الإمام المهدي عج 5
لو طلب الناس العدل واقعا لتحقق الظهور للإمام المهدي
(عج)
ونحن أيها الإخوة والأخوات نسير مدققين
ومتأملين في أمر تقدم وهو ماهي الدواعي لمسألة فكرة المنقذ او المهدي المنتظر أو
المخلص البشري على اختلاف التعابيروالأديان والحضارات هذه الفكرة و قد قلنا أن هذه
فكرة ليست فكرة يحددها مذهب أو دين كما وأنها ليست فكرة يحددها زمان أو مكان بل هي
مما أجمعت عليها البشرية فكانت مقسماً مشتركا عاما بعد هذا الأمر نقول وليس من
الغريب أن يكون العدل وجهاً مشتركا مطلوبا للبشرية كافة وكيف لا يكون ذلك وقد قامت
السماوات والأرضين بالعدل تكويناً وهذا ما لا يمكن أن ينكره عاقل حيث أنه لو اختل
النظم في أي مجرة أو اختل النظم في أي كوكب لوجدنا عدم الإستقامة فالعالم ككل قائم
على العدل هذا من حيث التكوين ومن تأمل يجد أيضا أن العدل هو بغية الإنسانية و ليس
هناك من إنسان يخير بين العيش في مجتمع عادل أو ظالم وهو يختار الظلم على العدل
فالعدل فطرة وعقلا هو مبتغى الإنسانية ومما لا شك فيه أن العدل هو الذي دعت إليه
جميع الأديان السماوية واعتبرت بالعدل يتمكن الإنسان أن يعيش كرامة وسعادة في
الدنيا والآخرة، هذه أمور لا يمكن أن يتردد فيها أي إنسان والبشر على طول التأريخ
وإن عاش ظلما واضطهادا وعاش اختلافا في الآراء والرؤى لكنه يعلم أن بواقع العدل هو
السلام ويعلم أن بواقع العدل يتجاوز الإنسان العدل إلى مرتبة الإحسان ومنه إلى
المحبة لكن في مجتمع ظالم يعيش بعضه العدوان على الآخرين لا يمكن أن تعيش فيما
بينه المحبة والإحسان فبالعدل يصل كل ذي حق إلى حقه وتقام معالم العلم كذلك بالعدل
فتفسر الآيات تفسيرا سليما وبالعدل تفسر الروايات تفسيرا سليما وفي مجتمع عادل لم
يكن الظلم قائما فيه ولا المكر ولا النفاق تشاهد معالم الآيات شهودا سليماً، ولا
يمكن أن يقول في هذا المجتمع بأنه قال رسول الله من لم يعرف امام زمانه مات ميتة
جاهلية أنه أراد بذلك الحكام الظالمين فنقول جاءت الأنبياء جميعا بالقمم والقيم
النبيلة التي تخرج البشرية من الظلمات إلى النور وما وجدنا على واقع الأرض ما يكون
مخرجا لها من ذلك لأنها فسرت تلك الآيات النيرة تحت منابر وعاظ السلاطين فانحرفت
كل الحقائق فتطلع الإنسانية إلى العدل الذي قلنا هو فطرة وعقل ودين وهو عظم بكل
المقاييس فتطلع الإنسانية إلى العدل هو حق في مقابل باطل، تطلع الإنسانية للخير
بأزاء الشر والنور بأزاء الظلمات، والمعروف في مقابل المنكر وهناك تحت راية عدل
يتجلى المراد من المعروف وتظهر حقائق الفحشاء والمنكر و لا تختلط على أحد بالعدل حقائق
الصدق قولا و عملا بالكذب و النفاق حيث أنه ربما يصعد إنسان ساعة المنبر يتكلم
الصدق ويفسر الآيات وإذ به هو من مظاهر المكرة والشياطين يتعدى على كل القيم ولا
يردعه أحد من مثل هذا النفاق لأنه يعيش في مجتمع متماثل معه إما جهلا أو لأن كل واحد
من ذلك المجتمع يغمض الطرف عن الآخر لوجهة مشتركة فيما بينهم.
وبالعدل تقام كل الحقائق وبواقع العدل تكون
الديمقراطية ديمقراطية وتكون الحرية حرية وبغير العدل يتلاعب المتلاعبون فيجعلون
شرائع السماء جسراً للوصول إلى غاياتهم
ويجعلون اجمل كلمة كالحرية والمحبة وسيلة لمبتغاهم للوصول إلى الظلم فكم من كلمة
حق اريد بها باطل.
فالعدل الحقيقي لا المدعى هو حلم الإنسانية
الذي ينبع من واقع وجدان البشر تطلبه البشرية كافة على اختلاف مسالكها فكلهم من
واقع وجدانهم وباطنهم كفطرة انسانية يريدون عدلا لكن لا العدل المدعى بل العدل الذي
تحمله روح الإنسانية وقيم البشرية وهذا هو ما دفع البشرية إلى التطلع إلى تحقيق
هذه الآمال ومن المعلوم لمن تأمل أن مثل هذا العدل لا يحققه سياسي لا يفكر الا
بزعامة ورئاسة ولا تحققه حقائق الصمت عن كل باطل وظلم وإن تلبست بلباس دين وهلم
جرا, هذا العدل الحقيقي ليس حلم آمال وخيال بل هوسعي وبذل جهد علما وعملا للوصول
إليه وعليه نقول إن فكرة المنقذ أو المهدي قد تبحث من نواحٍ شتى، فنحن في مطلع أمر
نريد أن نتوجه إليه والآن جئنا لنتكلم بفكرة إنسانية وماهي البواعث للقول بها.
ومن بعد ما عرفنا اننا نريد أن نتكلم عن حلم
الإنسانية على اختلافها نريد الآن أن نقول أيضا إن هذا البحث قد يبحث عنه بحثا
عقائديا أي أنه ما المراد منه؟ وهل هناك شريعة او قانون يدعوا إلى ذلك وماهي مستندات
هذه الأمور وقد نبحث عنه وراء ذلك بحثا عقائديا بمعنى ماهي الآليات لتحقيق هذا
العدل حيث أن كل أمر من أجل تحقيقه يحتاج إلى وسائل حتى لا يكون حلما وشعرا، نحن
نعلم أن الأنبياء جاءت طرا داعية إلى العدل وأن وراء الأنبياء جاء الوجدان البشري
برجال كسقراط وأفلاطون والكثير من الآخرين حيث أن هناك قوافل من البشر فيها الكثير
من الصالحين، هؤلاء جميعا سعوا سعيهم بكل صدق لكن ما تحقق مبتغاهم وعندها فقد يقول
القائل إن كان العدل بقيمه ما تحقق على أيدي أولي العزم من الرسل وما تحقق على
أيدي المفكرين الصالحين فكيف نأمل تحقيقه ولو فرضاً يوماً من الأيام تحقيقه فهل
يأتي أعظم من اولي العزم من الرسل ليحقق ذلك العدل؟ نقول أن لكل شيء وسيلة وآليه
لتحقيقه فالعدل يحتاج إلى حضارة تتحمله ويحتاج إلى معارف ويحتاج إلى نفوس طالبة
للعدل، ولوجلست عمراً طويلا باكياً متضرعا قارئا للقرآن ولكل دعاء ليلا ونهار اريد
من ربي أن يحقق عدلا فلا يمكن أن يحققه لكاذب لم يحقق العدل اولا و قبل كل شيء في
نفسه وكيف يتحقق العدل لمن دعى ربه تحقيقه وهو لا يعيش عدلا مع الآخرين ولم يسع
ليخرج من جهلة بالعلم لمعرفة العدل كما و أنه من مواطن العلم أن يحمل الشخص راية الحق في مقابل الباطل سالكا
مسالك العدل حتى يكون أهلا لذلك العدل المبتغى و صادقا مع نفسه و ربه وأن أكون
مزكيا لنفسه طاهرا في باطنه و إلا فكيف يمكن بدعاء كاذب ولو بكى و لم يكن كاذبا
ببكائه لكنه كان في واقعه كاذبا و إن لم يكذب قولا لأنه يريد أمرا وهو يعيش الظلم
لنفسه و عدم زكاة النفس و عدم تحليها بالعلم فمثل هذا كيف يمكن ان يكون من مطلبق و
من آليات تحقيق العدل حتى نكون واقعيين ولا نتصور أن بقراءة دعاء ندبة وقراءة قرآن
نحن صرنا من واقع من يريد عدلاً، العدل ليس قولا ولا حلما ولا أمنية، بل هو واقع
كون.
الله هو رب الكون ولا نتردد في مشيئة إلهية
تريد عدلا لأنها تريد سعادة للبشرية ولا نتردد في صدق الأنبياء و أنهم كانوا باذلين
جهدلا لتحقيق هذا العدل كما و أنا لا نتردد أيضا في أناس مروا في التاريخ كانوا
صادقين لكن ليس هذا هو الشرط الوحيد لتحقيق هذا العدل، هناك علل وأسباب، نشير الى
بعضها فنقول ما لم ينبع طلب واقع العدل من واقع الإنسانية لا بألفاظ يكذبها الواقع
الخارجي لا يمكن ان نأمل عدلا، فإن استعدت النفوس إلى العلم ويأست من الدعاة
الماكرين و إن تلبسوا بلباس الدين لا يمكن تأمل عدلا إلهيا و لا بشريا فكيف يمكن
أن تأمل أمة عدلا وهي تسمي الفراعنة بأمراء المسلمين وتسمي الدجالين بعلماء دين
فهناك شرائط وحقائق ومن جملتها يأس البشرية من كل داعية دعت الى العدل وهي ما كانت
ساعية إلا لمبتغاها وهو الوصول الى غاياتها الدنيوية وستنكشف الوجوه إن كان الظهور
قريبا عن الجميع عن رجال دين ورجال سياسة أو رجال علم باخلاف طبقاتها ستنكشف
الوجوه و سيعرف الناس أنه هؤلاء ما كانوا صادقين وسينكشف للناس وجوه الماكرين و
عندها سيلتجيء الناس إلى ربهم وإذا حصلت الدعوة بصدق من واقع الضمير الإنساني
سيكون الظهور غدا بإذن الله تعالى.
حيث أن ما نعتقده أن عدل الله ليس صلاة تقام
في الليالي فدين الله دين الحياة البشري و الأديان جاءت لتكون واقع حياة للبشرية
وهذه البواعث النفسية البشرية لا تريد عدلا لزيد أو عمرو بل تريد عدلا للإنسانية
جمعاء وعليه نقول هذا الواقع وهو العدل سواء نظرنا إليه نظرة رسالات سماوية أو
نظرة وجدان وفطرة لا تحدده طقوس دينية وبالأخص إذا فسرت بتحجر وتزمت فلا تكون
ديناً ولا تحدده بعض الأعمال العبادية لأن العبادة جزء من واقع شرع الله، نحن
عممنا العبادة فجعلناها شرع الله مطلقا وغفلنا عن واقع شرع الله الذي هو شرع
الحياة، كما وأن هذا الحلم أي حلم العدل الذي هو واقع المحبة والسلام ما جاء نبي
إلا وكان داعية إلى المحبة والسلام وإذ بنا نجد أن المسلمين واليهود والنصارى
يعيشون الأحقاد ونحن قد نسلب الناس حتى حياتهم بعصى التكفير او نسلبهم حرية الحياة
تحت عنوان أنه يجب على البشرية أن تدخل في الإسلام وما كنا لنرتكب ذلك لولا مثل
هذا الضيق في الرؤى التي ألبسناها لباس دين في حين أنا لو ذهبنا الى قصور الطواغيت
و الفراعنة لوجدناهم و إن سلبوا الناس حريتهم و نهبوا أموالهم لكنهم ما كانوا
قادرين ان يسلبوا الناس عقولهم و نحن مع كل الأسف تحت عباءة الدين قد نسلب الناس
عقلا و علما ثم نتجاوز في خطانا لنسلبهم حتى حق الحياة و ذلك لان الطواغيت لم
يسلبوا حق الحياة من احد إلا أن ينازعهم في سلطان لكن التحجر الديني والتكفير
يتجاوز حتى الفراعنة عدواناً مفسرا للآيات والروايات بتبع الهوى فهي عقلية لم تسلب
الناس اموالهم ولا أعراضها فقط بل تقسم الناس في الأسواق أرقاء عبيد أزلاء لا قيمة
لهم و تسلب الناس أموالها تحت عنوان أن البشر لا يملكون مالا ما لم يدخلوا في
الدين الذي نعتقد به كل ذلك تحت لواء و عنوان الجهاد في حين أن مثل هذا العدوان
يتبرأ منه حتى الفراعنة و الطواغيت فكيف يكون ما يتبرأ منه أمثال هؤلاء دينا لنبي
الرحمة محمد (ص) او لأي نبي آخر من الأنبياء الكرام فهؤلاء العظماء نبل وعظم ودموع تقطر على اليتامى والفقراء والأرامل,
هؤلاء واقع المحبة عدلا و إحسانا ولذا وصف الرسول بأنه الحبيب لكن نحن بعد كل ذلك
و بعد ما ورد في القرآن من أنه لا إكراه في الدين فسرنا القرآن بتبع الهوى ومائة
آية وآية أخرى تدل على عدم العدوان والأكراه في الدين فسرنا كل ذلك بتبع جهلنا و
تحجرنا تفسيرا سلب الناس حتى أرواحهم و رحنا لنركض وراء أناس يبعثون بأولاد الناس
الى محارق الموت و هم و أولادهم يعيشون النعيم و الترف على حساب الدين فالعدل
الإلهي لا يفسره تحجر ولا عقل حاقد ولا جهل الجاهلين فذلك هو العدل الذي كان مبتغى
الإنسانية الذي بعث الله به أنبياءه رحمة للعالمين لكن الطامة الكبرى حينما يصبح
الجهل المركب دينا والحقد مفسرا لرسالات السماء التي هي الرحمة والسلام الذي جاء
به موسى وعيسى ونوح ومحمد عليهم السلام وكل تقي أن يصل أمرها إلى مرحلة تسلب الناس
حتى حق الحياة لشريعة كانت رحمة للعالمين.
النقطة الثانية التي وجدت من اللازم أن نقف
عندها بتامل وإمعان قبل الدخول في تفاصيلها هي أنه قد يقول قائل إذا كانت فكرة
المهدي كما تقولون هي فكرة إنسانية لم يقيدها الزمان والمكان إذن هي فطرة بشرية و
من هذه القيم العدل في مقابل الظلم فإن ادعيتم وقلتم أنها فكرة إنسانية ضربت
بأركانها في أعماق التأريخ لأنها فطرة فكيف يدعي الواحد منكم أنها فكرة إنسانية
ولم نجدها يوما من الايات متحققة على وجه الأرض
فلماذا هذا المبتغى الإنساني الذي تدعونه لم يتحقق، فهي إذن مغالطات و إلا فلو
كانت نابعة من الوجدان البشري لوجب أن نراها متجسدة على وجه الأرض ولو يوما من
الأيام فقد أردت هذه كمقدمة و سنقول إن الكثير مما هي من مسلمات فطرة بشرية كالصدق
الذي يعترف به كل الناس وهو مبتغى لكل شخص فإنه على الرغم من كل ذلك لم يكن يعيش
البشر صدقا في واقعه الخارجي و كذلك العلم الذي هو مبتغى لكل الناس لم نجد الناس
يعيشون المعارف فعدم الصدق واقعا وعدم العلم لا يكون دليلا على ان الصدق و العلم
ليسا من واقع ما تطلبه النفوس لكن الحجب و الشهوات و الرغبات قد تمنع من تحقيق
كثير مما هو من مسلمات الفطرة البشرية اعتبارا و مرادا وكذلك هو العدل الذي نحن
بصدد التكلم عنه وقد قلنا أنه هو مبتغى الإنسانية مطلقا قد منعت منه منوانع عدة
منها عدم الصدق في السعي لتحقيقه لجهل او لكون الشخص لم يعش واقع العدل في نفسه
وسنوضح ذلك اكثر انشاء الله تعالى في محاضرات أخرى والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق