ما معنى العدالة وهل تكفي العدالة الظاهرية لإمام
الجماعة؟
إسم السائل : عاطف ناصر
السؤال:
ما معنى العدالة ؟ وهل تكفي العدالة الظاهرية لإمام الجماعة ام لا؟ وإذا كان إمام الجماعة مفسدا هل يجوز لنا ان نصلي خلفه فرادى ام لا؟
الجواب:
العدالة هي الإعتدال و الإتزان و وضع الشيء في موضعه فمثلا في الصفات النفسية يقال للشجاع معتدل لأنه ليس متهورا ولا جبانا ويقال للشخص كريم لأنه ليس ببخيل ولا مسرف ولما كانت العدالة في محل الكلام شرعية يكون المراد بها الإعتدال و الاتزان بموازين الشرع في مواطن العقيدة و العمل فلا عدالة مع إنحراف عقائدي في مسألة التوحيد او النبوة او الإمامة او العدل او المعاد او غير ذلك من الأمور التي ترجع الى مسلمات العقيدة في المذهب كما وأنه لا عدالة مع ترك واجب او إقدام على محرم في مرتبة الفعل و الأحكام و المراد من العدالة في مقامنا هذا هي العدالة الظاهرية و المراد منها بأن يكون إمام الجماعة او الجمعة بحسب سمته الظاهر بين الناس و المؤمنين ملتزما بما ألزم به الشرع من القيام بالواجبات و ترك المحرمات ولا يجوز لأي إنسان أن يتجاوز ما حدد الله تعالى له وهو الشأن الظاهري الذي تدور عليه أغلب أحكام الشرع كأن يصبح متتبعا لعورات الناس متجسسا عن أسرارهم و بواطنهم سالكا مسالك الفحص عن خلواتهم فإنه يكون بذلك آثما لا مثابا فالله ستار يحب الستر و الساترين و البشر خطاؤون و لا يحاسب العباد على السرائر و الضمائر إلا رب العباد يوم المعاد وهو الغفور الرحيم و إن من المؤسف ان يصل ببعضنا نحن الشيعة الأمر في مقابل أبناء العامة الذين جوزوا الصلاة خلف كل من هب و دب و لو كان من يجهلونه مطلقا كمن يجمعهم معه جامع ركوب باص او قطار او كان ممن يعرفونه بالفسق والظلم فراح الكثير منا نحن الشيعة في مقابل ابناء العامة ليبحث عن أمثال أبي ذر و المقداد و مالك الأشتر وسلمان ليصلي خلفه ظانا انه اصبح من المتورعين والمحتاطين وهو قد فك عرى المجتمع و أخلى المساجد و الحسينيات من المصلين و دفع بالناس الى الشكوك و الظنون من بعضهم لبعض.
نعم رب حيطة دفعت بصاحبها الى بلية حينما تصوغها عقلية الإفراط في مقابل التفريط و لو كان الامر بهذا التعقيد لما ولّى علي عليه السلام في أيام حكمه أحدا إماراة ولا قضاء ولا صلاة جماعة او جمعة او أي أمر آخر إلا لنوادر من البشر و الحال أن بمثل هذا تتوقف أغلبية شؤون المسلمين العامة.
فالإسلام قائم في كل شؤونه الإجتماعية العامة على ما هو الظاهر سواء كان في مثل إمام الجماعة أو سوق المسلمين او مسائل العقود او الطهارة و الملكية وهلمّ جرا…..وإذا كان الاسلام قد أمر بالصلاة مع أبناء العامة حتى و لو في ظروف عدم التقية فكيف نتصور أن مثل هذا الدين العظيم أن يأمر بالبحث عن البواطن او يحصر مثل هذه الأمور التي عليها قوام الهيكل الإجتماعي العام بمثل عمار و أبي ذر .
و أما اذا كان الإمام فاسقا أو مفسدا كما ذكرتم وكانت الصلاة خلفه بنية الفرادى لا بنية الإقتداء به فهو أمر يحتاج الى بعض التفصيل فنقول إن مما لا شك فيه بعد كون العدالة شرطا في صحة الصلاة خلف إمام الجماعة يكون الفسق و الإفساد من مبطلات الصلاة للمأموم إذا كان عالما بفسق الإمام و إفساده و صلى خلفه مقتديا به إلا أن تكون الصلاة خلفه لتقية او لضرورة تدعو الى ذلك و التقية موجوبها خوف الإضرار و الضرورة ترجع الى أمر عقلائي يدعو اليها لا مخلص منه كمن كان لا يتمكن من ادخال ولده او زوجته المريضة المستشفى لفقر مثلا الا عن طريق هذا الامام الجائر فانه يجوز له ان يصلي خلفه بنية الفرادى ان تمكن من اداء الصلاة بشرائطها و الا صلاها و أعادها مرة أخرى لحفظ حياة زوجته او ولده.
و أما اذا كانت الصلاة خلف الإمام الجائر لا لضرورة ولا لتقية فإن اصبحت تأييدا للظالمين و تكثيرا لجمعهم فالمصلي اضافة على بطلان صلاته يعتبر من عداد اعوان الظالمين يوم القيامة و ان كان الإمام فاسقا فقط وهويصلي خلفه لجهة دنوية فالصلاة ايضا تكون باطلة اذا اقتدى به و يؤثم عليها لأنها من إعانة الفاسقين اذا كان الفسق معلوما للناس و يكون من ترويج اسواقهم باسم الدين.
و أما اذا كان الشخص لا عدالة عنده و كان الذي يصلي خلفه بأعين الناس من المتقين و هو يعلم بفسق الإمام فإثمه اشد من غيره لأنه يغرر بالناس اي يدفع بهم الى الأخطاء و لعل الكثير من الناس يندفع للصلاة خلف هذا الامام ثقة بهذا الشخص الذي يراه الناس من المتقين.
نعم في بعض البلاد غير الإسلامية التي يكون فيها المسلمون قلائل فاذا كان الشخص مجهولا لا يعطي بصلاته امام الجماعة الفاسق اعتبارا و توثيقا بمنظار الناس ولا يكون سببا للإغراء فانه ربما تكون الصلاة اضافة على الصحة اذا كانت بنية الفرادى يثاب عليها ايضا اذا لم يمكن الامام متجاهرا بالفسق وكذا يجوز له ان يصلي خلف امام لا يعرف عنه فسقا ولا عدالة اذا كانت الصلاة في مثل هذه البلاد مما تكثّر صفوف المسلمين و تقوي شوكتهم لإظهار كثرة المسلمين في مساجدهم وحسينياتهم فهذا من المحبب ما لم يكن امام الجمعة او الجماعة من اعوان الظالمين وهو يعرفه بذلك فلا اظن ان مصلحة تكثير المسلمين حينما تقاس باعانة الظالمين ولو في مثل المدن التي يقل فيها المسلمون تترجح وعلى هذا فعلى الانسان المؤمن ان يعمل عقله عند تعارض المصالح و الأولويات حتى يشخص مواطن الترجيح عند تعارض المصالح و فقنا الله و إياكم للنظر الى مثل هذه المواطن التي يقع فيها التعارض بين مصلحة واخرى و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
--
مع تحيات ادارة موقع سماحة الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني
كما يمكنكم متابعتنا على كل من
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق