إسم السائل : سارة
السؤال:
ما
معنى التوبة وما هي شروطا و هل التوبة تشمل الجميع فمثلا هل للقاتل العمدي
توبة او مثلا للزاني توبة تغفر له خطاياه يوم القيامة و تغسل كل ذنوبه و
هل من الممكن أن يدخل القاتل او الزاني إن تاب وعمل صالحا الى الجنة أم
لا؟وهل للتوبة درجات و شكرا لسماحة العلامة الشيخ محمد كاظم الخاقاني
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
التوبة
لغة تعني الرجوع عن الذنب الى الطاعة أو الندم عن المعصية و تاب أي عاد و
رجع و أناب و التوبة النصوح هي الخالصة و في الحديث الندم توبة و هو الندم
عما ارتكب الإنسان من الخطايا.
و
لا تكون التوبة نصوحا بتمام معنى الكلمة و لا يوفق لها الشخص بكل أبعادها
إلا بعد طهر للنفس ناشيء عن معرفة مكللة بالإذعان و الإذعان هو قرارة النفس
بتبع مراتب الإيمان و مراتب اليقين لأن مجرد العلم الذي هو إنكشاف للحقيقة
لدى النفس بدون حصول إقرار نفساني المعبر عنه بالفعل النفساني الحاصل وراء
الشهود للحقائق بواسطة العلم لا يكون سببا للسير و السلوك إلى الله تعالى
بل قد يكون العلم هو الحجاب الأعظم إذا لم يكن لدى نفس طاهرة لأنه قد يصاب
العالم بالكبر و قد ورد عن الإمام علي عليه السلام أن علماء السوء هم شر
خلق الله بعد فرعون و إبليس.
و
إن قبول التوبة على الله تعالى من اللطف بحال العباد وهي مما قد أخذ الله
على نفسه و اللطف من مصاديق الإحسان و هو كل ما يقرب العباد الى الطاعات و
يبعدهم عن المعاصي و إلا فمن الجائز بحكم العقل بمقتضى العدل أخذ المذنب
بذنوبه لكن لو عامل الله تعالى عباده بعدله لا بلطفه و إحسانه و رحمته
المطلقة و عفوه لما خلص يوم الحساب من البشر إلا نوادر من الخلق وهم
السابقون السابقون و هم نخبة الأبرار في حين أنه تعالى ما خلق الخلق للعقاب
و النيران بل للرحمة و الكمال و العقاب من باب أخذ الحق لمن كان في رقبته
حق للغير و لم يتب و من باب التأديب و التطهير كما و أن الماء جعله تعالى
طهورا في دار الدنيا من الأوساخ كذلك جعل النار طهورا للكفرة و العصاة
الذين يقدمون على ربهم معاجزين له معلنين طغيانهم فالنار إذن إنما جعلها
الله لإذهاب حجب الظلمات و إذهاب درنها للعودة الى فطرة السلام و إن كان
هناك من الخلق من تنسخ هويته لكثرة الذنوب كفرا و شركا و ظلما.
و
التوبة تكون بمراتب و درجات بتبع مراتب زكاة النفس و تحليها بمراتب العلم و
مراتب اليقين من علم اليقين و عين اليقين و حق اليقين و لا يوفق لرفيع
درجاتها العليا إلا ذو حظ عظيم .
و مما يجب الإلتفات إليه أمران :
الأول:
أن التوبة تارة تكون بمعنى العود الى الله تعالى بعد إرتكاب الذنب كمن
يتوب عن ترك واجب او فعل محرم و هذه هي توبة أمثالنا من العصاة والجاهلين.
والثاني:
هي توبة الأولياء وهي التوبة الى الله تعالى من مرتبة كمالية الى مرتبة
كمالية أعلى كمن يتوب من ترك المستحبات الى أدائها او من ترك الأولى وهكذا
يأخذ بالسير والسلوك العبد التائب الذي هو من الأولياء متوجها الى الغاية
اللامتناهية وهي الحق تعالى ولا نهاية الوجود بعروج لا متناه تائبا من
مرتبة من العروج الى أخرى حتى يبلغ في عروجه الى الله إلى ميادين شهود
النور و منها الى مراتب عظيم مقام الأسماء الإلهية وهو مقام الواحدية و
الكثرة الأسمائية و منها إلى مقام الوحدة الأحدية الصمدية فناءا بعد فناء
ولقاءا بعد لقاء وهم التائبون من كل شيء ما عدا الله تعالى حيث يصبح الفرد
غارقا في ميادين القرب الإلهي يسبح في بحور الأنوار الربوبية وهذا هو عصيان
الأولياء الذي يرونه لأنفسهم أي أن كل مرتبة دانية ولو كانت من مراتب
العروج في ميادين النور يراها الولي إبتعادا عن محبوبه فيطلب المزيد خاشعا
راكعا تجري دموعه على خديه في ليالي الوصال شوقا و خوفا وطمعا فيدفع بهؤلاء
العظماء الوجد والحب الى أن تصبح نفوسهم متعلقة بالمبدأ الأعلى وهم في دار
الدنيا مع الناس يعيشون ,هؤلاء هم عباد الليل فرسان الصباح العلماء
الحلماء قد وصفهم إمام المتقين و إشتاق الى لقياهم و قال آه آه يتحسر على
أمثالهم و يعبر عنهم أنهم الأقلون عددا,فمن هؤلاء بعظيم ثقلهم الإيماني حتى
يشتاق إليهم إمام المتقين و قائد الغر المحجلين و سيد الأولين و الآخرين
بعد رسول رب العالمين؟! لله درهم وعلى الله أجرهم.
ولما
كانت التوبة لها مراتب وهي لا حد لها فراحت لتحمل التوبة النصوح معنى
المبالغة في النصح على إختلاف مراتب التائبين و من شرائط التوبة التصميم
على عدم العود الى ما سبق من الذنب و إن كان الإنسان خطائا فقد توسوس له
نفسه بعد حين فيرتبك الذنب نفسه أو غيره لكن الله هو التواب الرحيم الذي
رحمته وسعت كل شيء حتى ورد أنه من بعد أن يعرف الناس منازلهم يوم الحساب
خيرا او شرا بحسب عدل الله جزاءا وفاقا يفتح الله تعالى لخلقه أبواب
الشفاعة و على رأس الشافعين هو سيد الأولين و الأخرين ثم يفتح لهم بعدها
باب الصفح و العفو ثم يفتح الباب الأوسع وهو باب الرحمة الواسعة التي وسعت
كل شيء وعند فتح هذا الباب يطمع حتى أمثال إبليس بعفو الله ورحمته.
وليس
معنى هذا أن لا دخول في النار بعد كونها طهورا لكثير من الكفرة والعصاة
الذين لابد أن يلبثوا فيها أحقابا و العلم عند الله تعالى.
إذن
مما لا ريب فيه أنه تعالى رحمة بحال العباد فتح لهم أبواب التوبة وهي عامة
تشمل الجميع على إختلاف مراتب الذنوب و الخطايا وقد قال في محكم كتاب
بالنسبة لآدم عليه السلام : (فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم )وقال في موطن
آخر بإختلاف المعصية و الأفراد وهو بالنسبة إلى عبدة العجل والشرك ظلم
عظيم (فتوبوا الى باريئكم_ الى قوله_ فتاب عليهم إنه هو التواب الرحيم)
وذلك حينما تسوق حضارة الجهالية الراسخة في أعماق الضمير أتباع الأنبياء
الى حضيض عبادة العجل و حينما تسوقهم في موطن آخر أن يطلبوا أن يكون لهم
إلهاً كما لعبدة الأوثان و الأصنام ألهة و مع كل هذا السقوط والذنب العظيم
شملهم الله تعالى برحمته و ضرب الله أمثلة لأصحاب الأنبياء وفي موطن آخر
بنساء الأنبياء حتى لا تصاب الأمة الإسلامية بعد رحيل الرسول بتقديس الرجال
والنساء بدلا من تقديس الحق و إن أبى المسلمون إلاّ أن يكونوا كما قال
رسول الله (ص) :(ستسير هذه الأمة على ما سارت عليه الأمم قبلها شبرا بشبر و
ذراعا بذراع …..الخ) و أنها ستنقلب على الأعقاب و أنها ستتنافس في الدنيا و
الرئاسة كما تنافس فيها أتباع الأنبياء السابقين بعد أنبيائهم ولذا لم
نسمع بعد نوح وإبراهيم و موسى و عيسى عليه السلام إزدهارا للدنيا بنور
العلم و العمل الصالح بواسطة أوصايهم بل قبضها الحكام و أصحاب المطامع
فنصرانية اليوم هي نصرانية الحكام و وعاظ السلاطين و كذا يهودية اليوم بل و
إسلام اليوم من حيث الفعل و التفسير و التأويل لا من حيث أصل الشرع داعين
الله أن يحفظ لنا التشيع من أيدي المتلاعبين حتى لا ينسخ هويته المتلاعبون و
يصاب بما أصيب به بقية المذاهب و الأديان.
و
قد علمنا من موطن آخر أن اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى مهما بلغت
الذنوب هو من أعظم الكبائر وقد قال تعالى في موطن آخر أن الله يحب التوابين
فما جعل التوبة فقط مدعاة للغفران بل جعلها من دواعي الدخول في ركب
المحبوبين لرب العالمين.
و
إن من المحال عقلا أن يدعونا الله تعالى إلى العفو عمن أساء إلينا و ظلمنا
و يطردنا من أبواب رحمته إذا جئنا إليه تائبين مهما عظمت الذنوب فإنه أولى
بالعفو و الصفح منا.
ومن شرائط التوبة :
أن
يتلافى المذنب ما أفسده إن أمكن ذلك فمن أكل أموال الناس كان عليه ردها و
إلا كان كاذبا في دعواه التوبة ومن ظلم الناس كان عليه أن يرد إليهم
ظلاماتهم مادية كانت أو معنوية فمثلا من إفترى على شخص فلا توبة مع الإصرار
على عدم تكذيب نفسه و إعادة كرامة الأخرين و من أكل أموال الناس كان عليه
ردها إن أمكن و إلا طلب برائة الذمة من أصحابها و من أضل قوما سعى لإصلاح
ما أفسد و لابد من الإلتفات الى الآيات بعد ملاحظة بعضها مع بعض لأن القرآن
يفسر بعضه بعضا و كذا بعد ملاحظة الأحاديث في هذا المقام قال تعالى :
(إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فاولئك
يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما وليست التوبة للذين يعملون السيئات
حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا للذين يموتون وهم كفار
أولئك إعتدنا لهم عذابا أليما) و كلمة إنما في اللغة العربية أداة حصر
ومعناه أن التوبة إنما تقبل من الذين يعملون السيئات بجهالة ثم يتوبون من
قريب لا لغيرهم و المراد من الذين يعملون السوء بجهالة هم الضالون لا
المغضوب عليهم الذين هم من أصناف المعاندين الجاحدين الذين نصبوا العداء
للحق و أهله ولو كانوا بحسب الظاهر من المسلمين كالنواصب فإن مثل هؤلاء من
المستبعد أن يوفقوا للتوبة النصوح لأنهم ممن قد قست قلوبهم لتمامية ظلمة
المعاصي فلا قبس نور يستضيؤون به الى الرجوع الى الحق لتراكم الغشاواة و
كذا من يتمادى في الذنوب فإنه قد ورد ما مضمونه عن الإمام الصادق عليه
السلام حينما سأله سائل هل باب التوبة مفتوح لآخر أيام الحياة حتى يشاهد
الشخص معالم الآخرة؟ قال نعم فقال له السائل إذا قد يتمادى الإنسان في
الذنوب حتى إذا وجد نفسه قد بلغ مبلغا من العمر ظهرت فيه إمارات قرب الرحيل
بعد سيل من الخطايا و العدوان يتوب الى الله و قد ورد في الأحاديث عنكم أن
التائب كمن لا ذنب له فنظر إليه الإمام لحظة ثم قال : إنهم لن يوفقوا
للتوبة ,مشيرا بذلك الى قسوة القلب وتراكم حجب الظلمات المانعة من الرجوع.
و
إذا كانت الجهالة ضلالة فإنها تعم الكافر والفاسق و الجهل إنما يكون في
مقابل العلم في حين أنه قد يعدم لوم الضمير على فعل كثير من القبائح
للجهالة عند بعض المجتمعات لأن صاحبها بحسب حضارته لا يراها من
القبائح ولذا تعتبر ذنوبهم من الجهالة ولا أقصد عدم اللوم للنفس من جهة
كثرة المعاصي ككثير من الأشقياء كأمثال الحجاج حيث تعود ضلالة هؤلاء الى
كبر النفس وخبثها الداعية الى قسوة القلب.
والتوبة
عن قريب قد يراد منها لكون النفس حية لوامة ولذا يحصل منها الندم بعد
الخطأ فيعود صاحبها الى ربه بعد الإلتفات الى أن ما ارتكبه كان خطيئة او
المراد منها قرب العهد وهو الزمان أي أن صاحبها يعود من خطئه في زمان قريب
ولا يتمادى في غيّه أوالمراد منها لكون الدنيا تمر مر السحاب فإن من عاد
قبل أن تظهر إمارات الموت فهو لرحمة ربه الواسعة يعتبر عند الله عائدا عن
الذنب من قريب لأنها كانت عن جهالة.
لكن
أظن أن المراد من التوبة عن قريب يعود الى ما يفهمه عامة الناس وهو الرجوع
عن الذنب بعد إرتكاب الخطأ بمجرد ان يخرج من الجهالة الى العلم وهؤلاء هم
الذين أخذ الله على نفسه قبول توبتهم في المرتبة العليا لكون نفوسهم لوامة
تندم عند الألتفات الى الخطأ بمجرد الخروج من الجهل الى العلم و إن الكثير
من المذنبين لإختلاف الحضارات و إن كانوا من الضالين لا من المعاندين فإنهم
لا يرون ما يرتكبونه من الخطايا معصية للجهل وذلك واضح لأنه ليس جميع
الناس ممن يعيش في كنف المساجد والحسينيات ليميز مواطن الخير عن الشر.
و
إن الذي يرى إمارات الموت أو بأس ربه فيقول (إني تبت الآن) لا يكون من
التائبين من الذنب و إنما ذلك للوقوع في الخطر و إنتهاء زمن فعل القبيح و
لذا قال تعالى في حقهم:(لو ردوا لعادوا) و لو كان مثل هذا توبة لكان جميع
الخلائق يوم الحشر من التائبين بل التوبة لمن آمن بالغيب و هو بعد في دار
الدنيا لم ينقطع عن مغرياتها فتاب و أناب إلى ربه.
و
قد قال تعالى في موطن آخر:(و إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له
الدين فإذا نجناهم إلى البر إذا هم يشركون) فمثل هؤلاء لا يعدون من
التائبين.
و
هنا أمر لابد من الالتفات إليه و هو أن الحسن و القبح تابع للفعل
الإختياري أي مادام الانسان قادرا على فعل كل من الخير و الشر فإنه يمتدح
على فعل الخير و يذم على فعل الشر و لكن لو صار مضطرا أو مجبرا على الفعل
فلا يصبح عندئذ محلا لمدح أو ذم و محل التوبة مادام الإنسان قادرا على فعل
كل من الخير و الشر و على هذا نقول من شرب الخمر أو إرتكب القبائح الأخرى
كالزنى حتى أصبح لمرض أو شيخوخة أو فقر غير قادر على ارتكاب مثل هذه الأمور
و عند حصول هذه الحالة ندم على ما ارتكب فيما مضى من تسويفه للحياة في مثل
هذه المتاهات فإنه من المشكل أن نسميه نادما بل هو ممن قد أصبح نادما على
ما فرط في جنب الله و آسفا على ضياع الحياة في المتاهات فيكون من زمرة
الآملين رحمة ربه و الله أرحم الرحمين.
و
قد وجدت العديد من الناس من بعد ما يقضي الحياة في متاهات الضياع و يصل
إلى سن التقاعد أو الشيخوخة يريد أن يصلح ما فات من العمر بفعل قد يجعل
مصداقا لمن يسيء و هو يظن أنه يحسن صنعا للجهل بموازين الشرع و أنىّ يكون
الإصلاح لكثير منهم و الفعل الصالح تابع لزكاة النفس و المعارف الحقة و لذا
ربما راح الواحد منهم يسارع إلى المندوب تاركا للواجب و آخر منهم دافعا
للأموال في غير محلها تحت تأثير و توجيهات أصحاب المطامع و الثالث منهم راح
ليصبح حمامة مسجد إمام مسجده من أضراب الحجاج بن يوسف الثقفي ظانا أن مجرد
الوجود في المسجد أو الحسينية يصنع منه سالكا سبل ربه و هو يصلي في مسجد
كمسجد ضرار أو في مسجد من أمثال المساجد التي هدمها علي عليه السلام حين
فتحه للبصرة فيصبح إفساده أكثر من اصلاحه و ربما راح ليصبح من أعوان
الظالمين أو أداة بأيدي الماكرين يستخدمونه لمصالحهم الشخصية و صار للجهل
بعد توبته يرتكب من الأخطاء ما هو أشد من أخطاءه السابقة لأنها ربما كانت
شخصية لا تضر بالمجتمع و الشرع.
إذا
من أسس التوبة و شرائطها حتى لا يخرج الإنسان من ذنب واضح و يدخل في ذنب
أشد منه للجهل زكاة النفس و تحليتها بالعلم حتى يكون سالكا سبل التوبة
النصوح لأنه لا تقليد في مثل هذه الأمور لأنه من الواجب على كل شخص أن يعرف
منهج الحق حتى يعرف سبل الحق التي بها يعود إلى سبيل ربه.
و
قد ورد بالنسبة إلى مرتكب الزنا (و الذين إذا فعلوا فاحشة) فإنه قيل
المراد بالفاحشة هنا الزنا ( أو ظلموا أنفسهم) قيل أرتكبوا ذنبا اعظم من
الزنا ( ذكروا الله فإستغفروا لذنوبهم و من يغفر الذنوب إلا الله و لم
يصروا على ما فعلوا) أي و لم يقيموا على الزنا أو تلك المعاصي (أولئك
جزاءهم مغفرة من ربهم و جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و نعم أجر
العاملين) فقد مدحهم الله و اعتبرهم من أهل الجنان بعد مثل هذه المعاصي.
و
إذا كان الذنب حقا للغير فقد ورد في الأحاديث أنه إذا مات من له الحق و
كان الإنسان المرتكب للخطأ قد تاب توبة نصوحة قبل الوفاة على أنه يخاطب
الله تعالى المظلوم يوم القيامة قائلا إن عبدي فلان قد ارتكب في حقك كذا و
كذا و هو قد تاب خوفا من ربه فهل تعفو عنه و لك كذا من النعيم و الحور و
القصور و غير ذلك مما لا يعلمه إلا الله فإن لم يرض إلا بالقصاص ازاده الله
تعالى من فضله حتى يرضى و من المعلوم أن كل إنسان مهما كان من الصلاح فإنه
محتاج إلى المزيد من فضل الله و لا شك أنه يرضى بالعفو لأنه يعيش في دار
بعيدة عن الأحقاد و عن دوافع القصاص.
و
أما إذا لم يكن ارتكاب الذنب عن جهل بل عن جحود و عناد للحق و أهله ثم راح
ليتوب عندما شاهد إمارات الموت فالآيات صريحة بأنه لا تقبل منه التوبة و
إلا ففرعون قد تاب عندما رأى بأس ربه و أما قبل مشاهدة إمارات الموت فمن
المستبعد أن يوفق أمثال هؤلاء للتوبة النصوح و ربما كانت الذنوب لمتابعة
الآخرين بتبع قاعدة إنا وجدنا آبائنا و هذا ما تقوله مشايخنا فلعله يدخل
تحت عنوان الجهل و إن لم يدخل فإن تاب و أصلح ما أفسد تاب الله عليه.
و
بالجملة فباب التوبة مفتوح لكل أحد فإن كانت الذنوب حقا إلهيا فالله أولى
بالعفو و إن كانت حقا للناس و كان العبد غير قادر على إصلاح ما أفسد فالله
يرضي صاحب الحق كما تقدم و لا شك أن التوبة عامة تشمل جميع الذنوب و جميع
الناس لما ورد من تاب تاب الله عليه و من تاب كأنه لا ذنب له.
و
قد ورد عن أمير المؤمنين أنه قال: من تاب تاب الله عليه و أمرت جوارحه أن
تستر عليه و بقاع الأرض أن تكتم عليه و أنسيت الحفظة ما كانت تكتب عليه.
و
أما من قتل مؤمنا لإيمانه فكأنما قتل الناس جميعا لأنه قصد قتل الصلاح و
الإيمان و من المستبعد أن يوفق للتوبة النصوح أمثال هؤلاء و من قتل نفسا
متعمدا فلا تكون التوبة صدقا ما لم يسلّم نفسه لأولياء الدم إن لم يقبلوا
منه الدية و إن كانت عن خطأ فلابد و أن يلحظ الدية و ما جعله الله من
الكفارات لأن بعض الذنوب جعل لها الله بعض الكفارات.
و إذا كان من إرتكب الذنب جهارا فمن شرط التوبة أن يجهر بها حتى لا يغتر بفعله الآخرون و يعلموا أن صاحبهم قد اعترف بذنبه و تاب.
و علامة صدق التوبة في العبادات بقضائها فقاطع الصلاة يقضي ما فات و تارك الحج يحج و هلم جر.
و قد ورد في الأحاديث أن باب التوبة يبقى مفتوحا للجميع حتى تظهر أشراط الساعة و عندها لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل.
و
علينا أن نعلم أن من لم يصلح نفسه في شبابه يكون من الصعب عليه أن يصلحها
في الكهولة أو الشيخوخة و من لم يتمكن من إصلاحها تماما فلا أقل من جعل
خطوط حمراء لكبائر الذنوب و من خاف ربه في كبائر الذنوب أعانه على نفسه
لترك صغارها لطفا من الله تعالى وفقنا الله و إياكم لكل خير و جعلنا من
التوابين مع الاعتذار من التأخير في الجواب لبعض المشاغل.
--------------------------------------------------------------------------------
مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني
كما يمكنكم متابعتنا على كل من
للتواصل
معنا:
kazemalkhaghani@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق