والعلماء الماكرون حتى أصبحت شريعة يقتدى بها على طول مسيرة التأريخ مع حفظ إطارها ونسف مبانيها ومحتوياتها، فبتطبيق الكبريات على الصغريات تحفظ الشريعة من الإفراط والتفريط والميول الشخصية

أجل الكتاب المجيد هو شريعة الكمال التي بها العروج إلى لا نهاية الحق تعالى والرسول (ص) هو الأسوة لتتميم مكارم الأخلاق فهو القرآن الناطق وأوصيائه رسّام لوحة الكمال بأبعادها العلمية والعملية الذين يكون على أيديهم تربية الأمة طيلة عشرات السنين ضمن حياة اثني عشر نقيب حتى يعجن الكمال وعظيم المعارف مع روح المجتمع وتطبّق الرسالة تطبيقاً عملياً بأبعادها المختلفة بإقامة الحكم الإسلامي نظاماً يرسم كافة جوانب الحياة فالشوط الأول إذن هو دور الأنبياء والثاني والثالث هو دور الأوصياء وإن احتاج التطبيق إلى طلب من الأوصياء بواسطة الأمم حتى يطبّقوا لهم الشرع باختيار منهم لكي لا تخرج الدنيا عن كونها دار اختيار واختبار وإلا لكانت بعثة الأنبياء منافية للغاية التي خلقت الدنيا من أجلها لأنه تعالى أقدر القادرين على تسليط أوليائه على وجه الأرض كما سلّط سليمان (ع) ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة تسير الصراط المستقيم

اختيار القيادة

ومن السنن الإلهية كون الإمامة تعييناً لا تحكيماً من قبل الحق تعالى وأنبيائه الكرام تقدم أن قلنا أن الله تعالى أراد الدنيا دار اختيار واختبار فهي مختبر العقول ليمتاز بها الإنسان الذي شرفه الله تعالى بما يحمل من القابليات والاستعدادات عن غيره بجهاده الأكبر مع النفس والأصغر في ميادين الخارج ليميّز بسلامة الفطرة والعقل راية الحق من بين آلاف رايات الضلال ومصباح الهدى في دجى الظلمات وقد قال تعالى:( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين). ولو سلّط الله تعالى أوليائه على وجه الأرض لخرجت الدنيا عن كونها دار اختيار واختبار وعليه فلا تتحقق الغاية من جعل الأرض جسراً به نعبر إلى منازل الآخرة

نعم شأن اللطف الإلهي هو جعل رجال صالحين راسخين في العلم وهم الأوصياء الذين يشرحون بطون الرسالات ويطبّقونها على الأمة لو شاءت الأمة حياة عدل تحت راية أئمة الهدى لكن ليس معنى ذلك بأن يجبر الله تعالى الأمم على قبول الحق والسير تحت ظلال راية إمام عادل بل هذا من وظيفة الأمم بأن تأتي طائعة تطلب من رجال الحق تطبيق الموازين وإلا خسروا أنفسهم ولذا نشاهد الرسول (ص) والكتاب المجيد بكل جد يعرّفان الأمة بأن هارون هذه الأمة هو علي (ع) وإنه الولي الأعظم بقوله تعالى:( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) وأنه باب مدينة علم النبيين وانه لا يبلّغ عن رسول الله (ص) إلا هو أو رجل منه ومئات الأدلة الأخرى، من النقل كتاباً وسنة ومن العقل الصريح لو لم يشب بحجب متابعة الآخرين ولكن الرسول (ص) وكذا الأئمة (ع) لم يخططوا لقبض أزمة الأمور لأن ما كان من شأن اللطف رسالة وبياناً قد تم من قبل الحق وأوليائه لطلاب الحق وأما التطبيق على النفس فهو شأن الأمة فإنها لو جاءت وطلبت ذلك من أوصياء الرسل لطبّقوا ذلك لها وإن هذا السير لواضح لكل من اتبّع سيرة الأوصياء بعد الأنبياء لأن اختيار القائد للأمة شأن من شؤون الأمة وإن وجب عليها طبقا لمنهج الرشاد وأوامر الحق تعالى أن تختار خلفاء الرحمن ومظاهر الأسماء والصفات الإلهية بعد الرسول الأعظم (ص) ولكن عدم التخطيط لقبض أزمة الأمور ليس معناه العزلة والسكوت بإزاء ما يجري باسم الدين بل كان كل إمام على الرغم من ظروفه القاسية يبيّن الحق ويشرح بطون الرسالة ويرشد إلى الصواب في مواطن التطبيق وينذر مغبة الأخطاء ويندد بكل منكر يجري على اختلاف مراتب الإنكار ومواطن التقية ولذا كانوا دائماً يعيشون مرارة العيش والسجون والقتل من قبل طواغيت الأرض فمسألة الغدير وعشرات الحقائق الأخرى إنما كانت حجج حق تقام على البشرية لكي تحيى النفوس أو تهلك عن بينة وبالجملة فما هو من الألطاف الإلهية بعثة الأنبياء وجعل الأوصياء من بعدهم وليس من وظيفة الحق تعالى تحكيم الأوصياء ولا من وظيفة الأوصياء أن يخططوا لقبض أزمة الأمور وإنما وظيفتهم شرح بطون الرسالة وبيان كيفية تطبيقها والتنديد بما يجري من الباطل باسم الحق وكان هذا هو السبب لمواجهتهم مع طواغيت عصرهم

نعم كل وصي لو طلبت منه الأمة التطبيق والقيام بالأمر لقام به كما قال علي (ع) في خطبته الشقشقية أما والذي فلق الحبة وبرء النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز

فطرية التوحيد
ومن السنن الإلهية المودوعة في فطرة البشر الإقرار بوجود الصانع فإن كل من تأمل تاريخ الأديان سيجد الإقرار من الأمم بوجود الصانع والموجد لهذا العالم لبداهة احتياج الممكن إلى المؤثر والعلة وكون المنكر له شاذاً كالزنادقة

فإن كانت هناك اختلافات بين الأمم فإنما هي في مرتبة الربوبية والتدبير لعالم الإمكان أو الطبيعة ولذا كانت كلمات مشركي قريش صريحة حينما يسألون عن سبب عبادة الأصنام قائلين: لتقربنا إلى الله زلفى، فإذن ما كانت قريش منكرة للصانع والموجد بل إنما كان نزاعهم مع الرسول الأعظم (ص) في مرتبة الربوبية فهم ليسوا كالملحدين في يومنا هذا، بل أقول من راجع بقية الأديان حتى الفرس القدامى على الرغم من كونهم كانوا يعبدون إله النور أو الخير، فإن الباحث سيجد عند التأمل كلماتهم صريحة بالإقرار بوجود الأهرومزدا وهو الصانع وليس التعدد المنسوب إليهم في هذه المرتبة بل قالوا بالتعدد في مرتبة الربوبية للعالم حيث قالوا باليزدان وهو إله الخير والأهريمن وهو إله الشر وكأنهم انحرفوا عن صواب الطريق جهلاً لعدم فهم العامة لمثل أرباب الأنواع والمثل والمدبرات أمراً

لكن لعل قائلاً يقول لو كانت قريش لم تنكر الصانع وكذلك المجوس فَلِمَ شدّد الأنبياء الهجمة على أمثال هؤلاء وتركوا الزنادقة والطبيعيين وهم أقبح مسلكاً من المشركين في مقام الربوبية فأرجو التوجه ها هنا إلى مطلب وهو أنه دائماً وأبداً الأمر الذي يناقض الفطرة بصراحة من القول لا يقابله الأنبياء بكل الشدة والصراحة بل يرشدون إلى الخطأ ليعود الإنسان إلى سلامة فطرته ومحكم عقله لأنه أمر ينتقض بنفسه لمناقضته للفطرة لكون الفطرة قاضية لولا الحجب بوجود صانع مبدع لعالم الإمكان وكل إنسان مهما بلغ من الطغيان والجبروت يقرّ بالفطرة في أعماق ضميره ولو حينما تنقطع به السبل من جاه ومقام وعشيرة وعدد وعدة وترتفع عنه حجب الظلمات، فنجد حتى فرعون يقول آمنت برب موسى بل كل إنسان يقرّ بواقع الفطرة كما قال تعالى:( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين) ومن موارد إنكار الفطرة ما دعت إليه بعض فرق النصارى من الزهد والرهبنة الموصل إلـــى الدعوة إلى ترك الزواج ومن ذلك ما دعت إليه الاشتراكية الشيوعية من إنكار الصانع ودعوى كون الإحساس بالاختصاص والملكية أمرا يمكن التخلص منه ببلوغ فردوس الشيوعية فإن مثل هذه الإدعاءات لمّا كانت مناهزة للفطرة البشرية انهارت أسسها بنفسها على الرغم من سلطان الشيوعيين الدموي ولم تستمر حتى لقرن واحد

فليس الخطر يكمن في مواطن إنكار الفطرة بل إنما هو دفين في ربوع تحريف الحقائق وهو تلبيس الحقائق بالشبهات أو الانحراف عن الطريق مع بقاء ظاهر الموازين، فههنا حصون الشياطين ومعاقل الماكرين وميادين ملاعب خيل الجائرين فلذا نشاهد القرآن المجيد والنبي (ص) وجميع المناهج الإلهية تضرب بيد من حديد على معاقل المشركين لأنها تحريف للمنهج التوحيدي والصراط المستقيم مع بقاء إطاره الظاهري الصوري فالمشركون والمجوس والمنحرفون من أهل الكتاب قابلهم الــرسول بأشد ما يفرض من التقابل والجهاد لأنهم تحريف وتدليس للأصول الثابتة، من أنه لا يؤثر في الخلق سوى الله تعالى فالشرك والثنوية خطر عظيم لأنه تشبيه للحق بالباطل

ولنأتي إلى المرحلة الثانية من التحريف وهو الانحراف في داخل الهيكل الإسلامي لنشاهد الإسلام كيف قابل الذين انحرفوا وكانوا جرثومة فساد في داخل الهيكل الإسلامي وهم المنافقون. أجل قد ركعت صناديد قريش وجبابرة الفرس والروم صرعى أمام ضربات المجاهدين لكن الأمة الإسلامية سقطت شهيدة عند أعتاب المنافقين لما أصبحوا جزءا من الهيكل الاسلامي من بعد ما كانوا في عهد رسول الله (ص) فرقة متميزة قد أعلن الجهاد المتواصل عليها الرسول الأعظم فيقع التساؤل ههنا من أنه هل انتهت جبهة المنافقين  واصبحت في داخل الهيكل الإسلامي أو انتهت عند وفاة رسول الله (ص) أو تزعمت أو تصالحت مع الفصائل الإسلامية لجعل القيم الرسالية قشوراً بلا محتوى وجسداً بلا روح حتى تمهدت الفرص لضرب أسس الشريعة ظاهراً وباطناً على أيدي أمثال يزيد بن معاوية وأمثاله على طول التاريخ ولذا نشاهد الإمام علي (ع) بذل قصارى جهده لإرجاع المياه إلى مجاريها الرسالية وتطبيق الموازين على مواطنها الخاصة من بعد ما ابتعدت وتشبّه الباطل بالحق وفسّرت الكبريات تحت ظلال السيوف تبعاً للرغبات والأهواء ولم يسع لتوسعة نطاق الحكم بل أراد أمة تكون أسوة لحمل قيم الرسالة تقتدي بها الأمم كما هي مسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمخوف في عصرنا الحاضر هو تحريف الـــموازين مع حفظ إطارها الظاهري وتلبيس الباطل باسم الحق والجهل باسم العلم والظلمة باسم النور والظلم باسم العدل والكفر باسم الإيمان وتردّى الجائرين والمنحرفين رداء الصالحين والمتقين والعمل بالأهواء تحت لواء سيّد المرسلين (ص) وأوصيائه المعصومين عليهم أفضل الصلاة والسلام

 


--
مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني


كما يمكنكم متابعتنا على كل من 

@ تأملات في مواطن الشهود

تأملات في مواطن الشهود


بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد وآله الطبين الطاهرين.

وبعد فإنه لابد من السير والسلوك بعيدا عن التبعية والتسليم لكل ما قيل او يقال لشهود الحقائق بقدر المستطاع , تلك الحقائق النيرة التي راحت لتسدل عليها حجابا حوادث الدهور و تراكم صفحات الأيام والسنين وظلمات الليالي و إجتهادات الرجال سواء كانت ناشئة عن قصور او تفسير للحقائق بتبع الهوى حيث أن لهذه الأسباب وغيرها التأثير البالغ لفهم الكتاب والسنة وسيرة المعصومين عليهم السلام.

لأن مما بات جليا أن كل إنسان على قدر سعة عقله و سلامة فطرته وما للزمان والمكان والحضارات من تأثير ينظر الى الحياة و يقرأ التاريخ و رسالات السماء.

و نحن لا ندري كم من تأثير كان لهذه العوامل على فهم الشريعة التي وصلت بأيدينا و لذا كان على كل طالب حق أن يُمعن النظر بنفسه إن كان أهلا لذلك ليعيش الشريعة على جميع أبعادها الثلاث كتابا وسنة وسيرة بعيدا عن هذه الغشاوات والحجب حتى لا يستلم موروثا قد كبلته قيود الزمان والمكان و الأهواء والتقاليد و قد يكون في ضمن ذلك ما لا أصل له مما قد أصبح من المسلمات.

فالبدوي الأمي قد ينظر الى الحياة نظرة تختلف بكل مقاييسها و أبعادها عما يراه الحضري المثقف وإن كان كل منهما يحمل روح الإيمان.

و إذا كان محمد (ص) يدعو ربه أن يرى الحقائق كما هي فما هو حالنا نحن و نحن نعيش شرع الله بما له من البطون والأبعاد و الأسرار والخفايا التي تحتاج الى قدر ما من الحرية في الرأي و الإبتعاد عن التقاليد الموروثة و هذا مما يدعو طالب الحق أن يبتعد عن روح الكبر الذي قد يسوق الى الجهل المركب او الى الجزم الذي قد تكون مناشئه التقليد تحت مسميات الإجتهاد و لذا أقول أولا وقبل كل شيء لابد من التأمل في بعض مفردات الشريعة حتى نتمكن من خلال هذه المفردات قبل التوغل في أعماق العقيدة و فهم أبعادها بآياتها و عظيم رواياتها من الحصول على فهم يأخذ بنا شيئا بعد شيء للنظر والتأمل فيما هو أرفع منها مكانة حتى نرقى الى فهم أبعاد التوحيد و النبوة والإمامة و سيرة المعصومين سيرة نشاهد من خلالها شرع الله مطبقا على صعيد الخُلق العظيم و الحكومة الإسلامية كما وانه لابد من التأمل في عظيم المراد من القضاء والقدر و الأمر بين الأمرين بعيدا عن الجبر والتفويض و مزالق الأقدام التي دفعت و تدفع بالأمة  أن تعيش بعيدة عن روح الحياة حيث أصبحت أمة راكدة لا حراك فيها  إلا فيما يسوقها الى الجدل والعناد و التشتت والتمزق.

و أضرب لهذه المفردات التي يجب ان تكون منطلقا للحركة نحو فهم الشريعة أمثلة حيث أن كل واحد منا حين ينظر الى مفردة قد يفسرها بتبع الذوق و ماهو عليه من البعد المعرفي او الحضاري و لذا كانت هذه الأمور مؤثرة حتى على صعيد فهم هذه المفردات على الرغم من بساطتها فكيف بنا و فهم عظائم الأمور ودقائق الآيات والروايات و لذا نقول رب سامع لكلمة وردت عن الرسول (ص) وهي : (صوموا تصحوا) راح ليعطيها بعدا خاصا لأنه طبيب حيث تكون النظرة لديه نظرة تناسب الصحة الجسدية وما للصيام من تأثير على البدن و آخر راح لينظر إليها بمنظار آخر يشاهد فيها معالم الثبات و الخلق ومواساة الآخرين لتكون مدعاة له ليحس بآلام الفقراء والمساكين لنقاء نفسه و طهرها من حجب الغفلات و رب ثالث أعطى الكلمة او هذه الجملة بعدا اوسع من كل ذلك لتعم شؤون الحياة بما لها من بعد نفسي و جسدي و إقتصادي و سياسي و هي كلمة واحدة راح لينظر إليها كل واحد بمنظاره و يفسرها بما يناسبه من تفسير وربما قطع كل واحد بما ذهب إليه بتبع مناشيء قطعه.

أجل هكذا تفسر الكلمات و تختلف الآراء حتى بالنسبة الى المفردات فضلا عما كان يعود الى عميق معالم التوحيد و رفيع مقام الآيات و الروايات و سيرة المعصومين عليهم السلام.

و هكذا هم الناس على طول التأريخ في تلقيهم لمفاهيم الرسالة المحمدية فهذا لا يفهم من آية او رواية تحدثت عن الرزق إلا ما كان مرادا ماديا و آخر يتبادر ذهنه الى عظيم المنة و رفيع الهداية و شآبيب الألطاف ومنحة العقل من الله الرؤوف الرحيم.

وثالث بمجرد ان يسمع مثلا بأن الشكر يزيد النعم يزداد دعاءا وصلاة طالبا من ربه مزيدا من المال و ربما رأى أن أداء شكر النعمة هي كلمة الحمد بعد كل وجبة طعام و أنه بذلك قد أدى ما عليه من واجب النعم و قام بما عليه من أداء شكر النعمة و الحال لو أن متكلما او حكيما طرقت مسامعه كلمة شكر النعمة او المنعم لذهب الى القول بأن ذلك واجب عقلي حيث يجب شكر المنعم و لعل الفقيه يقول في المقام نعم إن ذلك قد ورد الأمر به فهو واجب لأن الأمر ظاهر في الوجوب.

فهكذا هي الأمور بكل أبعادها الإجتماعية والسياسية و الشرعية تختلف بإختلاف الآراء و تتقيد بقيود الزمان والمكان و تُفسر بتبع الإجتهاد وتسدل عليها الحجب تقليدا للآخرين حينما تعظم مكانتهم في النفوس حيث قد راحت هذه الامور وبعد طي القرون ان تدفع بالناظر الى الآيات والروايات نظرة مكبلة بالقيود حتى كاد ان يصبح العقل البشري غير حر من بعد ما خلقه الله تعالى حرا و أراد منه ان ينظر الى الحقائق بعقله و سلامة فطرته ولذا راحت لتشير الروايات الى انه حينما يأتي مهدي آل محمد (ص) ويفسر ويطبق شرع الله بما كان على عهد الرسول (ص) يأتيه بعض المؤمنين مستغربا قائلين له يبن رسول الله هل جئت بدين جديد؟! و إذا كان هذا هو حال بعض المؤمنين في أبعاد معارفه لفهم شرع الله فكيف حال سائر الناس , كل ذلك لإبتعاد الامة عن واقع شرع الله حينما راحت لتتهاون في الدين لتعرف الدين بكل أبعاده من أفواه الرجال إلا من كان من النوادر من البشر الذين حصّنهم الله عن مزالق الأقدام لطهر نفوسهم وخلوص نياتهم رحمة من الله بواسع لطفه حيث أن الله تعالى لا يضيّع عباده المخلَصين فهو الآخذ بأيديهم الى صراطه المستقيم رحمة بحالهم بعد اختبار نفوسهم وتمحيصها بشدائد الأمور و لإقامة الحجة على الآخرين ليوم الحساب حتى لا يقول قائل يومئذ إلهي وسيدي ومولاي ضاعت علي السبل في ظلمات الدهور ليقال له لو كنت أهلا لإهتديت الى سواء السبيل و أي احد أصدق مقالا من الله تعالى حيث يقول : (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين).

أجل هكذا قد اخذ الله تعالى على نفسه لطفا بحال العباد أن يهديهم الى سواء السبيل إن علم صدق النية و سبل الهداية لا تحد بحد في مدارج العلم والعمل حيث أن من المستحيل أن يبقي الله الشيطان مضلا ولا يجعل لأوليائه ما يتمسكون به ومن تلك المسالك لبلوغ الغايات و شهود معالمها ما أشار إليه تعالى في كتابه المجيد بالنسبة الى العبد الصالح و موسى عليهما السلام وعلى رأس الجميع هو مهدي آل محمد (ص) إصلاحا لبواطن الأمور و هديا لرجال الله المخلصين ولو بإشارة من قول تشعر به نفس اولئك الذين هم من أصحاب البصائر.

ولما اختلف شهود الحق باختلاف الآراء والغايات راح البعض ليعطي عظيم مقام الحب الذي هو أعظم مقام في الكون في مواطن حب الله تعالى وحب آل الرسول (ص) وفي مواطن فهم المراد من القربى مفهوما لغويا او قبليا ناسيا او متناسيا ان شرع الله بعيد كل البعد عن ضيق دائرة النزعات و ظلمات رواسب القبليات حيث أن الحب والآل حب إلهي والبيتوتة نبوية تحكي ابعاد الخلوص وسير الرسالة في مواطن التطبيق والبيان حيث يصبح الحب للقربى حبا للسلوك نحو معالم التوحيد في جميع هذه الأبعاد علما وعملا للعروج الى الله تعالى بطهر وبصيرة ومشاعل علم.

نعم هكذا تفهم الحقائق في ظلمات الدهور او بتبع طهر النفوس ليأخذ كل بقدر عقله وطهره بعد طي هذه القرون حيث أن ذلك هو واقع الأمم بما تعيشه على اختلاف مذاهبها وما تدعيه من يهودية او نصرانية او اسلام حينما جائت لتنظر الى شرايع السماء من خلال اجتهادات الرجال وغاياتها على طول التأريخ حتى أصبح لهذا التهاون في الدين رسالات السماء شعارا و إطارا لا يروي لناظره انوار الملكوت ولا حياة الكرامة والعدل والحق التي كانت غاية لجميع الانبياء والمرسلين وبها احيوا الأمم واخرجوها من الظلمات الى النور و جعلوها ثورة ضد الباطل والمبطلين.

أجل قد فُسرت كلمة المحبة بتبع ذهنية قبلية بأن المراد منها بأن محمدا (ص) نبي الرحمة والسلام هو كما انا وانت يتكلم بدوافع الحب الغريزي الفطري العائلي ظنا منهم ان سيد الكائنات رئيس قبيلة دفعته نوازع القبلية ان يدعو كغيره الى حب أهله واسرته كما هي سنن الحكام ورؤساء القبائل فراح ليُعطى الحب النبوي النابع من حب الله اللامتناهي بما يحمل من عظيم التآلف والتقارب والهدي والرشاد حبا ضيق الدائرة وجده البدوي متحققا بينه وبين أهل بيته كما وأن البيتوتة أيضا تختلف باختلاف الرؤى ومدارج المعارج الراجعة الى مسالك الربوبية ومعالم التوحيد حيث راح البعض ليظن أن الله ورسوله على مستوى عقولهم وأن مناشيء الحب والقرب عندهما هي كما عند زيد وعمرو.

هكذا راحت لتفسر بسائط الكلمات الى دقائقها في مواطن التوحيد والنبوة و الإمامة والقضاء والقدر بتبع الهوى وضيق مزالق الفهم حينما أنزل الحب الإلهي و النبوي الرفيع الى مستويات ظلمات القبائل حتى راح ليدفع بالبعض الى أن يتشوق لشهود ربه شابا جميلا في ساحة المحشر و راح ليصبح القضاء والقدر بما يحمل من عظيم المعاني حاملا في طياته الجبر المستلزم لوصف الله تعالى بالظلم و قائله على الرغم من هذه الأخطاء يبشر نفسه بأنه اصبح من المتألهين المتوغلين في أعماق المعارف الإلهية حيث أنه لا يرى ان القدرة الإلهية محددة و راحت لتصبح النبوة التي هي تجليات الأسماء والصفات الإلهية حيث أن انبياء الله على اختلاف مراتبهم هم ظهور عدله وحكمته وعلمه و رحمته وغضبه راح ليدفع ضيق الرؤى بالبعض ان يرى محمدا سيد الكائنات حامل بريد كأعراب الجاهلية قبل ان يُحمّل اعباء الرسالة لإحياء البشرية بل رحمة للعالمين.

كما وأن بصمات الليالي والأيام والآراء والأذواق وقيود الحضارات كانت وما تزال مؤثرة مشهودة حتى بالنسبة الى مفاهيم كادت ان تكون بنفسها بديهية واضحة لولا أن ألقت هذه المؤثرات بظلالها عليها فخدشت معالم وجهها الناصع كمفهوم الخير والشر والحق والعدل فأصبح الخير مالا و الشر فقرا لا يتبادر الى الأذهان منهما إلا ذلك وقد كان قارون غنيا والأنبياء الكرام فقراء , هكذا هي الأذهان حينما أصبحت المجتمعات تعيش مادية الفكر حتى كاد أن ينسى المؤمن فضلا عن غيره أن الخير هو العقل و الهداية والتوفيق الإلهي لسلوك سبل الربوبية والثبات على الصراط المستقيم أجل من بعد ان كان للخير ابعادا كثيرة راح كل انسان ليراه بمنظاره حتى تضيقت دائرته عند الكثير في الدرهم والدينار و إن كانا هما من الخير لو سلك بهما صاحبهما مسالك الرحمة والجود ولم يصبح مثالا لقوله تعالى (إن الإنسان ليطغى إن رآه استغنى) وهم اكثرية البشر إلا من رحمه الله تعالى لزكاة نفس إشتعلت بمشاعل العلم و تأدبت بأدب الله تواضعا يسوق إلى معارج الربوبية.

هكذا راح الناس ليفسروا حتى البديهيات من المفاهيم كالخير والشر حينما عاشوا ليالي الغفلات بعيدين عن الغاية التي من أجلها خُلقوا المشار إليها بقوله تعالى : (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) كما وأنه تعالى ما بعث الأنبياء الكرام إلا ليقوم الناس بالقسط لكن العبادة التي هي واقع الحياة بكل أبعادها خُلقا ومعرفة وسلوكا على الصراط المستقيم بكل ما يحمل من أبعاد الحق في مقابل الباطل وما للعدل من رفيع مقام في مقابل الظلم والظالمين راحت لتصبح كل هذه الحقائق مجرد ذكر لفظي لا حراك ولا روح فيه حينما فسر للناس الذين هان عليهم دينهم شرع الله أصحاب المآرب والغايات بتبع الهوى وهكذا راحت لتفسر الجماعة بالأكثرية بدلا من أن تكون جماعة الإيمان و راح ليفسر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأمر بالصلاة و النهي عن شرب الخمر فقط تاركين ما لهما من واسع امر يدعو الى كل خير و يبعد عن كل شر و راحت لتفسر الطاعة بالإستسلام لمن ملك مقاليد الأمور و لو كان من الأشقياء و هكذا راحت لتفسر التقية بالصمت وهلمّ جرا راحت لتتصدع معالم الدين في كل مجالاتها بعد أن كانت رسالات السماء ثورة ضد الجهل و الظلم والظالمين وبتبع ما تقدم من البيان أقول إنه لابد من نظرة جديدة حرة و قراءة نزيهة لجميع معالم شرع الله كتابا و سنة وسيرة للمعصومين عليهم السلام حتى لا يكون شهود الحق من وراء هذه التراكمات التي املتها صحائف الأيام و أعطتها طابع الصدق حتى اصبحت وكأنها من مسلمات الشرع القويم التي لا يجوز لأحد التأمل فيها فضلا عن التشكيك او الحكم عليها بالبطلان.

و إذا كان كتاب الله تعالى ميزانا توزن به الأحاديث صدقا وكذبا وعليه يجب ان يعرض أيضا ما يدعى من سلوك للرسول و آله الكرام علي الكتاب المجيد حتى يضرب بما يخالفه من أمر عرض الجدار فإنه مما يجدر به أن يقال كيف يمكن العرض على كتاب الله وهو قد أصبح مهجورا بين المسلمين و كيف يمكن لمن لا يعرف القرآن ان يعرض عليه الأحاديث و سيرة المعصومين ولذا يجب الرجوع الى الكتاب المجيد اولا ليصبح ميزانا للحق حتى يطرح ما يعارضه من حديث او مالا يناسبه من سيرة تدعى بالنسبة الى المعصومين التي أريد منها ان تكون تجسيدا لأبعاد الحق والعدل لمن أراد الى ربه سبيلا لكن من المؤسف ان هذه أيضا أصبحت لا تروي لعشاق الحق إلا تأريخ ولادة او وفاة وكم هو عدد الأبناء والزوجات وبعض الفضائل والكرامات التي تنتقى بتبع الأذواق وقد يكون بعضها من الخرافات تاركين منها ما يكون يقظة للضمير و نورا للهدى ليكون سيرة و سلوكا للأمة في ظلمات الدهور.

و إذا كانت الغاية من بعثة الأنبياء عليهم السلام (ليقوم الناس بالقسط) و( أن الله تعالى لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لأطال ذلك اليوم حتى يخرج مهدي آل محمد (عج) لإقامة العدل وتطهير الأرض من الجور) فإنه يصبح لزاما على كل مؤمن ومؤمنة أن يراجع نفسه ويحاسبها قبل الحساب و كذلك قبل يوم الظهور هل هو وجد الدين في نفسه عدلا به قوام كل شيء فراح ليسعى لتحقيق العدل في نفسه و مجتمعه ليكون أهلا لذلك لو جاء يوم الظهور أم انه يحيي الأيام والليالي بالأدعية ويجري المدامع صبيحة يوم الجمعة إذا قرأ دعاء الندبة وهو في واقعه يعيش من اعوان الظالمين ولو بصمته عن الظلم والظالمين وهو يعلم علم اليقين أن تحت راية الظلم و إن تلبست بلباس الدين يفسر الكتاب المجيد بتبع الهوى وكذلك الروايات و تقسم الاموال كذلك و تقام الصلوات في معابد رب العالمين و لو بإمامة من هم من أشباه الحجاج بن يوسف الثقفي والحال ان شرع الله لا لبس فيه لمن عاش سيرة الرسول و الأئمة الكرام ولحسن الختام نذكر شواهد حق من سيرتهم العطرة لتكون ذكرى للذاكرين ومن أحب الحياة الكريمة ولم يغالط النفس بجعل الرجال موازين للحق فمن تلك السيرة العطرة لإصلاح النفوس ومعرفة الحق ما جاء عن علي (ع) :(إن الله جعلني إماما لخلقه ففرض علي التقدير في نفسي و مطعمي ومشربي و ملبسي كضعفاء الناس كي يقتدي الفقير بفقري ولا يطغي الغني غناه) وقال عليه السلام في موطن آخر : (إن الله عزوجل فرض على أئمة العدل أن يقدروا انفسهم بضعفة الناس كي لا يتبيغ بالفقير فقره).

وقد ورد عنهم عليهم السلام (إن قائمنا أهل البيت إذا قام لبس ثياب علي عليه السلام وسار بسيرته) وقد جاء عن علي عليه السلام في سيرة رسول الله (ص) (إنه كان طبيبا دوارا بطبه) أي أنه كان يخالط الناس ويعيش حياتهم ويصلح حالهم بما أوتي من علم ومال ولم يعش العزلة عن مأساة الأمة .

وقد ورد عن الحجة (عج) بالنسبة الى من هم فقهاء الأمة الذين يجب الرجوع اليهم : (وأما الحوادث الواقعة فإرجعوا فيها الى رواة حديثنا…) و الحوادث كما يعلم الجميع ليست حكما شرعيا وإنما هي ما تعيشه الأمة لكي يكون الفقيه مرشدا يعيش احزان الأمة و مأساتها لتقتدي به الأمة لمعرفة مناهج الانبياء والأئمة الكرام.

والبصير يعرف الحق بالحق لا بالرجال إلا من وجدهم ميزان صدق به شهود سيرة الأنبياء والأوصياء الكرام جعلنا الله و إياكم ممن عاش البصيرة لشهود الحق و العمل به والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 


--
مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني


كما يمكنكم متابعتنا على كل من