سيرة
آدم عليه السلام 2
كتبت من محاضرة صوتية
ألقاها سماحة الأستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني
في سوريا قبل سنوات
هناك نقاط لابد من
الالتفات إليها في مسألة وقصة آدم عليه السلام مما يجب التأمل فيه مسألة السجود
لآدم عليه السلام وأنه كيف يصح السجود له على جلالة قدره والسجود من خصائص الحق
سبحانه وتعالى فلا يجوز لأحد أن يسجد لأي مخلوق سوى الله سبحانه وتعالى، النقطة
الثانية التي لابد من الالتفات إليها (وعلم آدم الأسماء كلها) ما هو المراد من
الأسماء التي علم الله تعالى آدم عليه السلام، المسألة الثالثة التي ينبغي
الالتفات إليها مسألة الخلافة هل هي خلافة لآدم عليه السلام في الأرض لكي تكون
مرتبطة بشأن أرضي وهل الخلافة المشار إليها هي خلافة لله في الأرض أم هي خلافة آدم
عليه السلام لمن كان يعيش في الأرض قبل آدم فحينما انتهى دوره سواء كان من عاش على
وجه الأرض بما يسمى النسناس قبل الإنسان وقد وردت روايات عن الأئمة عليهم السلام
بناء على صحتها على أن خلقا كان يعبد الله سبحانه وتعالى على وجه الأرض آلاف
السنين قبل خلق آدم عليه السلام غير الجن الذين عاشوا ومنهم الفسقة ومنهم
المؤمنون.
مسألة السجود لآدم عليه السلام: يجب أن نلتفت
قبل أن ندخل إلى البحث عن السجود أن الأمور قسمها العلماء إلى ثلاثة أقسام: ما كان
حسناً ذاتاً وما كان قبيحاً ذاتاً وما كان فيه اقتضاء الحسن أو فيه اقتضاء القبح،
الفعل الذي لا يوصف بحسب نفسه لا بحسنٍ ولا بقبح، نضرب أمثلة حتى تكون كمقدمة
لمعرفة السجود هل هو من القسم الأول أو الثاني أو الثالث في المقام.
يقول العلماء في المقام إن الظلم فعل قبيح
ذاتاً فلا يمكن أن نتصور أي مصداق من مصاديق الظلم يكون حسناً فكل فعل صدق عليه
أنه ظلم لابد وأن يكون قبيحاً بلا استثناء، ولذا قالوا لا يمكن أن نتصور صدور
الظلم من الله سبحانه وتعالى لأنه قبيح والله تعالى لا يفعل القبيح فإذن القسم
الأول من الأقسام الثلاثة ما كان قبيح ذاتا كالظلم فلو صدر من أي شخص في أي مكان
في أي زمان يكون قبيحا ويكون فاعله مذموماً وهناك ما هو حسن ذاتاً كالعدل فكل فعل
اتصف بالعدل فإنه يوسم ويوصف بالحسن ويمتدح فاعله عليه فإذن الظلم يذم صاحبه عليه
ويستحق العقاب الإلهي والعدل يمتدح فاعله عليه ويستحق الثواب الإلهي، الظلم والعدل
فعلان أحدهما حسن ذاتا ولا يمكن أن يوصف بعدم الحسن والثاني قبيح ذاتا ً ولا يمكن
أن يوصف بعدم القبح ذاته حسنة كالعدل، ذاته قبيحة كالظلم وهذا يسمى بباب الحسن
والقبح الذاتيين العقليين.
وهناك بعض الأمور فيها اقتضاء الحسن
واقتضاء القبح يعني لو نظرنا إليها بحسب نفسها لاستحقت أن توصف بالحسن كالصدق، ولو
نظرنا إليها بحسب نفسها لاستحقت أن توصف القبح كالكذب، فالكذب فيه اقتضاء القبح
والصدق فيه اقتضاء الحسن والمدح لكن رب صدق يذم فاعله عليه لو التجأ في بيتك وليٌ
من أولياء الله وكانت الحكومة الظالمة لا تعلم به فالنفرض الملتجأ أبوذر مثلا أنت
لا تتردد في كونه من أولياء الله تعالى فجاء مأمور الدولة من قبل ظالم كالحجاج طرق
الباب ففتحت الباب فسألك نحن نطارد أبي ذر هلا دخل في دارك أنت تقول أنا صادق لا
أكذب هاهو دخل في داري فاقبضوا عليه هل تمتدح على مثل هذا الصدق، عرضت ولياً من
أولياء الله لهلاك بيد طاغوت كأمثال الحجاج هل تنتظر من ربك يوم القيامة أن يدخلك
الجنان لصدقٍ؟ كلا، فالصدق ما هو عليه من الشرع والعظم قد يصف الصادق أحيانا
بالمذمة لا بالمدح، ورب إنسان في بعض الأحيان يكذب ويمتدح على الكذب أنت من الجائز
لك إذا وجدت أخوين مؤمنين مختلفان فيما بينهم يجوز لك أن تقول لأحدهما مررت قبل
ليلة أو ليلتين على زيد فوجدته متألماً لخلافه معك ووجدته يريد الحجة لترجع الأخوة
والمودة السابقة فوجدته يمدحك في كثير من الأمور والحال أنه ما امتدحه ولا تكلم
بأي كلمة، يجوز لك أن تتكلم بمثل هذه الكلمات لتجعل التوافق عائداً بين أخوين
مؤمنين هذا كذب لكنه أجازه الشارع من أجل أن تقرب بين قلوب المؤمنين فإذن الصدق
والكذب مع كونهما من الأمور الحسنة أو القبيحة لكن رب صدق يكون مذموما ورب كذب
يكون ممدوحا عليه الإنسان، بكذبة خلص نبياً أو ولياً من يد ظالم، فإذن بعض الأفعال
كالظلم والعدل ذاتاً موصوفة بالحسن أو القبح ولا تتبدل أبدا وبعض الأفعال ذاتاً لا
توصف بالحسن والقبح إلا بحسب المقتضي يعني فيها دواعي الحسن كالصدق وفيها دواعي
القبح لكنها قد تتبدل وتتغير فتكون مع كونك صادقا مذموماً لأنك بصدقك أدخلت أعداء
الله على المؤمنين .
وهناك فعل لا يوصف بنفسه لا بحسن ولا بقبح
كأن تقوم وتقعد ولا يسمى قيامك هذا بالقبيح ربما الآن تقوم وتتوجه إلى باب الدار
وترجع مرة ثانية إلى مكانك فعلك هذا بما هو فعل لا يوصف بحسن ولا يوصف بقبح لكن لو
دخل مؤمن وعبد صالح فقمت تكريما له قربة إلى الله تعالى إجلالا لعباد الله
الصالحين تثاب على هذا القيام وتجازى عليه يوم القيامة لأنك كرمت عبدا مؤمنا وفي
يوم آخر يقوم شخصا لطاغوت من طواغيت الأرض لا خوفا منه بل تقربا إليه يريد أن يجل
طاغوتا لعله ينال من دنياه شيء يذم عند المؤمنين ويعاقب عند ربه يوم القيامة لمَ
أكرمت جبارا مجرماً وشجعته على جريمته وكنت من أعوان الظلمة فالقيام للمؤمن يمتدح
عليه الإنسان والقيام للجبار المجرم يذم عليه الإنسان والقيام بما هو قيام لا يمدح
ولا يذم عليه الإنسان، السجود إخواني من هذا القبيح، من قبيل القسم الثالث ، رب
إنسان بدون التفات ولعله نائم قام وصار بهيئة الساجد، السجود بما هو سجود لا يثاب
عليه لأنه نائم ما لم يكن بنية الخضوع والطاعة والتذلل لله، الفعل بما هو فعل لا
يوصف بصفة مدح أو ذم فالسجود بما هو سجود يكون بدواعي مختلفة، عند أمة إذا أرادوا
أن يكرموا عالم دين يقبلون يده وعند أمة لا يقبلون يد العالم لأنه ليس من سننهم
وقد يحترمون علماء الدين مثلا بتقبيل جبهة، وفي بلدة أخرى ترى طريقة مختلفة لتكريم
العلماء هذا أمرا ثابتا عند الأمم جميعاً، وهكذا نرى الأمم مختلفة في إظهار
تكريمهم لمن يريدون إكرامه فإظهار التكريم يكون بكيفيات مختلفة بحسب آداب الأمم
ورسومها وليس أمرا ذاتيا اللون الأسود أسود عند كل أحد والماء ماء عند كل أحد هذه
أمور ذاتية لا تتغير باعتبار المعتبرين، يقول العلماء السجود من الأمور الاعتبارية
فتارة يسجد الإنسان عبادة وتارة يسجد الإنسان تعظيما وتارة يسجد تحية وتارة يسجد
شكرا لمنعم وتارة يسجد طلباً لمغفرة وما شاكل هذه الأمور.
سجود إخوة يوسف وأبويه ما كان سجود عبادة
وإنما كان من الأبوين تكريما لعمل يوسف عليه السلام ومن الإخوة بعد ما غفر لهم
زلتهم كان شكرا لغفران ذنبٍ، فكان السجود من بعد ما غفر لهم تلك الأعمال كان
لغفرانه ذنبهم فالسجود بما هو سجود من القسم الثالث، إذا كان هذا واقع السجود
فسجود الملائكة لآدم عليه السلام وأمر الله سبحانه وتعالى بذلك من أي نوع؟
لا شك ولا ريب أن كل فعل إذا كان عبادة لا
يجوز لأي أحد أن يكون، لا يجوز أن تعبد نبياً ولا وصيا ولا أما ولا أباً ولا أي
شخص آخر، العبادة مختصة بالله سبحانه وتعالى فهي محرمة لغير الله سبحانه وتعالى
لكن الفعل لما كان يختلف باختلاف الدواعي فقد يسجد الإنسان بداعي التعظيم أو
التكريم أو التحية أو أي شيء آخر فقال كثير من الأعلام إن السجود الذي كان بالنسبة
لآدم عليه السلام هو سجود تعظيم وتجليل لعظيم خلق الله سبحانه وتعالى، الله يقسم
بالسماوات والأرضين ولا يجوز لنا أن نقسم، الله سبحانه وتعالى يجوز له أن يأمرنا
تعظيما لمخلوق من مخلوقاته لنلتفت على أنه لا سبيل للرقي والقرب منه إلا بهذه
الواسطة فأراد أن ينبه تعالى الملائكة أجمعين والجن على أنه لا يتصور متصور منكم
على أنه يستطيع أن يصل إلى قرب إلهي بدون وساطة الإنسان الكامل ولذا نقول الأنبياء
واسطة في التشريع، يعني لا يمكن ومن المستحيل أن نتوصل إلى شرع الله سبحانه وتعالى
ووحيه وإلهامه الخاص بأنبياءه بدون الإنسان الكامل كآدم عليه السلام وكسيد
الكائنات محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
عندنا روايات عن الرسول الكريم يشير فيها
إلى أنه في بعض الأحيان يخاف على العبد الصائم المصلي اكثر مما يخاف على العبد
الفاسق! أمن المعقول أن يخاف الله سبحانه وتعالى على العبد المؤمن اكثر مما يخاف
على العبد الفاسق، رب عبدٍ مؤمن يصاب بالغرور لعبادته، هل هناك مثلي من يصلي ولا
يترك حتى المستحباب ويصوم ثلاثة أشهر في كل سنة، وهل هناك مثلي وأنا أحج في كل سنة
قربة إلى الله تعالى بعد إسقاط الواجب وما من سنة إلا وأنا أعتمر المرة والمرتين
فيصاب بالغرور فيظن أن الله سبحانه وتعالى مدين له لكثرة عباداته ونسكه، إبليس
أصيب بهذا، 6000سنة عبد الله تعالى فأصيب بالداخل بالكبر والعجب هل هناك من هو في
السماوات والأرض أن يتوصل إلى مثل هذا القرب وأنا الجن العابد الزاهد فأخذ الكبر
ينمو في داخله ظانا أنه ليس هناك في السماوات والأرض وليس هناك من مخلوق يمكن أن
يتوصل إلى القرب الإلهي كما هو فيه وهذه من الأخطار التي يجب أن نتنبه إليها.
فالله سبحانه وتعالى يريد أن يقول أيها
الناس إعلموا إن العبادة قد تكون خطراً كما كانت لإبليس خطراً، الوصول إليَّ
بالعمل الخالص مع العلم، ضربة علي عليه السلام يوم الخندق تعادل عمل الثقلين أو
عبادة الثقلين إلى يوم القيامة، ضربة تعادل عمل الثقلين نعم لأنها خرقت حجب النور
بخلوص العمل فالإنسان عليه أن يلتفت على أن الله سبحانه وتعالى في مسألة السجود
يريد أن يقول أن السجود لآدم عليه السلام ما كان سجود عبادة وإنما كان إظهارا لعظم
آدم عليه السلام لأشير إلى الخلائق طراً من أراد الوصول إليَّ من غير طريق
الأنبياء كان خاطئا فلا كمال إلا عن طريقهم ومن يدعي معرفة الله سبحانه وتعالى
بدون أن يأتي خاضعا إلى الأنبياء يعيش الأوهام ولذا تقول الرواية عن الإمام الصادق
عليه السلام قال: أمر إبليس بالسجود لآدم فقال يا رب وعزتك إن أعفيتني من السجود
لآدم لاعبدك عبادة ما عبدك أحد قط (هذا كبرياء، من تصور في نفسه بأنه يعرف اكثر من
الله سبحانه وتعالى طرق العبادة) فقال تعالى إني أحب أن أطاع من حيث أريد كيف يعبد
الله سبحانه وتعالى عبادة لا يعبده أحد مثلها وهو يتهم الله تعالى في علمه حينما
ظن أنه أشرف من آدم عليه السلام كيف يعبد الله عبادة لا يعبدها أحد وقد اتهم الله
في عدله، فمن يتهم الله في علمه وعدله ويريد أن يتوصل إلى الله سبحانه وتعالى من
غير طريق أمره الله سبحانه وتعالى بالتوصل إليه بعد كل هذا يمكن لمثل إبليس أن
يدعي على أنه يعبد الله عبادة والعبادة كما ورد كانت عبادة أبي ذر اكثرها التفكر
في ذات الله، العبادة ليست بكثرة صلاة، ركعتان من رسول الله (ص) تعادل ركعات
البشرية إلى قيام الساعة لعلمه ومعرفته بالله ليس العمل بكثرته العمل بخلوص النية
وببعد المعرفة.
والحمد لله رب العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق