الثوار وأصحاب الرايات 4

سلسلة من المقالات في الثوار والرايات إجابة على سؤال احد الاخوة في مسألة أصحاب الرايات والثوار التي تقوم قبل قيام القائم

المقالة الرابعة

صحيحة العيص بن القاسم

أما صحيحة العيص إبن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام فهناك نقاط فيها لابد من التوقف عندها منها قوله عليه السلام: (انظروا لأنفسكم فأنتم أحق ان تختاروا لأنفسكم) فما المراد من نظرهم لأنفسهم وأنهم أحق ان يختاروا لأنفسهم؟

فهل أريد من هذا الكلام التوعية والتنبيه إلى أن أئمة العدل قيامهم بالحق يتوقف على طلب الأمة منهم ذلك كما تقدم بيانه فيما يستفاد من الأدلة و أنه ليس من حق أحد ان يرفع راية و يدعو الناس إليها ما لم يطلب منه الناس ذلك و إن الامام عليه السلام أراد ان يقول اختاروا لأنفسكم فأنتم احق ان تختاروا لأنفسكم سبيل الحق او الباطل و إنا ان اخترتم الحق و وجدناكم شيعة حقاً فسنلبي لكم ما تريدون و إن اخترتم الصبر على أذى وظلم الظالمين المتلبسين بلباس الدين فهو أمر يعود إليكم فاختاروا لانفسكم احد الأمرين بعقولكم و معارفكم فإنكم مسؤولون عن ذلك يوم الحساب.

إن أئمة العدل بعد الانبياء يقومون بالامر ان وجدوا للحق انصارا لكنهم لا يقومون بالأمر مبادرين كما تقدم ذلك فليس من شأنهم ما تقوم به الأحزاب السرية من التخطيط لقبض ازمة الامور بل الأمور لابد ان يتوصل إليها بالشورى وباختيار الشعب و ارادته فاختيار نوع الحكم أمر يعود الى الشعب نفسه وقد قال رسول الله (ص) : (كيف ما تكونوا يولّى عليكم) ولكن ليس معنى ذلك كما يتوهم البعض بأن ائمة العدل إن لم يحركوا الناس ويخططوا لإسقاط الأنظمة فاذن ماهو عملهم ضد الظالمين؟ وكيف يتركون شرع الله تعالى نهبا بأيدي الحكام الظالمين و وعاظ السلاطين المشرعنين لظلم الظالمين و ينظرون الى الأمة كفريسة بأيدي الجائرين.

كلا ثم كلا ليس الأمر كذلك فعدم التخطيط سرا لإسقاط الأنظمة القائمة ليس معناه السكوت عن الظالمين كما يفعل ذلك بعض الناس للتخلص من عبئ المسؤولية بل إن بيان الحق في مقابل الباطل من وظائف أئمة العدل وصالح المؤمنين و قد لُعن العالم الكاتم للحق كما و أنه قد لعن الساكت عن الحق ووصف بأنه شيطان أخرس و إن كان بمنظار العامة من بعد ما قلبت المقاييس عما هي عليه صار يعتبر مثالا للزهد والتقوى وراح ليقول القائل إن هؤلاء هم رجال الله الذين لم يتدخلوا في السياسة وانهم لشدة تقواهم لا يعرفون الا بيوتهم والمساجد للصلاة فيها و تعليم الناس أحكام شرعهم من الصلاة و الطهارة و الحج والخمس من الأحكام التي لا تتصادم مع أحد في العالمين و أنهم يأخذون من الناس الحقوق الشرعية التي وضعها الله تعالى في رقاب الناس ليخلصوهم من هذا الحق الذي افترضه الله تعالى عليهم .

وكذا إنّ من وظائف الناس والعلماء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على صعيد الشريعة طراً لا مجزئة متوقفة على الأمر بالصلاة والطهارة و النهي عن شرب الخمر والزنا وأي معروف هو أعظم و أعم من شرع الله تعالى بأبعاده المختلفة و أي منكر أشد من ترك الأمة جاهلة تتخبط بين الظلمات والنور وعدم الوقوف مع المظلوم ضد الظالم بعد كون الشريعة حقا في مقابل باطل بما يعم العلم في مقابل الجهل والعدل في مقابل الظلم المهجور في اغلب مجتمعاتنا تحت عناوين شتى منها انه لا يناسب رجل الدين التدخل في السياسة وسنوضح المراد من السياسة الحقة والباطلة ومنها قول القائل ان التقية كما قال الإمام الصادق عليه السلام : (ديني ودين آبائي) و ما شاكل هذه العناوين الحقة في واقعها و إن اسيء فهمها تارة و استخدمت تارة اخرى من باب كلمة حق أريد بها باطل ومثل هذه المواقف التي جعلها الله تعالى على كل مؤمن ومؤمنة بقدر المستطاع هو ما دفع بأئمة الهدى عليهم السلام وسلاك دربهم الثوار الصالحين ان يجدوا انفسهم وجها لوجه في مقابل الظالمين من الحكّام المتلبسين بلباس الدين وأذنابهم من وعاظ السلاطين وإن المتأمل في سيرتهم عليهم السلام سيجد ذلك واضحا حيث أنهم على الرغم من عدم التخطيط لقبض ازمة الأمور كانوا ثورة ضد الباطل و إلّا فأمثال هارون الرشيد الطاغية المعروف وصاحب السلطان الواسع كيف راح ليتضايق من الإمام الكاظم عليه السلام لو كان مدرسا في حوزة يدرس بعض طلابه بعض احكام الشريعة التي لا تتصادم مع مصلحة الطواغيت والجبارين.

ولعل في قوله عليه السلام : (إختاروا لأنفسكم ) إضافة على ما تبين بأن الأمر يعود إليهم إن شاؤوا دولة الحق فإنه سيكون على أئمة الحق القيام بذلك , لعله أراد أيضا أن يلفت النظر الى أنهم من أهل المعارف و البصيرة الذين يعرفون الزمان والمكان والقائد المناسب لهذا الأمر وعندها يكون لزاما على أئمة العدل لو شائت الأمة دولة إسلامية القيام بالأمر لأن الحجة تصبح قائمة ويصبح المقام من مصاديق ما اشار إليه الامام علي عليه السلام : (لولا حضور الحاضر و قيام الحجة بوجود الناصر…) فكأن الإمام عليه السلام يريد ان يقول لهم وللأجيال من بعدهم أن امرالقيام مرتهن بارادة الشعب حيث قال : (فانظروا لانفسكم فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم) أي فإن اخترتم سبيل الحق كان على أئمة العدل ان يلبوا طلبتكم لأنه يجب عليهم ذلك إن وجدوا للحق أنصارا.

و كأن الكلام أيضا يحمل في طياته روح الحرية و يرشد إليها من أن الحق و لو كان مرادا لكنه لا يحمّل على النفوس بالقوة ولو من قبل أئمة الحق لأن القيام بالحق قهرا يسقط حسن العمل ولا تبقى الفضيلة فضيلة لو قام بها الناس مجبرين عليها كما و أنه يخرج الدنيا عن واقع غايتها التي خلقت من أجلها وهي كونها دار اختبار واختيار.

ما أشرنا إليه من جملة المحتملات في هذا المقام بلحاظ صدر هذه الصحيحة إن قيّدنا الحديث الشريف بخطاب للشيعة في زمن حضور امام معصوم و لكن من الممكن ايضا القول بأن صدر الحديث يتكلم عن الأمة او الشيعة بغض النظر عن كون إمامهم حاضرا او غائبا أي حتى ولو كان الأمر في زمن الغيبة وجائت الأمة و طلبت من رجل مؤمن رأت فيه الخير للقيام بالأمر ضد الباطل فإنه يكون عليه أن يلبي طلب الأمة ولا يوصف بالطاغوت لولم يكن هو المخطط لإسقاط الأنظمة و إن فرضناه ممن له اليد الطولى في توعيتها واخراجها من ظلمات الجهل لكن أنى للامة ان تأتي طالبة ذلك بوعي ومعرفة بدون ان تحاك الامور وتدبّر ليلا بواسطة اصحاب المطامع ولعل الروايات الكثيرة التي سنتعرض لها مما ترشد الى عدم تحقق هكذا امر قبل قيام القائم (عج) و كأنها تحذر الأمة وتلفت الأنظار الى أمر غيب حتى ظهور راية الحق بإذن الله تعالى على يد مهدي آل محمد و أن كل مدعٍ للقيام بالحق قبل ذلك يجب أن يحذر منه الناس.

ولو كان هناك من الامة من يأتي الى أهل الحق في زمن الغيبة ويريد منهم القيام ضد الباطل و ان هناك من الشيعة من هم بمقدار ما يقام به الحق لما تأخر أمر الظهور ليومنا هذا .

أجل لابد من بلاء وتمحيص وغربلة يسقط من غربالها خلق كثير حتى تستعد النفوس بعد اليأس من كل راية ومن كل داعية باسم الدين وغير الدين الى قبول راية الحق الحقيقية و من بعد ما يدعي العدل و الحق والحرية أصحاب الدنيا بشتى العناوين ويثبت زيفهم وكذبهم وانهم ما ارادوا الا مصالحهم الشخصية من وراء بريق هذه الرايات التي تخطف الأبصار تكون دولة الحق والعدل.

ثم تشير الصحيحة قائلة : (إن آتاكم آت منا فانظروا على أي شيء تخرجون) أي تأملوا ولا تخدعوا بإسم الدين ولو كان المدعي للقيام بالحق منا أهل البيت أي من بني هاشم حيث أنه لا يختص المكر للوصول الى الدنيا باسم الدين بما يتصور البعض من أنه من خصائص بني العباس الذين قاموا باسم الحسين عليه السلام بل قد يكون المدعي الطالب للدنيا من بني علي عليه السلام فإن الحق والباطل والإيمان والفسق لا يحددان ولا يقدران ولا يعرفان بالأنساب والآباء والأمهات ثم تشير الرواية قائلة (ولا تقولوا خرج زيد فإن زيدا كان عالما وكان صادقا ولم يدعكم الى نفسه وإنما دعاكم الى الرضا من آل محمد (ص) ولو ظفر لوفى بما دعاكم إليه).

هذا بغض النظر عن الروايات التي تشكك في قيام زيد و أنه ما كان مباركا من قبل الأئمة عليهم السلام.

فنقول إن كان الإمام (ع) في زمانه يحذر الشيعة حتى من الطامعين بالحكم من بني هاشم ويقول لا تقيسوا كل خارج منا بزيد الذي كان مؤيدا إلى قوله ( فالخارج منا اليوم إلى أي شيء يدعوكم؟ الى الرضا من آل محمد ؟ فنحن نشهدكم أنا لسنا نرضى به وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد وهو اذا كانت الرايات والألوية اجدر ان لا يسمع منا) فإن كان مثل هذا التحذير من القائمين باسم الحق موجودا في زمن فيه الإمام المعصوم وكان التحذير حتى من نفس البيت الهاشمي فكيف بنا اليوم وفي كل زمان ليس فيه معصوم يرشد الناس الى من به تقوم راية الحق وأهل المطامع المتظاهرين بالزهد والدفاع عن الشرع والمظلومين ما أكثرهم ولو كانوا متلبسين بلباس العلم والدين وما أقل العرفاء الذين لا ينخدعون بالشعارات الخلابة والرنانة.

ثم يميز الإمام عليه السلام بني هاشم ويقسمهم الى قسمين, الى من اجتمعت عليه بنو فاطمة ومن لم تجتمع عليه ولعل هذا كان واضحا بحسب قرائنه في عصر المعصوم ومن يراد من بني فاطمة الذين لا يشك في صلاحهم في مقابل من يجتمع عليه خليط من الناس من بني هاشم وغيرهم ولعل المراد من اجتماع بني فاطمة عليه يعني نفسه عليه السلام أي أنه هو من تجتمع عليه النخبة من بني فاطمة أصحاب البصائر ثم يؤكد الأمر بقوله فوالله ما صاحبكم إلا من إجتمعوا عليه, هذا بناءا على أن المراد من صاحبهم هو أحد الأئمة في زمن الحضور وهو الذي يعرف كون القيام قيام حق او باطل في كل عصر و إن أراد تحقق الوصف حتى بالنسبة الى الحجة (عج) فلا ندري لعل هناك نخبة من بني فاطمة ستحف به لا يعرفهم الا الله و أصحاب البصائر بقلوبهم الطاهرة هذا إن أريد بنو فاطمة نسبا وان امكن ان يراد من بني فاطمة من كانوا من أصحاب المباديء المسترشيدين بهداها حقا فذلك اولى من أبناء النسب الذين قد يوجد فيما بينهم الكثير ممن ترك مذهب الأهل ومنهج الحق وراح ليصبح للجهل او المصالح على مذاهب قوم آخرين في حين أنه راح ليتعلق بمنهج فاطمة عليها السلام التي هي اول جندي في ركاب الإمامة قبل كل احد منذ ايام السقيفة امثال مالك وعمار وسلمان والمقداد وحجر و خزيمة والكثير من النخبة  الأبرار .

ثم يتعرض الحديث الى امر لعله يرتبط بذلك الزمان خفيت منه بعض القرائن بالنسبة إلينا لكن اقتران الحديث بالسفياني يجعل الحديث غير واضح لا يمكن الجزم بما هو المراد من ذيل هذا الحديث وأنه اي شعبان وصيام هذا و ان كان ظهور الكلام يتناسب و زمن الامام نفسه صاحب الحديث لكن يبقى التأمل في كيفية جمع ذلك وارتباطه لكون العلامة هي السفياني فأي سفياني هذا.

وتليها المقالة الخامسة ان شاءالله تعالى

 

www.alkhaghani.org

كما يمكنكم متابعتنا على كل من 

Facebook ,  Twetter , Twitmail , Youtube , Blooger 

للتواصل معنا:

kazemalkhaghani@gmail.com