لعلنا نعتب على الحق تعالى ونقول إلهي متى
الفرج والظلم قد انتشر؟
ونحن أيها الإخوة والأخوات بصدد التكلم عن
المنقذ أو المهدي المنتظر على اختلاف الآراء والمذاهب في المقام وصلنا إلى أن
الإنسان ولو كان مؤمنا معتقدا بالله لا يتردد في ذلك ولا يتردد في لطف وعدل الله
تعالى لكنه مع كل هذه الحقائق قد يوجه من أعماق ضميره عتبا على ربه تعالى في بعض
الأحيان ثم تمنعه موانع من الإظهار أو حتى بينه وبين نفسه محاولا أن يمر على هذا
العتب مرور الكلام وذلك لما يجد من نفسه من قصور أو تقصير لا يتردد فيه بحيث لا
يجد نفسه أهلا لتلك العدالة الربانية، فاكثر المؤمنين لا يجدون أنفسهم أهلا
ليكونوا في ركب المؤمنين لتحقيق العدالة الحقيقية أي يجد نفسه ليس بأهل لكي يعتب
على ربه بأنه لِم لَم يكن العدل متحققا أو لم جعلت من آدم ع إلى الخاتم (ص) رجالاً
جاؤوا فكانوا واقع العلم بدون أن يكون الواحد منهم يتوصل إلى العلم باجتهاد وظنون
فكانوا أنبياء مرتبطين بالوحي مسندين بالعصمة فقولهم هو الحق وكلامهم هو الوحي وكان الناس الذين عاشوا
هذه القرون إلى زمن غيبة الحجة الغيبة التي أصبح الناس ليسوا قادرين من الإرتباط
به كانوا يعيشون رجالا ظاهرهم عين باطنهم صدقا وتقوى وما كان الواحد منهم كشيعي
يعاشر عليا عليه السلام أو أحد الأئمة المعصومين يتردد من أن هذه التقوى لها ما
يثبتها باطنا حيث أنه ما كان ليتردد بأن التقوى التي يجدها بهؤلاء الرجال العظام
هي واقع هذا الوجود فبعد ما يعيش الإنسان هذا الواقع في خلده وتصوره على أن عشرات
الآلاف من الأنبياء جاؤوا وعلى رأس الجميع هم أولو العزم من الرسل فكانوا واقع علم
وليس بظن ولا اجتهاد وكانوا واقع عدل ليس بمظاهر فلِمَ يا إلهي وأنت الجواد الكريم
اللطيف بحال العباد جعلتنا وخلقتنا في زمان وجدنا العلم ظنا واجتهادا, أولئك
الرجال الذين عاشروا الأنبياء والأوصياء إذا رجعوا الى الأنبياء رجعوا بواقع العلم
و اليقين وإن نحن و إن كنا مقلدة لعلماء فنأخذ من مجتهدين ومن حيث العمل والتطبيق
فالذين يرسمون شرع الله لا ندري أهم ببواطنهم كذلك يعيشون تقوى وعدلا أو أن هناك
ما بين الظاهر والباطن اختلاف، فكم من رجال شاهدناهم ملائكة ثم خابت بهم الآمال
حينما جاءت حقائق الأمور انكشفت بواطن قوم وجدهم الناس ليسوا بتلك الحقيقة وليس
بزمن بعيد وجدناهم في سوقهم وصلاتهم وسكناتهم بكاء ورقة ودمعة وجدناهم كأنهم
ملائكة وشاهدنا في وجوههم وجوه الصدق وإذا وقفوا إلى الصلاة يكاد الواحد منهم أن
يقع على الارض خشوعا وخضوعا فلما تسلطوا وجدناهم أشقياء أشرارا يجزرون الناس جزرا
لا يحاسبهم ضمير ولا كأنه هناك يوم للحساب سيحاسبون.
فلعل الواحد منا يقول لم ما استمر لطفك يا
إلهي لكي نشاهد نحن أيضا بعد النبي (ص) والمعصومين الهداة عليهم السلام العلم قطعا
و يقينا لا اجتهادا و ظنا وأن يرى الواحد منا شهود واقع لا حيف فيه ولعلنا شاهدنا
من هو من المتقين لكن المتقي الذي يعيش اجتهادا لا يمكن أن يكون راسما للحق كما
ينبغي، هذه من الأمور التي تمر على أذهان كثير منا ولعل من شواهد العتب على الله
تعالى وإن كان في ذلك نحو من الجهل وتجاوز الحدود لكن المؤمن لإطمئنانه برحمة ربه كما
ورد في المأثور (فصرت أدعوك آمنا وأسألك مستأنسا لا خائفا ولا وجلا مدلا عليك فيما
قصدت فيه إليك فإن أبطأ عني عتبت بجهلي عليك ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك
بعاقبة الأمور)، فمثل هذا العتب هو من الأمور التي لا تخرج الإنسان من الإيمان كما
و أن الكثير منا أيضا قد يتصور أمرا فيقول يا الهي على ما أرى و أشاهد فأن الظلم
ما أبقى بقية لأحد فها هي الناس تعيش البؤس والحرمان والظلم فيا الهي متى الفرج
وقد نتجاوز الحدود فنعتب في ضمائرنا ونقول يا الهي أيمر على العالم اكثر مما نحن
فيه من المكر والظلم والعدوان باسم الدين يا الهي متى الفرج و قد ضاقت الصدور يا الهي قل الصبر, هكذا قد
نعتب على ربنا وفي قرارة نفوسنا ونحن لا نتردد بأنه هو العالم بمصالح الأمور, هذا
ما نعرفه وقد نقر به لكن الأماني والإنسان يبقى إنسان يتمنى أن يكون من الذين هم
يعيشون في زمن العدل الإلهي ثم يتردد
الإنسان في نفسه ويقول أنا أعرف بنفسي قصورا وتقصيرا لست ممن يكون أهلا للقيادة
لكن قد يتردد أيضا اكثر فاكثر فيقول أنا لست ممن يظن أنه إن تحقق ظهور المنقذ
البشري كنت من جملة أصحابه الخلص الذين هم 313 ولا من الذين هم من 10000 لكني أخاف
وراء ذلك كله أن لا أكون أهلا لتحمل ذلك العدل حيث قلنا أن الجاهل بمخيلته قد يتصور
عدلا هو يعيش فيه فردوساً متمنيا إياه ولو على حساب الدين و الإنسانية لكن المؤمن العارف إضافة على تردده في نفسه
قصورا وتقصيرا إنه ليعرف أنه ليس أهلا أن يكون من أهل ذلك الركب العظيم فيقول في
بعض الأحيان بعد ما تتعبه الأمور و بعد ما يقل صبره يا الهي أنا أعلم بنفسي إن كان
الظهور في زماني فاجعلني أهلا أتحمل ذلك العدل لأن العدل قد يسلبني مالا وقد
يدفعني إلى موقف وأنا لست أهلا لذلك، وهناك أيها الإخوة والأخوات ونحن في مطلع
الدخول لبحث مهم له جانب عقائدي وله جانب عملي.
لابد وأن نسبر هذه المقدمات حتى اذا ما وصلنا
إليها للتأمل فيها تفصيلا يكون الذهن قد مرت عليه فيكون اكثر استعدادا للخوض في
معانيها و المراد منه وهناك سؤال وهو أن عدم تحقق ذلك العدل أين يكمن ولماذا ما
تحقق لحد الان ذلك العدل العالمي فهل هو لسلطة الأجانب على المسلمين؟ فإنا إذا
تاملنا ذلك سنجد أن المشكلة ليست كامنة في مثل هذه السلطة حيث ان المتأمل سيجد أن
عدم العدل ليس من خصائص بلادنا الإسلامية بل هو عام في جميع البلاد سواء كان الحكم
فيها قائما بإسم اليهودية او النصرانية او الإسلام وعندها يجد المتأمل ان عدم
العدالة في البلاد الإسلامية ليس كامنا في سلطة الأجانب على بلادنا وإذا لم تكن المشكلة خارجية بواسطة كافر اويهودي
او مسيحي وذلك لأن المسلمين أيضا قد حكموا انفسهم طيلة عقود من الزمن وما كان
العدل متحققا فيما بينهم حيث أن القرون مرت و الناس يعيشون الظلم و الإضطهاد و
الجور فعندها قد يسأل الإنسان مرة ثانية هل المشكلة تتجاوز هذا الحد حيث أن من
ينتسبون إلى الأديان جميعا لم يعدلوا على طول التأريخ و كذلك من تسلط وكان ينتسب
الى مذهب أهل البيت فإنهم ايضا لم يعدلوا حيث انه مرت حكومات نسبت أنفسها إلى مذهب
أهل البيت عليهم السلام سواء في مصر او حلب أو في ايران وفارس أو في تونس حيث قد حكموا
تحت عنوان وراية أهل البيت فما كانوا يختلفون اختلافا كبيرا عن غيرهم في عدم تطبيق
العدالة.
و نحن اليوم نعيش تحت قيادة مرجعيات شيعية
فلا أظن أن عاقلا عاش هذا الواقع وهو يراه أنه من مظاهر عدل الله تعالى إلا أن
ينظر بمنظار الطائفية كما نظر بهذا المنظار طيلة القرون أكثر أبناء العامة فراحوا
ليسموا المتسلط تارة بإسم أمير المؤمنين و خليفة رسول الله (ص) و ربما راح آخرون
منه ليدافع حتى عن حكامنا اليوم تحت هذه النزعة الطائفية سنة في مقابل شيعة فكذلك
راح اليوم الكثير من الناس تحت هذه النزعة
الطائفية بعيدة عن رؤى الحق و الواقع راح ليدافع عن حكومة شيعية فنحن كبقية البشر
لا ننزه أنفسنا فهناك قوم بدوافع الطائفية راحوا ليدافعوا عن كل حكم سني ونحن
اليوم كذلك مادام الحكم ينتسب إلى أهل البيت عليهم السلام رحنا أن لا نفكر بعدل
ولا علم بل ندافع عن هذا الحكم بدون تردد وبدون تأمل في موازين العدل في مقابل
الباطل و الظلم فهي ومع كل الأسف نفس الموازين التي دفعت أبناء العامة و الجماعة
ليدفعوا عن حكامهم حيث ان المتسلط مستأثر سواء كان يهوديا او نصرانيا او مسلما او
حكم تحت اي راية أخرى لا ترتبط برسالات السماء لكن هناك من الناس من يحاول و
بدوافع مختلفة دينية او قومية ان يعطي الف مبرر و توجيه لتلك السلطة او ذلك الحكم
الذي ينتسب إليه لكن الجامع بين الجميع هي نزعات و دوافع بعيدة عن قيم الإنسانية و
كذلك عن قيم رسالات السماء التي بنيت على شهود واقع العدل بدوافع الضمير و
الإنسانية فالبشرية تحتاج إلى ذلك المنقذ الذي به تقام حقائق العلم والذي تقام به
حقائق العدل ليكون تجسيدا لشرع الله علما ويكون تجسيدا لشرع الله عدلا و ما ذاك
إلا من يكون معصوما مسددا من قبل الله تعالى و مسندا برجال هم في واقعهم يعيشون
عدلا لم يؤتى بهم بحكم ظاهر و كذلك لابد ان يكون ذلك العدل الإلهي مؤيدا بالملائكة
الكرام حيث أنا كبشر راح الواحد منا و على طول التأريخ لينظر الى العدل سواءا كان
عدلا إنسانيا او عدلا إلهيا من منظاره الخاص توجيها و تفسيرا و اجتهادا حتى ولو لم
يكن هذا المنظار منظارا طائفيا او قائما على النزعات و الرواسب الجاهلية حيث راح كل واحد على صعيد ومذهب ليتكلم من
زاويته ومنظاره ليفسر شرع الله تعالى، و أي شرع إلهي يكون وقد وصل تفسيره إلى
تكفير الآخرين وسلبهم حتى حق الحياة فأي تطرف هذا و اي جمود نابع عن الأحقاد حيث
وجدنا المسلمين كل واحد منهم يفسر شرع الله تعالى بعيدا عن واقع لا إكراه في الدين
ولو جئنا لمن ينسب نفسه إلى أهل البيت لما وجدنا الساحة بعيدة عن مثل هذا الضيق و
الإستبداد حيث رحنا تارة ليكفر بعضنا بعضا او قد نتجاوز الحدود فنلغي الآخرين
إخبارية أصولية شيخية فالنفس والرؤى المبنية على الاستبداد في العلم هي الحاكمة
على جميع الأصعدة في العالم جميعا وهذا أخطر من الإستبداد في السلطة، وقد عشنا
حوزات تعيش كبرا وضيقا في الرؤى كل واحد من هذه الفرق يدعي علما و كأنه إيحاء الهي
وليس بظن و اجتهاد و يذهب بعد ذلك لإلغاء الآخرين او تكفيرهم هكذا نحن نرسم دين
الرحمة ونلغي الآخرين ونتهمهم بشتى الإتهامات فما لم نخرج من هذه الحقيقة وهي ضيق
رؤى الإستبداد لا يمكن ان نعيش قربا من العدل فإذن لا يتصور أحد بأنا لو تسلطنا
لكنا مثالا للحرية و الفهم لشرايع السماء فمن يعيش هذا الضنك من التكفير للآخرين و
الإلغاء لهم فهو لا يكون إلا كفرد يضاف الى تأريخ المستبدين على طول هذه القرون كل
هذا الكلام بالنسبة الى الذين قالوا على ان العدل هو مقسم مشترك بشري وهو مبتغى
الإنسانية الذي تسعى إليه و إن اختلفت الرؤى فيه دينية او غير دينية فإن في مقابل
هؤلاء هناك من البشزر من قال بإن هذه الفكرة ليست إلا وهما و خرافة لا تستند الى
عقل بل ولا إلى دين حيث راح ليقول قائلهم بلسان سخرية و إستغراب هل حقا أنه لا
يزال هناك بعض المسلمين يعيشون هذا القدر من الإنحطاط العقلي و الفهم لشرايع
السماء بأن يفكر الواحد منهم بوجود مهدي ولو سيأتي في آخر الزمان يقيم للإنسانية
عدلا إلهيا في حين أن العقائد الأساسية يجب أن تكون مذكورة في القرآن المجيد ونحن ما
وجدنا اسم المهدي مذكورا في القرآن فإذن هو خرافة من الخرافات، فمسألة المهدي على الرغم
مما يدعى من أهميتها لم نجد لها عينا ولا أثر في كتاب الله وهي يجب أن تذكر في
الكتاب بوضوح فكيف يمكن ان يدعى أنه بها بيان علم الله وعدله وهي لم تذكر في
القرآن بصراحة ثم راح ليقول قائلهم أيضا إن فكرة المهدي إضافة على ذلك هي في نفسها
غير معقولة لأنها تدعو للقعود وعدم الثورة على الحاكم لو كان ظالما مستبدا، لكن
نحن نتسائل من هؤلاء و نقول هل كان مذهب التسنن ثورة ضد الحاكمين في حين أنهم
أتباع الحكام حيث ان من عاش الذلة بأيدي الحكام هم أبناء العامة الذين ينكر الكثير
منهم مسألة المهدي في حين الكفة المعارضة التي كانت ثورة ضد الظالمين هم الشيعة
فلو كان الإعتقاد بمجيء منقذ بتحقيق العدل الإلهي يستوجب ذلا و إستسلاما للحكام و
الظالمين لكان يجب ان يكون الشيعة هم المستسلمين للحكام و أن يكون أبناء العامة و
الجماعة على طول التأريخ ثورة ضد الظلم و الظالمين في حين أن القضية تماما هي على
عكس ذلك ثم قالوا أيضا إن فكرة المهدي تدعو إلى الإتكال وهي تعارض القرآن المجيد
وكل أمر يتصادم مع القرآن فهو باطل؟ وحينما يُسأل الواحد منهم ما هو دليلكم راح
ليقول لأن هذه الفكرة تتنافى مع فكرة ختم النبوة لأن معناها أن هناك شخصا سيأتي ليتمم هذه الرسالة
المحمدية في حين ان هذه الرسالة تمت بيانا وعدلا فما هو الداعي بعد ذلك لمثل هذا
الخراف وسنعود لإتمام هذا الحديث بيانا في محاضرة قادمة إن شاء الله والحمد لله رب
العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق