المحاضرة 5
كتبت من
محاضرة صوتية ألقاها الشيخ قبل سنين في الكويت
ونبدأ الحديث فيها ــ كما
تقدّم ــ بكلام عن أحد المعصومين ، قال علي (ع) : ( قصم
ظهري رجلان: جاهل متنسّك، وعالم متهتّك) ([1][1]) .
فالعالم إذا لم يلتزم بموازين
الدين لمعرفته بالشرع وسيرة الرسول وأهل بيته الكرام فإنه يأخذ بتوجيه الشريعة
طبقاً لهواه؛ موجّهاً لكل فعلة باسم الدين، فكم ارتكبت على طول التاريخ ــ سواء في
شرع الإسلام أو في الشرائع المتقدّمة ــ أعمال لا ربط لها بالإنسانية، فضلاً عن
الأديان السماوية.
ونضرب بعض الأمثلة للتطبيق
الخاطئ الذي موّه على المجتمع
الإسلامي، فهناك حديث لم يتردّد فيه لا العامّة ولا الخاصة، وقد روي متواتراً عن
الرسول (ص) : ( يا عمّار تقتلك الفئة الباغية) ([2][2])، فلم يتردد في هذا الحديث
حتى أهل الشام، فلما جاء عمّار يقاتل في صفوف علي جاءت الناس إلى معاوية وعمر بن
العاص وهما من أخطر شياطين الإنس على وجه الأرض معترضين عليهما، فقال معاوية: لا
تعجلوا، فإنه سيهتدي إلى الحق فيرجع إلى صفوفنا، ولا تنتهي الحرب إلاّ وهو معنا،
فأخذت هذه الكلمة
ــ لجهل الأمة ــ مأخذها في صفوف أهل الشام، فالجاهل قبلها لجهله، والماكر أرضى نفسه بها لدنياه، فلمّا بقي عمار يقاتل حتى استشهد جاء الناس إلى معاوية وقالوا: ثبت في حقّنا: أنّا نحن الفئة الباغية، فقال: ما قتل عمّار إلاّ من أخرجه لسيوف المقاتلين، ولم نقتله نحن، وإنما قتله من غرّر به وهو علي([3][3]) .
ــ لجهل الأمة ــ مأخذها في صفوف أهل الشام، فالجاهل قبلها لجهله، والماكر أرضى نفسه بها لدنياه، فلمّا بقي عمار يقاتل حتى استشهد جاء الناس إلى معاوية وقالوا: ثبت في حقّنا: أنّا نحن الفئة الباغية، فقال: ما قتل عمّار إلاّ من أخرجه لسيوف المقاتلين، ولم نقتله نحن، وإنما قتله من غرّر به وهو علي([3][3]) .
أجل، عالم ماكر كمعاوية، وأمة
جاهلة أخذت تهدم أساس الدين؛ حيث قال علي (ع) : قصم ظهري رجلان: جاهل متنسّك،
وعالم متهتّك، لا يعرف من الدين إلاّ لقلقة لسان في دجى ظلمات ليله، وهذا الجاهل
يكون سيفاً بيد الماكرين من العلماء؛ لهدم صروح الشرع القويم.
وأضرب مثالاً آخر لبيان كيفية
هدم الدين بواسطة رجال الدين المنحرفين، فإنه جاءت السلطات لشريح القاضي فطلبت منه
أن يحكم بقتل الحسين (ع) ، فحسب حساب الأمر، فتكلّم بكلامٍ ظنّ أنه يتخلّص بواسطته
من سخط الجبّار، فقال: من خرج على إمام زمانه وجب قتله بسيف رسول اللَّه، فهو كلام
حقّ يراد به باطل، فكم من كلمة حق أريد بها باطل! فيقيناً إنّ من خرج على إمام زمانه وجب
قتله، أمّا مَن هو إمام الزمان؟ هل هو الحسين بن علي، أو يزيد بن معاوية؟
فكم من كلمة حق أريد بها
باطل، فما لم يعمل علماء الدين بواقع الشرع لا يمكن أن يهتدي الناس، فما
لم يلتزم العالم عملاً، وما لم تخرج الأمة من جهلها لا تعتدل الأمور.
وهذه الكلمة لعلي (ع) بدأنا
بها تبرّكاً، وقد كان البحث في التوحيد وقلنا: إنّ الشيعة موحّدون في المراحل
الأربع، كل أحد لابدّ أن يعرف توحيد اللَّه في ذاته، وصفاته، وأفعاله، وفي العبادة،
فما لم يكن موحّداً في المواطن الأربعة لا يكون مسلماً كما يريد اللَّه، فاللَّه
هو الوجود اللامتناهي، هو لا نهاية النور الذي لا حدّ له، والإنسان حيوان ناطق،
فله قدر خاص، وكذلك السماء، وهكذا كل شيء في عالم الإمكان لا يمكن أن يتخطّى
مرتبته الخاصة، لكنه تعالى وجود لا يحدّ بحدّ، ولا يكون في مكانٍ، ولا في زمان،
فهو أحدٌ لا شريك له، فهو ليس كالموجودات مركّباً، بل لا نقص ولا تركيب فيه.
ثم نأتي إلى مرتبة ثانية،
وهي: توحيد الصفات، فعلى كل إنسان أن يعرف أنّ علينا أن نوحّد اللَّه في صفاته
أيضاً، مثلاً حينما يقال: ما هو الإنسان؟ تقول: حيوان ناطق، يعني: ذا شعور وإدراك،
لكن قد يكون عالماً وقد لا يكون، قد يكون أبيض وقد لا يكون، فالإنسان وجود لـه
صفات مختلفة يكون مؤمناً وقد لا يكون، وهكذا، لكن اللَّه صفاته هي عين ذاته
المقدّسة، وصفاته ليست زائدة عليه، فاللَّه
علم وليس وجوداً اتّصف بالعلم، فهو إرادة وحياة وعلم، وكله بَصَر، وكله سمع، ولا
يحتاج لأداة يبصر بها الحقائق.
فيجب أن نعرف أنه وجود لا
متناهٍ، فهو علم وقدرة وإرادة، وهذا ما أرشدنا إليه أئمّتنا الأطهار، لكن المعتزلة
لما تركوا هدي أهل البيت قالوا: اللَّه وجود،
لكنه يوصف بالعلم، بمعنى: أنّ العلم غير ذاته، فلم يتمكّنوا من درك أن الوجود
اللامتناهي لا يتثنّى، ولا يتكرّر؛ حيث إنّ اللانهائيات لا يعقل في حقّها التعدّد،
فقالوا: اللَّه وجود أزلي، وصفاته زائدة على ذاته، وهي قديمة أيضاً.
وتجاوز البعض هذه المرحلة،
فقالوا: إنّ اللَّه تعالى ليس موصوفاً بصفات، والصفات أوجدها، فوصف بها، وهم
الكرامية، وهم أيضاً من أبناء العامّة، فاللَّه عندهم ــ بما هو ــ ليس بمريد، ولا
بسميع، لكنه خلق العلم والقدرة والإرادة لنفسه، فقالوا بزيادة الصفات على الذات،
فهي ليست قديمة وأزلية، بل هي حادثة، ولسنا بصدد مناقشة هذا الموضوع، لكنه باطل،
ونقاشه لـه محلّ آخر.
المرحلة الثالثة في التوحيد:
أنّه لا مؤثّر في الكون إلاّ اللَّه تعالى، فلا خالق إلاّ اللَّه، ولا معطي ولا
محيي ولا مميت إلاّ اللَّه، فمن اعتقد أنه تعالى خلق ملائكة وفوّض إليها الأمور،
أو خلق أنبياء أو شمساً وقمراً وفوّض إليها الأمور، فهو اعتقاد باطل.
نعم، يجوز أن يحيي إنسان
إنساناً آخر بإذن اللَّه تعالى، فيرجع الأمر إلى اللَّه، ويكون الإنسان مجرى للفيض
الإلهي، فكل إنسان حي بالمشيئة الإلهية، لكنه جعل تعالى أسباباً، فمثلاً حتى يستمر
الإنسان في الحياة لابد أن يأكل ويشرب، يعني: جعل أسباباً حتى يتمكّن الإنسان أن
يبقى حياً، وكذلك جعل الأنبياء حتى يكونوا مجرى للفيض الإلهي.
وهناك قول، وهو: القول بكون
النبي وأهل بيته وسائط في التكوين، وهذا ليس من الغلو.
قال بعض العلماء: إنّ اللَّه
أول ما خلق خلق الرسول وأهل بيته، ثم بواسطتهم صبّ الفيض على الكائنات، فبشرفهم
خلق الكائنات، وهذا ليس بتفويض، وهذا القول قد قال به بعض علمائنا، فهو لعظيم
مقامهم وشرف مكانتهم، أو يرجع الأمر إلى قصور القابل من قبول الفيض بلا واسطة أشرف
الكائنات، لا إلى قصور في الفاعل تعالى، والتفويض أن نقول: خلق اللَّه النبي وفوّض
إليه الأمور، فأخذ الرسول بنفسه يخلق ويرزق، وهذا خطأ فادح، لكن لو قلنا: لقصور
الكائنات خلق اللَّه المقرّبين أوّلاً، أي: خلق اللَّه الكلمات التامّات كالرسول،
ثم بشرفهم ساق الفيض وأعطى الخلائق، فهذا يرجع لا إلى نقصان في اللَّه، بل يرجع
إلى نقصان في القابل، فلمّا كانت الكائنات قاصرة عن تقبّل الأنوار العظيمة الإلهية
بلا واسطة جعل اللَّه المقرّبين واسطة، فخلقهم، وبواسطتهم أجرى الفيض على
الكائنات، فيقيناً هم الوسائط التشريعية، يعني: كما وأنّا لقصورنا لا نرتبط بالوحي
فكذلك قال البعض: الفيض لا يتحقّق إلاّ بواسطة الأنبياء والأئمة في واقع التكوين.
ونحن نعتقد: أن الرسول سيد
الكائنات، ومن بعده الأئمة، فإذا كان عفريت من الجن أو من يعرف شيئاً من أم الكتاب
يأتي بعرش بلقيس، فلا عجب أن يقول قائل: بأنّ علياً ــ الذي يعرف أمّ الكتاب ــ
قادر على أن يفعل ما هو أعظم من ذلك.
نعم، كل معجزة لابد وأن تستند
إلى خبر صحيح، أما بلحاظ الإمكان فهو ممكن؛ لأنهم أولى من كل نبي ووصي وملك مقرّب،
فمن قال: إنّهم قادرون بطي السماوات والأرض بلحظة واحدة ليس بغلو، كما حصل في
المعراج، لكن نحتاج لدليل من الشرع القويم بالنسبة إلى كل كرامة أو معجزة.
أما التوحيد في العبادة، وهي
المرتبة الرابعة: فهذه المرتبة وقع فيها الخلاف كثيراً، فلا تصحّ العبادة إلاّ
للَّه، فلا تذلل ولا عبودية لا لنبي ولا لوصي أو ملك وغير ملك، بل العبادة لا تصحّ
إلاّ للَّه، فمن اعتقد بالتوحيد في مراتبه الأربعة كان شيعياً، وهذا البحث من
ناحية التوحيد.
وأما البحث الثالث فيرجع إلى
التربية الإسلامية، وقد تقدم أن قلنا: إن المراد من القيام للَّه أن يقوم الإنسان
من نوم الغفلة حتى يتمكن أن يسمع ويرى، فبعد اليقظة هناك مراتب ذكرها علماء
التربية، فإذا استيقظ رجع إلى الفطرة، فعرف أن المخلوق لـه خالق و... ، فإذا رجع
إلى فطرته تمكّن أن يمسّ الحقائق { لا يمسّه إلاّ المطهرون} ([4][4])، فكما أن الإنسان لا يتمكن
أن يمسّ الكتاب المجيد إلاّ متطهّراً كذلك المعاني لا يمسّها كل أحد إلاّ من كان
بنفس طاهرة، أمّا النفس الملوّثة فلا يمكنها أن ترى شيئاً، فمن طهرت نفسه تمكّن أن
يشاهد الحقائق.
قال علي (ع) في وصف الدنيا: (
من نظر الى الدنيا أعمته ومن نظر بالدنيا
بصّرته) ([5][5]) أي من جعل الدنيا وسيلة
بواسطتها يعرف اللَّه بصّرته؛ حيث إنّه نظر إلى الدنيا فرأى بأنّ لها نظاماً
وتدبيراً، وعرف أنّ لها مدبّراً، أما من نظر إلى الدنيا بدون هذا اللحاظ أعمته.
المرحلة الثالثة لتتميم
اليقظة: عليه أن يدرك فيها حقيقة يرددها في كل يوم، وهي: اللَّه أكبر، فإذا عرفت:
أن بتكبيرتي أنّي أكبّر اللَّه بأن أجعل كلّ شيء ورائي وخلفي، فلو كانت بقرارة
نفسية لا بلفظ لهان علينا أمر الدنيا بما فيها، ولأصبحنا لا نرتعب من حاكم، ولا
نتذلل لشخص إلاّ للَّه.
قال علي (ع) واصفاً المتّقين:
( عظم الخالق في أنفسهم، فصغر ما دونه في أعينهم) ([6][6]) ، وهذه كلمات بينها وبين
التطبيق على واقع النفس هو كما بين السماء والأرض، فلو كانت هذه الكلمة تقال
بعرفان لما بقينا نتخبّط في الظلمات.
وهناك كلمة نردّدها في كلّ
يوم، وهي: ( إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون) يعني: أن المبدىء والخالق والمؤثّر هو
اللَّه، ثم نقرّ بأنّا نعود إليه مرة ثانية، فمن تكلّمها بلسانه ولم يدركها تكون
لفظة لا أثر لها في النفس، فمثل هذه الكلمات كانت تصنع رجالاً تقف أمام الروم
وفارس، وأذلّوا جبابرة الأرض، ومن عرف معنى: ( لا حول ولا قوّة إلاّ باللَّه) عرف
الكثير من الحقائق، وهذه دروس إسلامية، يعني: لا حول لحاكم ولا لجبار إلاّ بما شاء
اللَّه، فإذا أقرّت نفسه بهذا الأمر صغر كل شيء أمام عينيه.
ونرجىء البحث التربوي
للمحاضرة القادمة إن شاء الله تعالى.
وهناك مسألة سألني عنها بعض
الإخوان، وهي ترجع لكتاب ( الكلم الطيب) للوالد ، يقول القائل: يسمع
من أفواه الناس أنّ الرياء جائز في تعزية مولانا الحسين (ع) ، سواء أكان تبعياً،
أو أصلياً؟
تصوّر البعض خطأً حينما قال:
إنّ من بكى أو تباكى، يعني: رياءاً، بل مَن كان لا يقدر على بكاءٍ فتباكى تحريكاً
للناس لكي يندفعوا للحسين، لكن من تباكى رياءاً حتى تقول الناس هذا محبّ للحسين
يكون رياءاً، فقال الوالد: تعزية الحسين عبادة، ولا يصح فيها الرياء، والرياء يسقط
حتى المستحبات عن الاعتبار، فالرياء من الصفات الذميمة تكشف عن حقارة النفس
وسقوطها، وتحاول أن تخدع الناس جلباً لمرضاتهم، وينسى الإنسان المرائي أن جلب
المرضاة الإلهية لا تقابل مرضاة الناس.
لكن يبقى تساؤل في المقام،
وهو: هل العجب في العبادة كالرياء؟ فمثلاً قد يظن الشخص أن صلاته ليست كصلاة بقيّة
الناس، ويظن أن أعماله أكثر مقبولية؛ لأنه يعرف أكثر من غيره، وأنه يصوم أحسن من
غيره؛ لأنه رجل عظيم، وهذا مرض آخر قد تصاب به بعض النفوس، ولكن المؤمن الحقيقي
يعمل الكثير ولا يرى لعمله قيمة، فنقول: ربّنا عاملنا بعفوك ولا تعاملنا بعدلك.
أما سيرة علي (ع) فقد تقدّم
بالأمس: أنّه اجتمع الصحابة لمبايعة
علي (ع) . ومقدّمة يجب الالتفات إلى أمر، وهو: أنّ بعثة الأنبياء لطف إلهي، وكل إنسان يميّز: أن الصدق خير من الكذب، وهذه أمور فطرية يدركها كلّ إنسان، لكنّ اللَّه لم يكتف بهذا القدر من الرحمة حتى بعث الأنبياء، وبعثته لطف من اللَّه.
علي (ع) . ومقدّمة يجب الالتفات إلى أمر، وهو: أنّ بعثة الأنبياء لطف إلهي، وكل إنسان يميّز: أن الصدق خير من الكذب، وهذه أمور فطرية يدركها كلّ إنسان، لكنّ اللَّه لم يكتف بهذا القدر من الرحمة حتى بعث الأنبياء، وبعثته لطف من اللَّه.
قال العلماء: كل شيء يقرّب
الإنسان إلى العمل الصالح ويبعده عن الجهل والشرك والنفاق و... فهو لطف، فإذن
اللطف ما قرّب إلى الطاعات، وما بعّد عن المعاصي، فمن بعد لطف اللَّه بالأنبياء
تلطف عليهم بأن جعل لهم أوصياء بعد كلّ نبي؛ لكي ينتشر النور الإلهي على وجه
الأرض، وتبلغ جميع المسامع، فقد بعث اللَّه أنبياءه وأيّدهم بجميع القوى، وكل سدّ
أمام دعوة الأنبياء رفعه إذا وجد المؤمنين لم يتمكنوا من رفع السدود، وربما أيّدهم
بالطوفان و... ، فكل نبي بعثه برسالة ينصره اللَّه تعالى في النهاية حتى يمكّن
دينه على وجه الأرض، وإذا تمّت البعثة وانتشر الدين جاء الدور الثاني، وهو: تطبيق
الرسالة على وجه الأرض أيضاً لطف إلهي، لكن لمّا كان اللَّه يريد أن يختبر الناس
ما أمر الأوصياء أن يحكّموا الشرع بالقوة، ولذا فإنّ علياً (ع) تركهم يخططون وهو
جالس يكفّن رسول اللَّه (ص) ، فهو ليس مكلّفاً بتطبيق الشريعة قهراً، ففي مرحلة
إقامة الحق إن جاء الناس يطلبون منه تطبيق الشريعة كان عليه أن يطبّق لهم شرع
اللَّه، لكن إذا ابتعد الناس فليس عليه أن يطبّق الشرع عليهم بالقوة، ولمّا جاؤوه
مبايعين تصوّروا أنّ لهم عطاءً ومالاً وجاهاً ومقاماً خاصاً؛ لكونهم من الصحابة؛ لأن
الخليفة الثاني فضّل المهاجرين على الأنصار، لكن الرسول في إحدى الغزوات جاء يقسّم
الأموال على المؤلّفة قلوبهم حتى قال قائل من الأنصار: كأن رسول اللَّه نسي أصحابه
وأنصاره، فبلغت هذه الكلمة الرسول فجاء بنفسه وقال لهم: ألا تحبّون أن يرجع الناس
بالمال والغنائم وترجعون بمحمّد (ص) ([8][8])
أجل، إنّ العبد المؤمن لا
يشترى بالمال، بل المنافق يشترى بالمال، وقال: ها أنا وأهل بيتي ما أخذنا شيئاً من
المال.
هكذا كانت تربية رسول اللَّه
(ص) ، لكن بعد رسول اللَّه انقلبت الأمة على أعقابها، كما أشار تعالى بقولـه:{ وما
محمد إلاّ رسول...} ([9][9]).
والحمد للَّه ربّ العالمين.
[2][2] ــ شرح الأخبار، القاضي
النعمان المغربي 1 : 407 ، والخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي 1 : 68 ، ح 126
.
[8][8]ــ كما جاء في مسند
أبي الجعد، عن أنس بن مالك، قال: لما كان يوم الفتح وغدت قريش، قالت الأنصار:
والله إنّ هذا لهو العجب، إنّ سيوفنا تقطر من دماء قريش، وإن غنائمنا تقسّم بينهم،
فبلغ ذلك النبي (ص) فأرسل إلى الأنصار خاصّة، فقال: ما هذا الذي بلغني عنكم؟ قال:
وكانوا لا يكذبون، قالوا: هو ما بلغك، قال: أما ترضون أن يذهب الناس بالغنائم، ثم
ترجعون أنتم برسول الله إلى بيوتكم؟ (مسند أبي الجعد، علي بن الجعد الجوهري: 213)
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق