الإمام المهدي عج 6
نحن من نصنع الطواغيت
ونحن في بيان مطلب مرتبط ببحث عقائدي مرتبط
بعمل وعدل وهو الكلام عن المنقذ البشري أو المهدي المنتظر على اختلاف الرؤى قد وصل
بنا البحث إلى بيان أمر ونقطة ثانية تكلمنا عنها بقدر وهي أنه من اللازم أن نتوقف
عندها ونتأمل فيها قبل الدخول في شرح هذه المطالب وهي أنه لقائل أن يقول إذا كانت
كما تدعون وتزعمون على أن فكرة المنقذ أو المهدي المنتظر هي فكرة إنسانية وليست
تابعة لحضارة أو لمقطع زمني أو لمكان ومذهب ودين إن كانت هي هكذا فكيف مع كل هذا
الإدعاء لم نجد هذه الفكرة متجسدة متحققة على أرض الواقع يوماً من الأيام طيلة
التاريخ البشري ومن المعلوم أن ما يكون مراداً إنسانيا عاماً لابد وأن تتجلى
معالمه محققة بين فترة وأخرى حتى ولو طرأت عليه بعض الطوارئ ولو أن قائلا قال على
أن ذلك قد وجدناه محققا في زمن سليمان (ع) لكان قولا يقبله الموحدون لكنه ليس
مقالة تثبت عدلا على صعيد البشرية، وثانياً لو كان كما تدعون على أنه منهج
الأنبياء لوجدناه متجسدا بأولي العزم من الرسل وما وجدناه متحققا على أيدي أولي
العزم من الرسل وما وجدناه متحققا أيضا لو أغمضنا الطرف عن الأديان فإنه يجب أن
يكون مراد البشرية متحققا على يد زيد أو عمرو أو أمة من الأمم وهاهي البشرية مع كل
الأسف كانت وما زالت تعيش الصراع والحرمان والبؤس والظلم فلم لم يتحقق ما يدعى من
أنه مبتغى البشرية علما وعدلا فهل لا يكفي هذا ليكون من أكبر الشواهد وهو عدم
التحقق والوجود الخارجي لهكذا عدل، على أن ما يدعى ليس من المبتغى الإنساني وكيف
لا يتحقق أمر يدعى أن من بواعثه الفطرة والعقل والأديان و أنه وجه مشترك بشري هكذا
يمكن أن يطرح شخص شبهة في المقام.
فنقول: كم وكم من مقسم بشري لا يتردد فيه
متردد لم نجد له تحققا على وجه الأرض فلو جاء ليغالط أو يتردد شخص بمقالة قائل في
منقذ بشري أو في مهدي منتظر على اختلاف المسالك لكن لا أظن أن أحدا يتردد في أمر
هو من المقاسم المشتركة البشرية على الإطلاق حيث لا نجد على وجه الأرض ولا فردا
واحدا يتردد في كون الصدق حسنا في مقابل الكذب وهكذا فهناك مسلمات بشرية يميزها كل
أحد بعقله وفطرته وبعد هذا التسليم أيضا في مقاسم مبشرية أخرى وهي الخلق الإنساني
فإنا ما وجدنا البشر ملتزما به، فإنه لا يقبل أي إنسان أن يوصف بالكذب أو البخل
لكن الكثير من البشر يعيشون بخلا وجبنا و هكذا هم يعيشون الكثير الكثير مما يخالف
الفطرة و العقل، فالبشرية متفقة على الفطرة والخلق السليم لكنها تتلاعب لمصالحها
الشخصية فلا يرضى أحد أن يوصف بأنه غادر وجبان وبخيل ومع كل هذه المسلمات البشرية التي
لا يقبلها أي انسان كصفة بشرية له لكن اكثر الناس في الخارج يخالفها في واقع علمه
ومن المقاسم البشرية فإنه لو جيء بأي إنسان وقيل له ماذا تختار العلم اوالجهل؟ فإنه
لا يتردد في قول أن العلم هو المبتغى البشري و أن كل واحد لا يرضى لنفسه الجهل في
حين أن أغلب البشرية تعيش جهلا، وهذا أيضا من المقاسم المشتركة فلو كان كل مقسم
بشري مشترك لم يتحقق في الخارج يعتبر افتراءا لكان الصدق افتراء والعلم كذلك في
حين أنه قد يتنازل الشخص أحيانا عن مرتبة العلم لكنه لا يتنازل عن العقل فلا نجد
إنسانا يقبل لنفسه أنه ليس بعاقل و إن كان قد لا يرى نفسه في كثير من الموارد
عالما لكن مما اتفقت عليه البشرية أنهم عقلاء فالعقل هو زينة كل أحد تميزه عن
الحيوانات ولا يقبل أن يوصف بأنه غير عاقل في حين أنا لو جئنا إلى الواقع الخارجي لوجدنا
من يسمى نفسه عاقلا عقله مقيدا بألف قيد و قيد فهو يعيش التقاليد وعدم العلم وعدم
المشورة ويعيش تحجرا وجاهلية بحيث نجد الإنسان في الخارج مكبلا بألف قيد كلها
تبعده عن واقع العقل ونجده يشرب الخمر ويرتكب الكثير من المتاهات لكن مع كل ذلك لا
يرضى لنفسه أن يقال له أنه غير عاقل ويعيش عصبية لما وجد آباءه وحضارته عليها وإذا
جاء اللجاج سحق كل القيم تحت قدميه وهلم جرا، فهذه شبة إذن لا قيمة لها وهي أن ما
يكون فطرة ومقسما بشريا يجب ان يكون هو المتحقق على وجه الأرض طيلة القرون.
فإذن نقول الطامة الكبرى التي تضرب أسس العقل
وتكدر الفطرة هي الكبر، الكبر الذي ساق إبليس إلى ما ساقه إليه ونجد البشر يدافع
دفاعا مستميتا عن العروبة في مقابل الفارسية ولو كان فارسيا لوجدناه متعصبا فهو في
الحقيقة متعصب لنفسه لدواعي الكبر فصارت العروبة شرفه وتعصب لنفسه فصار المذهب
شرفا وعظما لأنه ينتمي إلى ذلك هكذا هو البشر بكبره تسحق جميع القيم, بكبره إبليس
خطَّأ ربه علما وعدلا وهكذا بعض الناس يعيشون الكبر على حساب الإنسانية و الفطرة و
العقل ولا ننسى الشهوات والرغبات وعشرات من الأمور الأخرى التي تخدش فطرة وعقلا، فهلا
آن أن نخرج من شبهات لا قيمة لها قد يطرحها زيد اوعمرو فيظنها السامع لبساطة أنها
شبهات مهمة لا مخلص منها.
و نحن قبل أن نذهب بعيدا لو نظرنا إلى تاريخ
عشناه في ضمن عقود من الزمن لوجدنا كم من ثورة دينية أوغير دينية و تحت أي شعار
وعنوان فمن تأمل في هذا المقطع الزمني القليل لوجد كم من أمة ثارت ضد ظلم واضطهاد
وجهل جاء الماكرون فجعلوا كل ما للشعوب من حركة لمقاصدهم الشخصية هذا جعل الدين
جسرا وهذا راح ليستغل جهل أمة في فهم سياسة ليجعلها جسرا للوصول إلى مآربه، فجاء
الدجالون والماكرون الذين يدبرون للأمور بليل ليستغلوا غفلة وجهلا ليركبوا الموجة
للوصول إلى مقاصدهم فإن كنا قد وجدنا ذلك في مقطع زمني لا يتجاوز الأربعين أو
الثلاثين سنة فكيف لو نظرنا إلى التاريخ البشري فإن سوف نجد كم من طاغوت وماكر جعل
مبتغى البشر وهي العدالة جسرا للوصول إلى غايته فقول القائل لو كانت مسألة العدالة
فطرة بشرية لوجدنا معالمها متحققة على أرض الواقع فإنا نقول إن معالمها كثيرة على
طول التأريخ لكن غفلة وجهلا وما شاكل هذه الأمور دفع بالأمم أن تكون جسرا لوصول
أصحاب المآرب إلى غاياتهم فلزموا حكما ثم صاروا جبابرة طغاة.
وثالثاً: يجب الإقرار بواقع أمر وهو أن
الحكام على طول التاريخ الجائرين الظالمين الماكرين لم ينزلوا يوما من الأيام من
السماء ولم يطلعوا من أعماق البحور كما وأنهم لم يأتوا بجند قد صنعتها مصانع
خارجية فإن ظلم البشر ظلم من الداخل ولو لم تجد العقول والماكرون أن هناك أرضية في
الداخل للعدوان لما اعتدت فإذن الظالم والطاغوت من بعد ما يستغل جهل امة ما وجدناه
جاء بجند له صنعته مصانع المريخ ولا أي مصنع آخر ولذا راح ليشير الرسول (ص) إلى
هذه القاعدة وهي : (كيف ما تكونوا يولى عليكم).
ورابعا نقول: كم من طالب حق طلبه بكل صدق
وواقع وما كان ماكرا ليجعل ما تريده الناس جسرا لمآربه لأنه كان فقيرا يأن من ظلم
الظالمين اوكان عالما فراح ليؤيد شعبا لدفع جريمة وتحقق عدالة لكن وجدنا من كان
بالأمس فقيرا حينما تسلط أصبح شقيا اكثر من الطواغيت المتقدمين وكم من عالم لعله
دفعته دوافع الضمير لكن عندما تسلط نسي العدالة و الدين والرب والحساب والوعد
والوعيد حيث أن السلطان و الزعامة لها ما لها من موجبات العمى ، حيث أن الإنسان
اذا صار متمكنا وجد من حقه أن يكون آمرا ناهيا، وجد من حقه الإستيثار على حساب
الإنسانية والدين فإذن ليس دائما من تسلط على رقاب البشر كان يدبر لهذا الأمر
بليل، لكن مع كل الأسف أن الإنسان اذا تمكن من الرقاب نسي كل قيم الإنسانية و صار مجرما
من المجرمين او طاغوتا من الطواغيت و هكذا هم اكثرية الناس.
فإنا قد عشنا مع أناس وجدناهم قدساً وخلقا
وتواضعا وبكاء ودمعة فلما تسلطوا وإذ بنا وجدناهم فراعنة لأن الدنيا تجعل المتسلط
إن لم يرتبط بالله حقا وبواقع الوجدان هكذا ناسيا لقيم الإنسانية و الضمير، فإذن الأمة
تنتظر عدلا بواسطة منقذ بشري او مهدي منتظر بحيث لو تسلط لكان عدلا بعيدا عن الظلم.
وخامساً: كيف تريد الشعوب تحقيق عدل وهي لا
تعرف العدل إلا من خلال ما يرسمه الرجال، فكيف تريد أمة تحقيق عدل وهي جاهلة فكيف
يصاغ لها العدل و ذلك لا يكون إلا بصياغة الرجال ولا يصوغ الرجال عدلا إلا بتبع رغباتهم
وشهواتهم، فاولئك الذين ظنناهم رسام عدل أو شرع نحن من بعد ما يتسلطون ننفخ فيهم
فنجعل منهم جبابرة ومن بعد فترة نرى أنفسنا قد خدعنا لأننا بدّلنا طاغوتا بطاغوت آخر
وإذ بنا من نفخناه بالأمر و صنعنا منه صنما قد نثور عليه و نسحبه في الشوارع في
يوم آخر في حين أنا نرى أنفسنا نعيش عقلا و ليس لنا أي مدخلية في صنع الطواغيت و
الجبابرة و الماكرين، و نفس العقلية التي تصنع الجبابرة و الطواغيت هي بنفسها
ستصنع آخرين في مستقبل الزمن وما ذاك إلا لأنا نعيش جهلا و نعيش في واقع بواطننا
مستبدين فالأب مستبد والأم مستبدة ولو خرجا من البيت لكان الولد الأكبر مستبدا
فكيف نريد بعد ذلك كله أن نسقط طاغوتا ليأتى رجل العدل، نحن لا نعرف من هم رسام
العدل بل ننظر إلى من صوتهم يعلوا على كل رجل حق وصدق فنراه بجهلنا عادلا و ذلك
لأن أولئك الذين صوتهم يعلوا هم من بأيديهم المال والرجال والإعلام فنصنع منهم
أصناما ثم نثور عليهم ولو بعد حين متهمين إياهم بكل جريمة لنصنع طاغوتا جديدا بعد
ذلك وهكذا, هذه أردناها مقدمة للدخول في البحث وإن شاء الله سنتم الحديث فيها في
المحاضرة القادمة والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق