سلسلة من المقالات في الثوار والرايات إجابة على سؤال احد الاخوة في مسألة أصحاب الرايات والثوار التي تقوم قبل قيام القائم
المقالة الخامسة
تعليق على صحيحة العيص بن القاسم
علق
بعض الأعلام على الصحيحة قائلا إنها لا تدل على عدم وجوب الدفاع وعدم جواز
الخروج بل تدل على أن الداعي للخروج قد تكون دعوته باطلة لأنه يدعو الى
نفسه مع عدم استحقاقه لما يدعيه كمن يدعي المهدوية وقد تكون دعوته حقا
كدعوة زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام مثلا حيث دعى الناس لنقض السلطة
الجائرة وتسليم الحق إلى أهله وعليه فيجب على الاشخاص المدعويين الى القيام
ان ينظروا لأنفسهم ويُعملوا الدقة في ذلك ولا يتأثروا بالأحاسيس وهذا حكم
عقلي فطري اذ على الانسان ان يُحكّم عقله في الأمور المهمة.
فالصحيحة
تمضي قيام زيد وتدل على القيام للدفاع عن الحق ولا خصوصية لزيد قطعا,
فالقيام لنقض الحكم الفاسد الجائر مع اعداد مقدماته جائز بل واجب ثم يقول
ولو فرض ان قيام الحسين عليه السلام كان من خصائصه ولم يجز جعله اسوة
للخروج على ائمة الجور فقيام زيد لا يختص به قطعا ثم يعقب قائلا لكن الفرض
باطل قطعا فإن الإمام الحسين عليه السلام أسوة كجده والإمام الحسن جاهد إلى
ان خانه اكثر جنده وسائر الأئمة لم تحقق لهم شرائط القيام ثم يقول ان
القيام للدفاع عن الإسلام وعن حقوق المسلمين في قبال هجوم الاعداء وتسلطهم
على بلاد المسلمين مما تحكم به ضرورة العقل والشرع و لا يشترط فيه اذن
الإمام ثم يقول والحاصل ان المستفاد من الصحيحة ان الثورات على قسمين ما
كان دعوة للنفس فهي باطلة و ما كان دعوة لنقض السلطة الجائرة وارجاع الحق
الى اهله فهي دعوة حق.
لكن
نعقب على هذا التعليق و نقول اجل كل داع وحامل راية لإسقاط أي نظام مع
حضور امام معصوم مفترض الطاعة اما ان يدعو الى نفسه او يدعو الى الإمام فان
كانت دعوته الى نفسه او الى غير الامام فلا شك انها تكون دعوة باطلة سواء
نسبها الى الله تعالى و رسوله او لم ينسبها وليس كلامنا في ما لو كان الامر
شورى لتعيين حكومة مدنية تمثل الشعب و لم تتعنون بعنوان الشرع , فإن للبحث
عنها مجالا اخر لسنا بصدد بيانه في محل بحثنا.
فإذن
نعود ونقول ليس الكلام في وجوب الدفاع و عدم وجوبه في الحديث الشريف لأن
الدفاع عن الشرع والنفس والمال وكل حق من الحقوق امر مشروع بلا ريب ولا
يتردد في ذلك احد ولا يحتاج الى اذن خاص من امام اذا تحققت شرائط الدفاع
وهي ترجع الى الانسان نفسه لأنه قد يسلب ماله ويسكت لأنه يعلم انه اذا دافع
عن هذا الحق قد يعرض نفسه وعرضه الى الخطر ايضا ويعده العقلاء عندئذ جاهلا
وانما الكلام في مسألة الخروج على السلطان الظالم لإقامة دولة اسلامية لا
الوقوف ضدها بما يمكن لدفع شرها او تقليله ولو بتحريك الشعب ومساندته
ومطالبة الظالم ان يقف عند حد وتوعية الشعب لأخذ حقوقه من الظالمين.
فنعود
الى الصحيحة في محل البحث وهو رفع الراية لإسقاط الحكم لا تلبية لطلب شعب
بقبول الحكم او اسقاط نظام جائر حيث تقدم انه جائز بل واجب لأنه يكون من
اقامة الحجة على الشخص لقاعدة (لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر )
بل الكلام في دعوة الناس لإسقاط الانظمة الاسلامية الجائرة وقول القائل
هلمّ الي ايها الناس فأنا اريد ان اطبق نظاما اسلاميا فهذا مما لا تدل على
تحققه الصحيحة لا من قريب ولا بعيد بل هي تحذر من هكذا رجال ان لم يعلم
يقينا بصحة نواياهم كما حصل ذلك في مسألة زيد بن علي بن الحسين عليهم
السلام من قبل الامام المعصوم حينما قال كما في الصحيحة فإن زيدا كان عالما
وكان صادقا ولم يدعكم الى نفسه ولكن في زمن الغيبة انى لنا من تحقق هذه
الشروط وكون الداعي الى القيام صادقا وأنه لم يدعو الى نفسه ولم يرد ان
يجعل الناس جسرا الى مآربه بل أقول إن جميع قرائن الصحيحة تدل على ان الحكم
مرتبط بزمن الإمام صاحب الحديث وما كان يجري من الاحداث آنذاك وإعطاء
الصحيحة عنوانا عاما لكل الأزمنة ثبوتا او نفيا مما يحتاج الى دليل آخر لأن
الكلام في زمان الامام وكون القائم من الدعاة الى الرضا من آل محمد (ص)
المؤيد من قبل الامام عليه السلام والنهي عن الخروج مع من يدعو الناس لنفسه
وقول الامام فالخارج منا اليوم الى اي شيء يدعوكم ؟ الى الرضا من آل محمد
(ص) فنحن نشهدكم انا لسنا نرضى به….. الى آخر الحديث , فالكلام كله مقيد
بذلك الزمن ولم يتحدث عن زمن الغيبة ابدا.
وكلامنا
فيما لو جائت الامة بنفسها وطلبت من احد ان يقيم لها شرع الله تعالى لا
فيما لو رفع احد راية ودعى الناس اليها مدعيا انه من يقيم لهم شرع الله فإن
مثل هؤلاء يشك في امرهم كما تقدم وموطن الصحة او وجوب القيام بالامر هو
فيما لو طلبت الامة من احد المؤمنين ان يحقق لها شرع الله الداخل تحت قاعدة
(لولا حضور الحاضر) التي قلنا انها قاعدة عامة سواء في زمن الحضور او
الغيبة و عندها يكون من الواجب القبول بالامر و القيام به ولكن سيأتي القول
بأنه أنى لنا بتحقق مثل هذا بوصول الامة الى مثل هذه المعارف و هذا الوعي
الذي يأخذ بها بأن تأتي الى رجل من رجال الحق صادقة ليقيم لها شرع الله
تعالى في زمن الغيبة وسيأتي ان الروايات كادت ان تكون واضحة في بيان امر
غيب بأن هذا لن يحدث ابدا ولو فرض تحققه بوجوب هكذا امة صالحة لتحقق بذلك
شرط ظهور الحجة (عج) التي تقول الكثير من الروايات ان النخبة من انصاره هم
ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا او عشرة آلاف وفرض وجود امة صالحة تأتى الى رجل
تريد منه ان يحقق لها شرع الله وبالأخص في مثل ازمنتنا يتجاوز الملايين
فضلا عن المئات فعلينا الا نخدع النفس بالمظاهر وعلينا ان نتأمل الى انه
كما وان من ينسب نفسه الى محمد (ص) ليس معناه انه من شيعته حقا كذلك من
ينسب نفسه الى محمد و أهل البيت عليهم السلام ليس معناه انه من الشيعة حقا و
ان سمي واطلق عليه أنه من المحبين فأين من محمد وعلي عليهما افضل الصلاة
والسلام نحن المسلمين سنة وشيعة على الرغم من كثرة الادعاء وسيأتي التعرض
الى بقية الروايات في المقام ان شاء الله تعالى.
تتمة المقالة السابقة
وأما
قول القائل بأن الإمام الحسن عليه السلام جاهد الى ان خانه اكثر جنده وان
ذلك مما يدل على ان اقامة دولة اسلامية ورفع الراية لاسقاط الانظمة جائز
فنقول ان ذلك داخل ايضا تحت القاعدة نفسها وهي (لولا حضور الحاضر وقيام
الحجة بوجود الناصر) فالإمام الحسن عليه السلام لم يرفع راية و انما بايعه
الناس بعد استشهاد الامام علي عليه السلام ومع ذلك راح ليخاطب الناس مخيرا
إياهم بين المضي قدما في حرب معاوية او الاستسلام للذل والهوان فبايعه
اربعون الفا على الخلافة ومحاربة الطاغية معاوية بن ابي سفيان فعزم على
القيام بذلك حينما اقيمت عليه الحجة ولكن لما اخذ الخذلان يزداد والخيانة
تستفحل في صفوف جنده لمطامع الدنيا و الجهل والخوف بعد فترة من الزمن خير
اصحابه عندها بين مواجهة معاوية او الاستسلام للذل فاختاروا لانفسهم حياة
الذل والهوان بقولهم (البقية البقية) فعندها عقد مع معاوية معاهدة الهدنة
او الصلح وما كان الامر من باب المبادرة لرفع راية وتحريك امة لاسقاط
الانظمة واقامة دولة اسلامية.
وان
المتأمل في المقام يرى ذلك واضحا حيث ان رفع راية لاسقاط الانظمة تحت شعار
اقامة دولة اسلامية داخل تحت عنوان (كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها
طاغوت يعبد من دون الله) وبينما لو جائت الامة طالبة من امام او عبد صالح
القيام بالامر للخلاص من الظلم والجور حيث يصبح الامر حينئذ داخلا تحت
قاعدة (حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر) كما حصل للامام علي عليه
السلام بعد مقتل عثمان وللامام الحسن بعد استشهاد الامام علي عليه السلام
وللامام الحسين عليه السلام حينما جائته بيعة اهل الكوفة او العراق ولكن
حينما وصل عليه السلام الى مشارف الكوفة ووجد الخيانة والخذلان اراد العودة
فمنعته السلطة من ذلك وخيرته بين الاستسلام للذل ببعثه الى يزيد بن معاوية
وبين حياة الكرامة فاختار حياة الكرامة على الذل وليس هناك من عاقل في
العالم يحاول اسقاط امبراطورية بسبعين رجلا بل انه كما قلنا لما وجد الامر
دائرا بين الذل والكرامة اختار حياة الشرف والشهادة على الذل والهوان بأيدي
الطواغيت من بعد ما علمت السلطة الجائرة بأن حسينا عليه السلام لو ارادت
الامة حياة الكرامة والمعرفة والعدل باسقاط انظمة الجور فإنه ذلك الرجل
الذي يلبي هذه الدعوة للأمة لتحقيق الحق والعدل وشرع السماء.
وتليها المقالة السادسة ان شاء الله تعالى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق