عدالة الصحابة 2
محاضرة لسماحة الأستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني
من جملة البحوث التي تطرح على الساحة منذ فترة قديمة من الزمن
هي مسألة عدالة الصحابة فوقع نزاع حاد بين أتباع أهل البيت وبين أتباع مدرسة
الجماعة والسنة في مسألة عدالة الصحابة فهل هم جميعا عدول وهل هذا يتناسب مع
الكتاب والسنة أي الأحاديث الواردة في الصحابة وهل هذا يتناسب أي العدالة وسنن
الله تعالى التي جرت في أنبياءه السابقين فمذهب أهل البيت يصنف الصحابة إلى أصناف
متعددة فيعتبر منهم الخلص الأبرار الذين ثبتوا ووقفوا ولم يرتدوا على الأعقاب بعد
وفات رسول الله (ص) ويرون منهم المنافقين والجهال والأعراب ومنهم الطوائف المختلفة
وقبل الدخول في البحث وسطر الأدلة من الطرفين في المقام لابد من لحاظ أمر حتى لا
يتصور المتصور يوما من الأيام إن النزاع سينتهي بين الشيعة والسنة معا أو بين
أتباع الأديان في قضايا الحق والباطل فصراع الحق والباطل بدء منذ خلق الله تعالى
آدم عليه السلام ولا ينتهي حتى قيام الساعة كما بينا هذا الموضوع في المحاضرات
السابقة .
المقدمة الثانية التي نحتاجها في الدخول للبحث هي مسألة العقل :
ما جعل الله تعالى أمرا من الأمور ملاذا إلا وكان معصوما من الخطأ فلا يعقل أن
يأمرنا الله تعالى بالرجوع إلى الأنبياء والأوصياء وهم يعيشون الأخطاء من المستحيل
أن يجعل نبيا، وليا من أولياءه ملجأ وهو يعيش الأخطاء فكيف يكون حجة وهو يعيش
الخطأ فكذلك حينما جعل الله سبحانه وتعالى العقل من جملة الملاجئ وأمر بالرجوع إلى
العقل (أفلا تعقلون) ، (أفلا تتفكرون) إلى آخر ما ورد في العقل وقد وردت الروايات
أول ما خلق الله العقل فقال له أقبل فأقبل فقال له أدبر فأدبر فقال بعزتي وجلالي
بك أثيب وبك أعاقب فالعقل بنزاهته قبل أن يتقيد بذل الهوى قبل أن يصبح عبدا لموروث
قبل أن يصبح عبدا للأكثرية وللجبارة والطواغيب قبل أن يصبح مقيدا مكبلا بحجب
الظلمات يرى الحق حقا ببصيرة حديدية كما تشير إلى ذلك الآيات المجيدة في المقام،
وسنجد يوم القيامة أن العقل كان حجة ودليلا علينا جميعا لكن لعل قائلا يقول كيف
يكون العقل حجة والناس فيما بينهم يتنازعون يتصارعون حتى في البيت الواحد لم يحصل
الإتفاق على أمر، لابد وأن نرجع مرة ثانية لنرجع العقل من قيوده وحقائق الجاهلية
فمادام الإنسان يعيش حضارة الجاهلية وإن سمى نفسه صحابيا، تابعا، مواليا ، موحدا
هو ذاك الجاهلي الذي عاش جاهلا ويبقى جاهلا إلى يوم القيامة والخطبة للصديقة
الطاهرة رضوان الله تعالى عليها التي تشير إلى أن الرسول الكريم جاء والناس يعيشون
الجاهلية لا تريد بجاهلية قرشية أن تحدد الجهل، الجهل جهل ولو كان جاهلية نصرانية
ولو كان جاهلية يهودية أو عربية أو أعجمية ، فعلينا أن نعود مرة ثانية ونحاسب
الناس هل نصرف في اليوم ساعة واحدة إن كنا نصرف الثمانية والعشرة لدنيانا هل نصرف
ساعة واحدة لكي نطهر النفس ونزكيها ولكي نتعلم حقائق الأمور لكي لا نعيش خبطا بين
الظلمات والأنوار و الآن نذكر ما تكلم عنه القوم في الصحابة ثم نأتي إلى ما هو
معتقد الشيعة في الصحابة ونرى هذه الكلمات هل تتناسب مع العقل مع الموازين والشرع
لدين الله وللأديان السماوية أم لا ؟
فنقرء بعض مصادر القوم ونذكرها في المقام ، من هو الصحابي عند
أبناء السنة والجماعة؟ الصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنا به
ومات على الإسلام فإذن من جملة تعاريفهم للصحابي هو من لقي النبي الكريم ومات
مؤمنا هذا كلام يحتاج إلى علم غيب، هذه كبرى كلية لا تفيد أحدا في المقام هذه
كلمات لا تميز زيدا عن عمرو من هو الذي لقي رسول الله (ص) ومات على الإسلام مؤمنا
معتقدا برسول الله إلى حين وفاته هذه كبرى لا تشخص مصداقا من المصاديق وتحتاج إلى
بصيرة تتمكن أن تتوغل في أعماق ضمائر المجتمع لتميز من هو هذا الشخص ؟ وسيأتي منهم
على أنه حينما يقول رسول الله (ص) أصحابي أصحابي يقولون ما قصد من أصحابه إلا
المنافقين كيف قصد المنافقين لأنه ما كان يعرف المؤمن الحقيقي من المنافق فيوم
القيامة يصيح أصحابي أصحابي قاصدا المنافقين لا المهاجرين والأنصار إذا كان رسول
الله (ص) لم يعرف ولم يميز المؤمنين الحقيقين من المنافقين فتختلط عليه الأوراق
والأشخاص فيدافع عن المنافقين لأنه ما كان يعرفهم ثم يبين أنه أن هؤلاء أطلوا
النفاق وظننت أنهم من المؤمنين، من عاشرهم ما كان قادرا أن يعرفهم كيف عرفهم من
يدعي المعرفة بهم اليوم أو على طول القرون .
إن كان سيد الكائنات النافذ ببصيرة الإيمان قبل الوحي وقبل كل
شيء إن كان لا يعرف المنافقين لأن النفاق أمر خطير لا يعرفه رسول الله (ص) فلا
أدري كيف يدعي القوم في هذه العصور ما كاشوا في مدينة ولا في مكة المكرمة ولا
عاشوا قربا من الصحابة كيف جاءوا يتبجحون ويفتخرون اليوم بأنهم يميزون المؤمن
الحقيقي عن المنافق ورسول الله (ص) ما كان قادرا أن يميز المنافق فلا أدري كيف
يتكلمون وكيف تمر هذه الكلمات على أناس أكثر من ألف وأربعمائة سنة عاشوا قيود
الجاهلية ظانين أنفسهم مسلمين .
الصحابي هو من لقي الرسول الكريم مؤمنا ومات على الإسلام وهو أي
وهذا التعريف لإبن حجر العسقلاني الإصابة ص10 وما عليه الكثير من علماء السنة
ومحدثيهم كالبخاري وأحمد بن حنبل وغير هؤلاء ، هذا هو تعريفهم للصحابة .
وقال آخرون الصحابي من حدّث بحديث عن النبي أو غزى معه، فإن
وجدنا الشخص روى حديثا فهو صحابي وإن وجدناه غزى مع النبي ولو غزوة واحدة فهو
صحابي و إذا عرفنا بأنه صحابي جزمنا بأنه عادل لأن الصحبة تكفي لكي يكون الشخص
عادلا.
وقال قوم آخرون كل من رأي الرسول الكريم صلى الله عليه وآله
وسلم صحابي وكلهم عدول فقال الكثير من علماء السنة إن جميع الصحابة عدول يجب
الاعتقاد بنزاهتهم ولم يخالف في ذلك إلا شذاذ من المبتدعة أي الشيعة، فكل من رأى
الرسول الكريم كان مؤمنا فياليته رأى الرسول فقط بل كان عادلا وما خالف في ذلك إلا
شذاذ من المبتدعة وهم الشيعة.
هذه هي اكثر الكلمات للعلماء المتقدمين من السنة فجاء بعض
المتأخرين فوجدها سخرية قد لا تتلى عل كثير من المتأخرين كيف يمكن القول بعدالة
أمة كاملة فوجدوا مثل هذا الكلام الذي لا ينطلي على الأطفال ساق المتقدمين اللجاج
والعناد الطائفي الأحقاد والكثير من الأمور الأخرى الذي سنشير إلى بعضها فوجد مثل
هذا الكلام غريبا عجيبا قد لا ينطلي حتى على البسطاء والمبتدئين في المدارس فجاء
ليصلح ما أفسده القوم طيلة أربعة عشر قرنا فقال : فرق بين الصحابة لغة وعرفا وشرعا
الصحابة لغة لها معنى فمن صحب الشخص يسمى صاحبا له ولو صاحبه في الطريق و القران
أطلق حتى على الكفار أنهم أصحاب الأنبياء فكيف يمكن أن نقول الصحبة بما هي صحبة
فإذن الصحبة لغة لا نريدها، العرف يسمي الشخص صاحبا إذا عايشه سنوات فالعرف يسميه
صاحبا قال هذا أيضا لا يمكن أن نسميه صحابيا فإذن جاء بعض المتاخرين ليخرج الامة
المحمدية صلى الله عليه وآله وسلم عن عنوان الصحبة وقال هذا مفهوم لغوي وجاء ليخرج
من عايش الرسول الكريم فترة من الزمن وقال هذا لا يسمى من الصحابة إلا عرفا، من هم
الصحابة؟ قال الصحابة هم المهاجرون والأنصار قبل الحديبية كل من كان من المهاجرين
والأنصار قبل صلح الحديبية ويدخلون تحت الآية الشريفة كما سيأتي بيانها هؤلاء هم
الصحابة .
إذا كان هؤلاء هم الصحابة كما سيأتي فماذا تصنع مع مثل الخالد
بن الوليد ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وما شاكل هذه الوجوه الذي أسلم
الكثير منها قبل فتح مكة بأيام أو أشهر والكثير منهم من خلطاء مكة المكرمة أو من
عتقاء ثقيف الذين أعتقهم رسول الله (ص) ماذا تصنع مع هؤلاء وأنت تروي روايات كثيرة
كثيرة أن أصحابي أصحابي؟ من سب أصحابي فقد سبني ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله
سوف يلقيه الله على منخريه في النار، قال أصبحنا نتردد في أمثال معاوية لأنه سب
عليا (ع) ونتردد فيمن ناصر معاوية من الأنصار لأنهم قتلوا عمار بن ياسر رضوان الله
تعالى عليه ونتردد في خالد بن الوليد هل تشمله الصحبة أو لا تشمله الصحبة فإخواني
نبشركم أنا وصلنا في هذا العصر أن يتردد البعض ولو كان بعض الشر أهون من بعض لأنهم
وجدوا الكلام لا يمكن أن ينطلي بعد اليوم فجاءوا ليترددوا الان في خالد بن الوليد
وما شاكله أنهم تجاوزوا الحدود على من كانوا مسلمين قبل صلح الحديبية فهؤلاء من
المشكل أن نقول بعدالتهم .
حسن بن فرحان المالكي مؤلف كتاب يقول فرق بين مفهوم الصحابة لغة
فهي تعني الملازمة وما ورد في الكتاب المجيد فهي تطلق ولو على العدو وقد جعل الله
تعالى بعض الأنبياء أصحاب الكفار كقوله تعالى (وما صاحبكم بمجنون) فعبر عنه بصاحب
القوم وهم كفار وقال تعالى (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك) فالصحبة
بما هي هي لا تفيد مدحا ولا ذما ولذا قد يقال فلان حسن الصحبة أو سيئ الصحبة فإذن
لا تفيدنا دليلا ضد القوم وهم الروافض.
وقال رسول الله (ص) (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل
والمقتول كلاهما في النار)
قيل له هذا حال قاتل فما
بال المقتول قال إنه كان حريصا على قتل صاحبه فسمى الظالم والمظلوم لأنهما تقاتلا
بأصحاب وكل منهما خارج عن المنهج فكيف يمكن أن ندعي أن الصحبة بما هي صحبة لرسول
الله ص تكون مفيدة.
وقد رووا عن النبي ص ( في أصحابي إثنى عشر منافقا) : إن كان
يريد المنافقين بما هم منافقون لا يسميهم أصحابي ويقول فيهم فالمنافقون كانوا
كثيرين فإذن يريد أصحابه من المهاجرين والأنصار فها أنتم تقرون أن رسول الله (ص)
يقول فيهم إثنى عشر منافقا يقينا لا يريد المنافقين كعبد الله بن أبي سلول ولا
يريد أمثال هؤلاء من الذين يعرفهم الصغير والكبير.
النفاق من النفق وهو الشيء الذي يكون غير واضح، نفق ظلماني يقوم
به الإنسان بمظاهر بيضاء وبواطن سوداء يتمكن أن يعيش الإزدواجية التامة بأن يجمع
بين مظاهر البياض والتقوى والإيمان والزهد ويكون في باطنه سوادا محظا ومطلقا، هذا
هو المنافق الحقيقي أما مثل عبد الله بن أبي سلول المسمى برئيس المنافقين فهذا ليس
إلا طالبا من طلاب المنافقين الحقيقييين ولذا كان مكشوفا لو كان منافقا حقا لما
كان مكشوفا للصغير والكبير وسيأتي في الآيات أن الله سبحانه وتعالى يخاطب نبيه
الأكرم لا تعلمهم نحن نعلمهم، فلو كان النفاق كنفاق عبد الله بن أبي سلول مكشوفا
واضحا لكل أحد لما خاطب الله سبحانه وتعالى نبيه الأعظم بأنك لا تعلمهم نحن نعلمهم
وسنتكلم إن سمح الوقت هل المراد بعدم العلم هو أن الرسول الكريم ما كان يعرف
المنافقين المحقيقيين أو المراد أنه بحسب ذاته لو لا المدد الإلهي ما كان يعرف
المنافقين الكثير من الكلمات الواردة بالنسبة إلى رسول الله (ص) لا تريد أن تقول
أنه ما كان يعلم بل إنما تريد أن تشير إلى عدم العلم الذاتي لرسول الله (ص) .
وقال لما طلب منه البعض أن يقتل عبدالله بن أبي سلول لا حتى
يتحدث الناس أن محمدا (ص) يقتل أصحابه فإذن رسول الله (ص) حتى على مثل عبد الله بن
أبي سلول كان يسميه صحابيا ثم يقول الصحبة الشرعية: لا يصح إطلاقها إلا على
المهاجرين والأنصار وعليه فلا تشمل الأعراب والمنافقين والطلقاء من قريش والعتقاء
من ثقيف فالايات لم تمدح هؤلاء أبدا فكيف أجمعت الأمة اكثر من أربعة عشر قرنا أنه
لا يجوز الكلام على معاوية ولا يجوز الكلام على كثير من الذين دخلوا في الإسلام.
أرجوا التوجه: الحكم وقع بأيدي مسلمة في الفتح إلى قرون حكم بنو
أمية وبنو العباس وهؤلاء لا سابقة لهم في الإسلام إن أردنا أن نكف اللسان عن
العباس فبها ونعم وإلا فالعباس ما جاء ليسلم إلا في دورة متأخرة إن لم نقل ما جاء
قبل الفتح بأيام، بنو العباس وبنو أمية هم الذين تصدوا إلى الزعامة الإسلامية بعد
رسول الله (ص) وفي زمانهم كتب التأريخ وفي زمانهم كتب الحديث لأنه منع المسلمون من
كتابة الحديث والسنة النبوية على عصر الخلفاء المتقدمين حتى وصل الأمر أن يقول
راوية الإسلام أبو هريرة : جمعت وعائين من رسول الله (ص) فأما أحدهما فبثثته وأما
الثاني فلو بثثته لقطع هذا البلعوم، فخوفا على بلعومه المكرم الشريف ترك نصف شريعة
رسول الله (ص) بادعاءه في صحيح البخاري وفي مسلم ولا ننسب نحن إليه مثل هذه النسبة
فلا ندري أعمل بالتقية متتلمذا على أيدي الشيعة في تركه لوعاء كامل من شريعة رسول
الله (ص) فكان مقلدا للشيعة في هذا الأمر أو كان يخاف من الأول أو الثاني أو
الثالث أو الرابع فلمَ ترك شريعة رسول الله (ص) إن كان تركها وخاف من إبدائها في
زمن معاوية بن أبي سفيان لأنه طاغية من الطواغيت فلم تركها اكثر من ثلاثين سنة
ليصل الأمر إلى خلافة معاوية وهو من المقربين عنده وإن كان خاف على بلعومه من
الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع فإذن هو يتهم هؤلاء الذين يسميهم جميعا القوم
بالخلفاء الراشدين يتهمهم بالإستبداد فلا ندري كيف يكون هذا هو راوية الإسلام.
والحمد لله رب العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق