القضاء والقدر الإلهي المحاضرة رقم 6
كتبت هذه المحاضرة من محاضرة صوتية ألقيت
قبل سنوات في الكويت
لسماحة الأستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني
كان
البحث على مسلك العرفاء والفلاسفة أما العرفاء فمسلكهم في باب الإختيار يكون واضحا
لأنه ما من شيء في دائرة الوجود والإمكان إلا وهو مظهر من مظاهر الحق تعالى وآية
من آياته فالكون والعالم الإمكاني علامة على الحق سبحانه وتعالى وإذا كان العالم
علامة بكل أبعاده بعالم تجرده ومادته لابد و أن تكون الأسماء والصفات الإلهية
ظاهرة في العالم لمن كان بصيرا يشاهد الآيات فكل شيء يحمل الأسماء والصفات الإلهية
على اختلاف بعد الايات والصفات فكل صغير وكبير وكل قريب وبعيد من الحق تعالى لابد
وأن يكون مظهرا من مظاهر الحق يحمل الأسماء والصفات وإذا كان يحمل الأسماء والصفات
لابد وأن تكون الأسماء والصفات الإلهية متجلية ظاهرة متجددة في عالم الإمكان ليكون
العالم الإمكاني بكله وتمامه يظهر ويحكي الأسماء والصفات فهذا مخلوق يحكي الخالية
وهذا مرزوق يحكي الرازقية وهذا مدبَر يحكي المدبِّرية وهذا محكم متقن يحكي إسم
الحكيم والكل خاضع منقاد يحكي إسم العزيز وهكذا ما من شيء إلا وهو مظهر من مظاهر
الحق سبحانه وتعالى سواء كان أمرا كبيرا أم صغيرا أو كان كلمة تامة إلهية
كالأنبياء والأوصياء فلابد من مظاهر للعلم الإلهي تظهر في السماوات والأرض فيكون
الممكن مظهرا من مظاهر العلم فالملائكة مظهر من مظاهر العلم، البشر مظهر من مظاهر
العلم والقدرة والإرادة الإلهية وأكبر مظهر لكل الأسماء والصفات الإلهية الجامع
لجميع الأسماء والصفات الإلهية هو سيد الكائنات محمد (ص) فإذن طبقا لناموس ولقانون
الآيات، طبقا لكون العالم علامة لابد وأن تظهر الأسماء و الصفات ومن الأسماء
والصفات العلم والقدرة والإرادة أي الإختيار فلابد للإختيار الإلهي من مظاهر في
عالم الإمكان فأكبر مظهر للقسم الإلهي وهو الإختيار الناشئ عن العلم والقدرة
والإرادة هم الأنبياء والأوصياء فاختيارهم ظهور للإختيار الإلهي والقدرة الإلهية
والعلم الإلهي فلا يعقل ولا يمكن أن تكون هناك أسماء وصفات لها ظهور توصلنا
لمعرفتها ككونه تعالى قادرا ومريدا وعالما أي أنه مختار ولا يكون في عالم الإمكان
مظهر لهذه الأسماء والصفات فإذن هذا الإسلام وهو الإختيار الناشئ عن صفاته المعينة
لابد وأن يكون موجودا وأكبر مظهر لمظاهر الحق سبحانه وتعالى هو الإنسان الكامل
فلابد وأن يكون الإنسان مختارا وإلا لم تكن مظاهر لبعض الأسماء والصفات الإلهية
فإذن على مسلك العرفان لابد وأن يكون الإنسان مختارا لكي تظهر في مرتبة الفعل بعد
مرتبة الأسماء والصفات الإلهية آيات الله علائم الله وتكون الأسماء والصفات بالفعل
متحققة في الخارج ولا تحقق لها بمظهرها الأتم إلا في الوجود الكامل وهو الوجود
الإنساني الذي هو أكمل موجود على وجه البسيطة.
أضف
إلى ذلك ما دل من الشرع القويم على أن الإنسان خليفة الله والخليفة لابد وأن يكون حاملا
لما هو من شأنه فلا يكون خليفة إلا إذا كان مظهرا للإسم الأتم الإلهي وهو الله
الشامل لجميع الأسماء والصفات الإلهية فإذن الدليل الثاني أو الدليل الشرعي المحكم
للدليل العرفاني على كون الإنسان مختارا هو كون الإنسان خليفة لله على وجه الأرض
فلا تتناسب الخلافة مع عدم كونه مظهرا من مظاهر الأسماء والصفات بجمع الكلمة لكي
يكون مظهرا لإسم الله الذي جامع لجميع الأسماء والصفات لإثبات الإختيار البشري
وافية كافية سواء من طريق الخلافة والشرع أو من طريق الآية والعلامة والظهور
للأسماء والصفات الإلهية التي يجب أن تكون ظاهرة بعلائمها فلا يعقل ولا يمكن أن
تختفي بعض الأسماء والصفات ولم يكن لها من مظهر، هذا مسلك العرفان في موضوع
الإختيار .
ثم
بدءنا بالبحوث الفلسفية السهلة حتى نصل هذه الليلة إلى البحوث الصعبة ثم نجيب عن
صحتها وعما يمكن أن يورد عليها، قال الحكماء بأن الضرورة قاضية باقتناء أفعالنا
إلينا ، إن الضرورة أي البداية قاضية وحاكمة بأن أحكامنا مستندة إلينا، كل إنسان
يحكم على نفسه ويرى نفسه التي تفعل الأفعال من حسن إلى خبيث وهذا أمر يقول الحكماء
لا يحتاج إلى دليل ولا برهان لأن الأمر الفطري لا تقام عليه البراهين فلا يقال لأحد
لم تقول إن العدل خير من الظلم لأن الفطرة البشرية حاكمة بكل طبقات البشر موحدين
كانوا أو كفارا، مسلمين كانوا أو يهودا أو نصارا، بأن العدل حسن وهو خير من الظلم
وهكذا الكثير من الأمور الراجعة إلى الفطرة البشرية لا تقام عليها البراهين لأن
البراهين تقام على الذي لم يجده الإنسان من ذاته أما الوجدانيات أي ما وجدها
الإنسان في ذاته هذه لا تقام عليها البراهين، فكذلك أن بعض أعمالنا مستندة إلينا
فهذا أمر بديهي فطري وجداني أولي لا تقام عليه البراهين وكل واحد منا يعرف على أن
الكثير من أعماله هي مستندة إليه بإرادته وعلمه واختياره فنقوم ونأمر وننهى ونؤمر
فنمتثل أو لا نمتثل وهذه الأمور ليست من الأمور المحتاجة إلى دليل أو برهان ولذا
أحال المسألة في قضية الإختيار الكثير من أكابر الفلاسفة إلى البداهة وقالوا إن
الضرورية والوجدان قاضية باستناد أفعالنا إلينا فالإختيار لأفعالنا من الضروريات
وإنكار الحسن والقبح المنسوب إلى الأشاعرة إنكار للفطرة البشرية.
من
بعد ما جئنا لنقول إن إنتساب أفعالنا إلينا أمر ضروري يمكن أن نتخطى مرتبة الفطرة
لكي نتكلم ببعض الكلمات إن لم يتقبل الإنسان مرتبة الفطرة فنقول اللوم على الأخطاء
من أنفسنا ومن غيرنا دليل على أن الفطرة تشعر بواقع إذا خالفناه نلوم أنفسنا على
تلك الأمور ، مادام الضمير حيا وما دام الإنسان يقضا يلتفت إلى نفسه في كثير من
الموارد، ما دمنا نتصارع في داخلنا بين جنود الرحمن والشيطان، مادمنا نعيش الصراع
الداخلي في داخل أنفسنا نشاهد من أنفسنا بوضوح أن النفس تلوم على كثير من الأمور،
الإنسان قد يجوز لنفسه وقد يجوز لنفسه عدوانا عرضيا ماليا إجتماعيا على الآخرين
لكنه مادام حيا بحياة فطرية بشرية تراه يؤنب نفسه ويلوم نفسه على ارتكاب مثل هذه
الأمور .
من
جملة الأمور التي يمكن أن تكون أيضا من الأدلة على وجود الإختيار في الإنسان تبدل
الناس من الكفر إلى الإيمان ومن الإيمان إلى الكفر، لو كان الإنسان مجبورا على
الموبقات، لو كان الإنسان لا يتمكن أن يتخطى الأخطاء لا يتمكن أن يتخطى الكفر
والعصيان لما أمكن أن تتبدل البشرية أو يتبدل بعض الناس من إيمان إلى كفر أو من
كفر إلى إيمان والتأريخ أكبر دليل على الساحة الخارجية على أن البشرية كم وكم من
إجتماع كان يعيش الظلمات ثم انتقل بواسطة نبي أو وصي إلى النور والإنتقال من حالة
إلى حالة من موبقات إلى طيبات ومن عصيان وكفر إلى طاعة و إيمان اكبر دليل على أن
الإنسان مختار، لو كان مختارا لوجدنا من بداية الحياة العاصي والكافر عاصي وكافر
إلى آخر حياته ومن كان مؤمنا يسير في هذا الطريق إلى آخر حياته ولم يتبدل الناس من
حالة إلى حالة فكم من مؤمن ارتد على الأعقاب فصار كافرا وكم من إنسان كافر جاء إلى
الهداية وهذا التأريخ الإسلامي اكبر دليل على أمة انقلبت على الأعقاب بعد وفاة
رسول الله (ص).
من
جملة الأدلة التي يمكن أن نستدل بها إتفاق البشرية مسلمين كانوا أو كفار أو يهود
أو نصارى على جعل قوانين جزائية للمتعدين والمتخلفين عن القانون، فلو كانت مثل هذه
الأمور جبرية للمسها الإنسان بفطرته قبل أن يكون منتميا إلى أي جهة من الجهات، وإذ
بنا نرى أنه حتى الشيوعيين لهم قوانين جزائية ويجازون الإنسان المتخلف على القانون
فلو كان الإنسان مجبورا لما اتفقت الأمم جميعا قديما وحديثا على عقاب المتعدي على
القانون على مجازاته سواء بقانون جزائي إسلامي أو مدني قديم أو حديث .
ومن
جملة الأدلة الفطرية التي يمكن أن نستدل بها على كون الإنسان مختارا توقف الإنسان
عن جرائمه حين الإحساس بالخطر فلو كان الإنسان مجبورا لما اختلفت حالته في موارد
الأمن والسلطة وفي غير موارد الأمن والسلطان تراه متعديا ومجرما إذا أصبح حاكما
متعديا على رقاب الناس وتراه يتوقف عن العدوان والظلم إذا لم يجد سلطانا وقدرة على
تنفيذ مآربه.
تتميما
لمسألة الإختيار على مسلك العرفان نستشهد بهذا الحديث الشريف وهو الحديث القدسي
(عبدي أطعني تكن مثلي أقول للشيء كن فيكون وتقول للشيء كن فيكون) فإذن ما هو من
شأن الله سبحانه وتعالى من الأسماء والصفات جعلها الله تعالى للبشر أيضا فكان
البشر أكبر علامة وآية لله يجسد في مرحلة الفعل الأسماء والصفات الإلهية ومن جملة
الأسماء والصفات الإلهية العلم والقدرة والإرادة الإلهية والله لابد له من آيات ،
وكل إسم من أسماء الله سبحانه وتعالى لابد له في عالم الإمكان من آية وعلامة ولذا
سمي العالم عالم أي علامة على الأسماء والصفات الإلهية فلابد من آية تدل على
الأسماء والصفات الإلهية واكبر دليل على إظهار وتجسيد الأسماء في مرتبة الفعل هو
الإنسان فالانسان مظهر الإختيار الإلهي لأنه لابد لكل إسم من آية كما قلنا في أول
البحث لابد للخليفة من أن يكون مشتملا على ما هو من شأن المستخلف فلابد وأن يكون
الإنسان الذي هو خليفة مختارا لكي يكون خليفة لله سبحانه وتعالى وهذا حديث يرتبط
بالإختيار على مسلك العرفاء.
قال
الفلاسفة إن الله تعالى وجود لا متناهي فهو محض الخير ولا يصدر منه إلا الخير
والعدم ظلمة فكل وجود بمقدار وجوده هو يطرد العدم لكن لا يمكن أن تكون الوجودات
الإمكانية طاردة للعدم بما هو عدم لكونها ضيقة محدودة وإذا كانت محدودة ضيقة الله
تعالى للانهاية وجوده ولكونه وجودا واجبا بالذات طرد العدم طردا محضا وطرد بفعله
العدم والشر على قدر كل وجود بسعته الوجودية والإنسان أوسع موجود على عالم البسيطة
والواقع فطرده للشر والعدم يكون اكثر وليست السعة سعة مقدارية كي تقاس بمتر أو
مترين أو بوزن منٍ أو منين المراد من السعة سعة الوجود بما لديه من قيم وموازين
فالرسول (ص) اكبر طارد للشر وللعدم في دائرة الإمكان ومن بعده الأنبياء والأوصياء
كل على قدره ومن بعدهم الملائكة وهكذا ننزل إلى عالم المثال وإلى المتقين من أهل
الله حتى نصل إلى أنزل مرحلة من مراحل الوجود كالحجر وما شاكل هذه الأمور فإنها
طاردة للعدم لكنها بقدر ما فكل وجود إمكاني لأنه ليس بوجود لم يحد بحد، فقد حد
بالشرور فقد اكتنفته الماهيات والحدود وإذا أحاطته الماهيات والحدود فلابد وأن
يكون شرا على قدر حديته الوجودية فكل وجود هو خير و نور من قبل الله تعالى لكنه شر
على قدر حده وماهيته وإذا كانت الماهية شرا الماهية ليست بجعل من قبل الله تعالى
الله جعل الوجود وطرد به العدم ولا نستطيع أن نقول لم هذا أصبح سعيدا وذاك شقيا
لأن هذا ذاتي والذاتي لا يعلل .
والحمد لله رب العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق