الجمعة، 24 مايو 2013

@ ما رأيكم شخينا بمسألة البداء

إسم السائل :آلاء جابر

السؤال : ما هو رأيكم شيخنا بمسألة البداء؟

الجواب:

البداء عند الشيعة: البداء لغة هو الإبانة والظهور بعد الخفاء ومعنى بدا الشيء أي ظهر وتبين ولا يقال ظهر وتبين إلا بعد الخفاء وبهذا المعنى جاء في الكتاب المجيد حيث يقول تعالى (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) وقال أيضا (وبدا لهم سيئات ما كسبوا) وقد تطلق كلمة البداء ويراد منها تغيير الإرادة والعزم كما قال تعالى (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) وبمثل هذه المعاني لا تحمل على الله تعالى كلمة البداء ولم يقل بذلك من علماء الشيعة أحدٌ أبداً وما ينسب إليهم هو إما ناشيء عن الجهل بالمذهب أو صادرٌ عن الأحقاد الطائفية لإبعاد المجتمع عن مذهب أهل البيت (ع) خدمة للحكام كما هو مشاهدٌ لكل متابعٍ للتأريخ الإسلامي و ما هي الإفتراءات التي افتريت على علماء الشيعة طيلة هذه القرون.

فإن الله تعالى هو العالم بالأشياء أزلاً وأبدا وكيف لا وهو العليم الخبير والوجود الصرف المحيط بكل شيء وهو العلة الموجدة للأشياء والغاية لجميع الكائنات (إنا لله وإنا إليه راجعون) فالحادث والقديم والمستقبل عنده تعالى واحدٌ لأنه القيّوم الذي به قوام الأشياء ولا معنى لتصور تغيير إرادته لحدوث علمٍ جديد أو كشف مصلحةٍ أو مفسدة في شيء وكيف يعقل أن يقول عالمٌ من علماء الشيعة بما يخالف نصوص الكتاب والسنة القطعية وما عليه قوام الدليل والعقل من العلم الأزلي الأبدي الإلهي وهو تعالى القائل (إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض أو في السماء.

وكيف أيضا ينسب إلى علماء الشيعة أنهم قائلون بالعلم بعد الخفاء بالنسبة إلى الله تعالى والكثير منهم لا يرى ذلك حتى بالنسبة إلى الرسول (ص) وآله الكرام حيث يرون أنهم يعلمون ما كان وما يكون لما لهم من الولاية المطلقة ولأنهم مظاهر أسماءه تعالى علماً وعدلاً وحكمةً وإن من كان كذلك كان عالماً بالأمور والحقائق إلا ما كان من شأن اختبارهم فإنه محجوبٌ عنهم.

فمن يرى مثل ذلك في أولياء الله تعالى كيف يُنسب إليه القول بالبداء بمعنى الظهور بعد الخفاء بالنسبة إلى الله تعالى وهو رب الكون ورب الأولياء.

نعم إن من جملة ما هو من أهم عقائد الشيعة الإمامية القول بالبداء لكن ليس كما توهمه أبناء العامة والجماعة حيث أن ذلك نوعٌ من أنواع النسخ لكن النسخ الإصطلاحي إنما هو في التشريعيات بأن ينسخ الحكم إذا انتهى زمانه وانتهت مصلحته وإن كان ظاهر الحكم الشرعي هو البقاء كالحكم بوجوب الصلاة إلى بيت المقدس ثم عند انتهاء تلك المصلحة أوجب الله الصلاة إلى بيت الله الحرام مكة المكرمة، وجهل الناس بذلك لا يدل على أن الحكم عند الله تعالى كان يراد إبقاءه ثم حدث ما غيّر ذلك الحكم لأن الله تعالى لا يتغير عنده شيء لأنه العالم بالأشياء أزلاً وأبداً وليس هو محلاً للحوادث.

وكذلك قد يُظهر الله تعالى شيئا بحسب ظاهر التكوين لغاية ومصلحة ثم يغيره لأنه بحسب الواقع هو من عالم المحو والإثبات وهو تعالى يمحو ويثبت وعنده أم الكتاب فالثوابت في أم الكتاب والمتغيرات أمور تابعة لأسبابها كما يغير بإذن الله تعالى الدعاء القضاء وكذلك بر الوالدين وصلة الأرحام والصدقات وإن كانت الأرزاق أو الأعمار هي في علم الله تعالى أزلاً وأبداً معلومة كما وأنه تعالى يعلم أزلاً بخلقه المؤمن والكافر منهم وإن كان بعض الناس في الخارج قد يعيش كفراً ثم يصبح مؤمناً وكذا العكس.

وبالجملة النسخ في التشريع أي في الرسالات السماوية التي جاء بها الأنبياء فإذا انتهى أمد الحكم نسخ وجاء الله تعالى بحكمٍ آخر والبداء في التكوين أي في الواقع الخارجي بتبع العلل والأسباب ولبيان المطلب أكثر نقول:

إن من عقائد الشيعة في مسألة التوحيد إن الله تعالى هو العالم بالحقائق أزلاً وأبدا ولا يخفى عليه شيء في السماوات والأرضين والجهل ناشيء عن القصور وهو تعالى محض الوجود الذي لا حدّ فيه وكيف لا يعلم بالأشياء وهو علتها وغايتها التي ترجع إليه وكونه تعالى يأمر بشيء في شريعةٍ ثم ينسخه في شريعةٍ أخرى أو يأمر بشيء في شريعة واحدة ثم ينسخه بعد فترة لإنتهاء أمد مصلحته فإن ذلك ليس معناه أنه كان يرى المصلحة مستمرة ثم بدا له وانكشف بعد فترة أن المصلحة بخلاف ذلك  فغيّر الحكم بتبع ما انكشف له من أمرٍ جديد بل معناه أنه حينما حكم بحكمٍ كانت المصلحة من أول الأمر معلومة لديه وأنها إلى كذا مدةٍ كما وأن الأمر بعدم الجهاد في بداية الدعوة النبوية ثم الأمر به في المدينة المنورة إنما كان بتبع المصالح والأسباب حيث أن الحكم بالجهاد ثابت في كل زمان ومكان إذا تحققت ظروفه الخاصة وهو الجهاد الدفاعي وعدم علم الناس بالمصالح والمفاسد وما يناسب الزمان والمكان ليس دليلاً على عدم العلم الإلهي الأزلي ،فكونه عالماً بالحوادث كلها حاضرها وماضيها ومستقبلها وما عليه معتقد الشيعة جميعاً قديماً وحديثاً فهو تعالى العالم بعلل الكون وأسبابه ومصالحه ومفاسده وعليه فلا يعقل في حقه تعالى الظهور بعد الخفاء وكيف لا يقولون بذلك وهم أتباع آل محمد وعلى ذلك قام الدليل والبرهان أيضاً.

وقد جاء في الأخبار عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام (لم يزل الله عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء) ولذا ورد في الأحاديث عن زرارة عن أحد الصادقين عليهما السلام أنه قال (ما عبد الله عزوجل بشيء مثل البداء) وفي حديث آخر عن محمد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال (ما بعث الله عزوجل نبياً حتى يأخذ عليه ثلاث خصال: الإقرار بالعبودية وخلع الأنداد وأن الله يقدّم ما يشاء ويؤخر ما يشاء) وهذا الأخير فيه إشارة إلى مسألة البداء أي الإظهار بعد الإخفاء من الله تعالى في واقع التكوين التابع للعلل والقضاء والقدر الإلهي غير المحتوم.

إذن البداء عند الشيعة هو الإبداء الإلهي بعد الإخفاء على الخلق لمصالح لا يعلمها إلا الله ليبقى الناس في واقع التكوين تحس بالتغيير والتبديل بتبع الدعاء وغيره من الأسباب حتى لا ييأسوا من روح الله تعالى ظناً من أنه ليس هناك ما يغير أمراً فما الحاجة إلى الدعاء أو غيره كصلة الأرحام وبرّ الوالدين فيما يعود إلى تغيير الحال حيث أن هذه الأمور قد تبدّل حكماً وتغير قضاءً يسوق إلى رحمةٍ ونعمةٍ وإطالة عمر وما شاكل ذلك حيث أن القضاء الإلهي إما أن يكون محتوماً لا تغيير ولا تبديل فيه ومنه ما هو تحت ضوابط الأسباب والعلل والمتغيرات وهو القضاء غير المحتوم وهو ما نحن بصدد بيانه في مسألة البداء حيث يقول تعالى (يثبت ويمحو وعنده أم الكتاب) حيث أن الكلام في المقام عن عالم المحو والإثبات وما هو من شأن المتغيرات في العالم بتبع العلل والمصالح بما يناسب الزمان والمكان وهي متغيراتٌ بالنسبة إلينا لا إليه تعالى، فإذن ليس معنى البداء هو الظهور بعد الخفاء عليه بل علينا نحن البشر وليس كما توهمه بعض أبناء العامة جهلاً أو افتراءً على علماء الشيعة ومذهب لأهل البيت.

إذن ما يقوله علماء الشيعة هو أن الأمور في الخارج تتغير بتبع الأسباب الكونية وقد يجعل الله تعالى من جملة الأمور المؤثرة لتغيير الواقع الكوني الدعاء وصلة الأرحام وبر الوالدين والإيمان بعد الكفر حيث يصبح الشخص مشمولاً لألطافه تعالى فهو تعالى قد يثبت ويمحو القضاء بتبع هذه العلل ولا جبر في المقام بحيث لا تغيير لأمرٍ كما توهمه أغلب أبناء العامة بتبع المذهب الأشعري وهو المذهب السائد عندهم فجاء البداء رداً لهذا التطرف والإنحراف العقائدي وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام (إن الدعاء يرد القضاء) والمراد به القضاء غير المحتوم أي ما كان من شأن عالم المحو والإثبات وهذا هو المعتقد الشيعي في مسألة البداء رداً على الأشاعرة المجبرة القائلين أن الإنسان يلقى ما كتب عليه ولا مفر من ذلك وأن كل شيء بمشيئته تعالى وهي قديمة أزلية جاعلين بعض الآيات كقوله تعالى (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) وكذلك بعض الروايات الواردة عن النبي (ص) : (الشقي شقيٌ في بطن أمه والسعيد سعيد في بطن أمه) مفسّرين كل ذلك على مذهب الجبر جهلاً منهم بمعاني الآيات والروايات.

إذن من محاسن القول بالبداء عدم اليأس وعدم حمل الأمور على الجبر حينما يفهم الإنسان أن هناك قضاءً غير محتوم وهو المعبر عنه بعالم المحو والإثبات هدانا الله وإياكم إلى فهم المراد من الكتاب والسنة وما عليه مذهب الإمامية وأبعدنا عن الجهل وطهّر بعض النفوس من الأحقاد الطائفية والإفتراء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

-------------------------------------------------------------------------------

 

مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني

كما يمكنكم متابعتنا على كل من 
للتواصل معنا:
kazemalkhaghani@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق