الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

@ ماهو تفسير قوله تعالى :(و ابيضت عيناه من الحزن)؟

ماهو تفسير قوله تعالى :(و ابيضت عيناه من الحزن)؟

إسم السائل : السيد قاسم الغريفي

السؤال:

بسمه تعالى له الحمد والمجد

حضرة العلامة الفاضل الاستاذ الشيَخ محمد كاظم ال شبير الخاقاني (دام عزه ومجده)

ما هو فهمكم للآية الكريمة (وابيضت عيناه من الحزن)هل هو العمى كما في كثير من التفاسير ؟وهل ان ذهاب البصر يوجب التنفير ؟

 فأن الشيعة اختلفوا في أنه هل يجوز على الانبياء مثل هذا النقص في الخلقة، قال الشيخ الطبرسي رحمه الله: فقيل: لا يجوز لان ذلك ينفر ; وقيل: يجوز إن لا يكون فيه تنفير ويكون بمنزلة سائر العلل والامراض انتهى. فمن لا يجوز ذلك يقول: إنه ما عمي ولكنه صار بحيث يدرك إدراكا ضعيفا، أو يؤول بأن المراد أنه غلبه البكاء وعند غلبة البكاء يكثر الماء في العين فتصير العين كأنها ابيضت من بياض ذلك الماء، ومن يجوز ذلك يحملها على ظاهرها، والحق أنه لم يقم دليل على امتناع ذلك حتى نحتاج إلى تأويل الآيات والاخبار الدالة على حصوله، على

أنه يحتمل أن يكون على وجه لا يكون نقص فيه وعيب في ظاهر الخلقة، والانبياء عليهم

السلام يبصرون بقلوبهم ما يبصر غيرهم بعينه . فالى اي اتجاه يميل سماحتكم ؟ واي نوع من الامراض يتنافى مع الدور النبوي ويوجب نقصا فيهم ؟

الجواب:

كما تعلمون سيدنا الجليل إن الدلالة قد تكون نصاً كما وأنها قد تكون ظهوراً وما نحن فيه في مسألة العمى ليست الدلالة إلا من باب الظهور في الآية الشريفة وهي قوله تعالى  حكاية عن يعقوب عليه السلام وبنيه: (وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) وإن قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام (إذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً)لا يدل على ثبوت العمى كصفة ثابتة وإنما يدل على حدوث أمرٍ لشدة البكاء والحزن ولحالة نفسية قد سبب حجب الإبصار كغشاوة وهذا ما قد يحصل لحدوث بعض العوارض الجسدية أو الروحية كشدة الحزن أو شدة الفرح فتجعل السواد بحكم البياض ويأتي البيان من باب المبالغة فلم يكن ذلك عماءً تاماً ليصبح صفةً لصاحبه وطروّ العوارض من مرض أو جرح ولو في معركةٍ حينما يكون السبب معقولاً أو عظيماً لا يعتبر من المنفرّ عند العرف أو العقلاء حيث أن الكلام في أمرٍ يجب أن يعطى عنوان النقص أو يدفع إلى النفور عن الشخص بمنظار العامة وإلا فمثل العمى أو ما هو من قبيله ليس بنقصٍ عند الله تعالى ما لم يمنع كمالاً كما لو فرض أن النقص كان غباءً أو من مساوئ الأخلاق وما نحن فيه حيث أن سبب الغشاوة حزنٌ على وليّ من أولياء الله تعالى إئتمن عليه يعقوب عليه السلام من ليسوا أهلاً للأمانة فراح ليؤنب نفسه على ذلك وكون يعقوب عليه السلام إضافة على العاطفة الدافعة للحزن راح ليرى نفسه لم يقم بتمام الرعاية والحفظ وهو مع ذلك عاش كظم الغيظ مع أولاده فإن ذلك يعد بمنظار العقلاء موجباً للإكبار لا النفور.

نعم لو كان يعقوب عليه السلام أعمى بالولادة أو أصيب بالعمى قبل أن يصبح مرسلاً إلى قومه فإن في مثل هذا الحال قد يقال إن من كان بهذا الوضع لا تندفع إليه النفوس لسماع دعواه لأنهم قد ينظرون إليه أنه دون مستوى الإرشاد لا من قد عرض عليه عارضٌ بعد تمام القوة وعظيم المقام عند قومه ولعله كان في تلك الفترة التي فقد فيها الإبصار كان يعيش بين قومه تمام الكرامة والإحترام كنبيٍ قد صدقوا دعوته.

وأعود ثانية فأقول فيما نحن فيه فإن الذي يبدو للقارئ أن بياض العينين إنما حدث بعد أن رجع الأبناء بخبر بنيامين والأخ الأكبر وهذا زمن قصير لم يستوجب نفوراً بعد كون يعقوب عليه السلام يعيش الكرامة في قومه قد آمنوا به.

هذا كله من حيث الصغرى بمعنى أنّ ما حدث ليعقوب عليه السلام ما كان نقصاً يستوجب النفور لأن المتأمل يجد أن الأمر من باب غشاوة حصلت للعينين والعوارض والأمراض قد تعرض على كل أحدٍ مؤمناً كان أو كافراً ولذا لما علم يوسف عليه السلام أن السبب هو كثرة البكاء والحالة النفسية التفت إلى أن بهزة نفسية قد يرتفع السبب وأن أباه سيعود إلى ما كان عليه ولو كان يوسف عليه السلام جازماً بتحقق العمى التام لما قال (إذهبوا بقميصي هذا فالقوه على وجه أبي يأت بصيرا) بل لدعى له بالشفاء أو أراد من الله تعالى من باب الإعجاز أن يعيد إليه بصره كما وأن الأمر هو كذلك بالنسبة إلى ما يطرو على النفوس وما هو من شأن البصيرة فقد تنتهي فيصبح الشخص عماءً لا رجعة فيه بحيث يصبح يرى الباطل حقاً والحق باطلاً والحسن قبيحاً والقبيح حسناً لأنه يصبح عماءً وظلمة تامة لا نفاذ للنور إليه وذلك لإنعدام الفطرة وإنتهاء العقل لكن الباطل والشهوات ربما تصبح حجاباً وقد تزول ولو بهزة ضميرٍ قد تستوجب يقظةً وشأن الأجسام كشأن النفوس وما نحن فيه غشاوة أحزان وكثرة دمعٍ مرتبطٍ بأمر روحي ولذا بمجرد أن شمّ رائحة يوسف عليه السلام عاد إلى ما كان عليه لأن سبب الحزن والبكاء قد ارتفع.

وأما النقاش في القضية كبروياً: وهي أن النقص لا يكون من صفة الأنبياء فنقول إنا وإن سلمنا أصل الكبرى لكن قد نشكك في المصاديق وهي أن النقص المنفر لا يكون من صفات الأنبياء لأنه يتنافى والغاية وهي جلب الناس إلى الهدى وسبل الكمال حيث أن الله تعالى يريد من النبي المرسل إلى قومه أن تكون فيه دواعي الكسب والهداية لا الإبعاد والنفور ولذا يلحظ في ذلك حتى حُسن الصوت والوقار والسكينة وكون  المنظر مهاباً بما فيه ملامح جمالٍ هي من شأن الرجال لكن مع ذلك كله نقول إن ذلك يختلف باختلاف المنظار وباختلاف حضارات الأمم لأنه من باب تشخيص المصداق بعد تسليم الأمر كبروياً وليس كل نقصٍ هو من موجبات النفور وبالأخص إذا كان النقص الحاصل مسبباً عن حدث يرجع إلى شأنٍ عظيم كفقد عضو في معركةٍ كانت في سبيل الله تعالى كما وأن المنفر يجب أن يكون بحسب العرف والعقلاء وإلا لكان الفقر الذي هو واقع حياة أكثر الأنبياء من المنفرات التي يجب أن لا يبعث الله بتبعها رجلاً فقيرا وبالجملة إن الكبرى وإن كانت ثابتةً بأن المنفر لا يكون صفة لنبيٍ لكن ليس كل نقصٍ هو من المنفرات وبالأخص إذا كان سببه عائداً إلى أمرٍ ومنشأ ديني عظيم ولذا لو افترضنا أن نبياً أو إماماً في معركةٍ يصاب فإن ذلك من موجبات العظم والإكبار وليس من موجبات النفور والإبتعاد وقد أشرنا إلى أن الأمم تختلف باختلاف حضاراتها فيما تراه نقصاً منفراً، نعم ما يعود النقص فيه إلى نقص كمالٍ فإن ذلك لا يكون محلاً للألطاف الإلهية وجعل الشخص نبياً أو إماما من قبل الله تعالى.

و إتماما للبيان نقول إن عدم التمكن من رؤية الاشياء المشار إليها في الآية الشريفة و ابيضت عيناه و آية يأت بصيرا ليس دليلا على العمى فقد تُحجب العين من الرؤية و لو لغشاوة او غمض طرف او مشكلة صحية او ما يكون من دواعي الحجب من شدة الفرح او الحزن كما و أن عدم البصر على افتراضه ان سلمنا انه العمى فهو شأن مصداقي يختلف التعاطي معه باختلاف الأمم و الحضارات فما يكون منفرا عند قوم قد لا يكون منفرا عند قوم آخرين و عليه فنقول ليس عدم الإبصار أو القصر او السواد او ……. هي من مسلمات البشرية الموجبة للنفور , نعم ربما يكون من المسلمات الجسدية الموجبة للنفور الجذام و من المسلمات الأخلاقية الموجبة للنفور ما يسقط الهيبة و المكانة الأخلاقية حتى ولو لم يكن من مساويء الأخلاق كالكذب والكبر و إن سلمنا الكبرى وهي أن ما يكون منفرا لا يكون في الدعاة الى الله لأن المراد منها التأثير على الآخرين بما يمكن ان يكون وسيلة هداية وقرب ولذا لا يصح من عاقل ان يقول ان سواد البشرة من المنفرات و قد بعث الله الكثير من الانبياء والاولياء الى كافة الأمم و منهم الأسود والابيض و الأحمر والأصفر حيث أن من يجعل مثل هذه من المنفرات لا يكون إلا لعدم اعتدال او سوء تربية او غيرها من دواعي الخروج عن المقاسم المشتركة البشرية بروح الزهو و الخيلاء و من المعلوم ان الكلام في النقص و المنفر بما يكون مسببا لعدم التمكن من حمل اعباء الرسالة وهذا النقص لا يعقل تصوره في نبي او وصي نبي و النوع الآخر من النقص ما يكون نقصا بمنظار طائفة من الناس بروح الخيلاء والعظمة او سوء التربية و هذا لا مانع من وجوده في الدعاة الى الله كاللون و الفقر حيث انه ليس بنقص في واقع الأمر و هناك ما يكون نقصا بمنظار العامة من الناس و يدعو الى النفور وهذا هو الذي يكون محلا للبحث و هو على قسمين منه ما اتفقت عليه آراء البشرية كالجذام و منه ما يكون مختلفا بإختلاف الآراء بتبع الحضارات و الزمان و المكان و الله لا يبعث دعاته الى أمة ترى امرا مستوجبا للنقص بمنظار عقلائي لا منظار الزهو و الكبر.

 هدانا الله وإياكم إلى سواء السبيل وهو العالم بحقائق الأمور وإنما نتكلم على قدر عقولنا وما نفهمه من ظواهر الآيات والروايات والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

محمد كاظم الخاقاني     


-- 
مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني


كما يمكنكم متابعتنا على كل من 

@ من هم المراجع الذين يجوز الرجوع لهم بالتقليد في زماننا هذا برأيكم؟


من هم المراجع الذين يجوز الرجوع لهم بالتقليد في زماننا هذا برأيكم

إسم السائل : اسيد أبو ابراهيم

السؤال : ال
​​
شيخ الفاضل محمد كاظم الخاقاني, السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, تعريفا بنفسي ,انني السيد ابو ابراهيم,عمري ستون سنه باذن الله,متزوج ولي ولد واحد وثلاثة بنات علويات,وانني من المتابعين الشغوفين لآرائكم القيمه في الفترة الاخيره بعدما ظهرتم على قناة الشرقيه,ولي سؤال اتمنا من حضرتكم الاجابة عليه سريعا,وهو: اذا اراد المقلد الان ان يختار مرجعا للتقليد,فمن من المراجع الكرام الموجودينالان نختار برايكم,فان لرأيكم الان عندنامن الاهمية بمكان, وفقكم الله لكل خير, والسلام عليكم ورحمة الله

الجواب :

المحترم المكرم الأخ السيد ابو ابراهيم دام توفيقه

بعد التحية والسلام و الدعاء لكم بكل خير والشكر لما تفضلتم به في رسالتكم الموقرة لحسن ظنكم أقول لحضرتكم أيها الاخ الكريم ان التأمل في حقائق  الأمور و واقع الحياة يجعل الباحث وبوضوح يلمس حاجة الأمة الى رجال دين بحق يكونون رُساما لشرع الله تعالى في كافة مجالات الحياة علما و عملا و بالاخص في زماننا هذا الذي كثرت فيه الشبه و إزدادت فيه الإدعائات و قل العمل و انتشر الظلم و العدوان تحت رايات الباطل المتلبس بلباس الحق والدين تارة و أخرى بلباس عصري كالديمقراطية و حقوق الإنسان و غيرها من ألبسة هذا العصر حتى راحت لتيأس الشعوب على اختلاف مذاهبها و مسالكها من كل داعية يدعو الى الحق والعدل و يصرخ بأعلى صوته هلم إلي أيها الناس فأنا من يهديهكم سواء السبيل ومن يدفع عنكم ظلم الظالمين و هو لم يقصد سوى جعل الشعوب جسرا للوصول الى مآربه ومبتغاه مستخدما أجمل و أعذب الكلمات الخلابة للوصول الى منازل أحلامه مع العلم بأنه ما كان ليحصل ذلك لولا ان القيم الدينية و الإنسانية قد أضيعت لإختلاط الحق بالباطل والظلمات بالانوار.

فأيها الأخ الكريم إن الإمة في مثل هذا الواقع الرهيب و البحر المتلاطم لمحتاجة بلا شك ولا ريب الى من يهديها سبل الرشاد و أن يكون بحق صوتها الناطق للحق و المدافع عن كرامتها سعيا لتحكيم أسس العدل و أقول مرة ثانية أجل إن الإمة محتاجة الى رجل او رجال صادقين يعيشون هموم هذه الأمة التي تقطع اشلائها في كل يوم صباحا و مساء في الأزقة والأسواق و في المطاعم والمحافل و في المساجد و الحسينيات و المستشفيات و قاتلها يصرخ بأعلى صوته حين قتلها فخورا (الله أكبر الله أكبر) يتقرب بفعله الشنيع الذي تتبرأ منه حتى الوحوش في الغابات ليصبح بزعمه في جوار الأنبياء والصالحين في جنات النعيم و آخر قد راح يسلب الناس عقولها قبل ان يرمي بها في الشوارع اجسادا هامدة رافعا شعار الديمقراطية و الحرية او العروبة او غيرها من شعارات هذا العصر بما أوتيت هذه الشعارات من رنين و حسن نسيج العبارات مكرا و زورا و خداعا للشعوب.

و لا أظن أيها الاخ الكريم ان تبديل الاحوط بالأولى في رسالة عملية لفقيه و بدفع قدر من المال الى وكيل مرجع في أقصى هذه المعمورة تحل مشكلة هذه الأمة و تخرجها مما تعيشه من المأساة علما و تدفع عنها بذلك ظلامة الظالمين فالأمة بحاجة ماسة الى من يعيش معها واقع مأساتها في أكواخها و مواطن احزانها مع الأرامل والأيتام و في محافلها هاهنا او هناك ليشهدها و هي تعيش انينها و حنينها و فقرها و دمعها و صراخها في زنزاناتها ليرد عنها ظلم الظالمين و شبه المضلين بحيث يكون ابا حنونا يهتز من اعماق وجوده لهذا الواقع الحزين المرير و لقد كان رسول الله (ص) طبيبا دوارا بطبه يعالج ما تحتاجه الأمة علما و عملا و كان علي عليه السلام و هو أمير المؤمنين يجلس جلسة الفقير في دكان بايع تمر في سوق الكوفة ليعرف كل قريب و بعيد اذا شاهد عدل الله و اسد رسوله (ص) مابين الجماهير أن العدوان على الخلق له من يرصده وهو ذلك الشخص الذي احمى حديدة لأخيه البائس الفقير حينما توهم ذلك الأخ ان قرب النسب قد يكون شافعا له للقمة عيش على حساب الأمة قبل تقسيم الأموال بالعدل على الأمة و لقد كان علي عليه السلام أيضا من كتب رسالة الى واليه في البصرة يتوعده و يخوفه يوم الحساب و ما كان ذنبه إلا لانه دعي الى مأدبة قد حضرها المترفون و غض الطرف فيها عن البؤساء والمحرومين و ما كان قد حضر مجلس لهو او خمور وهو عليه السلام من فر من عدله ابن عمه لما علم ان عدل علي عليه السلام ينتظره في الكوفة ليجيب عن كل درهم ودينار امتددت إليه يده على خلاف حكم الله تعالى.

فأيها الأخ الكريم من وجدتم من رجال الدين يعيش أحزان هذه الأمة في أزقتها و اسواقها و مدنها و قراها و اكواخها و هو مع ذلك عين على وكلائه يراقب اعمالهم و يحاسبهم على كل درهم و دينار فإتخذوه لدينكم و دنياكم وسيلة و استعينوا به لتحقيق الحق والعدل فمثل هؤلاء الرجال مصداق لقول الإمام المهدي (عج) : (و أما الحوادث الواقعة فإرجعوا فيها الى رواة حديثنا) و الحوادث كما هو معلوم ليست حكما شرعيا يُكتب في رسالة عملية بل هي واقع حياة الأمة في كافة المجالات أي ان صاحبها يعيش هموم الأمة شارحا شرع الله و مواسيا الأمة في سرائها و ضرائها و بالحق ايها الأخ الكريم يُعرف الرجال كما قال رسول الله (ص) : (إعرفوا الحق تعرفوا أهله) و المرجع من ترجع إليه الأمة في جميع المواطن علما و عملا و يعيش مع الأمة حياتها بلا واسطة زيد او عمرو و هو حمل ثقيل و تكليف صعب يحمله كل رجل دين نصب نفسه للناس إماما و مرجعا و ليس التقليد تقديسا للرجال في مواطن صرح الخيال او تبركا بجبة او عبائة و التقوى واقع يرسمه عمل العامل في مواطن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على صعيد الشرع القويم لا أمرا بمعروف في صلاة و نهيا عن منكر في شرب خمر فقط و تركا لبقية الشريعة  يُتعدى على الحق فيها في مواطن العلم و على الأمة فيها في مواطن العدل و لا ناقد ولا متكلم و الأمة تُفترس بأيدي الذئاب و الشرع يُشوه بأيدي الماكرين و كأن رجل الدين فوق الحق والعدل معا و ما كان أنبياء الله تعالى و أوصيائهم الكرام على جلالة قدرهم فوق العدل او الحق و قد راح ليدعي المدعون ان هذه من السياسة و ليست من وظائف العلماء و رجال الدين في حين أنه قد كان الأبرار و الصديقون على طول التأريخ صرخة حق في مقابل باطل و ثورة عدل في مقابل ظلم.

فكفى تقديسا للرجال على حساب شرع الله عزوجل و كفى صمتا ونحن نشاهد الأمة تفترسها الذئاب باسم الدين تارة و باسم الديمقراطية و الحرية و غيرها من العناوين تارة اخرى وليس هذا ادعاء على احد او على حكم قائم في البلاد الإسلامية بل هو واقع عشته حياة طويلة في كثير من البلاد و شاهدت كيف تعيش الأغلبية الصمت عن بيان الحق و كيف السكوت عن ظلم الظالمين تحت ذرايع شتى متلبسة بلباس الزهد والتقوى و قطارات من العناوين و التوجيهات و المجوزات و المبررات.

فسيدنا الكريم من عاش حياة رسام شرع الله تعالى علما و عملا بشهود سيرتهم العطرة التي هي ثورة ضد الباطل والظلم و هم الأنبياء العظام و اوصائهم الكرام و من نهجوا نهجهم بحق و صدق كأبي ذر و مالك الأشتر و حجر بن عدي و غيرهم من الأبرار سوف يجد الأمر جليا واضحا ماهي وظيفة العلماء و رجال الدين و سوف يميز بالحق رجال الحق و يبتعد عن التقديس إلا فيمن وجهدهم مصداقا لهذا الواقع وهو واقع بيان الحق و الدفاع عن العدل في كافة مجالات الحياة علما و عملا وليس كل ما يُعرف يقال ولكن كفى بالشرع بيانا للحق و أهله حيث يقول الرسول (ص) :(الساكت عن الحق شيطان أخرس ) و (وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) و (ومن اصبح و لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم) و حيث قال علي عليه السلام : (قد أخذ الله على العلماء الا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم) .

أجل إن تقديس الرجال و اكبارهم ليس بعدم تواجدهم بالاسواق والشوارع و الحدائق وما بين الناس في مدنهم و قراهم بل بشهودهم يعيشون حياة الأمة و يلمسون مأساتها في اكواخها و يشاهدون بحور مدامعها الجارية في ليالي بؤسها و إن الآيات و الروايات الواردة في حرمة كتمان الحق و السكوت عن الظلم والظالمين لا تعد ولا تحصى و أعود و أقول بالحق يعرف رجال الحق و عليه فمن وجدتموه مصداقا للعالم العامل المطبق لسيرة الأنبياء والأولياء فاتخذوه لدينكم و دنياكم سبيلا و لا يجوز تركه و تقليد العلماء الماضين و إلا فالعمل على صعيد الاحكام الشرعية بفتوى بعض العلماء الماضين و صرف الاموال على الفقراء و الأرامل و الأيتام و المشاريع الخيرية التي تكون بايد امينة لهو خير من تقليد من لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر على صعيد شرع الله بتمامه لا شرعا مجزءا و اي منكر أعظم من السكوت عن الحق و ظلم هذه الأمة تحت ذرايع شتى في حين ان العدل هو الغاية من بعثة الأنبياء و ما اشارت إليه الروايات من لزوم تحقيقه في زمن ظهور مهدي آل محمد (عج).

و هناك على موقعي الشخصي مواطن من البيان قد يكون فيها مزيدا من الفائدة فإن تفضلتم فارجعوا إليها و من هذه المواطن ما شرحته في المحاضرة الأولى في شرح الخطبة الشقشقية ومنها ما هو موجود في قسم الأسئلة و اجوبتها و عنوانه (هل يجوز تقليد الميت ابتداءا ام لا) وهو في قسم المعارف الإسلامية ومنها ايضا سؤال سائل يقول (من هم المراجع الذين يجوز الرجوع إليهم ) ومنها (ما هي ويظفة المسلم الطالب للدين ) ومنها (هل الحق يعرف بالرجال ) ومنها (لمن نرجع بالتقليد بعد والدكم رحمه الله).

هدانا الله و إياكم الى صراطه المستقيم و ابعدنا عن تقديس الرجال على حساب الدين إنه ولي التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

-- 
مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني


كما يمكنكم متابعتنا على كل من 

@ هل هذا الحديث يدل على الولاية المطلقة للفقيه؟