السبت، 24 أغسطس 2013

@ ما هو نظركم حول بعض الفتن الجارية في مجتمعاتنا؟

إسم السائل: د. س ف

السؤال بالكامل:

السلام عليكم شيخنا المحترم  الشيخ محمد كاظم الخاقاني

ماذا ترون فيما يجري من الفتن على الساحة في بلادنا القطيف و الأحساء وتمادي البعض في التشكيك حتى بالنسبة الى ما هو من مسلمات المذهب كحديث الكساء وغيره و لكم منا مزيد الشكر .

الجواب:

المحترم المكرم الأخ د.س ف  دام توفيقه

بعد التحية والسلام و الدعاء لكم بكل خير إنه قد وصلتني رسالتكم حول الفتن المنتشرة في المجتمع القطيفي والأحسائي وما كان من ردود فعل من قبل بعض المشايخ والأفاضل بأزاء بعض الشبه فأقول بعد الإستعانة بالله تعالى إنه مما لا ريب فيه إن ما يجري في جميع الأقطار من الفتن على صعيد الطائفة او ما هو أعم من ذلك مما يحزن القلب ولعل ذلك من جملة علائم قرب الظهور لكن بغض الطرف عن ذلك فإنه يجب ان تُلحظ الأمور بمناشئها و دواعيها حتى لا نصبح أمة تسوق الكلمات لمجرد تخفيف تأنيب الضمير و إلقاء اللائمة على الآخرين وكأن الفرد منا ليس جزءا من نسيج هذا المجتمع بما ينطوي عليه من السلبيات و الإيجابيات في حين أنا نعلم علم اليقين أن كل حدث تابع لأسبابه ولا أمر ينشأ عن فراغ ولذا كان علينا أن نتأمل في مناشيء هذه الأحداث والفتن بما لها من موجبات داخلية قبل النظر إلى ما يمكن ان يحاك من قبل الاعداء سواء كانوا من الحاقدين على المذهب من النواصب على اختلاف غاياتهم او كانوا من الطامعين بنهب خيرات هذه الأمة وسحق حضارتها لكي لا نعيش الحياة بين الأسود و الأبيض حكما نُبصر بعين ما يتخبط به الجاهلون وما يدبره أصحاب الغايات المكارون و نغض الطرف عما يتهاون فيه من عظيم الواجب أصحاب القرار والمكانة العالمون وكيف يجوز لنا أن نبادر باللوم على جاهل ساقه جهله او ماكر دفعته غايته للعدوان و نترك عالما ربما كان اولى بتوجيه العتب واللوم عليه حينما نراه يعيش صمتا او إعمالا للموازنات على حساب الحق والعدل و قد قال رسول الله (ص) : (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وقال أيضا : (إعرفوا الحق تعرفوا أهله).

إذن يجب ان تلحظ الاحداث بتبع مناشئها لتصبح القراءة لكل حدث يُفترض خيرا كان ام شرا حقا كان ام باطلا علمية يمكن ان تثمر ثمرا لإصلاح البنى الإجتماعية لهذا المجتمع السالك مسالك الهاوية والفتن و لو بقدر ما فإن ذلك خير من ألف خطاب قد يُصبح بعد يومين من الزمن من أحاديث الغابرين بعد ان يساق الى المغالطات و الجدل العقيم حيث أن بإصلاح المسار والتواصي بالحق تُضمن الغايات ومن باب المثال في المقام نشير الى مورد ربما راح بتبع الأذواق والغايات لينظر إليه كل واحد من زاوية مختلفة كادت ألا تصب في مصب واحد حينما تهاون العالمون في رد المياه إلى مجاريها مع وضوح الأفاق لذوي البصائر و ذلك الحدث هو نهضة سلام لإحياء الامة قام بها صاحبها لتحقيق الحق والعدل ألا وهي نهضة الإمام الحسين عليه السلام التي أراد بها إخراج الأمة من ظلمات الجاهلية المتلبسة بلباس الدين حينما وصل أمر هذه الأمة أن يصبح لديها أمير المؤمنين لتطبيق رسالة خاتم النبيين (ص) شابا خليعا شاربا للخمور قاتلا للنفس المحترمة لننظر بعد ذلك هل نحن نسير بتحقيق غاية كانت محط نظر لصاحب هذه الثورة و موردا لقول الأئمة عليهم السلام : (أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا).

فذا هو الحسين عليه السلام يقول : (ألا ترون الى الحق لا يُعمل به و إلى الباطل لا يتناهى عنه وهو القائل أيضا : (إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (ص) كي آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) .

فأي حق يقصد عليه السلام و المساجد عامرة تتزاحم فيها الأقدام لإقامة الصلاة التي هي عمود الدين ولا خلاعة ولا تبرج تعيشه نساء الأمة ولا خمور تباع في أسواق المسلمين ولا لحم خنزير يُأكل وقد شاهد الحسين عليه السلام بنفسه و هو يودع بيت الله الحرام حشد الحجيج وقد بُحّت حناجرهم يهتفون لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك , قد قطعوا الوديان القفار قاصدين كعبة العشاق على الرغم من جميع الأخطار و تاركين الأبناء والنساء ليقوموا بعظيم واجب دعى إليه الخليل قبل الحبيب راجين بذلك فضل ربهم و أمنه يوم الحساب ونعيمه في دار الخلود.

فهل رأينا نحن على البعد كل هذه المشاهد النيرة بما تحمل من الحق و الكرامة للأمة بعد أربعة عشر قرنا و غفل عن شهودها الحسين بن علي عليهما السلام ريحانة رسول الله و إبن بنته أم أن ما نراه نحن من الحق ومظاهره لقد كان يراه الحسين (ع) باطلا كما رأى رسول الله  (ص) بمنظار العارفين مسجدا عين الضلالة والباطل فأمر بهدمه وحرقه و أنزلت في ذلك آية تحكي غضب الجبار لم تنزل في حق حانوت حيث يقول تعالى : ( والذين اتخذوا مسجدا ضرارا…) .

فيا أيها الأخ الكريم فلننظر الى كل حدث من زواياه بأنفسنا بعيدا عن إملاءات القرون و إجتهادات الرجال و تبريراتهم وتوضيحاتهم و إعطائهم الاولويات للأشياء بتبع الأذواق والغايات.

فثورة حق قد حدد غايتها صاحب الثورة نفسه وهو الإمام الحسين عليه السلام بما تقدم من البيان رحنا لنبتعد عنها و عن غاياتها يوما بعد يوم حتى أصبحت بكاءا يحجب ما وراءه من أمر أريد به إحياء الأمة بتحقيق العدل و إن كان البكاء على عظيم المصاب و ضياع القيم الرسالية وعلى نفوسنا الضائعة في ظلمات الاهواء من عظيم امر لا شك ولا ريب فيه لكن جعل الرقة بنفسها غاية بلا ان تكون سببا لإحياء النفوس ونهوض الأمة بمسالك الأنبياء و الأولياء المقربين بسير وسلوك نحو الله تعالى قد يصبح من التغافل عن واقع الأولويات ورب حج لا يقبل في وقت نداء معصوم كما حاولت الإشارة اليه في خروج الإمام الحسين عليه السلام من مكة المكرمة أيام المناسك و الحناجر تضج مرتفعة لبيك اللهم ليبك.

أجل هكذا قد تضّيع الحقائق او يغفل عن رفيع مقام الأولويات و لربما يصل أمر الأمة الى أن تصبح ألعوبة بايدي الماكرين حينما تطلق كلمة حق و يراد بها باطل كما صنع معاوية حينما أمر برفع المصاحف حفظا لعروش الجبارين و إضاعة لمناهج الاولياء المقربين حينما راحت الأمة لتقدس أوراقا بترك نداء إمام مبين هو القرآن الناطق.

فهلم معي أيها الأخ الكريم لننظر معا إلى مناشيء هذه الفتن و الشبهات في بطون واقعنا الإجتماعي و التربوي قبل البحث عنها وعمن هو من ورائها من أعداء الامة او النواصب الحاقدين على اهل البيت عليهم السلام و ذلك امر لا يرقى لشهود معالمه إلا من عرف مصادر الحق ليعرف به أهل الحق و إن مما لا ريب فيه أن مصادر الحق هي الكتاب المجيد والسنة القطعية للنبي الكريم بما جاء عن أئمة أهل البيت عليهم السلام و سيرة المعصومين بما تحكي في خطاها الحياة الكريمة للأمة صلحا و حربا وعلى صعيد الفرد والمجتمع حيث أن من عاش مصادر الحق شاهد بها مسالك الصدق تطبيقا لشرع الله تعالى عدلا بعيدا عن الإفراط والتفريط.

و الآن لننظر أين نجد أنفسنا كطائفة ترى الحق في جابنها بأزاء بقية الطوائف والأديان فإن ذلك يصبح جليا حينما نرجع الى الوراء قليلا ما باذلين قصارى جهدنا في مقابل قوم أنكروا سنن الله تعالى في أنبيائه فتركوا أوصياء الرسل و راحوا ليركضوا وراء الحكام ناسين او متناسين ما كان عليه الرسل جميعا من أوصياء حتى كان جميع الأنبياء على كثرة عددهم أتباعا يشرحون ما جاء به أولوا العزم من الرسل ولكنني لست هاهنا بصدد بيان أخطاء قوم حيث يكفينا ما نحن فيه من مزالق اقدام في مواطن السلوك حيث أنه قد أنسانا التقابل مع القوم ما هو الحق الذي هو الكتاب المجيد والسنة القطعية والسيرة للمعصومين فرحنا لنعيش القرون باذلين الجهد لمن هو الحق؟ أهو لمدرسة الخلافة او الإمامة ورحنا لنتكلم عن الفضائل والكرامات و رد الشبه الموجهة من قبل أعداء آل محمد عليهم السلام حتى راح ليضيع الحق نفسه في مطاوي هذا الصراع والتقابل بحيث اصبح المدعي الانتساب لمنهج أهل البيت عليهم السلام لا يعرف من الدين إلا بعض الفضائل والكرامات والبكاء المجرد عن الغايات, هذا إن لم تحف بعض المجالس التي تقام لإحياء أمر آل محمد (ص) ببعض الخرافات والأحلام و لو عشنا الحق كتابا و سنة وسيرة لغزونا العالم بالعلم ولما كان مجتمعنا اليوم غرضا لسهام الأعداء و محلا لتوارد الشبهات والخرافات والضياع في مسالك الجدل كما وأنه لو عرفنا الحق لعرفنا بالحق رجال الحق لا بمظاهر التقديس و رسم صور الاولياء في عالم الخيال شهودا لهم وهم أنوار و لو عشنا عصر الظهور لأصبحت الحياة علينا نكدا لأنا نريد إماما تشرق من جوانبه الأنوار الحسية يفوق يوسف عليه السلام جمالا تقطع الأيدي ذهولا عند مشاهدته في حين أن في ركب الأنبياء والمقربين والشهداء والصديقين من هو الأسود و الأبيض على اختلاف الرسل و الأولياء في إممهم.

فأيها الاخ الكريم الصمت عن الخرافات و عن مواطن الافراط و التفريط ربما راح ليدفع بالبعض لإنكار الحقائق حيث أن التطرف يسوق الى تطرف آخر و تقديس الرجال بلا موازين حق في عالم الوهم والخيال بدلا من ان يكون التقديس لرجال يعيشون حياة الامة ليخرجوا هذه الأمة من الظلمات الى النور و أن يكونوا سندا لها في مواطن الحق والعدل كما كان رسول الله (ص) طبيبا دوارا بطبه و كما كان علي عليه السلام وهو خليفة المسلمين يعيش حياة الأمة في سوق الكوفة, فحياة التقديس بدلا من حياة الامة بمأساتها و عظيم مصابها جهلا وبؤسا و عناءا راح ليسوق البعض أيضا الى التطاول متجاوزين حدود الإعتدال الى العدوان و كل هذا إنما هو ثمار جهل أمة و تخلي رجال دين عن واقع المسؤولية علما و عملا و هذا ما فتح الأبواب للبعض حينما وجد الساحة خالية من أهلها ليسخر من مسلمات الشرع غير مختش ولا مبال و هو يرتدي الدين يتردد في كون القرآن كتابا منزلا من الله العلي العظيم , ساخرا بالجنة والنار و ما ورد في توصيفهما في الكتاب المجيد و غير ذلك من الشواهد مالا يعد ولا يحصى.

فأمة لا يغار رجالها و أهل معارفها على كتاب الله و ماجاء به الرسول (ص) وما تعيشه الأمة من الجهل و البؤس والظلم في كثير من البلاد الشيعية كيف لا يحدث فيها مثل ما أشرتم إليه ولعل ما حدث ليومنا هذا غيض من فيض نترقب وقوعه و لو لا مخافة الإطالة لبينت الكثير من مأساة هذه الأمة على كثير من الأصعدة و قد اوجب الله تعالى على العلماء و قد قال علي عليه السلام : (لولا حضور الحاضر و قيام الحجة بوجود الناصر _ومحل الشاهد ما جاء في هذه الخطبة_ وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم) وما جاء من الآيات والروايات في هذا المجال و ما هو شأن الساكت عن الحق.

فهذا و غيره من الدواعي و الأسباب هو ما ساق ويسوق الطائفة الى هذه الهجمة من الداخل حيث الجهل و عدم البيان للحق و السكوت عن الظالم و تقديس الرجال بدلا من تقديس كتاب الله و سنة رسوله وسيرة المعصومين عليهم السلام حيث أن بمعرفة هذه الأركان الثلاث يُعرف الحق و بذلك يُعرف رجال الحق.

فماذا أقول أيها الأخ الكريم و المأساة متشتتة الأطراف و الأبواب مفتحة لكل هجمة و اعداء هذه الامة يتربصون بها الفرص و أصحاب المكانة علما و من لهم البت في مثل هذه الأمور بإصلاح حال الأمة غائبون عن ميادينها فإلى الله تعالى المشتكى و بالحجة القائم الأمل داعين الله تعالى أن يعيننا على أنفسنا قبل إلقاء اللائمة على الآخرين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق