الجمعة، 24 مايو 2013

@ الحرية

 مقتبس من سلسة إعرفوا الحق تعرفوا أهله الجزء الأول


لسماحة الأستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني

الحرية


آه آه كم سارت قوافل الأحرار تروي الأرض بطهر دماءها تاركة الأوطان ومودعة الديار مهاجرة في ظلمات ليالي الدهور لتستنشق نسيم الحرية ولو في كهوف الغابات ساعة من العمر هي ربيع الأيام على الرغم من مخاوف هجمة السباع الضواري والنسور الكواسرعندما جزمت أن افتراسها لايتعدى عند الجوع بعد مراتب الأجسام.

فوقفت أكفكف الدمع حذراً من شماتة الشامتين ونصح الجاهلين أراقب مشهد الأحرار عن كثب أسمع ضجيجهم في أعماق السجون وأنظر إلى نزف دمائهم وهم من جودهم بتضحية الأنفس يفخرون، حتى إذا ما توالت الأحقاب و تصرمت الدهور وراعني طول المقام وأجهدني هبوب سموم عواصف الرمان وأنا أبحث عن مسالكهم وأتّبع آثارهم ما بين الكهوف والسجون ناظراً إليهم تارة فوق أخشاب الصلبان وتارة أخرى تحت وابل سيل المدافع والرصاص وهم يسلّمون كنوز الشرف والحرية خوفاً على ضياعها إلى نظرائهم من الأحرار، إذ بي أسمع عن بعد ضجة أقوام ظننتها من سلالم الحق إلى منازل المقربين ومن مظاهر الرحمة التي بدت عالية على ألسن المخلّصين ومن وحي الرحمن على أتباع خلفاء النبيين.

فأسرعت إليها مبادراً وصرت إلى جنب راياتها مستبشراً تعلوني نظرة المتفائلين وتطربني أنغام الحشد الهاتفين وتضمني إلى أعماق ركبها أكف المتطوعين إلى غايات الضاجّين الصارخين .

فبت أهتف كما يهتفون مردداً معهم أناشيد الحق إلى مسالك السلام ليالٍ دامسات أشاهد فوق رؤوسهم بقوة الخيال في ظلمات الأزقة ومنعطف المسالك حمام الحرية مرفرفاً وأغصان الزيتون متدلية وأسمع من حناجرهم على الرغم من شدة حماسهم رقيق نبرات الآيات حتى كأني وجدتهم بعد الحشر إلى جنان الخلد يساقون وإلى جنب مقاعد الكرام ينزلون ومن فوق عظيم منازلهم كؤوس الخلد من أيدي الحور يشربون حتى إذا ما تقشعت تلكم الظلمات ببزوغ الشمس هزتني رعدة من أعماق الضمير عندما شاهدت في الأفق المبين أن من وراء أقنعة بعض الهاتفين بريق أنياب لقومٍ ماكرين، فأحاطت بي الأفكار كأمواج البحور تقذف بي إلى أعماق هوّة مهابطها وتعالت الأنفاس بالحسرات تحرق أعماق مصادرها.

ثم استعدت بعد مزالق الأقدام رشداً أخذ بي إلى مدارج شواطئ الأمان، فأثقلت بعد الجد أقداماً وقاربت بعد الركض ما بين الخطوات، حتى إذا ما جزم القوم بأني أصبحت لا أخيف عدواً ولا أجلب نصراً لكثرة الهموم وشدة الآلام ودواعي الأمراض وقلة الحزم تركني ركب السائرين إلى غاياتهم فتسللت بعد إبتعادهم إلى أزقة البلاد ضائعاً لا أعرف أي المسالك يهديني إلى مهبّ الرمال وكهوف الآمال عندما تكون العزلة خيراً من جميع الماكرين وحشد الجابرين.

فمشيت متعباً مشية من ترقبه العيون التقطت الأنفاس خوفاً من إشارة مشير أن هذا ممن تخلّف عن الإبحار مع ربان السفن إلى بر الأمان وجنة الرضوان في يوم يرسم صوابه حماس المتفلسفين وهدير البسطاء المستضعفين.

ولما وجدت نفسي متعباً من أعباء السفر لا تحملني قدماي بعد واسع الجهد في مضايق أزقة أبلتها مطارق الحدثان وقفت أستريح ساعة من الزمان أخالها دهرا ربما ظننت نغم صفير الرياح من خلال تحرك غصون الأشجار وأوراقها أقدام رجال المخابرات أو الاستخبارات أو الشرطة خالطا بين العيون الساهرة في خدمة الشعب الموظفة برعاية أمنه داخلا وخارجا حينما وجدتهم إلى خدمة الوطن يتسابقون و من أجل تحقيق الغاية يتزاحمون، ينسيهم الشوق حدود الإختيار وتدفع بهم الغاية نحو قبض كل متهم في الديار ولو على الظنة والتهمة.

حتى إذا ما هدأ هدير الرياح وخفت المارّة في أزقة الأكواخ سمعت بلبلة كأنها دوي النحل حول مساكنها فتابعت السير نحو مصادر الأصوات كسارق يتلفت يمنة ويسرة من ساكني الدار وهو صاحبها ومن واضعي أثاثها وهو مالكها حتى إذا ما انتهت بي تلكم الأزقة إلى قاعة مسجد بعيد عن هتاف المتحمسين و صرخات المثقفين المتنحورين شاهدت في كل ركن وزاوية منه حلقا حلقا من الطلاب فيما بينهم يتحاورون قد اشتد بينهم النقاش وعلت فيما بينهم الأصوات, فظننتهم من شدة تحرك الأيدي وتمايل الرؤوس تكريما لقدسية المسجد في خارجه يتواعدون ولحرب ضروس العدة يعدون حتى إذا ما امعنت النظر وأعرتهم أعماق مسامع الأذان وجدتهم للجزم بالمعتقد أو ليقين في فهم المطالب يتشاجرون كل يرى صحة ما هو عليه ويدافع عنه دفاع المتبرع في سوح الوغى حيث لا رجعة, إما الشهادة او النصر المبين.

فجالستهم متجلببا جلباب الحذر ومتدرعا بدروع الغرباء و أبناء السبيل خوفا من أن يطلب مني الإنتمام الى بعض هؤلاء السادة الكرام المتصارعين وأنا لا أملك في مواطن الاجتهاد و الرأي صوارم القطع واليقين التي بات هؤلاء يزعمون أنهم منها ينهلون فيض علومهم ومنابع وحيهم.

ولما وجدت القوم يلغي بعضهم بعضا وهم من أبناء الطائفة الواحدة إلا ما ندر منهم من الكمُّل المضطهدين جزمت أن صدورا لا تسع لسماع رأي أبناء الطائفة ولم تعتبر الإختلاف في الرأي سبيلا للرقي هي اضيق من أن تتسع لسماع أراء بقية المذاهب فضلا عن أراء بقية الموحدين او غيرهم وفهمت أن حضارة الإستبداد لم تنشر بذر الجاهلية بعد السقيفة في ربوع أصحاب بيعة الفلتات فقط بل راحت لتعم الأمة وأن الحظ لو حالف البعض منا لأصدر من فوق عروش الأعواد فتواه بخروج من يخالفه في الرأي عن المذهب لأنه إخباري او أصولي او شيخي او لأنه لا يعتقد بمعتقده في مسألة و إن لم تكن من مسلمات المذهب او الدين.

فوجدت العودة الى رمال الصحراء او كهوف الغابات اسلم للدين من رسم الشريعة بأيدي من يشوهون معالمها بحضارة الإستبداد حتى يظهر الله عز وجل أمره ويعز دينه على أيدي منقذ البشرية (عج).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق