السبت، 24 أغسطس 2013

@ ما هو تفسير قوله تعالى : (وابيضت عيناه من الحزن)؟


ماهو تفسير قوله تعالى :(و ابيضت عيناه من الحزن)؟

إسم السائل : السيد قاسم الغريفي

السؤال:

بسمه تعالى له الحمد والمجد

حضرة العلامة الفاضل الاستاذ الشيخ محمد كاظم ال شبير الخاقاني (دام عزه ومجده)
​​

ما هو فهمكم للآية الكريمة (وابيضت عيناه من الحزن)هل هو العمى كما في كثير من التفاسير ؟وهل ان ذهاب البصر يوجب التنفير ؟

 فأن الشيعة اختلفوا في أنه هل يجوز على الانبياء مثل هذا النقص في الخلقة، قال الشيخ الطبرسي رحمه الله: فقيل: لا يجوز لان ذلك ينفر ; وقيل: يجوز إن لا يكون فيه تنفير ويكون بمنزلة سائر العلل والامراض انتهى. فمن لا يجوز ذلك يقول: إنه ما عمي ولكنه صار بحيث يدرك إدراكا ضعيفا، أو يؤول بأن المراد أنه غلبه البكاء وعند غلبة البكاء يكثر الماء في العين فتصير العين كأنها ابيضت من بياض ذلك الماء، ومن يجوز ذلك يحملها على ظاهرها، والحق أنه لم يقم دليل على امتناع ذلك حتى نحتاج إلى تأويل الآيات والاخبار الدالة على حصوله، على

أنه يحتمل أن يكون على وجه لا يكون نقص فيه وعيب في ظاهر الخلقة، والانبياء عليهم

السلام يبصرون بقلوبهم ما يبصر غيرهم بعينه . فالى اي اتجاه يميل سماحتكم ؟ واي نوع من الامراض يتنافى مع الدور النبوي ويوجب نقصا فيهم ؟

الجواب:

كما تعلمون سيدنا الجليل إن الدلالة قد تكون نصاً كما وأنها قد تكون ظهوراً وما نحن فيه في مسألة العمى ليست الدلالة إلا من باب الظهور في الآية الشريفة وهي قوله تعالى  حكاية عن يعقوب عليه السلام وبنيه: (وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) وإن قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام (إذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً)لا يدل على ثبوت العمى كصفة ثابتة وإنما يدل على حدوث أمرٍ لشدة البكاء والحزن ولحالة نفسية قد سبب حجب الإبصار كغشاوة وهذا ما قد يحصل لحدوث بعض العوارض الجسدية أو الروحية كشدة الحزن أو شدة الفرح فتجعل السواد بحكم البياض ويأتي البيان من باب المبالغة فلم يكن ذلك عماءً تاماً ليصبح صفةً لصاحبه وطروّ العوارض من مرض أو جرح ولو في معركةٍ حينما يكون السبب معقولاً أو عظيماً لا يعتبر من المنفرّ عند العرف أو العقلاء حيث أن الكلام في أمرٍ يجب أن يعطى عنوان النقص أو يدفع إلى النفور عن الشخص بمنظار العامة وإلا فمثل العمى أو ما هو من قبيله ليس بنقصٍ عند الله تعالى ما لم يمنع كمالاً كما لو فرض أن النقص كان غباءً أو من مساوئ الأخلاق وما نحن فيه حيث أن سبب الغشاوة حزنٌ على وليّ من أولياء الله تعالى إئتمن عليه يعقوب عليه السلام من ليسوا أهلاً للأمانة فراح ليؤنب نفسه على ذلك وكون يعقوب عليه السلام إضافة على العاطفة الدافعة للحزن راح ليرى نفسه لم يقم بتمام الرعاية والحفظ وهو مع ذلك عاش كظم الغيظ مع أولاده فإن ذلك يعد بمنظار العقلاء موجباً للإكبار لا النفور.

نعم لو كان يعقوب عليه السلام أعمى بالولادة أو أصيب بالعمى قبل أن يصبح مرسلاً إلى قومه فإن في مثل هذا الحال قد يقال إن من كان بهذا الوضع لا تندفع إليه النفوس لسماع دعواه لأنهم قد ينظرون إليه أنه دون مستوى الإرشاد لا من قد عرض عليه عارضٌ بعد تمام القوة وعظيم المقام عند قومه ولعله كان في تلك الفترة التي فقد فيها الإبصار كان يعيش بين قومه تمام الكرامة والإحترام كنبيٍ قد صدقوا دعوته.

وأعود ثانية فأقول فيما نحن فيه فإن الذي يبدو للقارئ أن بياض العينين إنما حدث بعد أن رجع الأبناء بخبر بنيامين والأخ الأكبر وهذا زمن قصير لم يستوجب نفوراً بعد كون يعقوب عليه السلام يعيش الكرامة في قومه قد آمنوا به.

هذا كله من حيث الصغرى بمعنى أنّ ما حدث ليعقوب عليه السلام ما كان نقصاً يستوجب النفور لأن المتأمل يجد أن الأمر من باب غشاوة حصلت للعينين والعوارض والأمراض قد تعرض على كل أحدٍ مؤمناً كان أو كافراً ولذا لما علم يوسف عليه السلام أن السبب هو كثرة البكاء والحالة النفسية التفت إلى أن بهزة نفسية قد يرتفع السبب وأن أباه سيعود إلى ما كان عليه ولو كان يوسف عليه السلام جازماً بتحقق العمى التام لما قال (إذهبوا بقميصي هذا فالقوه على وجه أبي يأت بصيرا) بل لدعى له بالشفاء أو أراد من الله تعالى من باب الإعجاز أن يعيد إليه بصره كما وأن الأمر هو كذلك بالنسبة إلى ما يطرو على النفوس وما هو من شأن البصيرة فقد تنتهي فيصبح الشخص عماءً لا رجعة فيه بحيث يصبح يرى الباطل حقاً والحق باطلاً والحسن قبيحاً والقبيح حسناً لأنه يصبح عماءً وظلمة تامة لا نفاذ للنور إليه وذلك لإنعدام الفطرة وإنتهاء العقل لكن الباطل والشهوات ربما تصبح حجاباً وقد تزول ولو بهزة ضميرٍ قد تستوجب يقظةً وشأن الأجسام كشأن النفوس وما نحن فيه غشاوة أحزان وكثرة دمعٍ مرتبطٍ بأمر روحي ولذا بمجرد أن شمّ رائحة يوسف عليه السلام عاد إلى ما كان عليه لأن سبب الحزن والبكاء قد ارتفع.

وأما النقاش في القضية كبروياً: وهي أن النقص لا يكون من صفة الأنبياء فنقول إنا وإن سلمنا أصل الكبرى لكن قد نشكك في المصاديق وهي أن النقص المنفر لا يكون من صفات الأنبياء لأنه يتنافى والغاية وهي جلب الناس إلى الهدى وسبل الكمال حيث أن الله تعالى يريد من النبي المرسل إلى قومه أن تكون فيه دواعي الكسب والهداية لا الإبعاد والنفور ولذا يلحظ في ذلك حتى حُسن الصوت والوقار والسكينة وكون  المنظر مهاباً بما فيه ملامح جمالٍ هي من شأن الرجال لكن مع ذلك كله نقول إن ذلك يختلف باختلاف المنظار وباختلاف حضارات الأمم لأنه من باب تشخيص المصداق بعد تسليم الأمر كبروياً وليس كل نقصٍ هو من موجبات النفور وبالأخص إذا كان النقص الحاصل مسبباً عن حدث يرجع إلى شأنٍ عظيم كفقد عضو في معركةٍ كانت في سبيل الله تعالى كما وأن المنفر يجب أن يكون بحسب العرف والعقلاء وإلا لكان الفقر الذي هو واقع حياة أكثر الأنبياء من المنفرات التي يجب أن لا يبعث الله بتبعها رجلاً فقيرا وبالجملة إن الكبرى وإن كانت ثابتةً بأن المنفر لا يكون صفة لنبيٍ لكن ليس كل نقصٍ هو من المنفرات وبالأخص إذا كان سببه عائداً إلى أمرٍ ومنشأ ديني عظيم ولذا لو افترضنا أن نبياً أو إماماً في معركةٍ يصاب فإن ذلك من موجبات العظم والإكبار وليس من موجبات النفور والإبتعاد وقد أشرنا إلى أن الأمم تختلف باختلاف حضاراتها فيما تراه نقصاً منفراً، نعم ما يعود النقص فيه إلى نقص كمالٍ فإن ذلك لا يكون محلاً للألطاف الإلهية وجعل الشخص نبياً أو إماما من قبل الله تعالى.

و إتماما للبيان نقول إن عدم التمكن من رؤية الاشياء المشار إليها في الآية الشريفة و ابيضت عيناه و آية يأت بصيرا ليس دليلا على العمى فقد تُحجب العين من الرؤية و لو لغشاوة او غمض طرف او مشكلة صحية او ما يكون من دواعي الحجب من شدة الفرح او الحزن كما و أن عدم البصر على افتراضه ان سلمنا انه العمى فهو شأن مصداقي يختلف التعاطي معه باختلاف الأمم و الحضارات فما يكون منفرا عند قوم قد لا يكون منفرا عند قوم آخرين و عليه فنقول ليس عدم الإبصار أو القصر او السواد او ……. هي من مسلمات البشرية الموجبة للنفور , نعم ربما يكون من المسلمات الجسدية الموجبة للنفور الجذام و من المسلمات الأخلاقية الموجبة للنفور ما يسقط الهيبة و المكانة الأخلاقية حتى ولو لم يكن من مساويء الأخلاق كالكذب والكبر و إن سلمنا الكبرى وهي أن ما يكون منفرا لا يكون في الدعاة الى الله لأن المراد منها التأثير على الآخرين بما يمكن ان يكون وسيلة هداية وقرب ولذا لا يصح من عاقل ان يقول ان سواد البشرة من المنفرات و قد بعث الله الكثير من الانبياء والاولياء الى كافة الأمم و منهم الأسود والابيض و الأحمر والأصفر حيث أن من يجعل مثل هذه من المنفرات لا يكون إلا لعدم اعتدال او سوء تربية او غيرها من دواعي الخروج عن المقاسم المشتركة البشرية بروح الزهو و الخيلاء و من المعلوم ان الكلام في النقص و المنفر بما يكون مسببا لعدم التمكن من حمل اعباء الرسالة وهذا النقص لا يعقل تصوره في نبي او وصي نبي و النوع الآخر من النقص ما يكون نقصا بمنظار طائفة من الناس بروح الخيلاء والعظمة او سوء التربية و هذا لا مانع من وجوده في الدعاة الى الله كاللون و الفقر حيث انه ليس بنقص في واقع الأمر و هناك ما يكون نقصا بمنظار العامة من الناس و يدعو الى النفور وهذا هو الذي يكون محلا للبحث و هو على قسمين منه ما اتفقت عليه آراء البشرية كالجذام و منه ما يكون مختلفا بإختلاف الآراء بتبع الحضارات و الزمان و المكان و الله لا يبعث دعاته الى أمة ترى امرا مستوجبا للنقص بمنظار عقلائي لا منظار الزهو و الكبر.

 هدانا الله وإياكم إلى سواء السبيل وهو العالم بحقائق الأمور وإنما نتكلم على قدر عقولنا وما نفهمه من ظواهر الآيات والروايات والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

محمد كاظم الخاقاني     

-- 
مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني


كما يمكنكم متابعتنا على كل من 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق