إسم السائل : زينب حكيم
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم شيخنا الفاضل ماهي ثمرة تشريع الصلاة ؟ولكم جزيل الشكر
الجواب:
أولا : لابد من الالتفات الى هوية وحقيقة الصلاة ثم التعرض الى علل تشريعها بقدر المستطاع .
فالصلاة إما بمعنى الصلة وعليه فيكون المراد منها الوسيلة التي ارشد الله تعالى إلى هويتها ليتمكن العبد المؤمن بواسطتها من التوصل الى مقام القرب لو أقامها كما أمر الله تعالى.
وما حدد الله تعالى هذه العبادة بحدودها الخاصة شرطا وجزءا إلا لأن الانسان قد يخطيء في المصداق والطريق الموصل اليه تعالى حيث أنه قد يصل الأمر به أن يتقرب الى ربه بعبادة الاوثان والاصنام وطقوس ملؤها الخرافات و الأوهام لجهل أو لسوء تربية عندما يصبح يرى السقوط عروجا والظلمة نورا.
و إن الصلاة إذا كانت بمعنى الصلة فتكون الحبل الذي جعله الله تعالى بينه وبين عبده المؤمن وما ذاك إلا لأن الصلاة حقيقة ذات أبعاد متعددة فهي من حيث العلم معالم للتوحيد وشؤونه ومن حيث الخشوع القلبي زكاة للنفس ومن حيث العمل المتكرر تثبيت لأبعاد المعارف وزكاة النفس ومراتب الخلوص بدءا من الاذان والإقامة حتى التكبير الى التسليم ومن المعلوم أن الاعمال جميعا تابعة لأمرين بُعد المعرفة وخلوص النية.
وقد تكون الصلاة بمعنى الدعاء لتنبيه الانسان إلى واقع فقره وحاجته إلى معبوده ليبتعد بذلك عن روح الزهو والكبر والغرور والوهم لكي لا يرى لنفسه استغناءا بذاته ومن لمس بقرارة النفس الحاجة والعجز طلب الكمال وسعى سعيه إليه كما وأنه من لمس هذه الحقيقة طلب المدد والرحمة الإلهية حتى تصبح الصلة او الدعاء المتكرر ملكة للنفس تعتدل باعتدالها بقية الامور على صعيد الرسالة كلها علما وزكاة وعملا.
ولذا جاء في المأثور أن الصلاة عمود الدين وأنها قربان كل تقي وأنها معراج المؤمن وقد جاء في التنزيل الحكيم أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر كما جاء ايضا واستعينوا بالصبر والصلاة وأنها لكبيرة إلا على الخاشعين .
فإذا كانت الصلاة بهذه الاهمية مكانة عند الله رب العالمين فلابد من الالتفات والتأمل في حكمة تشريعها .
الحكمة من تشريع الصلاة
قالت السيدة فاطمة عليها السلام في خطبتها الشهيرة (وجعل الصلاة _أي الله تعالى_ تنزيها لكم من الكبر) لكن قد يقال التنزيه من الكبر لا يستدعي هذه الاهمية التي تقدم ذكرها بالنسبة الى الصلاة وأنها عمود الدين فنقول إن أخطر صفة دعت الى الخروج من طاعة الله تعالى بادء بدء في جميع الكون بعد أكثر من ستة آلاف سنة عبادة هي صفة الكبر حيث انها تكون مدعاة لكثير من الرذائل الاخرى فمن لم يرَ مكانة نفسه حيث هي يسير الظلمات ولذا قال علي عليه السلام : (من عرف نفسه عرف ربه) حيث ان جهل النفس وحدود مكانتها و واقع هويتها ربما يدعو الى أن يخطّيء الانسان ربه في عدله وعلمه كما صنع ابليس حيث كان من الجان ولولا ان هذه الصفة يمكن ان تكون في الانسان ايضا لما حذر الله تعالى من ابليس والكبر والكبرياء وبالكبر ايضا قد تندفع النفس الى روح الاختصاص وان ترى انه لا احد يستحق النعم الا هي فيصاب بالحسد والعدوان على الاخرين ولذا كانت اول جريمة ترتكب على وجه الارض بواسطة الحسد الناشيء عن الكبر حينما راح قابيل وهو ابن نبي ليقتل اقرب الناس إليه كأخيه وراح ايضا اولاد يعقوب عليه السلام ليندفعوا بدوافع هذه الرذائل الى ما ارتكبوه في حق اخيهم يوسف عليه السلام .
فاذن الصديقة عليها السلام حينما قالت (وجعل الصلاة تنزيها لكم من الكبر) تريد ان تحيطنا علما بأن الكبر هو رأس الجرائم والاخطاء والطغيان على رب العالمين فضلا عن بقية الناس جميعا .
فالكبر مضيعة للعقل وتضليل لسلامة الفطرة وقد جعل الله تعالى الصلاة لتطهير النفس من هذا المرض العضال الذي أهلك أكثر الأمم السابقة من الجن والإنس وهو لايزال يسوق الخلائق الى مسالك الهلكات إلى أن تقوم الساعة إلا من رحم الله رب العالمين ومن المؤسف أنه لم يصب من الأمم جهالها فقط بل قد زلت للكبر أقدام رجال كانوا من رواد العلم الذين اهتدى بواسع علمهم وبليغ مقالهم الكثير من الخلق لكنهم كانوا هم من أصحاب الجحيم حيث أن الكبر يسوق الى الحسد والحسد يسوق الى العدوان وإن تلبس صاحبه بلباس الزهاد والمتقين وكيف لا وقد دفع بإبليس بعد اكثر من ستة آلاف سنة من العبادة إلى ان يصبح رجيما مطرودا من رحمة ربه .
لكن قد يتسائل الانسان أنه إذا كانت الصلاة قد شرعت لإذهاب روح الكبر وطهارة النفس وأنها عمود الدين ومعراج المؤمن وقربان كل تقي وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وأنها الوسيلة للإستعانة على صعاب الحياة حيث جاء في التنزيل واستعينوا بالصبر والصلاة فكيف لم تظهر آثارها على الكثير من المصلين ألجهل بمعارفها او لغفلة حين أدائها او لعدم زكاة النفس لعدم تخلقها بالخلق الكريم فإن ذلك يدعو المؤمن المصلي أن يحاسب نفسه ويراجعها ليرى أين تكمن المشكلة أهي في البعد المعرفي ام في البعد القلبي من حيث عدم حصول الخشوع والاقرار او في البعد العملي وذلك لأن من عرف السبب قد يتمكن من العلاج فإنه كيف يرجى لجاهل أو غير خاشع او من لم يكن لديه حضور قلب أن يحصل على آثار وبركات الصلاة و قد جعل الله تعالى لكل شيء أثرا معنويا كان او ماديا فمثلا شرب الماء يرفع العطش فإذا شربه الانسان ولم يرتوي كان عليه ان يبحث عن سبب عدم الارتواء فهل هو في الماء لوجود ملح او هو في شارب الماء لاصابة بداء وكذا على الانسان ان ينظر الى ان السبب الذي جعله لم يحصل على هذه الآثارماهو؟ ليسعى الى اصلاح نفسه والحمدلله رب العالمين .
-------------------------------------------------------------------------------
تابعوا أيضا:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق