الجمعة، 10 مايو 2013

@ في رحاب الثورة الحسينية

في رحاب الثورة الحسينية

لقد جاء أنه كتب الإمام الحسين عليه السلام كتابا إلى أخيه محمد بن الحنفية و سائر بني هاشم: (أما بعد فإن من لحق بي استشهد ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح ).

ولما كانت كلمات العظماء تحمل عظيما من المعاني أحببت الإشارة الى بعض ما يمكن احتماله في هذا المقام حيث أنه يجب التوقف والتأمل عند كلمة الفتح ليستنطقها الموالي ماذا تحمل من الأبعاد بعد كون الإمام عليه السلام وبكل جزم وقطع يلفت نظر بني هاشم إلى أن من لحق به مصيره الشهادة و هو أمر يرجع الى كشف الستار عن غيب و أنه من القضاء المحتوم الذي لا ريب فيه و أن الأمر ليس من مواطن المحو والإثبات و قد أشار الى ذلك في موطن آخر حيث قال : (خط الموت على ولد آدم مخط القلادة في جيد الفتاة وما أولهني الى أسلافي إشتياق يعقوب الى يوسف و خير لي مصر أنا لاقيه كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء….الى قوله…لما محيص عن يوم خُط بالقلم) ولست هاهنا بصدد بيان ما هو المستند لهذا العلم القطعي من أنه هل هو لما جاء من خبر عن الرسول (ص) او لعلم الإمامة و شؤون الولاية المطلقة حيث أن لذلك محلا آخر و الحديث هاهنا إنما هو عن المراد من الفتح من أن الإمام عليه السلام عن أي فتح يتكلم و الشهادة موت و إنتصار لجيش الكفر والنفاق على ركب الحق والسلام و إن كان للشهادة عند الله مقام عظيم و إنما يُطلق الفتح على مثل فتح مكة المكرمة حيث يكون النظر و إذلال الشكر او الكفر.

فهاهنا محتملات أما الإحتمال الأول في المقام  فنقربه بمثال قد ورد في بعض الأحاديث : (أنه لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ) ونحن نعلم أن كلمة (لا) يؤتى بها في الغالب لنفي الجنس كلا صلاة إلا بطهور ولا رجل في الدار فهاهنا نتسائل هل أراد الإمام عليه السلام نفي مطلق الفتح كما في لا صلاة إلا بطهور ولا رجل في الدار أي أن من تمكن من النصرة منكم يا بني هاشم للحق وتخلف عنه فلا يفيده بعد ذلك أي عمل إلا ان تشمله الرحمة الإلهية بالعفو و إنكم ستندمون إذا كُشف الغطاء, وعلى هذا الفرض يصبح الأمر دائرا بين الوجود والعدم أو أن المراد من النفي هاهنا الوارد في كتاب الإمام عليه السلام نفي المرتبة كلا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد حيث أن الصلاة في البيت بإتفاق الفقهاء ليست باطلة بل هي أقل ثوابا فيصبح المراد أنه من لم يلحق بي لا يبلغ المرتبة العليا عن الله تعالى التي أعدها لأولياءه المخلصين وهم هؤلاء الركب الذين معي فلا يبلغ هذه المرتبة أحد بلغه النداء مهما بذل من الجهد ولو بقي حيا عقودا من الزمن مزكيا للنفس عاملا لكل صلاح بأن نفسر الفتح بفتح المقربين في جنات النعيم أي من استشهد معي يبلغ هذا الفتح العظيم ومن لم يشتهد لم يبلغ هذه المرتبة العظمى فيكون الكلام عن مرتبة عليا تفوت المتخلف لا يمكنه تداركها ولو عاش راكعا ساجدا مستغفرا الى يوم الحشر لكنها لا تدل العبارة على أن المتخلف آثم كما كان هو المفترض بالصورة الأولى و إذا دار الأمر بين أحد الإحتمالين كان الإحتمال الأول أنسب بالمقام لظاهر السياق و ظاهر النفي لأن من تخلف عن نصرة صريح الحق في مقابل صريح الباطل حيث أنها راية معصوم لا شبهة في حقانيتها فيكون آثما لا ينجيه من سخط الله إلا عوفه و رحمته إذا اصبح من النادمين التائبين حتى ولو فرضنا أن الإمام عليه السلام قد أسقط حقه الشخصي عن رقاب بني هاشم او المسلمين كما نُقل ذلك في ليلة العاشر من المحرم حينما خاطب أصحابه و أهل بيته قائلا (لا ذمام عليكم أنتم في حلّ مني فإتخذوا هذا الليل جملا رحمة بحال العباد) وكيف لا وهو مظهر الرحمة الإلهية الذي لا يعرف الحقد على احد حيث أن إسقاط الحق الشخصي لعلو روح السماح و الحب الذي يدفع بالعظماء أن يحملوا روح المودة والرأفة حتى على اعدائهم حتى روي أنه عليه السلام بكى حينما رأى اعدائه كالسيل المنحدر و انهم سيدخلون النار بواسطته فإن إسقاط حقه الشخصي ليس معناه أنه قال لهم قد أسقطت عنكم ما هو في ذمامكم من حق الله و الدين والإنسانية والعدل والشرق والكرامة و الضمير الحي البشري……. من حقوق لا تعد ولا تحصى لها من الأثر عن النفس مالا ينفك عنها وضعا و شرعا وعقلا إلى ابد الآبدين قرين النفس برزخا و قيامة وسيرا وسلوكا الى الله اللامتناهي سبحانه وتعالى.

الإحتمال الثاني: أن يقال إن الظاهر من كلة الفتح في هذه الرسالة الوجيزة أن الفتح وصف للشهادة نفسها حيث أنها شهادة من نوع خاص وصفها الحسين عليه السلام بالفتح بمعنى أن الفتح يعود لنفس هذه الشهادة لكن كيف نفس الشهادة بالفتح فهل يراد به الفتح الأخروي بما يترتب عليه من القرب والثواب ؟ نقول الظاهر من الحديث أن هذه الشهادة هي نوع خاص تحمل روح الفتح بغض النظر عما يترتب عليها من الأثر الأخروي وعظيم القرب والثواب حيث ان اكثر الشهداء لم تحمل نفس الشهادة بما هي نصرا في حين أن اثر هذه الشهادة كان اكثر من كثير من الفتوح حيث أنها اسقطع امبراطورية عظمى وهي حكومة الامويين حيث انها بشعار يا لثارات الحسين أسقطت ليحكم بنو العباس وقامت ثورات عديدة من التوابين و من قيام المختار و استمرت آثار هذه الشهادة بفتحها على طول التأريخ تدفع بكثير من الأحرار بالقيام ضد الظلم والظالمين والجبابرة على وجه الأرض مستلهمين ذلك من نهضة الحسين عليه السلام وأصحابه في حين انه كم من فتح قد نُسي ولكن هذه الشهادة مازالت ترعب الطواغيت وهم في قصورهم وعليه فالمتخلف عن النصرة لا ينال دواعي هذا النصر المؤثر على مسيرة التاريخ الإسلامي و غيره كما وأنه لا ينال الثواب المستمر المترتب على هذا النصر بما له من الآثار أحد كما للحسين وأصحابه.

الإحتمال الثالث في المقام أن يقال لعل الإمام الحسين عليه السلام أراد أن يشير الى بني هاشم قائلا لا تخدعوا أنفسهم بكثرة صلاة و زهو علم ونسب او حسب حيث أن عبد الله بن عباس كان يسمى بحبر الأمة فإن فتح القمم للمعارج نحو الحق تعالى بما للعروج من اللانهايات ليس كما تتوهمون و أنتم عن نصرة اوليائه متخلفون بل حقيقة الشرع إنما هي بإتباع إمام مبين ورب عبادة و حج كان إثما كان في وقت نداء معصوم للقيام بأمر ولو كان مجرد العبادة قربا بدون امتثال صحيح لأوامر الله تعالى و أوليائه لكان ابليس بعد ستة آلاف سنة من أقرب المقربين وكذلك الخوارج عباد الليل أصحاب الجباه السود الذين ظنوا ما يقومون به يوجب لهم الفتح والفوز في حين أنه لا قيمة لعلم ولا لعمل ولا لزكاة نفس ما لم تكن تحت طاعة أولياء الله.

فأراد الحسين عليه السلام أن يبين لبني هاشم ليخرجوا من غفلة هم فيها واقعون أوجبت عليهم إلتباسا للأمور فهذا خدعوه قرب نسب أخا كان او ابن عم وذاك خدعه زهو علم مشيرا إليهم أنه لا قرب في جنب الله إلا من طريق الله وطريق أوليائه فأي قيمة لحج والحجاج مجتمعة تنادي لبيك اللهم لبيك بازاء حق متروك و ظلم قائم ونداء إمام مبين قد تركوا نصرته و ألسنتهم تلهج بالدعاء فأراد أن يقول لبني هاشم قبل غيرهم لو عبدتم الله ليلا ونهارا وبقيتم الدهور في دار الدنيا لما كان ذلك بمنجي لكم و أنتم تتركون نصرة أولياء الله الذين افترضت طاعتهم حيث بنصرتهم نصرة الحق.

وباجلملة لعله عليه السلام أراد أن يقول لبني هاشم ولتكن رسالة للبشرية مطلقا حينما رآهم قد خدعهم الحسب والنسب والقرب من رسول الله (ص) فأراد أن يشير الى أن هناك فتحا كفتح مكة و كم من صحابي كان مع رسو الله (ص) دخل مكة المكرمة لوم يحصل على الفتح الحقيقي بل كانت عاقبة امره انه كان من الضالين و إن عاش فترة من الزمن سرور الفاتحين لكن يا بني هاشم اعلموا ان الفتح الحقيقي بعمل يفتح لصاحبه ابواب السموات فاذا فتحت لكم كنتم حقا من الفاتحين ولا مبلغ لذلك الا عن طريق الإنسان الكامل الذي جعله الله تعالى حجة على العالمين ومن تخلف عنه ولو جاء باعمال الثقلين لا يبلغ الفتح لأنه سير على غير هدى.

الإحتمال الرابع لعل الإمام الحسين عليه السلام أراد ان يشير الى فتح أحب ان يكون بنو هاشم وهم عشيرته الأقربون أهلا لذلك الفتح لا بما توهموه من حسب او نسب او علم وكثرة عبادة وذلك الفتح فتح ما حصل لأحد في العالمين للنوادر من البشر فيريد ان يقول إن الذين معي من الأنصار على الرغم من كونهم علم اليقين أن من مصيرهم الموت فهم اناس قد اجتمعت آراء أبناء الدنيا ضدهم حكومة وشعبا و قد خذلهم القريب والبعيد و نصحهم جهلا الصديق والعدو و من ظنوا أنفسهم من العباد والزهاد و الصالحين فلم يثنهم كل ذلك عن لقاء ربهم وجزمهم بأنهم على الحق و إنخالف مسيرتهم أبناء الدنيا على كثرتهم فهم يجزمون انهم على الحق مع قلتهم و أن المجتمع الاسلامي على الباطل على كثرته حيث ان الحق لا يقيم بكثرة ولا بمشيخة او انصار او علماء كما قال عمار رضي الله عنه يوما في صفين وكان جيوش أهل العراق في مقام اهل الشام تنهزم قال مقالته الشهيرة (والله لو هزمونا وبلغوا بنا نخيلات هجر لعلمت انا على الحق وانهم على الباطل) فهؤلاء أصحاب اليقين لا تتغير ارائهم بكثرة الناس حولهم او تخاذلهم عنهم فأراد ان يقول إن أصحابي جميعا هم كذلك في حين أنه قد ابتعد عن الإمام الحسين عليه السلام أقرب الناس حتى راح بعض بني هاشم ليقدموا له النصح جهلا وراح آخرون ليقول له يا حسين لا تلقي بنفسك في التهلكة او لا تشق عصا المسلمين فأراد ان يقول لبني هاشم إن هؤلاء قوم على الرغم من إعلان الدنيا ضدهم الحرب و تخطأتهم من قبل من يرى نفسه من أهل المعارف من العلماء و الزهاد فما كان كل ذلك ليثنيهم عن عزمهم او يخدش بصيرتهم فكونوا منهم يا بني هاشم فالنسب لا تبلغونه مبالغ الفتح بل بلعوا العزمية وعظيم البصيرة وقد شرحت في بعض الأسئلة الموجودة على موقعي الشخصي قول الإمام الحسين عليه السلام (ما رأيتوا أصحابا كأصحابي) فمن أحب فاليراجع, ولذا كما يقال أنه عليه السلام كشف لهم عن بصائرهم ليلة العاشر من المحرم فشاهدوا منازلهم عند ربهم حينما وجدهم قد قطعوا كل حبل إلا حبل الله المتين و كذلك هو الإنسان عندما تنقطع عنه السبل يوم الفزع الاكبر حيث يقول تعالى : (فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد) .

الإحتمال الخامس في المقام أن يقال إن الإمام عليه السلام لعله أراد ان يشير الى بشرى قد حصل عليها هؤلاء وهي أن الله تعالى قد إختارهم ليوم الفتح العظيم حيث أنهم سيصبحون من أقطاب دولة العدل الإلهي لأنها لا تقام فقط بالمتقين من الأحياء على وجه الأرض حين الظهور بل تأييد من الملائكة الكرام وبني من انبياء أولي العزم كعيسى عليه السلام وبعض الأولياء الباطنيين ولعل منهم الخضر عليه السلام وغيره من الصلحاء لإحياء بعض الأولياء الذين لعل منهم من هم من أنصار آدم الى الخاتم الى بقية من كان من أصحاب الأئمة او غيرهم لأن العدل الذي يراد تحقيقه هو العدل الحقيقي ولا يكون من امرائه وقادته من يؤتى به لمجرد حسن الظاهر بل لابد وان يكون من المؤمنين حقا ظاهرا و باطنا و إلا فقد كان من الأمراء في عصر النبوة أمثال خالد ابن الوليد الذي راح ليقتل الناس لأحقاد الجاهلية وهذا الفتح الذي هؤلاء يبلغونه فتح ماله من نضير لا في السابقين ولا في اللاحقين حيث أنه غاية بعثة الأنبياء فقول الإمام عليه السلام من لحق بي استشهد ومن لم يلحق لم يبلغ الفتح أي ان هؤلاء الشهداء يبلغون فتحا عالميا ما جاء ولي ولن يجيء بمثله لخلوص نياتهم وقد تمنى بلوغ هذا الفتح الأولون والآخرون من الاولياء المخلصون فكونوا من اهله يا بني هاشم حيث أني ما اريد لكم إلا الخير وإلا فكثرة العدد لا يدفع خطرا حيث يقول من لحق بي استشهد.

الإحتمال السادس لعل الإمام عليه السلام يشير الى فتح عرفاني بما له من الأثر في عالم الدنيا الى قيام الساعة وبما له من اثر في عالم البرزخ والقيامة وبما له من اسباب العروج التي تفتح له أبواب السموات في جميع العوامل الى مالا نهاية له فهو فتح ابواب القمم لعالم البرزخ والسراط وعظيم المورد الذي يشير اليه الامام علي عليه السلام (آه آه من قلة الزاد و بعد الطريق و عظيم المورد) لأن الله تعالى غير متناه ولا يعرج هذا العروج المتناهي حقا إلا المقربون الذين منهم هؤلاء الأصحاب وانتم يا بني هاشم لقربكم من نداء الحق اولى من كل أحد لنصرة الحق لبلوغ هذا المقام وقد لبى هذا النداء النصراني و الأسود والابيض والعربي والاعجمي لما ثبت ان في أنصار الحسين عليه السلام من مختلف الطوائف.

وهاهنا يجب الالتفات الى أمر وهو أن بني هاشم كغيرهم من القبائل فيهم العديد من الرجال وماحضر منهم معركة كربلاء الا عدد قليل يعدون بالأصابع فأين كانوا من نصرة إمام زمانهم فهم أيضا كغيرهم قد تخاذلوا عن نصرة الحق و أين هؤلاء الذين غرهم الحسب والنسب او شبه العلم من أوتاد الأرض وعظماء الخلق الذين نصروا الحق على طول التأريخ بعزم وخلوص نية تكشف حجب الأنوار كعمار ومالك الأشتر والمقداد وحجر بن عدي وسلمان وزكريا بن آدم وغيرهم من الأبرار ونحن نشاهد إلى زماننا هذا تكريما للنسب وغفلة عن واقع الحق والأبرار ففي كل بلدة شيعية عشرات المزارات المنسوبة لأهل البيت تزار وتقام وتشيد والناس على الرغم من قربهم في بلدة قم مثلا من زكريا بن آدم الذي يقول في حقه ستة من الأئمة عليهم السلام (بمثل زكريا ابن آدم يمسك الله السماء أن تقع على الأرض ) قد لا يعرف أكثر الشيعة ولا يزوره إلا النوادر من الناس حينما راحت الناس لتقدس سنن القبلية على سنن الله تعالى وقد قال تعالى (إن اكرمكم عند الله أتقاكم) وقد وردت الأحاديث المتواترة منبهة و رادعة عن قيم الجاهلية و التكريم للانساب.

 

كما يمكنكم متابعتنا على كل من 
للتواصل معنا:
kazemalkhaghani@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق