الجمعة، 24 مايو 2013

@ المقالة الأولى في ظاهرة الغلو والتكفير

المقالة الأولى في ظاهرة الغلو والتكفير


أما ظاهرة التكفير فهي من أخطر الآفات التي طرأت على الأمة الإسلامية بغض الطرف عن الدوافع والأسباب التي كانت وتكون وراء هذا المعتقد الهدّام سواء كان هذا التطرف على صعيد الفرد او المذهب.

نعم إن مما لا شك فيه إن كل تطرف يعود الى مناشئه وقد يكون من أبرز المناشيء هو الجهل المركب وبالأخص إذا كان مدعوما بالكبر النفساني او كانت له مناشئه السياسية او أحقاده الطائفية.

والآفة الثانية هي الغلو وتجاوز الحدود في ما افترض الله من المعتقدات وفيما دلّ عليه العقل بحيث يدفع بصاحبه إلى الخروج من الدين وهو يرى نفسه من أعرف الناس و أقربهم الى رب العالمين ولذا وردت العديد من الروايات و الآيات تحذر من الغلو وتذم المغالين.

أجل لم تتمكن الأمة الإسلامية ليومنا هذا أن تطّهر نفسها من هذه الآفات التي عشعشت في العقول وترسخت فيها حتى أصبح المغالي لا يسمع نداء الحق و المكفّر يخرج الأمة بعد إقرارها بالشهادتين عن شريعة الإسلام بل و ربما راح ليفخر بذلك و يعطي نفسه الحق في قتل كل من لم يعتقد بمعتقده متجاوزا الحد الى فكرة انه يملك أموالهم و أعراضهم فهم له ملك يمين لو وجد الى ذلك سبيلا , فارضا لنفسه ولاية ما كانت لعظماء الرسل ومفسرا للنصوص بتبع الهوى ولو كانت صريحة كقوله تعالى : (لا إكراه في الدين) في مواطن الإجتهاد لا النصوص من بعد ما ورد بإتفاق المسلمين أن من تشهد الشهادتين كان مسلما و المحاسب على الضمائر هو الله تعالى يوم الدين وكون الرسول (ص) قد قبل إسلام أبي سفيان وهو ألد أعدائه من بعد ما كلّت سواعده من الحرب وجاء ليتشهد الشهادتين بعد فتح مكة قائلا : (أشهد ألا إله إلا الله و أن محمدا رسوله الله وفي القلب شك).

الغلو

الغلو لغة : هو الزيادة في الحد وبحسب المصطلح الشرعي هو تجاوز الحد المراد شرعا من عبد اصبح يرى نفسه من المتوغلين في المعارف الإلهية التي لا يتمكن سائر الناس من بلوغها.

ولكن من أجل ألا يتصور الشخص أن كل ما هو بعيد عن الذوق والفهم البسيط هو من الغلو نشير الى موردين أساسين في المقام قبل التكلم في المفردات فنقول إن الغلو إما أن يرجع الى القول بقصور في فاعلية الفاعل وهو الله تعالى في أصل الإيجاد او في تربية الكائنات تربية تكوينية بحيث يحتاج الى مساعد وشريك في الأمر لا فيما يعود الى قابيلة القابل لقصور الممكنات عن قبول الفيض بلا واسطة كما هو الأمر في واقع التكوين والتشريع حيث أن الإنسان لقصور لا يتمكن من الوصول الى أخذ الوحي من الله بلا واسطة إلا من طريق الأنبياء فكذلك هو الحال بالنسبة الى واقع التكوين حيث ان بعض العوالم أو الأشياء لا تتمكن من التحقق إلا بعد تحقق عوالم قبلها او أسباب ومعدّات حتى تتمكن من التحقق وعليه فنقول لو قال قائل إن الله تعالى أول ما خلق العقل أو الفيض المقدس او الحقيقة المحمدية نورا لما كان ذلك من الغلو لو دل عليه الدليل الشرعي او العقلي و إصدار أحكام التكفير والزندقة من قبل البعض على الآخرين لمجرد كون هذه المفاهيم لا تبلغ إليها مدارج علومهم او عقولهم ليس دليلا على عدم صحتها فمثل هذه الفتاوى المتسارع فيها إنما تبيء عن عدم تورع في دين او كبر في نفس يدفع بصاحبه أن يحكم في الأمور العلمية او ما هو من مواطن الإجتهاد بتكفير الآخرين و إتهامهم بالغلو.

ومن مسلمات مواطن الغلو أيضا القول بالتفويض بأن يقول قائل إن الله تعالى فوّض الى نبي او ولي من أوليائه او ملك من الملائكة أمر هذا العالم او بعض العوالم فراح من فوّض إليه الأمر ليفعل فيها من يشاء بنحو الإستقلال لا بنحو أداة و وسيلة حيث أن ذلك لا مانع منه بل هو واقع الكون حيث أن الله تعالى جعل للأمور أسبابها حتى قال الأئمة عليهم السلام :(أبى الله أن يجري الامور إلا بأسبابها) فالعالم قائم على الأسباب والعلل والمعدات ولا ينكر ذلك إلا جاهل فمن قال بالسببية بإذن الله تعالى ما كان ذلك غلوا و إن كان عند التأمل والدقة إن التفويض محال عقلا لأن الممكن من المستحيل أن يبلغ مستوى العمل بالإستقلال وهو تابع الهوية ذاتا و صفة و فعلا لله رب العالمين وعليه فلا يكون القول بالتفويض إلا لجهل من قبل قائله ولكن نقول مع ذلك لو إعتقد به شخص لكان مغاليا خارجا عن منهج الإسلام.

كما وأن من المغالات القول بحلول الله تعالى في ممكن نبيا كان او وليا من أوليائه او القول بأنه تعالى إتحد معه او أن احدا هو إبن الله تعالى او هو الله كما ينسب لبعض الغلاة القائلين بأولوهية بعض الأنبياء او الأئمة عليهم السلام.

كما و أن من المغالات أيضا القول بتحقق علم الغيب ذاتا لأحد من الممكنات أو أنه أصبح عالما بكل شيء بإطلاق الكلمة كما هو شأن الله تعالى بما هو محض الوجود اللامتناهي.

ولو أن بعض المغالين أصنف من نفسه في موطن تتكلم فيه الروايات ببعض الأمور وقال بأنه ليس من اللازم أن يفسر كل شيء أولا أقل من القول بأنها قابلة للتفسير والتأويل بما يرجع فيه الى الحيطة بعيدا عن التطرف لكان اولى كبعض الروايات التي تجعل فاطمة عليها السلام افضل من رسول الله (ص) وعلي (ع) مع كون محمد (ص) هو سيد الكائنات وأشرف المخلوقات بلا شك ولا ريب في ذلك.

وكذلك ما ورد من روايات بأن لهم صفات الله تعالى كالأول والآخر والظاهر والباطن بأن يقول القائل لنفسه إني لأعرف معناها خير من تفسيرها بما يدعو الى المغالات او القول بأن المراد من مثل هذه الكلمات أنهم عليهم السلام مظاهر أسمائه تعالى في عالم الإمكان لأنهم كلماته التامات.

المكفر

المكفر يجعل الأمور الإجتهادية أمورا مقطوعا بها بحسب رأيه بدوافع الجهل المركب و إذا تمكن من فرض رأيه بالقوة فرضه وهو من اشد أنواع الإرهاب الفكري الذي يمارس من قبل البعض في بعض المدارس الدينية وهؤلاء المتشددون هم أخطر ما خلق الله على وجه الأرض وهم من أظهر مظاهر المنفرين من الأديان بسم الله ورسالات السماء.

وللمزيد من البيان في المقام نقول إن هناك عدلا في كل شيء وهناك جانب إفراط وتفريط سواء كان في جانب الصفات او الأعمال او المعتقدات و إن الحب لله تعالى و أوليائه خير المقربات لكنه بموازين العدل عقلا وشرعا بعيدا عن الغلو في مقابل النواصب الذين يعيشون الأحقاد ولو أنكروها ظاهرا و نسبوا أنفسهم الى الشرع القويم  و حب أهل البيت عليهم السلام و الرويات متواترة في هلاك طائفتين من المسلمين وهم الغلات والنواصب فقد قال تعالى محذرا من التطرف ولو في حب أوليائه كما حصل في الأمم السابقة (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله و لا تقولوا ثلاثة إنتهوا خيرا لكم إنما إلله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد….) النساء171, فجعل تعالى ما إدعاه النصارى في نبي من أنبيائه غلوا مخرجا من الدين.

ومن المعلوم أن الغلو لم يختص بالنصارى بل ربما كان في المسلمين أيضا في حق من راح ليعطي الرسول (ص) صفات الألوهية وهو يظن نفسه من أشد الناس ولاء وحبا للرسول وكذلك من قال مقالة تعطي عليا (ع) ما هو من شأن الله تعالى.

قال الإمام الصادق عليه السلام :(لعن الله من قال فينا مالا نقوله في أنفسنا, لعن الله من أزالنا عن العبودية لله الذي خلقنا وإليه مآبنا ومعادنا وبيده نواصينا).

و إن مما لا شك فيه كما وان النصب وتكفير المسلمين له أسبابه ودواعيه كذلك للغلو مناشئه وأسبابه فمن أسس التطرف الداعية للغلو هو عدم إستقامة العقل على الصراط المستقيم في فهم الكتاب والسنة وما كان عليه الرسول (ص) و أهل بيته الكرام من سيرة حيث يكون الخلل في فهم معالم التوحيد او النبوة او الإمامة وما هو واقع العبودية وما هي أبعاد الشرك و النظر الى بعض الكرامات والمعجزات نظرة إستقلال او عدم فهم بعض ما ورد في الروايات في شأنهم عليهم السلام من كونهم هم الأول والآخر .

كما وان من دواعي الغلو والتكفير والنصب هو التقابل الحاد بين أهل الولاء و الحب لأهل البيت والنواصب حيث أن التقابل في بعض الأحيان يدفع ببعض الأطراف الى التطرف والخروج من حد الإعتدال الى المغالات او النصب وبالأخص حينما يجد بعض الموالين لأهل البيت عليهم السلام بعض النواصب ينكرون الواضحات والبديهيات في حقهم عليهم السلام فيذهب هذا الموالي الى الإلتزام بما هو غير سليم من القول متجاوزا بذلك حدود الشرع والعقل, هدانا الله وإياكم إلى منهج الحق وأبعدنا عن مزالق هوة الغلو والتكفير والنصب بحق محمد و آله الأطهار.

 -------------------------------------------------------------------------------

 

مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني

كما يمكنكم متابعتنا على كل من 
للتواصل معنا:
kazemalkhaghani@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق