الاثنين، 12 مايو 2014

2- إذا كان لكل شيء علة فما هي علة الله تعالى؟

ما هي علة الله المحاضرة رقم 2
**********************************
بعد مقدمة تمهيدية في هذه الشبهة التي هي من الشبه في أصول التوحيد وإن كانت كما سيأتي لمن تأمل في المقام لا يجدها شبهة مستقرة لكن لابد من الإلتفات إلى أن في مثل هذا الموطن من الحديث وقعت دعاوى من الفريقين ما بين دعوى قائل بالبداهة الحكمية فالكثير من الحكماء بل كل الحكماء الإلهيون قالوا إن مسألة الوجود وأنه الحقيقة الطاردة للعدم بما هو وجود بلا قيد ولاشرط لأن الوجود المقيد لا يكون مقابلا للعدم فإذن بناء على أصل حكمي في المقام يقول الحكماء بالبداهة لوجود الصانع لأن الوجود في مقابل العدم أمر بديهي ولا يراد الوجود المحدد بحد لأن ذلك ليس وجودا باطلاق الكلمة وإنما الوجود عارض عليه كما نقول الإنسان موجود والبقر والسماء موجود، ما بين دعوى البداهة ودعوى الشهود العرفاني من قبل العرفاء بأن من نظر إلى الحقيقة وجدها وجودا وحقيقة واحدة طاردة للعدم ومن شهده شهد حقيقة واجبة متحققه بنحو أزلي لا متناهٍ هذا الشهود العرفاني أي الشهود للوجود يعطي المشاهد نظرة ترى الوجود واجبا أي قائما بذاته لا متناهيا أزلياً هكذا كانت النظرة من البعض وما بين قول الصديقين القائلين بك عرفتك والقائلين إلهي متى غبت حتى يكون غيرك دليلا عليك والقائلين يا من دل على ذاته بذاته وكل هذه الكلمات بك عرفتك أي بشهود الحقيقة أي بذات هي واقع الإصالة واللانهاية، والغياب يكون لمن كان حادثا وغير موجود ولمن تساوت نسبته إلى الوجود والعدم وهي الممكنات بلحاظ ماهياتها حيث تحجبها حجب و ظلمات و أنت يا الهي لست كذلك لتقع خلف الحجب شهودا و من وراء هذا الخضم من كلمات الحكماء و الفلاسفة  والعرفاء وقعت كلمات ما بين هؤلاء وما بين آخرين قابلوهم أن لا بداهة ولا شهود ولا حقيقة لأمر تدّعون الجزم فيه فقابل هؤلاء القائلين بالمعرفة والجزم و البداهة من أنكروا كل هذه الحقائق فقال قائلهم بأن القول بالصانع أو الوجود البسيط ليس إلا أسطورة و وهما بشريا صاغها الخيال, لماذا؟ لعلتين وسببين أصليين في المقام أحدهما جهل العلل، أي لما كان البشر القدامى يعيشون الجهل راحت أوهامهم لتصنع نسيجا من الخيال ظنوا أن هناك سببا فوق الأسباب هي التي قبضت الكون بكله فإذن جهل من جهة بالأسباب والعلل والخوف من واقع عاشه البشر زلازل وطوفان وأوهام وأنياب أغوال وشياطين وما شاكل هذه الأمور التي كلها أوهام راح ليدفع بالإنسان ليعطي نفسه طمأنينة بأزاء هذا الواقع المجهول وهي أنه لايدري بعد الموت أين يكون، هذه الدواعي دفعت بهذا الإنسان الضعيف لكي يتصور صانعا لهذا الكون فإذن مسألتنا مسألة في غاية الإختلاف في الأذهان البشرية.
هذا الصراع ربما راح ليدفع ببعض إلى أن المقام قابل للتأمل حتى من بعض الموحدين راح  ليتوهم لعل مثل هذه الكلمات لها من الأصول الطبيعية التي تدعو إلى هذا الكلام، لا ننسى أن كل الأمور التي تقع محل تصارع بين البشر لابد لها من مبادي، الأمور التي ليست عقلانية لا يقع فيها النزاع، وقع صراع بين البشر في الإمامة والقيادة مثلاً ،من جملة هذه المواطن التي هي محل صراع مسألة إن كان لكل شيء علة فما هي علة وجود الصانع وما بين هؤلاء الجازمين بوجود الصانع والمقابلين لهم بالجزم بعدم وجود الصانع القائلين بأن الله في قفص الإتهام.
هناك آخرون مترددون لا يقفون عند موقف معين ان ازدادت عليه شبه الملحدين راحوا ليتخبطوا متذبذبين بين الطرفين وهناك قوم آخرون لاهم من أولئك ولا من هؤلاء غمضوا الطرف وحاولوا أن يعيشوا صمتا حتى لا يفكروا بمثل هذه الأمور ولعل الكثير من ابناء البشر يعيش هكذا جاء ليقضي أيام حياته بدل التفكير والخوف والتردد فإنه رأي الراحة افضل الطرق في هذه الحياة.
بدلا من البحث في هذه الأمور لكن للتنبيه عن غفله قد تسوق إلى خطأ لابد وأن نقول إن العبارة ليست بصحيحة وهي مقالة القائل من هو موجد الله لأنه يجب أن يبحث الإنسان عن موضوع وأن يُنقح الموضوع ثم يأتي دور الكلام عنه، فنحن إذا جئنا لنتكلم عن مسمى علي يجب أن نعرف عن أي علي نتكلم حتى نعرف محل البحث ما هو، فإذن من جملة الأصول في البحث أن تنقح أصوله، فليس بحثنا في أن الكون له مدبر، الكثير من الذين ينسبون إلى انكار الربوبية كمشركي قريش وكالفرس القدامى كانوا يعتقدون بالصانع، إن تأملنا في كلمات قريش نراهم يقولون ان الأصنام تقربهم إلى الله زلفى في حين أنهم ينكرون جنة وناراً والفرس القدامى كذلك كانوا يعتقدون بإلهين إله الخير والشر ولكنهم يقولون هناك الاهرومزدا وهو الصانع، حتى المصريين القدامى كانوا يرون أن ارواحهم تذهب إلى مكان آخر لتبقى، لذا نقول لابد للتنبيه للخروج من غفله قد تسوق إلى خطأ، بأن المحتاج إلى العلة هو الممكن وليس الوجود، هل كل ممكن يحتاج إلى علة، أو الوجود يحتاج إلى علة؟ يجب أن ينقح البحث، إذا لو كان لكل موجود موجدا و هو الله فمن هو موجد الله إذن؟ هكذا قال القوم , لكن المسألة ليست هكذا بل هي في محل الإمكان أي ان القاعدة العقلية أن لكل ممكن علة وليس المقال في أنه لابد لكل وجود من موجد فإذن هاهنا وقعت مغالطة أو خلط و جهل و إشتباه فعلينا ان نعرف أين هو محل الكلام, كل شيء لابد له من موجد؟ أو الممكن لابد له من موجود؟ القاعدة العقلية هي في الإمكان وليست في الوجود ولا في كل شيء بمعنى أن الممكن الذي هو لا اقتضاء الذات كالإنسان من حيث ماهيته وكالشجر والسماء والأرض وجميع المعقولات المتساوية النسبة  إلى كل من الوجود والعدم يجري فيها النزاع لأنه لو كان الوجود جزئا أو عينا لها لكانت واجبة أزلية ولو كان العدم جزءها لكانت معدومة، فإذا كانت لااقتضاء الذات، يجب أن نعرف أين مصب البحث، فمحل البحث أن المعلول يحتاج إلى علة في واقع عالم الإمكان ,وهنا لا نستثني لأنها قاعدة عقلية، يمكن أن نستثني كأن نقول الإنسان في خسر إلا من كان مؤمنا، لكن لا استثناء في القواعد العقلية، فالشبهة طرحت في الإمكان واستخدمت جهلا او مغالطة في الوجود، فإن قال القائل إن البحث أن الممكن لأنه لااقتضاء الذات يحتاج إلى علة فهذا كلام متين، نقول نعم بلا شك ولا ريب أن كل ممكن يحتاج إلى علة، لكن هل الوجود في مقابل العدم يحتاج إلى علة؟ نقول من المستحيل أن يقول قائل أن الوجود يحتاج إلى علة، والعدم نقيض الوجود، والحقيقة الامكانية لا تكون علة للوجود بما هو وجود؟ فإذن نقول كلا لا أظن أن عاقلا يقبل مثل هذا الكلام بأن يكون للوجود علة، فإذن يجب أن ينقح البحث حتى لا نغالط أنفسنا أو نقع في متاهات الجهل و عدم المعرفة لنعرفة أن المحتاج الى العلة هو الوجود او بعبارة أخرى أن كل شيء لابد له من علة أو ان محل البحث و النزاع في حاجة الممكن الذي هو لا إقتضاء الذات حيث أن كل ممكن لابد له من علة نعم لا يقبل أي عاقل أن شيئا من الأشياء بما هو ممكن من الممكنات ان  يتحقق بلا علة غائية لأن الترجيح بلا مرجح غير معقول لأن الشيء لا يكون علة نفسه ولا يترجح بنفسه، فإذن يمكن أن نطرح البحث ونقول الممكن حاجته إلى العلة بديهية والوجود يحتاج إلى علة قول لا يتكلم به عاقل و لا يقول كل شيء يحتاج إلى علة، فكلامنا فيما يمكن أن يكون شيئا يعني ما يدرك ويعتبر شيئا من الأشياء و هي المعقولات الممكنة، و إلا فلو كان كل شيء و كل وجود محتاجا الى علة لما تحقق شيء، فلو قال قائل كل شيء لابد له من علة والا لما تحقق، للزم التسلسل الى لانهايات الوهم ومن دخل في مثل هذه الأوهام سيجد نفسه داخلا في مغالطات و جهل، فإذن نقول كل الأشياء تحتاج إلى علة لابد وأن ترجع إلى علة العلل لأن العلة هي شيء وبحسب قاعدتك أي المورد لهذه الشبهة هي أيضا لابد لها من علة، فهي أيضا شيء وتحتاج إلى علة وهكذا إلى ما لانهاية له من التسلسل.
وهاهنا كمقدمة تنبيهية أردتها حتى ننقح محل الكلام، لأن البحوث يجب أن ينقح محل البحث و الموضوع فيها أولا لتنبيه عن غفلة قد تسوق إلى خطأ وعليه فنقول إن المحتاج إلى العلة هو الممكن أو الوجود أو الشيء وبعدها نقول: قد قلنا في الحلقة السابقة أن من غير المعقول أن يقال للشاك، في التعبديات نأمرك أوامرا تعبديا بأن تخرج من الشك لتصبح جازما بل لابد أن نعالج شكه باليقين لأن الأمر في مواطن التعبديات من الأمر المعقول لا في مثل ما يكون صفة للنفس كالوهم و الشك و الظن و اليقين ففي الأمور التعبدية  قد يعرف الشخص المصلحة منها وقد لا يعرف المعرفة منها فهو يصلي تعبداً وقد لا يدري لماذا صلاة الصبح ركعتين وصلاة الظهر اربع ركعات، ففي مثل هذه الموارد نقول إن الشريعة بنيت على المصالح والمفاسد ومهما وصلت إليه الشخص فإنه لا يحيط بواقع المصالح والمفاسد فلذا نقبل الكثير من الأمور تعبدا لجزمنا بأن الصانع تعالى لا يأمر بشيء إلا لمصلحة ولا ينهى عن شيء إلا لمفسدة لكن في التكوينيات لا يمكن ذلك فمن المستحيل أن يقول قائل إذا كان لكل معلول علة ولكل مسبب مسبب فمن هو مسبب الله وموجده فيأتي ليقول لك النبي (ص) اعتبر نفسك جازما وعليك أن تستعيذ بالله الذي انت شاك به، كيف اعيش فرحة و طمأنينة بكلام الرسول (ص) من  أنه قال لي استعذ بالله الذي أنت شاك فيه وهل مثل هذا يجعلني متيقننا في موطن أمر تكويني و هي الصفات النفسية وقد قلنا أنه من غير المعقول أن يقال للشاك أنا أريد منك أن اعتبرك متيقناً فإن بالاعتبار و الجعل التعبدي لا يصبح الشاك متيقنا، وقد قلنا أنه من غير المعقول أن يقال للشاك كن متيقنا لأن هذا واقع تكويني، فهو هنا إما أن يسكت خوفا أو تقليدا أو يساق إلى اخطاء أو تقليد، فإما أن تعالج هذه الأمور باسبابها الدقيقة، وكثيرا ما يقع التصارع بين المذاهب صراعا عقيما من أساسه، ولذا اكثر الصراعات الدينية وبل السياسية أيضا تكون عقيمة، أنا يجب علي أن أرى أساس اعتقاده أن كان مبنيا على أي شيء بمعنى أنه لأي شيء صار يعتقد بان زيدا من الصديقين فعلي ان أشكك الشخص في مبادئ أسبابه إن كانت حضارية موروثة فيجب علي أن أضرب أسباب معتقده و أسسها ثم اناقشه بعد ذلك وهاهنا مع كل الأسف ينسب هؤلاء القوم لسيد الكائنات محمد (ص) أنه قال : من شك في التوحيد عليه أن يستعيذ بالله ومثل هذه النسبة لا تنسب الى من هو دون محمد (ص) معرفة لمقاييس العلوم لأن اليقين تابع لأسبابه فيجب أن نشكك الشخص أولا مباديء يقينه وليس المقام من الاوامر و النواهي التعبدية كما في مثل الصلاة لنقول للشاك بين الأقل و الأكثر إبني على الأكثر أو إذا كان السند لرواية معتبرا خذ بالرواية تعبدا و إن كنت لست جازما بها فهاهنا لابد و أن نعالج القضية علاجا برهانيا.

وقد قلنا في مورد النهي عن التفكر في ذات الله، أنني إذا جئت لأبحث عن زيد يجب أن اعرف عن أي زيد أريد ان أتكلم حتى يكون بحثا صحيحا بعيدا عن المغالطات وهؤلاء القوم قال قائلهم بأن هناك الكثير من الروايات الواردة عن النهي في التفكر في ذات الله هي واردة فيما نحن فيه وهي أنه إذا كان لكل شيء علة فماهي علة الله حيث يجب علينا في المقام ان نقول قد نهانا الشارع عن التفكر في ذات الله وعليه يجب ان لا نبحث عن هذه القضية في حين أن النهي عن التفكر في ذات الله إنما هو نهي إرشادي لتنبيه الإنسان المؤمن على ان المحدود الممكن لا يتمكن ان يعرف اللا محدود فعلية ان يبتعد عن مثل هذه الأمور لأنها لا تزيده إلا جهلا وكيف يعرف المحدود كنه اللامحدود لكن ما نحن فيه من المسألة وهي أنه إذا كان لكل معلول علة فما هي علة الله مسألة عقلية وقعت فيها المغالطات لأن حق الكلمة ان يُقال أن لكل ممكن علة لأنه لا إقتضاء الذات فلا يخرج من لا إقتضائه و تساوي نسبته إلى كل من الوجود و العدم إلى مرتبة التحقق و الوجوب إلا بسبب و علة لكن لا يجوز لعاقل أن يقول كل وجود لابد له من علة لأنه يدخل في متاهات الاتناهي في العلل في حين الوجود لا يمكن عقلا أن يكتسب التحقق من العدم او اللاإقتضاء الماهوي فإ1ن مسألتنا المبحوث عنها من المسائل التي تدخل تحت الدليل و البرهان وما نُهينا عنه وهو عدم التفكر في ذات الله مسألة إرشادية للمؤمن من أن المحدود لا يمكنه ان يعرف كنه اللامحدود فهما مسألتان مختلفتان بكل معنى الكلمة  لأن البحث فيها ارشاد لامر عقلي أي أنك أيها الإنسان المؤمن يجب أن تعرف أن الداخل في المدارك العقلية و البحوث البرهانية إنما هي الأمور المحدودة وأنت تريد أن تتكلم عن صرف وجود لامتناهٍ فنحن نرشدك حتى لا تقع في الخطأ، فمحل بحثك تفكر في اللانهايات وهو لا يأتي في المدارك العقلية، فانت تريد أن تعطي اللانهاية حدا وكيفا، وقد جاء في الروايات ما مضمونه كل ما تصورتموه بأذهانكم بأدق معانيه فهو مخلوق لكم مردود عليكم، فالنهي هنا ارشادي وليس بمولوي ولا رب له بمحل بحثنا والحمد لله رب العالمين. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق