شبهة منطقية في باب أخذ العلل
إسم السائل: أم علي
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اتمنى الحصول على حل الإشكال او الشبهة الموجودة في منطق المظفر بشكل مبسط ومختصر ولكم جزيل الشكر والإمتنان
الشبهة في باب اخذ العلل
الشبهة هي : ان العلة التامة التي لايتخلف عنها المعلول هي الملتئمة من العلل الأربع في الكائنات المادية أما كل واحدة فليست بعلة تامة فكيف صح أن تفرضوا وقوع البرهان اللمي في كل واحدة منها ?
الجواب:
أما أولا فكما هو واضح أن العلة التي بها وجود المعلول وهي العلة التامة إما أن تكون بسيطة او مركبة والبسيطة ما كان وجودها كاف لتحقق المعلول وإذا كان المعلول أيضا من نفس عالم البساطة والتجرد من المادة كفى لتحقق وجوده مجرد قبوله للفيض وامكانه الذاتي وأما البساطة فهي اما حقيقية بإطلاق الكلمة وهي ما بها خروج الشيء من كتم العدم الى دائرة الوجود وهي العلة البسيطة الصرفة التي ماهيتها عين ذاتها المعبر عنها بأن انيتها اي ذاتها وهويتها عين وجوده أي أنها لا ماهية لأنها لا حد لها وهذه العلة لا تتثنى ولا تتكرر لأن صرف الوجود لا ثاني له وهذه العلية الحقة الحقيقة البسيطة الصرفة انما هي شأن الحق تعالى فقط لا غير وأما بقية العلل البسيطة فإطلاق العلية وكذا البساطة عليها إنما يكون بنحو من التجوز والتسامح وذلك لأن كل ممكن نوريا كان او مجردا عقليا او برزخيا او ماديا هو زوج تركيبي من ماهية و وجود هذا اولا .
وأما ثانيا فهناك ايضا نحو من التسامح في اطلاق العلية هاهنا لأن هذه العلة وإن كانت بسيطة إلا أنها لم تخرج الشيء حقيقة من كتم العدم الى دائرة الوجود وإنما تعطيه ما يستحقه من فعلية وصورة فيكون في الحقيقة من التطور الوجودي بحسب مجاري الفيض الالهي.
فجميع العلل البسيطة من العلل النورية والمجردة بناءا على تجردها التام عن المادة كالملائكة المعبر عنها بلسان الفلاسفة بالعقول فإنها علل توجد الشيء بإذن الله تعالى بمجرد الإرادة بما يرجع إليها كعلل فاعلية بسيطة لا من حيث المعلول فإنه يبقى على ما يتوقف عليه من شؤونه المادية مادة قابلة وصورة وغاية وشرائط ومعدات إلا أن علم هذه المجردات وعظم قدرتها قد يجعل تحقيق الشيء حتى ولو كان من عالم المادة بحكم كن فيكون لان الزمان والمكان وبقية المراتب تطوى إذا أريد تحقق الشيء بالفعل ولا تكون عائقا في طريق الإيجاد إذا اقتضت المصلحة الإلهية ذلك.
فإذن المعلول في عالم الطبيعة يتوقف تحققه على علله الأربع وإن كان قد يتحقق لقوة علله الفاعلية وواسع علمها كما لو كانت من الملائكة بطي المراتب لتحقيق المعلول خلال للسير الطبيعي العادي لو شاء الله رب العالمين ذلك في مورد من الموارد لكن بساطة العلة بما هي ليس معناه بساطة المعلول الذي قد يكون من عالم المادة والطبيعة , فما هو من شأن العلل البسيطة إنما هو إرادة ومشيئة وما هو من شأن المعلول يختلف من عالم لآخر ككونه بسيطا أو ماديا مركبا.
وقد جعل الله تعالى وهو العالم بأسرار الكائنات الإنسان الكامل جامعا للكلم أي لجميع الأسماء والصفات الإلهية أي مظهرا لها على اختلاف مراتب عالم الامكان نورا وعقلا و برزخا ومادة فالإنسان الكامل مظهر علمه وقدرته وعدله ورحمته ولذا علم الإنسان الكامل الملائكة ولم يتعلم منها ونزول جبرائيل عليه السلام على رسل رب العالمين وبالاخص على سيد الكائنات محمد (ص) أمر مرتبط بما هو من شأن الزمان والمكان فقط لا في كل ما يعود الى مدارج العلم والقرب والفيض والوحي الإلهي وقد ورد في الأحاديث القدسية (عبدي أطعني تكن مثلي إذا قلت للشيء كن فيكون) فهؤلاء مظاهر اسم الولي وجوامع الكلم و معجزات عالم الإمكان و أحباء الله العارفون بإسمه الأعظم.
و أما العلل المادية فأمرها يعود الى وجود المقتضي المعبر عنه أيضا بالسبب او العلة الفاعلية و وجود العلة المادية أي الاستعداد و المحل القابل لفعل الفاعل وجود العلة الصورية لأن القابل بما هو قابل لا فعلية له إلا بصورته وإلى علة غائية وهي التي لأجلها يكون الوجود و الذي لابد من الالتفات إليه بخصوص المقام أنه حينما يقال إن العلة في عالم الطبيعة مركبة وليست ببسيطة لا يراد من ذلك التركيب الخارجي بإنحياز اربع علل كل واحدة على حدى تشترك في فعل ليتحقق الشيء والمعلول كأن توجد العلة الفاعلية وتضم إليها العلة المادي اي القابلية والاستعداد ثم يؤتى بالعلة الصورة كقالب يوضع على المادة ليعطي المادة صورة وشكلا و هيئة خاصة بما يعبر عنه بالفصل الأخير والفعلية ثم ترسم لهذا الموجود غاية عقلائية كالنوم على السرير او السكنى للدار بل إنماهي أي العلل الأربعة أمر عقلي و إدراك ذهني بحسب التحليل الدقيق حيث يدرك العقل أن في عالم الطبيعة لابد من محل قابل نسميه محض الاستعداد ليكون محلا لتحقق وجود خاص وهذا الوجود الخاص الفعلي المعين يعبر عنه بالصورة اي الشيء المصور والمتحقق وهو الفعلية وإلا فلا صورة بلا مادة في الخارج كما و أنه لا مادة بلا صورة كذلك أي لا فعلية بلا قابلية ولا قابلية بلا فعلية في عالم الطبيعة وكون الشيء متحققا لابد وان يكون لأجل امر وغاية سواء بما هو من مقتضيات وجوده تكوينا بتبع المشيئة الإلهية او بما أريد منه بحسب ايجاده الحاصل من قبل موجده العاقل المدرك كأن يوجد النجار السرير للنوم والمعمار البيت للسكنى والحق تعالى قد أوجد كل الممكنات لتسلك سبل ربها لغاياتها التي أوجدها من أجلها سواء ادركناها او لم ندركها وسواء شاء الممكن او أبى فإنه ما من شيء إلا وله غاية يسير نحوها ولو كان محض حجر او أي جما آخر.
وبالجملة ليست هناك في عالم الطبيعة اربعة أمور متحققة كل واحدة على حدى لتكون بمجموعها علة تامة يتحقق باجتماعها المعلول بل العقل يحلل الموجود المتحقق في الخارج في عالم المادة فيراه أنه ماكان ليتحقق بحسب واقع التكوين لولا وجود علة فاعلية يكون بسببها الوجود وعلة قابلة تكون محلا لهذا الفعل وعلة صورية يكون بها تحقق الفعل وعلة غائية يكون من أجلها الفعل وإلا فكل موجود في الخارج هو فعلية واحدة بواقع مادته وصورته وغايته وما كان له من أسباب وجوده لكن في عالم المادة استعدادات وقابليات تفرض بحسب العقل قبل تحقق الشيء وفي عالم المجردات لكفاية مجرد امكانها الذاتي للتحقق لا تفرض مرحلة القابلية والإستعداد بل يكفي لتحقق الشيء ما له من الفعلية أي الصورة وما من اجله الوجود وهي العلة الغائية ومن المستحيل فرض تحقق مادة محضة اي قابلية صرفة في الخارج بلا فعلية صورة لها كما وأنه من المستحيل ايضا في عالم الطبيعة فرض صورة وفعلية على حدى لم تكن متحققة بتبع ما لها من القابلية والاستعداد وهكذا لا فرض لتحققهما عقلا لولا فرض تحقق سببهما ولا فرض لتحقق الشيء الا لغاية عقلية او تكوينية وإلا فافتراض كل من هذه العلل الاربعة خارجية يستدعي احتياج كل واحدة الى العلل الاربعة ايضا حيث يلزم التسلسل للعلل من اجل ان يتحقق الشيء الواحد وما يلزم منه التسلسل باطل عقلا وغير متحقق خارجا .
نعم يجب المعلول عند وجود علته التامة التي هي في عالم الطبيعة تكون مشتملة على العلل الأربعة ولو بما قلنا من أن وجودها بهذا النحو المفترض من كونها اربعة علل إنما هو بالتحليل العقلي لأن كل واحدة من العلل على حده ليست بعلة وإذا قيل لها علّة فبلحاظ فرض بقية العلل الأخرى الثلاثة بحسب افتراضها العقلي لأن التعدد بتحليل عقلي لا خارجي وإلا فلا مادة في الخارج بلا صورة يمكنها التحقق وكذا لا صورة في الخارج في عالم الطبيعة يمكن فرضها بلا مادة وقابلية وإن افترض تحقق الصور بلا مادة في عالم المجردات لكون تحققها يكفي فيه مجرد امكانها الذاتي ولذا قال المصنف في المقام إذا فرض وجود الصورة التي هي فعلية الشيء لأن شيئية الشيء بصورته أي بفصله الاخير فإذا افترضت هذه الفعلية فقد افترضت اذن معها جميع العلل الثلاثة الفاعلية والمادية والغائية أيضا كما وانه لا فرض لغاية إلا بعد افتراض مابه تحقق الغاية من صورة ومادة مسبوقتين بعلة فاعلية لأن الغاية كما قالوا متأخرة وجودا عن هذه المراحل الثلاثة فلا الخشب مثلا بما هو خشب سرير ولا فرض لصورة السرير إلا بالخشب ولا تفرض الغاية إلا بعد صنع السرير كما وأنه لا يقال للانسان بما هو انسان أنه علة سرير ما لم يصبح نجارا بالفعل لهذا السرير ليأتي العقل بعد ذلك ليحلل هذه الامور بعد تحقق السرير في الخارج ويعتبرها عللا أربعة متعددة .
--
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق