هل أكل مال الحرام يؤثر على نفسية الانسان وعلى أبنائه؟
إسم السائل : فاطمة من العراق
السؤال:
السلام عليكم شيخنا الجليل أردت ان أسأل هل أن أكل مال الحرام يؤثر على نفسية الإنسان وعلى أبنائة الذين يأكلون ويلبسون من هذا المال وهل يؤثر ايضا على نطفتة فتكون مثلا نطفته نجسة و اولاده غير صالحين فأرجوا منكم ان تبينوا لنا ماهي التأثيرات السلبية على أكل مال الحرام وأتمنى للعلامة الشيخ محمد كاظم الخاقاني المزيد من التوفيق والتقدم
الجواب:
كل عمل صالح أو طالح ككل معتقد سليم أو فاسد مما يؤثر على نفس صاحبه وكلما ورد من الأحكام الشرعية من واجب أو مستحب فهو تابع لمصلحة وكل حكم شرعي محرم أو مكروه هو تابع لمفسدة والمصالح والمفاسد مما لها التأثير على النفس سواء في دار الدنيا أو الآخرة بالأخذ بصاحبها إلى الخير أو الشر وكذا تأثير ذلك على عقلية الشخص وجسمه فكما أن للخمر تأثيرا طبيعيا على شاربه وللكذب تأثيرا طبيعيا على نفس صاحبه كذلك له التأثير على بقية مكونات جسمه لكن بنحوٍ أخف بكثير من ذلك الذي تقدم رحمة من الله تعالى بحال العباد حتى لا يكون للغير التأثير التام على الآخرين كالأبناء مثلا ولذا نجد كم من صالح له ذرية طالحة وطالح له ذرية صالحة لأن الموجب للفعل الصالح أو الطالح جعله الله تعالى راجعا إلى الشخص نفسه حينما يعقل ويختار طريق الصلاح أو الطلاح حتى لا يصبح محكوما بفعل غيره سواء كان خيرا أو شرا وعليه فلا تكون النطفة بما يفهمه الناس نجسة أو غير صالحة ولا يكون الأولاد غير صالحين، نعم لمثل هذه الأمور التأثير الضعيف على الذرية تأثيرا طبيعيا كما وأن للتربية والمجتمع والدراسة والخصوصيات العقلية للشخص ولكثير من الأمور الأخرى التأثير على تكوينة الشخص فشخصية الإنسان لا تكون تابعة للغير ولا متأثرة بوجود الآخرين إلا بنحو ضعيف كالمعد أو الشرط كما فصّلت ذلك في هذه المقالة لمن أراد التفصيل لمعرفة معنى العليّة والسبب (المقتضي) والشرط وارتفاع المانع .
فأقول مفصِّلا لبيان هذا السؤال: إنا نحن الشيعة نعتقد على خلاف ما عليه أغلبية أبناء العامة أن الأحكام تابعة للملاكات حسنا وقبحا فما أوجب الله تعالى شيئا إلا لمصلحة ملزمة وما اعتبره مستحبا الا لمصلحة وكذا ما حرّم شيئا الا لمفسدة ملزمة للترك ولم يعتبره مكروها الا لمفسدة هذا أولا.
وأما ثانيا: فيجب الالتفات إلى مسألة العلية التي استوجبت الأحكام ثبوتا أو نفيا بعد كون العلة تابعة للمصالح والمفاسد ومقدمة أضرب مثالا للتقريب الذهني فأقول: احراق الحطب يتوقف على وجود السبب الذي قد يعبّر عنه أيضا بالمقتضي وكذا يتوقف على الشرط ككون النار التي هي السبب قريبة من الحطب ويتوقف أيضا على ارتفاع المانع كأن لا يكون الحطب مبللاً فالعلة إذن للإحراق تتوقف على وجود السبب كالنار وتحقق الشرط كقرب النار من الحطب وارتفاع المانع وهو أن لا يكون الحطب مبللاً وربما تكون بعض الأشياء لها شأن المعد لا السبب والمعد أضعف من السبب في مسألة التأثير فمثلا من يريد الوصول إلى مكان فإن كل قدم يرفعه للوصول إلى ذلك المكان لم يكن سببا للوصول لكنه من المعد المقرّب إلى ذلك المكان فهو يدخل في تحقق العلية للوصول.
فبعد هذه المقدمة لبيان مفهوم العلية ومعرفة أن الأحكام تابعة لعللها والعلة تابعة للمصالح والمفاسد نقول ما نحن فيه من عالم الدنيا في الغالب العلل فيه مركبة بمعنى( أنه لابد من اجتماع كثير من الأمور حتى يتحقق ذلك الشيء المطلوب) كما قلنا بالنسبة إلى العلة من حاجتها إلى معدٍ وسبب وشرط وارتفاع مانع بخلاف العلة البسيطة (التي هي شيء واحد يتحقق بواسطته المعلول والمراد) كأن يقول الله تعالى لشيء كن فيكون أو يأمر ملائكته بإيجاد شيء أو إزالته ولعل الكثير من معجزات الأنبياء وكرامات الأوصياء لولايتهم التكوينية مما يرجع إلى العلل البسيطة لا المركبة.
فنقول الكفر أو الفسق مثلا علة للخروج من العدل بالنسبة للكافر والفاسق نفسه أما بالنسبة إلى غيره فلا تكون الأفعال والمعتقدات عللا بل ولا تكون أسبابا ومقتضيات بل لها شأن المعد نعم ربما تحققت المعدات ثم حصل ما يتمم العلة من شرط وارتفاع مانع لأن الله تعالى لا يجعل أحدا تحت رحمة غيره فلو كان أكل مال الحرام والزنا أو شرب الخمر أو أي عمل طالح آخر موجبا للتأثير على الذرية بنحو العلية التامة أو بنحو السبب والمقتضي لكان ظلما والظلم قبيح والقبيح محال على الله تعالى.
نعم التربية الصالحة والأصدقاء الصالحون والمحيط السالم وغير هذه الأمور كالصديق الطالح والتربية السيئة مما هي من قبيل المعد أو الشرط لكنها لا تكون علة للحسن أو القبح إلا بعد تمامية موجبات العلة وهذه الأمور ترجع إلى الأولاد أنفسهم من بعد ما يصلون إلى سن الرشد فهي إذن أمور لا تحصل إلا بالإرادة التابعة لصاحبها من الإبن أو البنت ولذا نجد كثيرا ما الولد الصالح في بيت طالح والولد الطالح في بيت صالح لتأثير عدد من الشروط والمعدات بعد أن تصبح شيئا فشيئا مؤثرا على النفس حينما تجد هذه الأمور لنفسها محلا من نفس صاحبها القابلة الراغبة بهذه الأفعال المصممة على الفعل الحسن أو القبيح.
كما وأنه لا بأس بالإشارة إلى أن علة الشيء المحققة له من كونه حسنا أو قبيحا قد تكون عدة أسباب ومقتضيات وشروط ومعدات وارتفاع موانع ولا تكون سببا وشرطا ومعدا وعدم مانع واحد وما ورد من اختيار الزوجة الصالحة والابتعاد عن الزوجة الطالحة من هذا القبيل وإلا فلو كانت عللاً تامة لكانت موجبة لسلب الإختيار بالنسبة للذرية والأبناء ولكان الأبناء لو ارتكبوا الخطايا مجبرين على الفعل ولكان المجبِرُ بالنتيجة والمآل هو الله تعالى وهو مقالة المجبرة من أبناء العامة أبعدنا الله تعالى عن هذه المتاهات وهدانا وإياكم إلى الصواب بهدي أوصياء الأنبياء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
--
مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني
كما يمكنكم متابعتنا على كل من
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق