سلسلة من المقالات في الثوار والرايات إجابة على سؤال احد الاخوة في مسألة أصحاب الرايات والثوار التي تقوم قبل قيام القائم
المقالة السادسة
كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت
ومن
الأخبار صحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه السلام قال : (كل راية ترفع
قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عزوجل ).
وعن أبي جفعر عليه السلام انه قال : (كل راية ترفع قبل راية القائم فصاحبها طاغوت) وبهذا المضمون روايات أخر.
فراح
ليعلق بعض الاعلام على هذه الروايات قائلا ان الدعوة على قسمين دعوة الى
النفس وهي باطلة ودعوة لنقض الباطل واقامة الحق وارجاعه الى اهله فهي مؤيدة
من الائمة عليهم السلام ثم قال ومرادهم عليهم السلام بالراية هاهنا
الرايات الداعية الى النفس في مقابل الحق لا في طريقه ومسيره وعلى نهجه
ولذا عُبّر عن صاحبها بالطاغوت وأنه يعبد من دون الله تعالى .
أقول
لا اظن ان احدا خالي الذهن عن توجيهات بعض الموجهين يقرأ مثل هذه الروايات
الواضحة الدلالة الشاملة لكل راية ترفع قبل قيام القائم ويتردد في ذم صاحب
الراية الداعي الناس الى الدخول تحتها المدعي أنه من سيقيم لهم دولة الحق
والعدل ويخلصهم من الظلم وكيف يمكن ان نتقبل مثل هذه التوجيهات والتعليقات
من بعض الاعلام والروايات مصدرة بأداة العموم لكل راية و مذيله بالتحذير من
هؤلاء الذين يرفعون الرايات وكيف يمكن ان نأتي نحن بتبع الذوق والاستحسان
بالمخصص لهذه العمومات ونقول ان العموم هاهنا مخصص بالرايات التي تدعوا
لانفسها في مقابل الحق فيا للعجب من هو الذي يميز صاحب هذه الرايات من أنها
في مقابل الحق او في طريقه , فتخصيص الرايات يكون بلا مخصص فكيف نعطي
المؤمّن للناس بان التي في طريق المهدي لا تراد هنا ولا ندري ايضا ضمائر
الناس ومن يميز لنا من هي في طريق المهدي (عج) ومن هي في مقابله ولو كانت
مثل هذه الرايات واضحة المخالفة لطريق المهدي كرايات ابناء العامة لما
احتاج الائمة عليهم السلام ان يحذروا شيعتهم منها فاذن هي رايات ترفع
بواسطة أناس بين حين و آخر يمكن في حقها وقوع الشبهة والالتباس على الشيعة
كمن كان يرفعها في عصر الائمة عليهم السلام من بني هاشم وكان الائمة يحذرون
منه الشيعة فكذا هي بالنسبة الى كل رافع راية من الشيعة يدعي انه الرجل
الذي سيقيم للشيعة رايةالحق ويخلصهم من الظلم.
ولو
كان الامر كما حاول البعض تفسير الاحاديث به لكان من الاولى ان يقال ايها
الناس سترفع رايات كثيرة في زمن الغيبة فاحذروا من بعضها وتأكدوا فقد يكون
حاملها طاغوتا يعبد من دون الله عزوجل فيكون تحذيرا وتنبيها من رايات المكر
باسم الدين لا ذما لكل راية ترفع , فالاتيان بالمخصص من قبل البعض لا أرى
له اي وجه من الوجوه ابدا الا استحسانا وتبريرا لبعض ما جرى ويجري على طول
التأريخ باسم الدين وبالجملة لا أظن ان احدا يقول للناس او للشيعة بالخصوص
هلمّ إلي لأقيم لكم دولة اسلامية لإحقاق الحق واقامة العدل ولا يكون مشمولا
لمثل هذه الروايات الصريحة الواضحة في التحذير والذم.
ومن
الروايات ايضا مرفوعة حمّاد ابن عيسى عن علي بن الحسين عليهم السلام قال :
(والله لا يخرج احد منا قبل خروج القائم إلا كان مثله كمثل فرخ طار من
وكره قبل ان يستوي جناحاه فاخذه الصبيان فعبثوا به ).
فعلق
بعض الاعلام على هذه الرواية قائلا : ربما يتبادر الى الذهن في هذا السنخ
من الاخبار كونها من مختلقات عمّال الامويين والعباسيين لصرف السادة
العلويين عن فكرة القيام في قبال مظالمهم مضافا الى ان الظاهر من الخبر انه
ليس في مقام بيان الحكم الشرعي بل هو اخبار غيبي بأن الخارج منا اهل البيت
قبل قيام القائم لا يظفر ويمكن ان يكون المراد (منا) خصوص الائمة الاثني
عشر لا جميع العلويين حيث ان شيعتهم كانوا يتوقعون منهم الخروج , فأراد
الامام ان يخبروهم ان الذي يقوم منا لا يوفق قبل قيام القائم فلا يصح ان
يستدل بها على السكوت وعدم الدفاع عن الاسلام والمسلمين في قبال هجمة
الكفار وعمالهم اذا تحققت الشرائط و ظُن النجاح .
أقول
اولا: مع وجود الامام المعصوم نفسه الذي ينسب اليه الخبر لا معنى لفرضية
ان يكون الخبر مختلقا لصرف السادة العلويين عن فكرة القيام فإن مثل هذه
الفرضية انما تقال بالنسبة لنا في هذه القرون التي لا امام معصوم فيها
حاضرا بأن يقال ان بعض الاخبار ربما اختلقت لمثل هذه الغايات اما مع وجود
الامام عليه السلام وتمكن العلويين من الوصول اليه فمثل هذه الفروض لا معنى
لها وكذا لا معنى لمثل هذه الفرضية بأن يختلق الحكام على لسان امام سابق
مع وجود امام لاحق حاضر يتمكن العلويون من الوصول اليه والاطلاع على صحة
الخبر او كذبه.
وثانيا:
اي معنى لقيام علوي او تثبيط عزيمته عن القيام من قبل الحكام وهو يعيش
حياة امام معصوم وحكمه كأي شيعي آخر بلا أي مائز من أنه لا يجوز له ان يعمل
اي عمل الا باذن الامام عليه السلام وكيف يقوم قائم من العلويين بلا إذن
الإمام وكيف تثبط عزيمته وهو قادر من استعلام الامر من امامه وان قام
العلوي بعنوان انه علوي في مقابل الأموي والعباسي ووجد نفسه اولى بهذا
الامر منهما فمثل هذا كلام غير معقول ولا مقبول لأنها شريعة الرحمة والسلام
وليست بشريعة قبلية يمتاز فيها الاموي و العباسي عن العلوي وللأنبياء
وأوصيائهم الكرام شأن لا ربط له بأي قبيلة او أمة وقول القائل ان الظاهر من
الخبر انه ليس في مقام بيان الحكم الشرعي بل هو اخبار غيبي بان الخارج منا
اهل البيت قبل قيام القائم (عج) لا يظفر فأقول كيف يمكن لأحد ان يرفع راية
ويدعو الناس اليها وهو يرى ان الامام (ع) اخبر انها لا تفلح على طول
التاريخ حتى ظهور القائم (عج) وأن صاحبها ان انتصر فهو طاغوت وان لم ينتصر
فهو كفرخ طار قبل ان يستوي جناحاه الدال بمظمونها على جهل القائم او ضعفه
في حين ان مثل هذه الرويات على الرغم من كونها اخبارا عن غيب لكنها واضحة
الدالة من حيث الدواعي التحذيرية والارشادية الى عدم صحة هكذا عمل ولكن لا
ننسى ان كلامنا ليس في ما لو جائت الامة بنفسها وطلبت من عبد مؤمن ان يقيم
لها دولة الحق ولكن تقدم منا انه لو وجدت هكذا امة لما تأخر الظهور للحجة
عجل الله تعالى فرجه الشريف .
تنبيه مهم
وصفت
هذه الروايات رافع الراية المعنون لها بانها راية حق لإقامة دولة اسلامية
بوصفين احدهما انه طاغوت من حيث نفسه وان تظاهر بمظاهر الصديقين والابرار
وثانيهما انه لجهل الناس و قوة تلبيسه عليهم الحق بالباطل يعبد من دون الله
تعالى ولم تصفه بالخاطيء او المغرر به إلا ما تقدم من الرويات التي تقول
لا يخرج منا احد قبل خروج القائم الا كان مثله كمثل فرخ طار من وكره ….الخ
فإذن
كل من يدعي انه من يحقق الحق والعدل للناس قبل قيام القائم الداعي الناس
للدخول تحت رايته لإسقاط الانظمة هو من تشمله هذه الاحاديث وهي تماما في
مقابل ما لو جائت الامة على فرض وعيها وطلبت من رجل صالح ان يحقق لها الحق
حيث تدخل تحت قاعدة (لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر…..) وسيأتي
تمام البحث عن هذه الروايات ان شاء الله تعالى.
وأما
قول القائل بأنه لا يصح السكوت وعدم الدفاع عن الاسلام والمسلمين في قبال
هجمة الكفار وعمّالهم اذا تحققت الشرائط وظن النجاح لوجود مثل هذه الاخبار.
فنقول
: أولا ليس الكلام عن السكوت وعدمه وعدم الدفاع عن الاسلام والمسلمين في
مقابل هجمة الكفار وعمالهم اذا تحققت الشرائط وظن النجاح لأن ذلك من مسلمات
العقل والشرع وإنما الكلام في جواز رفع راية من شخص يدعي انه واثق من
ايمان نفسه و قدرتها على تحقيق الحق والعدل لو استلم مقاليد الأمور داعيا
الناس للدخول تحت هذه الراية بدعوى انها راية حق لإقامة العدل ودفع الظلم
عن المجتمع.
وثانيا
عدم رفع راية لإسقاط الأنظمة ليس معناه السكوت عن ظلم الظالمين وعدم
التصدي لهم فقد تصدى لهم على طول التأريخ رجال الله من الأنبياء وأوصيائهم
وعباد الله المخلصين كما و أنه ليس معناه عدم الدفاع عن الاسلام والمسلمين
بل يجب على كل مؤمن ومؤمنه بيان الحق في مقابل الباطل مهما أمكن كما وأنه
يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كذلك على صعيد الشريعة لا على صعيد
الأمر بالصلاة والنهي عن الخمر فقط الذي لا يتصادم مع مصالح الحكام
الظالمين المتظاهرين بالدين والتقوى.
وثالثا
مسألة الدفاع عن الاسلام والمسلمين في مقابل هجمة الكفار ضرورة من ضروريات
العقل والدين فيما لو كان الدفاع ممكنا كالدفاع عن النفس والعرض والمال
ولا يختلف في ذلك اثنان فيكون مثل هذا الكلام من القائل خروجا عن محل البحث
لأن محل البحث هو رفع راية بإسم الدين لإقامة دولة اسلامية في مقابل
الحكام المتظاهرين بالإسلام كالذين حكموا طيلة هذه القرون باسم الدول
الإسلامية سنية او شيعية ليومنا هذا.
ومن
الأخبار ايضا ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام : (ما خرج وما يخرج منا
أهل البيت إلى قيام قائمنا أحد ليدفع ظلما او ينعش حقا إلا اصطلمته البلية
وكان قيامه زيادة في مكروهنا وشيعتنا ) فراح ليعلق على هذا الخبر بعض
الأعلام قائلا إضافة على الخدشة في سند الخبر واحتمال كون هذا السنخ من
الاخبار من مختلقات ايادي خلفاء الوقت لصرف العلويين عن الخروج عليهم ان
المراد على فرض صدروه ليس هو بيان الحكم الشرعي وان الخروج جائز او غير
جائز بل بيان أمر غيبي تلقاه الإمام من أجداده وأن الخارج منا لا ينجح
بالمائة مائة بحيث لا تعرض له بلية وليس كل مكروه حراما قطعا بل عسى ان
تكرهوا شيئا وهو خير لكم ثم على فرض كون الخبر في مقام بيان الحكم الشرعي
فهو مرتبط بأهل البيت فلا يجوز التمسك به للسكوت منا في هذه الأعصار.
أقول
قد تقدمت المناقشة في حمل هذه الاخبار على كونها من مختلقات خلفاء الوقت
لصرف العلويين عن الخروج على حكّام الوقت وأما النقاش في السند فيجبر بكثرة
هذه الروايات في وحدة مضمونها التي تعطي القاريء الإطمئنان بصدورها منهم
عليهم السلام وكذا تقدم الكلام عما يتعلق بكونها بصدد بيان أمر غيبي وليست
بحكم شرعي حيث يكفي ذلك لعدم رفع الراية لإسقاط الأنظمة وذلك لأنه حق شعب
يجب ان يراد من قبلهم ثم تكون التلبية لمطالب الشعب من قبل من يراد منه ذلك
ولو فرضنا وجود هكذا امة صالحة مريدة لنظام اسلامي عارفة بأبعاد الشريعة
لما تأخر امر خروج القائم (عج) ليومنا هذا.
وأما
قول القائل أنه يستفاد من الحديث ان الخارج منا لا ينجح بالمائة مائة بحيث
لا تعرض له البلية فلا أدري كيف يستفاد من هذا الحديث الواضح مثل هذا
الاحتمال وكيف يصل أمر الاخبار الى مثل هذه التوجيهات وقد كنا نستغرب من
توجيهات وتأويلات ابناء العامة لكثير من الروايات الواردة في الإمامة
وأفضلية الإمام علي عليه السلام حتى وجدنا ان الغايات كيف توجه الروايات
وإلا فقول الامام عليه السلام ما يخرج منا اهل البيت الى قيام قائمنا احد
ليدفع ظلما او ينعش حقا الا اصطلمته البيلة وكان قيامه زيادة في مكروهنا
وشيعتنا فلا ادري من اي مقطع من امثال هذه الاحاديث يستفاد ان الذي يقوم لا
ينجح بالمائة مائة.
نعم
لوقال القائل يستفاد من مثل هذه الاحاديث ان الشعوب لابتعادها عن الحق حتى
ولو سعى منا الساعي لخلاص الامة من ايدي الظالمين فلخذلانهم اياه فإنه لا
ينجح لكان اولى من مثل هذه التأويلات والتوجيهات كما و أنه لو قال قائل انه
يستشم من مثل هذه الاحاديث انه الى قيام القائم الله سبحانه وتعالى
اختبارا لخلقه و ان كان هو أقدر القادرين لا ينصر مثل هذه الرايات ما لم
تصلح الأمة الاسلامية حتى تتم الحجة على البشرية بنصر دينه في آخر الزمان
على يد قائم آل البيت لتتم الحجة على الماضين والباقين إتماما لمقادير حكمه
و بيانا بأن الخلل وعدم الحق ليس في الرسالات السماوية ولا في حامليها
الحقيقيين بل انما كان ويكون في ابتعاد الامم عن الحق في واقع ضمائرهم وان
نسبوا انفسهم الى الاديان وكثر الادعاء منهم بانهم بالله عزوجل وآياته
كانوا موقنيين وبالاخص تذييل الروايات بالقول وكان قيامه زيادة في مكروهنا
وشيعتنا فإنه يدل وبوضوح على عدم نصر الناس لراية الحق ومما يدل ايضا على
ان القائم الحامل لهذه الراية على طول التأريخ ليس أهلا لها حتى تحمل
بواسطة صاحبها وهو مهدي آل محمد لأن الروايات وصفت هذه الريات بأنها زيادة
في مكروهنا و شيعتنا ولم تصفها بوصف حسن ولعله يستشم منها ايضا ان هؤلاء
الذين يرفعون الرايات لا يجلبون للشيعة الا الضرر لكن نعود ونقول ان هذا
الذم في حق حملة الرايات لا في حق الثوار ضد الباطل والظلم على طول التأريخ
الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر على صعيد الشريعة المبينيين للحق
الفاضحين للحكام الظالمين في ما ارتكبوا ويرتكبون في حق الشعوب المضطهدة و
المظلومة.
واما
حمل الروايات على الكراهة والقول وليس كل مكروه مرجوح او حرام بل عسى ان
تكرهوا شيئا وهو خير لكم فمثل هذه التوجيهات والتفاسير اظن ان قراءة هذه
الاحاديث كاف في ردها والإبتعاد عنها لمن قرأ هذه الاحاديث بعيدا عن هذه
التوجيهات وكذا تخصيص الروايات بالائمة عليهم السلام ثم القول بأن هذه
الرويات لا تدل على السكوت عن ظلم الظالمين في مثل هذه العصور فإن الاحاديث
لو كانت تتكلم عن المعصومين انفسهم لكان جواز القيام بالامر من غيرهم
محتاجا الى دليل خاص وأما السكوت عن الحق وكتمانه او السكوت عن ظلم
الظالمين فلا تدل عليه اي آية او رواية وليس محلا للبحث وإنما الكلام عن
الرايات التي ترفع قبل قيام القائم (عج) لإسقاط الانظمة الذي تقدم أنه أمر
يعود الى الشعب وان المطالبة بالقيام لابد وان يكون من قبلهم واما بيان
الحق والوقوف ضد الظالمين فهو وظيفة عامة في رقاب جميع المؤمنين والمؤمنات
الى ان يفرج الله تعالى لعباده .
وبالجملة
المستفاد من الروايات ان الذين يرفعون الرايات إما لانهم كجهال يستغلهم
اصحاب المآرب لمصالحهم ويلعبون بهم كالصبيان واما انهم طواغيت طالبوا
رئاسات يجعلون الناس جسرا لمقاصدهم ويعبدون من دون الله لجهل الشعوب .
وستأتي المقالة السابعة ان شاء الله تعالى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق