الخميس، 25 أبريل 2013

@ الإمام المهدي المنتظر المحاضرة رقم 8



المحاضرة الثامنة

محتملات في كيفية تطبيق نظام العدل

  تقدم البحث أنه بضرورة العقل و إجماع المسلمين و بما دل من الآيات و الأخبار التي تجاوزت حد التواتر عند المسلمين سنة و شيعة و بما يستفاد من الشهود العرفاني و البرهان الفلسفي لابد من تحقيق الغاية من بعثة الأنبياء و هي لا تتحقق إلا بمنقذ بشري يخرج الشرائع من مرحلة الفرضية إلى واقع التطبيق حتى لا تكون رسالات السماء على وجه الأرض عبثا بلا تحقيق غاية و لتقام بذلك أيضا الحجة الإلهية على الماضين و الباقين إلى قيام يوم الدين .
لكن قد يقع البحث هاهنا من جهة ثانية و هي انه كيف تتحقق الشريعة بقيمها و مثلها العليا و مكارم أخلاقها و كيف تطبّق على يد منقذ البشرية المهدي الموعود (عج) و الحال البشر نفس البشر و القوم أبناء القوم و قد مرّ بالقوافل البشرية من هو أعظم شأنا من المهدي ألا و هو محمد سيد الكائنات (ص) و ما اهتدى على يده هذا الإنسان على صعيد عالمي.
فكيف يمكن أن نتصور تطبيقا للشريعة على يد مهدي آل محمد (ص) و الحال أن شريعة السماء يجب أن تطبق بموازينها بمعنى أنه يجب تطبيقها مع بقاء كون الدنيا دار اختبار و اختيار مضافا إلى كون الدين لا إكراه فيه و إن الله عزوجل لو أراد أن يجعل الناس أمة واحدة لجعلهم أمة واحدة بحيث لا يبقى لأحد مجال للتنازع في قضية توحيد أو نبوة أو عدل أو إمامة أو أمر عقلي أو شأن من شؤون الشريعة و أحكامها و لجعلهم جميعا منقادين لأئمة الهدى و الأولياء المخلصين و الحجج الذين جعلهم تعالى منار هدى على وجه الأرض لكنه أراد أن يقيم الحجة بواسطة الأنبياء و الأوصياء للأنبياء و عباده الصالحين مع حفظ جميع السنن و النواميس الإلهية التي أجراها على وجه الأرض بالنسبة إلى الأمم السابقة و إذا كانت هذه هي المقاييس المتبعة في المقام و أنه تعالى لا يريد هيمنة بالقهر و السلطان الإلهي فلابد عندها من طرح احتمالات لنرى ما هو الأكثر قبولا بحسب الشرع و العقل لكيفية تطبيق نظام العدل الإسلامي:

الإحتمال الأول :

أن يقال أن الشريعة تطبّق على وجه الأرض على يد المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بواسطة هيمنة ولاية تكوينية إلهية تسلب الناس اختيارهم حتى يصبحوا كأداة لتنفيذ الحق بلا إرادة و اختيار لقهر سلطان الله تعالى بحيث يجد الناس أنفسهم أنهم لا ملجأ و لا مفرّ لهم من إعمال الحق و السير على طبقه كما يكون ذلك عند مشاهد يوم القيامة حيث ظهور السلطان الإلهي حينما يصبح الناس مع وجود الإرادة لا حول و لا سلطان لهم في ساحة المحشر.
فهل فرض الهيمنة التكوينية بمثل هذا النحو لتطبيق الشريعة يكون محتملا معقولا لإقامة دولة الحق ؟
فنقول في الجواب : لو أراد الله تعالى أن يظهر سلطانه بما يدعو لاستسلام الناس للحق كمسلوبي الارادة و أن يجعلهم كأدوات لتنفيذ الحق لكان قادرا أن يسلب البشرية الاختيار منذ خلق آدم Bلكن هذا الأمر مع كونه تعالى أراد الدنيا دار اختيار و اختبار ليجعل الدنيا مختبرا للعقول و ميدانا للتصارع بين الحق و الباطل لا يجتمعان .
و هذا النهج من الإعمال للهيمنة التكوينية الإلهية لا يتناسب أيضا و الغاية التي خلق الله الدنيا من أجلها لسير البشر نحو الكمال المطلوب للعروج نحو الله عزوجل و سنن الله تعالى على وجه الأرض باقية إلى قيام الساعة .

الإحتمال الثاني في المقام :

أن تطبق الشريعة على العالم لا بهيمنة تكاد أن تسلب الاختيار و تلجيء الناس لقوة السلطان الإلهي بل لإعمال من العلم يكشف الناس في كل حركاتهم و سكناتهم حتى بالنسبة إلى ما يمر في خواطرهم لو دعاهم الباطل إلى مخالفة الحق فيصبح الناس يخافون حتى من دقائق الرياء و مزالق النفاق لأنهم يجدونه مكشوفا لدى القائمين على النظام الإسلامي .
و لتوضيح المراد نضرب مثالا فنقول : لو أن إنسانا فكّر في باطل سيشار إليه و لو عن طريق ذبذبات تفهمه أن المهدي "عج" أو أنصاره علموا بذلك فابتعد عما أنت عليه و إلا فستؤخذ أخذ عزيز مقتدر .
فإذا وجدت البشرية هكذا سعة من العلم نافذ في كل شيء يكشف ضمائر الناس لدى النظام الاسلامي القائم بحيث يكشف المنافقين بنفاقهم و يفهمهم إن القادة علمت بهم و كذا يفهم المرائين و أصحاب المطامع و الشهوات و الرغبات و يحذرهم مغبة ما يفكرون فيه و إن عليهم أن ينتهوا و إلا فسيعرّضون أنفسهم لما يناسب من الجزاء اللازم .
و بالجملة يجد الناس أنفسهم منكشفين كيوم المحشر لنظام العدل الإسلامي فلا تخفى عليه من أمرهم خافية .
فهل هذه الفرضية تكون من المحتملات العقلية التي تطبّق لاقامة نظام العدل الإسلامي على وجه الأرض و هل بهذا النهج يصبح المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف حجة على الماضين و الباقين .
نقول : إقامة دولة الحق بهذا النحو أيضا من المستبعد جدا لأن البشرية التي تصبح بهذا النحو منكشفة لدى قادتها و القادة مع ذلك دائمة التحذير و التوبيخ لها لا تبقى هذه الفرضية مجالا لميدان الباطل و صراعه مع الحق و هو فرض لا يبعد عن فرض سلب الاختيار أو الالجاء إلى عمل الخير و الابتعاد عن الشر لأن البشرية التي تحس أنها مكشوفة بكل ما هي عليه حتى في خواطر أفكارها لا يعقل أن تقدم على باطل أو حتى تفكر فيه و يكون السير على الصراط المستقيم أمرا لا مفر منه و لو كان يفعله الإنسان بارادة و اختيار و هذا لا يتناسب و سنن الله تعالى في أرضه و كون الدنيا دار اختيار و الختبار.
نعم الرسول (ص) كان يعرف المنافقين و خططهم و لكن كان يعاملهم معاملة من لا يعرف شيئا من بواطنهم و سوء مؤامراتهم و كذا عاشر المرائين و غيرهم من المنحرفين عن الصراط المستقيم ما لم يظهروا شرهم بقول أو فعل و عليه فلا يأتي المهدي ليهتك الستور كما تهتك الستور يوم القيامة .
فهذا الفرض إذن بعيد عن مجال إقامة دولة الحق و مجاري السنن الإلهية فإنه كيف يكون حجة و مثالا لاقامة دولة رسالات السماء و الناس كالمضطرين إلى عمل الحق و الابتعاد عن الباطل .

الإحتمال الثالث في المقام:

أن يمد اللهعزوجل وليه الأعظم (عج) بالملائكة الكرام و أن يظهر للبشرية الجنان و النيران و أن يبين لهم الكثير من أمر الغيب أو يكشف ذلك لهم كشف عيان و شهود بصر و أن يجعل الله تعالى مناديا ينادي بين السماء و الأرض قائلا : أيها الناس اعلموا أن جميع الشرايع قد انتهى أمدها و لا شريعة اليوم إلا شريعة محمد (ص) و هذا مهدي آل محمد (ص) جاء ليقيم دولة العدل و الحق .
فهل يمكن أن تطبق شريعة السماء بهذا النحو و تكون حجة على الماضين و الباقين و تكون بها محفوظة السنن و النواميس الإلهية التي أجراها اللهعزوجل على وجه الأرض لتبقى الدنيا دار اختيار و الختبار و مختبراً للعقول و ميدانا لنزاع و صراع الحق و الباطل ؟
نقول : بعد فرض هذه المشاهد لا يبقى مجال لتفكر أحد بباطل فضلا عن الاقدام عليه فهو فرض مستبعد أيضا و إلا فالله عزوجل و هو القادر أن ينهي نزاع البشرية في كافة الميادين توحيدا و نبوة و غيرهما ما فعل ذلك يوما من الأيام لتبقى دار الدنيا مزرعة للآخرة كل ذلك ليتوصل الناس بعقولهم إلى الواقع و بإرادتهم إلى إعمال الحق لا بمجرد مدركاتهم الحسية و مبلغ رقيها المشترك مع بقية العجماوات.


الإحتمال الرابع في المقام :

أن يظهر الحق تعالى في دار الدنيا للبشرية بأسماء القهر و الجبروت كما سيظهر بذلك يوم القيامة حينما ينادي المنادي > لمن الملك اليوم لله الواحد القهار.
نعم قد ظهر تعالى في دار الدنيا بما يناسب المقام ببعض أسماء القهر بقدر و ذلك من أجل أن يتضرع الناس و يرتدعوا عن غيهم و مسالك ظلماتهم لكن الظهور بحسب الغالب و التمام كان لمظاهر أسماء الجمال و اللطف و الحكمة حيث دل المرزوق على الرازق و المخلوق على الخالق و المحكم على الحكيم و المصنوع على الصانع .
فنقول أيضا أن هذا الفرض لاقامة دولة الحق بعيد عن سنن الله تعالى في خلقه في دار الدنيا لأنه تعالى بظهوره باسماء القهر و الجبروت لا يبقى أيضا مجالا لصراع الحق و الباطل و لمزالق الأقدام في وديان الظلمات أو الشبهات فالظهور بهذه الأسماء بإطلاق الكلمة شأن عالم القيامة لا دار الدنيا .
نعم هناك من صدقوا ما عاهدوا الله عليه و هم الخلص من عباد الله عزوجل فإنهم رأوا الله عزوجل بجميع أسمائه و صفاته جمالا و جلالا ، لطفا و قهرا في دار الدنيا بسلامة الفطرة و بصيرة الإيمان فهم قد شاهدوا الله عزوجل ملكا مهيمنا أحدا فردا صمدا لا شريك له و لذا لا يصابون بخوف و فزع يوم الفزع الأكبر و لا يضطربون لأنه لا جديد عليهم يدعوهم إلى ذلك و هم كانوا قبل ذلك عباداً لله مخلصين و يأبى الله أن يجمع على عباده المؤمنين خوفين خوف دار الدنيا و الآخرة معا.
و لذا لا تختلف حالة عن حالة أخرى بالنسبة إلى أولياء الله تعالى و لو كشف لهم الغطاء لما هم عليه من شهود الحق تعالى بجميع أسماءه و صفاته .
فهذا الفرض أيضا بعيد جدا تحقيقه لاقامة دولة الحق لأنه كسوابقه يخرج الدنيا عن كونها دار اختبار و اختيار لصيرورة الناس منقادة للحق خوفا لظهور سلطان الله تعالى بمظاهر أسماء القهر و الجبروت و الهيمنة .
الاحتمال الخامس في المقام:

أن تقام دولة الحق بواسطة استعمال الحجة المنتظر ولايته التكوينية بأن يتصرف في العالم بما آتاه اللهعزوجل من العلم و الهيمنة على الأسباب و هو أولى ممن أحظر عرش بلقيس لما هو عليه من علم الكتاب فضلا عن العلم ببعض الكتاب الذي كان عليه وصي سليمان و أي نسبة بين أوصياء محمد (ص) و وصي سليمان مهما كان سليمان من عظيم الدرجة و المقام .
فالله عزوجل الذي سخر الريح لسليمان و منح الجن سلطانا يحضر عرش بلقيس قبل أن يقوم سليمان من مقامه قد جعل بالولاية المطلقة و العلم بتمام الكتاب وصيا من أوصياء محمد (ص) بإذنه تعالى قادرا بولاية تكوينية من التصرف في العالم و لكن هل يعمل هذه الولاية لاقامة دولة الحق لتكون هي الأساس لهذه الدولة ؟
نقول ذلك أيضا بعيد عن سنن الله تعالى في أرضه التي أرادها دار اختيار و اختبار و هل بالولاية التكوينية يصبح حجة على الماضين و الباقين و تكون دولة حق مع موازين لا إكراه في الدين أم تكون كانقياد الجن لسليمان و أكثرهم لذلك كارهون.

الإحتمال السادس في المقام :

أن تسير الأمور لتحقيق دولة الحق بمجاريها العادية كما جرت في عهد الأنبياء و المرسلين و الأوصياء و الصالحين من تقوية نفوس المؤمنين و دعمهم بقوة الإيمان و بالأسباب الخفية و عند عجزهم من إزالة السدود أمام الحق يرفع الله تعالى تلك السدود كما رفعها عن محمد و موسى و نوح و غيرهم من الأنبياء الكرام تارة بإهلاك طاغوت ككسرى و جبابرة قريش و تارة بطوفان و أخرى بإغراق لمدعي الربوبية كفرعون .
و بعبارة أخرى أن هناك سيرا عاديا نصر الله عزوجل به أولياءه على وجه الأرض حيث قوّى نفوس المؤمنين و أنزل عليهم السكينة و أمدهم بجنود لم يروها من الملائكة الكرام و غير ذلك من المدد المحسوس و غير المحسوس و لو بنسيج العناكب على جدران غار أو بابه.
فنقول عندها : هل في زمن ظهور دولة الحق لاقامتها تجري هذه المقاييس أم لابد بمدد فوق ذلك ؟
الذي يبدون أن المدد الإلهي يكون بأكثر مما أمد به أولياءه على وجه الأرض لاقامة دولة العدل على وجه الأرض ما لم تخرج الدنيا عن كونها دار اختبار و اختيار .
و هل الإعداد لدولة الحق تشترك فيه عدد أمور و معدات مختلفة يكون لبعض المحتملات السابقة و غيرها شأنا بقدر في تحقيق دولة الحق و إقامة العدل الإلهي؟
و لعل ما ورد من كونها تستمر سبع سنين أو تسعة إنما هو إشارة لزمن تمام قوامها و نفوذها على وجه الأرض و ليس هو تمام أيام حكومته عجل الله تعالى فرجه الشريف لأن تحكيم موازين العدل و تأهيل المجتمع لحضارة إسلامية بحسب السير الطبيعي يحتاج إلى زمن أطول من ذلك ما لم تتدخل المشيئة الإلهية بنحو خارج عن المجاري العادية الطبيعية و هو تعالى على كل شيء قدير.
فإذن ما أشارت إليه بعض الروايات من كون حكومته سبع سنين أو تسعة لعله يشير إلى زمن تمام سلطانه و عظم هيمنته على وجه الأرض و إن كان قبل ذلك من زمن الدعوة إلى التحكيم المطلق قد استدعى أكثر من ذلك بكثير و عليه فلا مانع من القول بأن الدعوة تبدأ سرا ثم تأخذ بالإعلان و يستغرق ذلك عدة سنين و يصمد في خلال هذه السنوات المؤمنون و يقدّمون العديد من الشهداء و يمد الله تعالى المؤمنين بنصره المبين لازالة جميع السدود التي تقف أمام دعوة الحق و العدل الإلهي .
فيزداد المؤمنون ثباتا و اشتياقا إلى ربهم و يزداد عددهم و تقوى شوكتهم و تأخذ الدعوة بالانتشار حتى تضرب أركانها على وجه الأرض و تحصل على قاعدة جماهيرية عامة قبل أن تصبح دولة ذات سيادة على وجه الأرض ثم بعد ذلك يعلن وجودها في مكة المكرمة ثم ينتقل امرها إلى العراق حيث عاصمة الولاية الكوفة عاصمة علي عليه السلام فيغزوا المؤمنون العالم بكريم خلقهم و عظيم علمهم لا بسيوف دمويةتزرع الاحقاد و تفتح أسواق الرقيق و تذل البشر بدلا من هديهم إلى الصراط المستقيم بنور العلم والإيمان كما صنع المسلمون باسم الجهاد طيلة القرون الماضية فكانوا سيوف نقمة لا رحمة على وجه الأرض .
فيصبح المؤمن أسوة بحميد فعله قبل قوله تتأسى به سائر المجتمعات فينفذ بعظيم خلقه في القلوب ليغزوها قبل أن تفتح له البلاد حتى ينتصر المؤمنون بقيم الرسالة عدلا و علما انتصارا باهرا.
الاحتمال السابع في المقام :

أن تسبق الدعوة حروب عالمية ثم هو عجل الله تعالى فرجه يقوم أيضا بحرب عالمية تبلغ الدماء فيها الركب فيقتل في هذه الحرب طواغيت الأرض و كل مخالف و سد إمام الدعوة من منافق و ماكر و من بعد ما تصفّى الأرض من رؤساء الشر و الجريمة و ينتصر على كافة دعائم الشر و الجريمة يقيم عندها دولة الحق و العدل على أرضية خالية من الطواغيت و المجرمين و المكره و المنافقين .
فهل يكون هذا من المحتملات العقلية المتطابقة مع السنن الإلهية التي أجراها الله تعالى لأجل تحكيم دولة الحق و العدل على وجه الأرض ؟
نقول : لا نريد أن ندعي أن حكم الله عزوجل على وجه الأرض يتحقق بكل سلم و سلام بلا أي إراقة دم مع وجود المعاندين و الحاقدين و الطواغيت و الجهال و غيرهم من العواعق لمنهج الحق الإلهي و لكن القول بقيام دولة الحق على أساس قوة السيف كسبب رئيسي بعيد كل البعد عن شريعة بنيت على الحرية و لا إكراه في الدين و ما جرى من الفتح باسم الإسلام بعد رسول الله (ص) لا يمت إلى الإسلام بأي صلة فهو عدوان و حب للزعامة و الفتح و جمع الجواري و الغلمان باسم الدين و إلا فهل أصبح المسلمون أكثر قوة و أشد عزما بمجرد وفاة نبيهم رائد السلام و هل كان محمد(ص) حجر عثرة في طريق المسلمين و هيمنتهم على وجه الأرض.
فلماذا إكتفى الرسول بالمدينة و مكة التي كان فتحها فتحا دفاعيا لايقاف العدوان القرشي و لم يقم بما قام به المسلمون من بعده من البسط للشريعة بسطا جغرافيا بضياع قيم الرسالة و مبانيها و مثلها العليا و المتتبع لما يسمى بالفتح الإسلامي و ما جرى فيه من سفك للدماء يرى ذلك جليا لو لم يصب بنزعة العصبية و تقديس الرجال على حساب الدين و بالأخص إذا نظر إلى الأمور بمنظار أبناء الدنيا فخورا بأسلاف فاتحين و لو كانوا ليلا للديار محاصرين و صباحا لأهلها قاتلين و لذراريها و حسناواتها مقسمين ثم قبل وصول الخبر إلى مدينة أخرى متحركين ليصنعوا بها ما كانوا قبل يوم فاعلين .
و تفصيل هذا البحث و كون الأديان لا يعقل أن تبنى على السيف و العدوان و أن الدين قرار نفسي لا تقوّمه في أعماق النفوس صوارم الفاتحين المسترقين للآخرين محل آخر يأتي في الأجزاء الأخر إن شاء الله تعالى.
و عودا على بدء نقول لا يقام عدل الله تعالى و دين الرحمة للعالمين على وجه الأرض بقتل أكثر أبناء الدنيا و قد عرفنا من الشرايع أ ن السيف لا يتجاوز حدود ردع المعتدين فهو أداة دفاع عن قيم الرسالة و أهلها و ما كان يوما من الأيام متجاوزا ما حدده الله عزوجل له و السيوف التي تجاوزت هذه الحدود ما كانت بأيدي أهلها من دعاة الإصلاح و السلام بل بأيدي أبناء الدنيا باسم الدين و كم يا إلهي ظلمت البشرية باسم الحق و العدل و السلام و الحرية و الديمقراطية و الأديان السماوية .
و كم من طاغوت قتل الأحرار و استقرق الناس باسم الله تعالى و رسوله و الأئمة الميامين خلفاء رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم.
ربنا طهر الأرض من المنافقين و الدجالين براية رائد السلام حقا مهدي آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم فقد ضاقت الصدور و نفد الصبر من فعلة هؤلاء الماكرين الذين أذلوا عبادك طيلة القرون باسم شرعك القويم ليومنا هذا .
و إن عدل الله تعالى على وجه الأرض لا بد أن تحمله نفوس البشرية لما تشاهد من لطف و رحمة و علم و عدل و مثل و قيم و لا يمكن أن تقام دولة العدل تحت ظلال السيوف .
فالضامن بعد صلاح القائد و القيادة و رجال الإيمان و عظيم الرسالة لهذه الدولة هي النفوس البشرية حينما ترى الحق و العدل عيانا لا إدعاء يكذبه الوجدان كما شوهد في أغلب الديار الإسلامية.
و لا يمكن أن يكون الضامن لاقامة دولة الحق هو السيف و إلا لضمن بقاء أقوى الدول في هذا القرن الاخير أو التي مضت و أصبحت من أحاديث الغابرين مع بقاء الأديان في نفوس الناس مر القرون و الأجيال حينما كانت مستقرة في قلوب المجتمعات البشرية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق