الثلاثاء، 30 ديسمبر 2014

يا نهر كارون

قصيدة لسماحة الأستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني 

يا نهر كارون 

ترنو إليك بوهج الواله المُقَلُ ---- كارون يا عذب ماء كأسه ثملُ
قد عِشتُكَ العمرَ في ليل النَّوى سَهراً ---- صبّاً تغازلني من طيفك المثـُلُ
إن بتّ عنك بَعيدَ الدّارِ مُغترباً ---- ففي ربوعك منّي الروحُ تنتقلُ
تبقى كطير غرام في ربوع هوىً ---- رغم الليالي التي قد لفّها الأجلُ
إن أبعدت كفُّ غدرٍ عنك لي قَدَماً ---- فليس يبعد عنك الفكرُ والغزلُ
على ضفافك مني الروح ساهرةٌ ---- حتى وإن ضربت أستارها الحيلُ
إن يمنعوا ركب عشاق الهوى وطناً ---- فلن تنال صدى أنغامه الدّولُ
فالشعب أطولُ عمراً من شِقى ظلمٍ ---- وإن تطاول طيش واعتلا دَغلُ
يا نهر كارون قم كاللّيث منتفضا---- يحمي حماه وإن طافت به العِللُ
   لا تُشمتنَّ عدوا بات مرتقباً ---- نعي المنايا وما قد خطّه الهَبلُ
قل لي فما بال نخلٍ منه قد مُنعت ---- حتى المياهُ شقاءً أيها الأملُ
واشرح لظى القلب أسفارا لذي شغفٍ ---- همساً مخافة أن يشمت بنا العذلُ
إني أعيش صباباتِ الهوى ألماً---- على البلاد التي أزرى بها الدّجلُ
فأصبحت لغوايات الردى غرضاً ---- يحدو بها حيثما يحدو به الزللُ
أضحت خرابا تعيش البؤس رافعةً ---- لله طرفاً ومنها العينُ تنهملُ
منها المواهبُ للأهواء قد نُهبت ---- والربع ذا هو من بعد الهنا طللُ
أفنَت مَعَالِمَه الغرَّاء جائرَةً ---- كفُّ الشقاوة لا الأحقاب والحِوَلُ
وغيّرت منه حتى الإسمَ ساخرةً ---- من كل حقٍ أقرّت أُسَّه الرسلُ
فأصبح الشَعبُ في أكواخه نكداً ---- كأنّه قد جنى ما ليس يُحتملُ
يشكو إلى الله في أسحاره حِمَماً ---- في جنبها الموت من أجل العلا عسلُ
كأنما الناس في أوطاننا سَمَلٌ ---- حيث الشعوب برأس الحكم تُختزلُ
فهاك وصفاً إذا ما شئت معرفةً ---- لمن يقال له في شرقِنا البطلُ
من فيه قد قيل تمّت كلُ موهبة ---- فذا هو الحُسن والإخلاص والنبُلُ
وذا هو البدر ليلاَ والشموس ضحىً ---- والعدلُ والعلمُ والأوطانُ والمللُ
من صار للطّهر في آفاقه علماً ---- وكعبةً بفناها تسجدُ المقَلُ
إلا عيون رمى أشفارَها رمدٌ ---- أو صدّها عن علاها للشقى حَوَلُ
فذا همُ الناس في أعتابه زُمَرٌ ---- كأنهم من لظى أشواقهم قُبَلُ
فذلك الطودُ في سوح الوغى أسدٌ ---- وفي لهيب قفارٍ للورى جَمَلُ
وفي المحاريب في ليل الوصالِ جُوىً ---- وسيلُ دمع إذا ما بات يبتهلُ
يسامر العرشَ منهُ الطرفُ مبتسماً ---- حيث الفناءُ لقربٍ شأنهُ جللُ
قبضا وبسطا تجلّى في مواطنه ---- من فوق سبعٍ فلا عَجزٌ ولا كسلُ
ماذا يقال وفي كف الدنا قِصرٌ ---- عن قامةٍ هي في علياءها قُللُ
كذا هو القول فيمن يُدَّعى شططاً ---- من أنه الحقُ والإحسان والسبلُ
يكاد للجهل أن يدعى بلا خجلٍ ---- من أنه مَن له الأكوان تنتقلُ
لو لا معارف توحيدٍ أقرّ بها ---- لواقع الحق عقلٌ قيل ذا هُبَلُ
وأنه من له الأسماءُ قاطبةً ----  بما لدى الحق من شأن هو الأزلُ
وأنه من له في ذرها اعترفت ---- برقِّ ذاتٍ طباعٌ مِلأُها زللُ
لكي تكون بدنيا الجهل خاضعةً ---- لِمَن هو الآي والإشراق والأملُ
كم صنَّمت لغوايات الهوى أممٌ ---- بعضَ الرّجالِ فيا لله ما العَمَلُ
حكام غاباتِ وحشٍ فعلهم شررٌ ---- وجَهلهم ليس تروي طيشه الجُمَلُ
آهٍ على أمة المختار كم لعِبت ---- بقدس أسفارها في ليلها النُصُلُ
فَمزّقت كلَّما قد كان من عِظَم ---- يهدي لرشد به قد جاءت الرُّسُلُ
فأينَ منّ يدعي الإسلام من قِممٍ ---- هي المكارمُ والإحسانُ والنبلُ