لماذا لم يحذر الرسول من فلان وفلان؟
إسم السائل: أحد الزوار
السؤال:
لماذا لم ينبه الرسول (ص) ويحذر من فلان وفلان وفلان…… اذا كان يعلم بأنهم سوف يسببون الانقلاب على الاعقاب وتحريف السنة النبوية ودين الإسلام ؟
الجواب:
مقدمة تمهيدية قبل الدخول في أصل الجواب
أيها الاخ الكريم قد أخذ الله تعالى على نفسه ان ينير الطريق لكل من جاهد في سبيله بصدق واخلاص قائلا : (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) وأما الذين أحبوا العمى على الرشاد فقد أشار في آيات كثيرة إلى أنهم يزدادون بآيات الله بعدا عن الحق ومن المعلوم أن إقامة الدليل والبرهان يفيد الجاهل الضال لا المعاند الجاحد وليس هناك من منار هدى تكشف به حجب الظلمات ككتاب الله المجيد والرسول الاعظم (ص) وهما لم يخرجا المردة من المشركين والمنافقين وأهل العناد من أهل الكتاب من ضلالهم الى مشارق النور.
وإن من اللازم الالتفات الى أمر هام مقدمة للدخول في البحث وهو أن الإمامة من متفرعات النبوة والنبوة من متفرعات التوحيد فالأساس في جميع الحقائق يرجع الى الاعتقاد السليم بالله تعالى حيث من حسن فهمه للتوحيد حسن فهمه للنبوة ايضا ومن حسن فهمه للنبوة حسن فهمه للامامة السليمة التي أرادها الله تعالى شارحة لرسالات السماء ومطبقة لعدل الله تعالى على وجه الارض بواسطة اثني عشر نقيب لتصبح حضارة السلام بأبعاد الحق والعدل حضارة للامم لو أحبت الحياة على العمى في حين أنه تعالى لم يحسم النزاع بين الحق والباطل فيما يرجع الى أصل الاصول وهو التوحيد بإظهار ملائكته او جنانه ونيرانه وأوكل الامر الى العقل البشري حينما قضى أن تكون الدنيا دار اختبار واختيار ليميز طالب الحق الساعي إليه من المبطل وما ذاك إلا لأنه يريد الوصول الى الحق بالجهاد في سبيله على أسس قيم العلم وزكاة النفس وإلا فهو القادر على أن يجعل الناس أمة واحدة سالكة سبل ربها بأمور حسية لا يختلف فيها اثنان كما تقدم من إظهار الجنان والنيران او الملائكة الكرام كأن يجعل ملكا يصيح مابين السماء و الارض بين فترة واخرى أيها الناس ان ربكم واحد وهذه جنانه ونيرانه لكن مع مثل هذا العمل لاتبقى الدنيا دارا للاختبار وإذا كان الحق تعالى لم يحسم النزاع في اصل الاصول وهو التوحيد بين الموحيدن والمشركين و اوكل الامر الى العقل وجهاد النفس في سبيله ولم يحسم النزاع ايضا بين الموحدين انفسهم في مسألة الانبياء وهو القادر ان يجعل ملكا يصيح ما بين السماء والارض ايها الناس قد انتهت نبوة الانبياء المتقدمين بما فيهم عيسى عليه السلام وعليكم بالرجوع الى محمد بن عبد الله (ص) ويعينه بأوصافه ومكانه وزمانه وما ذاك الا لنفس ما تقدم من أن حل النزاع بما يكون مشهودا ومحسوسا يخرج الدنيا عما خلقت من اجله وهو الاختبار لمراتب العقل والعمل الصالح حتى يميز الصالح من الطالح والخبيث من الطيب ولا يكون ذلك الا لما ينبع من بطون النفوس التي تدفعها الغايات الى كل من الصلاح او الطلاح و إن كان على الانسان بصيرة لكن الغايات الزائفة والحجب قد تزين للنفس فتجعل الشخص يرى الحق باطلا والباطل حقا.
كما وانه لابد من الالتفات قبل الدخول في البحث على ان الناس على اصناف ثلاث :معاند لو جئت إليه بزبر الانبياء وصحفهم يتلوا بعضها بعضا لما ازداد الا عنادا ولجاجا ومكابرة للحق ومع هؤلاء لا يفيد الدليل والبرهان لانهم لا يفهمون الا منطق القوة ولا يسلكون في الحوار الا سبل المغالطات وهناك الجاهل الضال الذي لو سمع بالحق قد يشتاق إليه وقد يعرض عنه لأنه مشغول بشهواته وغاياته وهناك طلاب حق يريدون الوصول إليه ولو وجدوا قبسا من نور في ظلمات ليالي الدهور لبذلوا قصارى جهدهم للوصول اليه وهؤلاء نوادر وقلائل من البشر لأن الاكثرية مع الاسف من جميع الامم تعيش حضارة مجتمعها علما وعملا وتحوك لانفسها المئات من الادلة والبراهين لإرضاء النفس حتى لا تعيش ألم اللوم على الاخطاء والجهل.
وإن من اللازم الالتفات الى أمور أخر عليها قوام البحث وهي أن أسس الشرايع السماوية مبنية على معارف حق في مقابل باطل وموازين عدل في مقابل ظلم وبالعدل يتحقق الحق على جميع الاصعدة علما وعملا ولذا كانت غاية بعثة الانبياء البشارة بعدل يقام في آخر أيام الدنيا ليكون حجة على الماضين والباقين ولذا قال رسول الله (ص) : (لولم يبق من الدنيا الا يوم واحد لأطال الله ذلك اليوم حتى يظهر مهدي آل محمد ليملأ الارض قسطا وعدلا من بعد ما ملئت ظلما وجورا ) وما ذاك إلا لأن معرفة التوحيد والنبوة وجميع المعارف الحقة وقيام الحكومة الاسلامية الحقيقية لا المزيفة المدعاة لا يكون إلا تحت ظل حكم العدل وإلا فسرت الآيات والروايات بتبع الهوى وبذلت الأموال التي أرادها الشارع لسبيل الخير والحق في سبل الباطل ورغبات الحكام والمبطلين .
فإذا أردتم أيها الاخ الكريم إقناع المغالطين والمعاندين فذلك من أصعب الامور إن لم يكن شبه محال حيث ما هدى الله تعالى بمحمد (ص) سيد الكائنات صناديد قريش والكثير من عشريته وأصحابه الذين مردوا على النفاق وراحوا ليتربصوا بالاسلام وأهله وإن أردتم مزيدا من الأمر والبيان لردع المغالطين فاتمنى ان يجعلني الله تعالى عند حسن ظن اخواني المؤمنين.
فأقول أما بالنسبة الى ما سألتم عنه والله المستعان : ان مظلومية رجال الحق كالحسين عليه السلام ومن كان على مناهج الأنبياء والرسل هي مظلومية الحق وأهله و قد أكثر الله تعالى في كتابه المجيد من التحذير من المنافقين والمشركين حتى كاد ان يصبح تحذيره من الملحدين والمنكرين للتوحيد مغفولا عنه وما ذاك إلا لأن الظلمة بإسم النور لأشد خطرا من الظلمة بما هي ظلمة لأن بالشرك ضياع مناهج التوحيد في وديان ظلمات الربوبية المدعاة للاوثان كما و أن النفاق هدم لأسس الشريعة بإسم الايمان فهما ضرب لأركان الحق في مقام العقيدة شركا ولأسس الشرع بتحريف مناهجه نفاقا في حين أن الالحاد انكار للفطرة ومن أنكر الفطرة قضى على نفسه بنفسه ولذا انهارت دولة الالحاد كالاتحاد السوفيتي في أقل من قرن وكذا انهارت كل دعوة دعت الى مناهضة الفطرة كدعوى بعض النصارى الى عدم الزواج ودعوى الشيوعيين الى عدم الملكية حينما كانت دعوة ضد الفطرة الانسانية في حين أنه ضربت اسس الشرايع على طول التأريخ بواسطة ألاعيب المنافقين والدجالين لأنها من مزج الحق بالباطل وتشبيه الظلمات بالنور حينما راحوا ليحرفوا شرايع السماء بإسم الحق والعدل .
الجواب :
فنقول تباعا لما تقدم من المقدمة التمهيدية التي وصلت لحضرتكم قبل فترة من الزمن انه لابد من التأمل في الغاية التي من أجلها خلقت هذه الدنيا وجُعلت دار اختيار واختبار على الرغم من كون الله تعالى عالما بحقائق الأمور أزلا وابدا بما لكل شخص من مكانة عنده من الجن والانس على اختلاف مراتبهم قربا وبعدا فإنه تعالى خلق الدنيا وجعل فيها راية الحق والنور مشابة بآلاف رايات الباطل والظلمات وأراد من الإنسان في خضّم ظلمات ليالي الدهور ان يميز الحق عن الباطل ثم بعد المعرفة أن يستقيم على الصراط المستقيم الذي قال في حقه سيد الكائنات محمد (ص) حينما وردت آية (فإستقم كما أمرت) 112هود شيبتني آية في سورة هود وهو تعالى القادر أن يحسم النزاع بين الخلائق في مواطن العلم والعمل الصالح.
فبالالتفات والتأمل في هذه الغاية وكون راية النور مشابة بين ظلمات رايات الباطل تتضح الكثير من الأمور لسلّاك سبل ربهم ومن كانوا مصداقا لقوله تعالى : (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا….) لا للذين يريدون سحب الحق لأعتاب اهوائهم من الشهوات والعصبيات والقوميات والحضارات والمعتقدات التي يريدونها ان يلقوا بها ربهم وهي في الغالب تابعة للموروث الثقافي لاغلب الامم حيث كانت ولا تزال مصداقا لهذه الآيات الشريفة (إنا وجدنا آبائنا….) فضلا عن المعاندين الجاحدين الذين جحدوا استكبارا رسالات السماء ونازعوا الانبياء الكرام و اوصيائهم فضلا عن سائر المؤمنين طوال القرون والأزمان.
فالحق لدى المجاهدين في سبيل الله تعالى أهل البصائر لاغبار عليه ولا شائبة تعتريه وإن القرآن بما يحمل من الهدى والبينات الذي جعله الله تعالى تبيانا لكل شيء لا يكون هاديا حتى لمن كان من حفظته فضلا عمن كان من المنكرين له مالم تُطّهر النفوس وتسعى الى رضوان ربها .
ولذا قال علي عليه السلام حينما بعث عبدالله بن عباس والوفد المرافق له للحوار مع الخوارج (لاتحاجوهم بالقرآن فإنه حمّال أوجه) أي انهم يتمكنون من التأويل والتفسير بتبع الهوى لأنهم ليسوا بطلّاب حق وماذاك إلا لأن المجاهدين في سبيل ربهم حقّا قلائل ونوادر من البشر حتى يصل الأمر بالنسبة الى البعض ان يصبح شهود الحق ممتنعا بالنسبة لهم لسوء الاختيار حينما تصبح الغايات الدنيوية وإن تلبست بلباس الدين حجابا.
فالآن نقول بالنسبة الى ما يخص مورد السؤال او الشبهة إن الله تعالى قال في كتابه المجيد :(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) البقرة34 فإبليس الذي يعود إليه إنحراف البشرية او جلّها المظهر لعداوته لآدم عليه السلام و زوجه فإنه إضافة على كون الحق تعالى قد كان عالما بسوء سريرته وخبث ذاته وما سيؤول إليه أمره من الوساوس والاضلال للعالمين أزلا و أنه قد حصل بعد ذلك العلم الفعلي أيضا حينما خلق تعالى آدم عليه السلام وحصل ما حصل منه من الاستكبار فإنه قد يقال كيف يعقل بعد هذا كله وما هو عليه من الحسد ان يبقيه تعالى حتى يكون سببا لاغواء آدم عليه السلام وزوجه ليدفع بهما ليأكلا من الشجرة وهو تعالى علّام الغيوب فكيف لم يبعده عن منازل الصالحين وبالاخص وهم في الجنّة التي ينبغي ألا يبقى فيها ابليس بعد ابائه من السجود لكنه تعالى أبقاه حتى تمكن بعد ذلك من أن يقاسمهما (إني لكما من الناصحين) فلم يخرج الله تعالى من الجنّة ابليس بعد اباءه من السجود ولم يأمر الملائكة الكرام أن يقلعوا تلك الشجرة حتى لا تكون سببا للإغواء .
فقد يقال كما يقول القوم بالنسبة الى ما سألتم عنه لمن يبحث عن الشبهات تاركا للحق في مواطنه أنه كان على الله تعالى بعد علمه الأزلي وعلمه الفعلي حينما أظهر إبليس حسده وعداوته لآدم عليه السلام أن يبعده عنهما وبالاخص عن الجنة حتى لا يتمكن من الاضرار بهما وإغوائهما بعد ذلك ولكنه لم يفعل وماذاك الا لأنه بعد تمام البيان يأتي دور الاختبار ومدى مصداقية الادراك الفعلي علما والاستقامة على الطريق عملا.
فهكذا هي سنن الله تعالى في اختبار خلقه وما أخذ الله تعالى على نفسه لطفا بحال العباد إنما هو أن منحهم العقل و بعث إليهم الانبياء وجعل لهم من بعد الرسل حفظه يحفظون شرائع السماء من الزيادة والنقصان والتحريف كما وأنه جعل رسالات السماء لمن شاء لنفسه الحياة الكريمة واضحة ثم في مواطن الاختبار جعل راية النور مشابة بآلاف رايات الضلال وجعل الهادين إليها ضعفاء مشردين لمن أراد الحق بحث عنهم في شعب أبي طالب او في الربذة او في سجن السندي بن شاهك حتى لا يطلب الناس الحق الا للحق كما جعل بيته الحرام في بلاد قاحلة ماحلة حتى لا يقصد الا لوجهه الكريم .
وهكذا نقول هاهنا فبعد تمام البيان بالآيات والخطب والآحاديث من بداية الدعوة الى يوم الغدير وما قاله (ص) في الحديث المشهور بين الفريقين (آتوني بدواة وقلم….) قد جعل بعد ذلك كله البحث عن الحق والباطل ورجالات الحق والباطل شأنا بشريا لمن شاء إلى ربه سبيلا وماذاك إلا لأن حدود الشرايع إنما هي بقدر ما جاء في الكتاب المجيد مخاطبا لرسوله الكريم : (إنما انت بشير ونذير) و (وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا) فلا إلزام بعد ذلك لأن بالالزام والتطبيق للحكومة الاسلامية الحقة لم تبق الدنيا دار اختبار واختيار وهي ما خُلقت إلا لهذه الغاية ومن الشواهد على ما نقول ما أشار إليه تعالى في قصة موسى عليه السلام في مسألة السامري فإنه لو قال قائل إن موسى عليه السلام ما كان عالما بالسامري وما هو عليه من خبث السريرة فلا مجال للقول بأن الله تعالى ما كان عالما به لكنه مع ذلك كله تركه للافتتان واختبار قوم موسى عليه السلام وقد كان قادرا على ابعاده عن ساحة من أصبحوا في معرض اغوائه واضلاله كما وانه كان قادرا على قبض روحه ولكنه لم يفعل ذلك لأنه يريد الوصول الى الحق بجهاد في ميادين العلم والعمل وهو القادر أن يجعل الناس أمة واحدة كما قال (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) حيث لا يبقى إثنان يختلفان في توحيد او نبوة او إمامة ولا في حق او باطل مطلقا كما سيحصل ذلك عند قيام الساعة حيث تزاح الشبه ويظهر السلطان الإلهي لكنه تعالى شاء في دار الدنيا أن تزيح العقول الزكية بنفسها بالعلم والعمل الصالح الشبه عن النفوس لتنال بذلك عند ربها مقام المقربين .
وهذا كله جار أيها الاخ الكريم بالنسبة الى مايورد القوم من شبه بالنسبة الى من سألتم عنهم فهؤلاء ليسوا إلا كمن كان في عهد الرسل الذين خلوا من قبل محمد (ص) الذين حرفوا شرايع المرسلين وإن سنن الله تعالى في اختبار عباده لا تغيير ولا تبديل فيها .
وأعلم ايضا أيها الاخ الكريم إن محل هذه الشبهة التي يطبل ويزمر بها القوم في كل محفل ومقام وكأنهم قد جاؤوا بالبرهان القاطع لإثبات مدعاهم إنما محلها هوفيما لو كانت الغاية من العيش على وجه الأرض تحكيم العقل ونشر الحق بلا ان تشوبه شائبة الباطل حيث يكون من حق القائل ان يقول كيف تدّعون أن الله تعالى أقدر القادرين وأنه من إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون وهاهو أبليس يسرح ويمرح في شرق الارض وغربها بدءا من خلق آدم عليه السلام الى يومنا هذا وهاهم الظالمون من الحكام والدجالين يُحكِمون سيطرتهم على مدى القرون على وجه الارض فأينما تدعون من السلطان الإلهي وأينما تدعون من أنه تعالى قادر أن ينصر عباده الصالحين فما وجدنا سلطان ربكم لافي مواطن تحكيم العدل و الحق ولا وجدنا نصره لعباده الصالحين الذين ارتضى .
حيث نقول لهم إنكم لخاطئون فيما صرتم إليه لأن الغاية من خلق الانس والجن على وجه الارض هو الاختبار والامتحان لا التحكيم لموازين العدل وجعل الحق لاتشوبه شائبة الباطل وإذا كان هذا هو ما يراد من العيش على وجه الارض فسيصبح كلام القوم من إلقاء الشبهة للمغالطات إستخفافا بعقول الأمة التي ما عاشت عرفان كتاب ربها ولا مناهج سنن أنبيائه الكرام ولا عرفت الغاية من خلق الانسان على وجه الارض وإلّا فكيف يورد عارف بشرع الله تعالى من بعد ما وعى الغاية من الخلق أنه كيف ترك محمد (ص) هؤلاء القوم لو كان يعلم أنهم سوف يسببون الانحراف والانقلاب على الاعقاب , أجل كيف يورد مثل هذه الشبه من عايش كتاب الله تعالى الناص بلا أي شبهة على أنه أدخل ابليس الجنة على اوليائه كآدم و حواء عليهما السلام فمن يدخل اعداءه الشياطين على اولياءه المقربين في جنانه ثم يستجيب لهم بالبقاء الى يوم يبعثون لاختبار عباده وتمييز الصالح من الطالح ومن يجعل السامري فتنة لبني اسرائيل حتى قال موسى عليه السلام : (إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء) لا أظنه يبقي مجالا لقول قائل أن يقول لو كان محمد (ص) يعلم بأن هؤلاء النفر سيضلون الامة من بعده كيف ابقاهم حيث ان مثل هذا جار فيما مضى من سنن الاولين بعد جميع المرسلين وما بعث الله تعالى محمدا (ص) رحمة للعالمين بعد عيسى عليه السلام إلا في غضون اقل من ستمائة سنة وقد كانت شريعة عيسى عليه السلام وصل بها الامر الى ما وصلت إليه من التحريف والاندراس وهكذا ما جاء عيسى عليه السلام ولا موسى من قبله وكذا جميع الرسل يتلوا بعضهم بعضا إلا لتحريف المحرفين وما كان هؤلاء الذين حرفوا شرايع الرسل من قبل محمد (ص) إلّا من اتباع واصحاب اولئك الرسل لمّا حليت الدنيا في أعينهم ومن تردد في علم محمد (ص) لا يتردد في علم الله تعالى وهو قد ترك ابليس كما قلنا والسامري وغيرهما.
ولو ان هؤلاء الذين يلقون مثل هذه الشبه رجعوا لأنفسهم طالبين الحق مجاهدين في سبيل الله تعالى مبتعدين عن روح العناد واللجاج وعاشوا واقع الكتاب والسنة لأبتعدوا عن مثل هذه الشبه الواهية لكنهم أرادوا المغالطات بدوافع العصبية وإلا فكيف تخفى مثل هذه الواضحات التي اشرنا إليها عمّن جاء لربه بقلب سليم يريد السلوك الى سواء السبيل لكنهم كما قال تعالى في حق فرعون : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) وان من سعى مجاهدا في سبيل ربه وجد الكثير من هذه الواضحات المزيلة لمثل هذه الشبه الواهية في كتاب الله تعالى وسنن انبيائه الكرام وما جاء عن أهل بيت النبوة عليهم السلام , هدانا الله وإياكم الى سواء السبيل.
وأما ثانيا : فنقول في المقام بالنسبة الى ما يتعلق بمورد شبهة هؤلاء القوم إن هؤلاء ينسون او يتناسون بأن الله تعالى العالم أزلا بسرائر النفوس وبواطنها ما كان ليؤاخذ أحدا بما له من العلم و إلا لو كان الأخذ لعلم الله الأزلي لما جعل الدنيا دار اختبار واختيار و لو أخذ العباد بعلمه الأزلي لكان ذلك من قبيل القصاص قبل الجناية ولذا لمّا قيل لعلي عليه السلام إن كنت تعلم بأن ابن ملجم هو قاتلك فلماذا لم تقتله فقال عليه السلام ماكنت لأقتل قاتلي مشيرا بذلك الى ان الفاعل مالم يفعل الفعل لا يؤاخذ به وأنه لا يجوز القصاص قبل الجناية وأنه لابد ان تجري الأمور بمجاريها لتصبح فعلا خارجيا لا علما تابعا للأزل وهكذا نقول في موطن هذه الشبهة أيضا بعد جوابنا الاول بأنه لو كان يجوز أخذ الناس بتبع العلم الأزلي لما كان من حاجة الى خلق عالم الدنيا وبعد خلقها لو كان يجوز الاخذ بتبع العلم الالهي او بتبع ما اطلع عليه اوليائه لمنع بذلك صدور الفعل القبيح على وجه الارض مطلقا لو علم الناس بالاخذ عاجلا وبالاخص لما تحقق منه ما كان اساسا للقبح والاضلال ولخاف المنحرفون والدجالون حتى من التفكير في القبيح فضلا عن القيام به لو علموا ان اخذ الله قريب ولما تمادى الظالمون في ظلمهم ولما جحد أهل الباطل أهل الحق حقهم ولخافوا أخذ عزيز مقتدر لكنا نجد ان اسوء خلق الله الذين قال تعالى في حقهم أنهم في الدرك الأسفل من النار وهم المنافقون عاشوا حياتهم في قرب سيد الكائنات ولم يتجاوز في تأديبهم عند الضرورة إلّا بعض مواطن التحذير والتهديد لتحجيم تماديهم في الغي حتى لا يكون عائقا من سير الرسالة ولولا ذاك لتركهم بما هم عليه لكن الله تعالى يريد في زمن جميع الانبياء ان يؤيد رسالات السماء بقدر ما يتم به البيان وإذا تم البيان أخذ رسله الكرام وما وجدناه سلط اوصيائهم و إن أبقاهم حجة على الخلق حتى لا تخرج الدنيا عن واقع كونها دار اختبار واختيار ولذا قال تعالى : (لا إكراه في الدين) فإذن الرد الثاني لهذه الشبهة أنه ما كان الله تعالى ولا اولياءه الكرام ان يأخذوا احدا بالقصاص قبل الجناية ولو اخذوا الناس على ضمائرهم لما بقيت الدنيا دار اختبار ولذا نرى أن الامام عليا عليه السلام حينما جاءه من يخبره بخروج الخريت بن راشد للالتحاق بخوارج النهروان ومعه ألف مقاتل قال ماكنت لأمنعهم حتى يشهروا علينا سيفا في حين انا نشاهد الحكام الظالمين يأخذون الناس بالظنة والتهمة فضلا عما لو اقيمت البراهين .
وأما الرد الثالث لهذه الشبهة : فنقول إن الأديان بنيت جميعا على العمل بالظاهر ولذا قال رسول الله (ص) في مسألة القضاء بين الناس :( إنما أحكم بينكم بالبينات والأيمان) وهو العالم بالصادق والكاذب كما وأنه (ص) قَبِل إسلام قريش حين فتح مكة مكتفيا بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وهو العالم أن جلّهم ما أسلموا بل استسلموا فمدار الاديان جيمعا على الحكم بالظاهر وترك البواطن لرب العالمين ليوم الحساب ولذا عامل الرسول (ص) الجميع معاملة واحدة وهو العالم بان في المجتمع الإسلامي شريحة واسعة من المنافقين لا يستهان بوجودهم حتى وصل أمر المنافقين أن يعيقوا ثلث الجيش في غزوة احد ومن علم بأن الاديان قامت على الحكم بالظاهر لا يورد مثل هذه الشبه الواهية في المقام لكن الناس اعتادوا عيش المغالطات والجدل بدلا من السعي لمعرفة الحق ليوم الحساب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق