الاثنين، 12 مايو 2014

3- إذا كان لكل شيء علة فما هي علة وجود الله تعالى؟

ما هي علة وجود الله المحاضرة 3

وصل بنا البحث في ما هي علة الله تعالى وقد شرحنا بعض المقدمات  لبيان هذا الإستدلال والان ندخل في كيفية الاستدلال حتى يكون الامر واضحا حيث أن ما جرى هاهنا ما كان الا مغالطة وليس بواقع برهان أو إشكال لأن المتكلم لبساطة او شبهة القيت في المقام تصور أن الكلام : إن لكل شيء علة وإذا كانت القاعدة العقلية تستدعي أن يكون لكل شيء علة  فتجري القاعدة على أن يقول القائل إذن ما هي علة الله لكن قلنا المسألة ليست هكذا بل القاعدة هي أن لكل ممكن علة وليس لكل شيء علة وهناك قد بينا أن الممكن حاجته إلى العلة بديهية لأنه لااقتضاء الذات لكن الوجود بما هو وجود المقابل للعدم الطارد له لا يقال هاهنا ما هي علة الوجود لأنه لا ثالث الا العدم أوالماهية أي الذات اللااقتضائية وكل من تأمل وتعقل المراد من العدم أو المعقول من الماهية اللااقتضائية علم أنها ليس لها الاصالة لطرد العدم كما وان العدم الذي هو صرف اللاشيئية لا يمكن أن يكون علة للوجود ولا يمكن أن يكون صرف العدم علة للوجود و بعد هذا نقول:
إن أصول المعقولات ثلاث: 1- مفهوم وجود يحكي عن حقيقة وهي العينية  2- ومفهوم عدم يحكي عدم العينية أي اللاشيئية ولو من حيث التصور الذهني  3- والمفاهيم الماهوية.
المفاهيم الماهوية سواء تصورنا إنسانا او ملكا او شجرا، كل مفهوم ماهوي بحسب ذاته هو لااقتضاء الذات ونضرب مثالا بالإنسانية فالإنسان لو كان الوجود عيناً أو جزءا له لوجب أن يكون قديما أزلياً ولو كان العدم هو واقعه أو دخيلا في هويته لامتنع تحققه فهذا هو واقع الممكن، حيث أن الممكن كل من طرفي النقيض يمكن أن يكون صفتة له و أعني من طرفي النقيض الوجود و العدم  فيمكن ان نقول الإنسان كزيد موجود لوجود علته التي حققته والمعقول كعمرو معدوم لعدم علته وما أمكن أن يوصف بكل من طرفي النقيض وهما الوجود والعدم لا يكون العدم عينا ولا جزءا له.
كل الممكنات أي كل ما يطلق عليه أنه ذا ماهية أي ذا قدر وحد وجودي فهذا القدر والحد الوجودي ما كان ليتحقق الا بالغير أي  لعلة وراء ذاته، وهنا امر لابد من التوجه إليه وهو أنه بحسب العقل أن هناك ما يكون من الترجيح بلا مرجح وهناك ترجح بلا مرجح و كل منهما قد اتفقت كلمات الحكماء والعقلاء على استحالتهما والمراد من الترجيح بلا مرجح أن يتحقق الشيء بلا علة غائية والمراد من كون الشيء بلا علة غائية اما ان يرجع إلى العبثية وهذا لا تتعلق به الإرادة لمرجوحيته فلو كان المحقق له علة عاقلة تامة لما حققته لأنه ترجيح لأحد الطرفين المتساويين بلا مجح وهو الأمر الممكن فلا تتعلق به المشيئة والإرادة وإن أريد منه التحقق الخارجي فالشيء كما وأنه لابد و أن يوجد بعلة فاعلية كذلك لابد له من علة غاية أي لابد أن يوجد ليسير هدياً معينا فلا يمكن أن يوجد لا لغاية تأخذ به نحو ما يناسبه من السير تكاملاً أو تغيرا وتبدلاً فاتفقت كلمات الحكماء و العقلاء على أنه من المستحيل أن يتحقق الشيء بلا علة غائية وهو الترجيح بلا مرجح وقد نسب إلى بعض المتكلمين القول بالترجيح بلا مرجح حينما قالوا إن الله يحقق الأشياء لا لمصلحة ولا لغاية ظنا منهم أن ذلك تعظيما لله ، ونسوا أنه تعالى لا يفعل فعلاً لغاية تعود إليه لا أن الشيء يتحقق لا لغاية فالشيء والممكن لابد وأن يتحقق لغاية  فخلطوا مابين أنه يفعل الفعل لا لغاية وراء ذاته وبين كون الفعل بما هو فعل لا غاية له هاهنا وقع خلطهم وهناك أمر آخر أيضا اتفقت عليه كلمات العقلاء طراً وإن ناقش بعض المتكلمين أو الأشاعرة في مسألة الترجيح بلا مرجح لكن بالنسبة إلى الترجح بلا مرجح ليس هناك من نقاش ابدا لاتفاق الجميع على إستحالته والمراد من الترجح بلا مرجح أن يتحقق الشيء بلا علة فاعلية أي بلا موجد و علة تامة أو يكون هو علة لنفسه حيث ان معناه اجتماع النقيضين بأن يكون موجوداً لا موجوداً أي بأن يكون موجوداً حتى يوجد نفسه وأن يكون لا موجوداً حتى يمكن أن نفترضه يوجد نفسه فإذن القول بالترجح بلا مرجح يرجع إما لاجتماع النقيضين وهو باطل ببداهة العقل أو يرجع إلى تحقق الشيء بلا علة وهذا محال أيضا و كل الممكنات طرا لو ادعى المدعي تحققها بلا علة فاعلية لكان ترجيحا بلا مرجح وهو مما اتفقت عليه كلمات العقلاء بطلانا و إذا كان هذا هو حكم واقع الإمكان طراً فإذا أخطأ بعض الأشاعرة فقالوا بجواز الترجيح بلا مرجح لعدم فهم للمراد لكن لم يقل عاقل أن شيئا يتحقق بلا علة والممكنات هي بحسب هويتها لا اقتضاء الذات.
 ولذا قال العرفاء والحكماء على أن حاجة الممكن إلى العلة بديهية يعني لا تحتاج إلى برهان فقط تحتاج إلى فهم معنى الممكن فمن فهم الممكن عرف أنه لا اقتضاء الذات فإذن من جملة البديهيات التي تحتاج فقط إلى معرفة معنى الإمكان ليحكم العاقل بنفسه أن الممكن لا اقتضاء الذات لا يترجح بنفسه بل يحتاج إلى علة  و إذا عرفنا أن العدم هو اللاشيئية وعرفنا أن الممكن لااقتضاء الذات وأن الترجح بلا مرجح مستحيل عقلاً ولا يمكن أن يقول به عاقل اتضحت لدينا الكثير من الحقائق.
 وأما قول بعض الملحدين من أن الكون تحقق صدفة فلا يريدون من ذلك أن الكون من باب الصدفة خرج من كتم العدم وإنما يريد قائلهم ان يقول إن النظم حاصل من المادة المتصادمة المتفاعلة أي ان النظم حصل صدفة لا أن عالم الإمكان تحقق صدفة بلا علة يدعون أن المادة قديمة و أما قول القائل أن الصدفة اخرجت الأشياء من كتم العدم فعليه يجب أن تكون الصدفة حقيقة وجودية لكل شيء لتكون سببا للمادة أو لأي أمر مفترض آخر لكن لا يمكن أن يتكلم ذو عقل على أن الكون نشأ صدفة أي نشأ لا عن علة، و إذا عرفنا اصول المفاهيم كمفهوم عدم يقابله وجود، وعرفنا ان الوجود هو التحقق والعينية وعرفنا ان هناك مفاهيم واقعها اللااقتضاء وعرفنا أن الممكن واجب بالغير نأتي إلى المفهوم الثالث في المقام وهو مفهوم الوجود بما حاك كمرآة عن واقع التحقق لأن العاقل لا يتكلم عن المفاهيم بما هي مفاهيم بل عن المفاهيم بما هي مرآة للمعنى والحقيقة فإذا كانت المفاهيم لها المرآتية للحقيقة نقول بعد ذلك هل الحقيقة تعود لصرف العدم او تعود لما هو واقع اللااقتضاء الذاتي المعبر عنه بالأمر الماهوي نقول لا يمكن أن تكون الحقيقة التي يبحث عنها العاقل بغض النظر عن أنها واجبة و أنها هي الله الذي هو صرف الوجود فإن هذه الحقيقة الطاردة للعدم التي هي واقع التحقق وليست لا اقتضاء الذات فهذه الحقيقة التي هي حقيقة التحقق والعينية التي حكاها مفهوم الوجود نأتي إليها ونقول إن هذه الحقيقة لا تعطى لنفسها ولا تسلب عن نفسها كما و أن الإنسانية لا تعطى للإنسانية لأنه تحصيل حاصل ولا الإنسانية تسلب من الإنسانية لأنه من جمع النقيضين فإذا كانت كل المدركات هذا واقعها، فمن جملة المدركات هي الحقيقة الطاردة للعدم أزلا لا الطاردة له بواسطة الغير،  ولا ما إذا كانت لا اقتضاء الذات وهي الحقائق الماهوية فهذه الحقيقة وهي حقيقة الوجود لا يمكن أن نقول أنها اكتسبت التحقق من العدم لأن العدم لا يكون منشأ لأمر ولا يمكن أن يقول عاقل بعد فهم المراد من الماهية والإمكان وواقع لا اقتضاءها الذاتي أنها هي الطاردة للعدم و أنها هي النقيض للعدم فإذن هناك حقيقة هذه لها العينية ولا تعطى لها العينية ولا تسلب منها العينية ولو افترض مفترض على أن حقيقة الوجود لابد لها من علة لكان علة الوجود أيضا تحتاج إلى علة وتساق الأمور إلى اللانهايات في موطن الوهم يعني إذا كان كل شيء يحتاج إلى وجود أو يحتاج إلى علة ولم نقل أن كل ممكن هو الذي يحتاج إلى علة لكان نتيجة الأمر ما افترضناه وجوداً أو ما افترضناه علة للوجود هو بنفسه يدخل تحت القاعدة اي لابد له من محقق ومحققه لابد له من محقق ومحقق محققه لابد له من محقق و هكذا يجري الكلام في كل شيء إفترضناه علة فكما وأن كل شيء بالنور يمكن مشاهدته والنور بنفسه ظاهر مشهود فكذلك نقول كل شيء يخرج من كتم العدم بالوجود الصرف الأصيل الأزلي و إلا للزم التسلسل في كل الحقائق  فإذن كل شيء يكتسب حلة التحقق بغيره أي بالوجود،  فالإنسانية والشجرية والسماء تكتسب حلة التحقق  بالغير لأن حلة التحقق صفة لها وليست عين ذاتها و لذا نقول الإنسان قد يتصف بالوجود كزيد وقد توصف بالعدم قبل أن يوجد كعمرو وما يمكن أن يوصف بكل من الوصفين كالإنسان لا يكون واقعه التحقق، لكن لا يمكن أن نقول أن الوجود أو العينية أو التحقق المقابل للعدم اتصافه بالتحقق يحتاج إلى علة، الشيء بنفسه لا يعطى لنفسه ولا يسلب عن نفسه كما وأن كل معقول ولو كانت إنسانية لا تعطى لنفسها لأنه تحصيل حاصل ولا تسلب عن نفسها كذلك لأنه جمع بين النقيضين كذلك نقول حقيقة طرد العدم المقابلة للعدم بما هو عدم هذه الحقيقة سميناها وجوداً، سميناها شيئاً هذه لا تعطى لنفسها ولا تسلب عن نفسها لأن إعطائها لنفسها تحصيل حاصل وسلبها عن نفسها جمع نقيضين وإذا قلنا أن كل شيء وكل وجود يحتاج إلى علة لكانت النتيجة أن علته أيضا تحتاج إلى علة وعلة علته ايضا تحتاج إلى علة فبالنتيجة يجب أن لا يتحقق شيء لأنا فرضنا أن كل شيء لا يتحقق إلا بغيره فهذه الغيريات تساق بالمآل إلى اللانهايات فإذن نعود ونقول إن حقيقة الوجود هي تلك الحقيقة الطاردة للعدم التي ليس الوجود صفة لها بل هو واقعها, الوجود متحقق بنفسه ولم يتحقق الوجود بوجود آخر ولا بغيره هذا الواقع هو تلك الحقيقة الأصيلة التي الوجوب لنفسها لا لغيرها ولو كان الوجوب لغيره لانساق الأمر إلى اللانهايات الوهمية، فإذن نقول تلك الحقيقة التي لا تعطى لنفسها ولا تسلب عن نفسها وهي حقيقة الوجود المقابلة للعدم لأن الوجودات الماهوية ليست نقيض العدم ذاتا وإلا لو كانت نقيضة للعدم لكانت أزلية، فتلك الحقيقة المقابلة للعدم ذاتا لا يعطى لها التحقق ولا يسلب عنها و هذه الحقيقة لو كانت محدودة ماهوية لانساق الأمر إلى حاجة وعلة في جميع الأشياء ولكان لازمه أن لا يتحقق شيء لجريان النزاع فيها ايضا من أنها تحتاج الى علة  فالواقع العيني في مقابل العدم وجوبه بنفسه ولابد أن يكون هذا الوجود صرفا ومحضا وأن يكون أزلياً حتى لا نسوق الذهن إلى أن التحقق و العينية ناشئة من العدم لأن هذا الواقع سابق على العدم ويبقى العدم كمفهوم ذهنيا لا يتجاوز هذا الإطار وهذه الحقيقة الصرفة هي التي طردت العدم أبداً وأزلاً وهي التي كانت سبباً لاتصاف الممكنات بالتحقق و هذه الحقيقة الأزلية الطاردة للعدم هي بنفسها ما تكلم عنها الصديقون حينما قال قائلهم إن الإنسان العاقل ببداهة العقل يعرف أن الواقع الإمكاني لا اقتضاء الذات فهو بالبداهة محتاج إلى العلة لأنه في واقعه عدم لولا الغير لإحتياجه الى العلة بالبداهة لأنه لا إقتضاء الذات و هاهنا ما قيل من أن كل ممكن محتاج الى العلة و لم يقل عاقل بأن كل وجود و كل شيء محتاج الى العة.
فالصديقون ما شاهدوا إلا الوجود ومن شاهد الوجود بما هو وجود عرف أنه ليس خليطا من الوجود والغير وهي الحقائق الماهوية، فالصديقون شاهدوا هذه الحقيقة الصرفة التي هي لا تعطى لنفسها ولا تسلب عن نفسها فأولئك تكلموا عن شهود فقال قائلهم يا من دل على ذاته بذاته، وهاهنا نحن نتكلم استدلالا ومفهوما ودركا على أن الحقيقة الطاردة للعدم هي واقع التحقق الصرف و هذه لا يمكن أن نفترض لها علة، و إلا لانساقت جميع الحقائق الى الحاجة الى العلة ومن ذلك يلزم ان لا يتحقق الشيء لأنه لا يمكن ان نفترضها نشأة من عدم او العدم كان لها علة و تلك الحقيقة الصرفة لم يقل قائل على أنها محتاجة الى علة لأن المحتاج الى العلة هو ما كان لا إقتضاء الذات و هي الحقائق الماهوية و هذه الحقيقة الصرفة هي المقابلة للسفسطة والوهم وبها خروج الحقائق اللاإقتضائية الماهوية من كتم العدم و لا يجوز لعاقل ان يقول أن هذه الحقيقة لابد لها من علة لانه علتها إما العدم و العدم لا يكون علة او اللاإقتضاء الماهوي و هو متساوي النسبة الى كل من الوجود العدم فلا يكون منشأة للعينية و التحقق بنفسه و ذاته فإذن ما قيل من الحاجة الى العلة حدوده هي الماهيات و الممكنات لا الوجود.
فإذن خلاصة القول في المقام إن ما نحن فيه من الشبهة إنما هي شبهة ولا استقرار لها كدليل وبرهان شبهة أطلقت فقال قائلها (إذا كان كل شيء له علة فما هي علة وجود الله) و نحن لا نقول إن الوجود له علة فالوجود لا يمكن أن تكون له علة لأنه لا يمكن أن نفرض علة للوجود وإلا لكانت إما العدم او اللا إقتضاء الماهوي و نحن نجزم ان كل ممكن هو بنفسه يحتاج الى علة فلا يكون علة لأصل الوجود فإذن الشبهة طرحها الطارح إما جهلا أو مكرا وخداعا اومغالطة على البسطاء فقال على أنه اذا كان الموحدون يدعون أن لكل شيء علة فما هو علة ربهم، فنقول لا الموحدون بما هم موحدون ولا الفلاسفة ولا العرفاء قالوا أن لكل شيء علة و إنما قالوا لكل ممكن علة ولو قال قائل ان كل وجود و كل شيء لابد له من علة للزم أن لا يتحقق شيء لأن ذلك الشيء المفترض أيضا لابد له من علة فإذن الشبهة عند التأمل ليست بشبهة مستقرة وإنما هي بدايات تصور يسوق البسطاء إلى التساؤلات كما وأن شبهة بن كمونة أيضا ليست بشبهة وهو حينما قال هل لا يمكن أن نفترض إلهين  حيث أنه إذا افترضنا إلهين افترضنا ممكنيين محدودين وإذا افترضنا ممكنيين محدودين إفترضنا لا اقتضائين واحتاج الامر إلى علة لكل منهما لأن المحدود بواقعه لا اقتضاء الذات فكما وأن شبهة بن كمونة عند التأمل لا تستقر على كرسي البرهان لتطرح بنحو برهاني لأنها افتراض الهين أي افتراض محدودين اي افتراض ممكنيين فهنا أيضا طرح المسألة بأن كل شيء يحتاج إلى علة إنما هو وهم و خيال لأن معناه لا شيئية تنشأ منها الحقائق سواءا افترضناها العدم او الماهيات اللاإقتضائية والحمد لله رب العالمين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق