الإمام المهدي عج 4
ونحن أيها الإخوة والأخوات نعيش فكرة عالمية
ألا وهي فكرة المنقذ او المهدي المنتظر وقد قلنا إن من جملة ما يمكن أن يكون من
بواعث ودواعي هذه الفكرة العالمية هو العقل حيث أن العقل هو وجه مشترك أو هو من
المقاسم المشتركة التي يمكن أن تكون السبب لحصول فكرة إنسانية عامة عالمية ونحن
نعلم أن كل فكرة ضربت أصولها في أعماق التأريخ وراحت لكي لا يحددها الزمان والمكان
ولا المذاهب والمسالك ولا الأديان لابد وأن ترجع إلى أصول إنسانية عامة وأي أصل
إنساني أعم من تطلع الإنسانية إلى العدل ولا يمكن بقولة من زيد أو عمرو أن ننسف
هذا الواقع الذي عاشت البشرية بواقع عقلها تتطلع إليه في كل أدوار تاريخها فلا
يمكن أن يقبل عاقل لنفسه أن امة من الأمم عاشت غير متطلعة للعدل.
و اما الإختلاف في المراد من العدل بأي رؤى
فإن هذا يرجع إلى تشخيص المصاديق والكلام إنما هو في كون العقل البشري راح ليتطلع
إلى عدل يخرج به من ظلم أم لا؟ نقول إن من جملة التطلع إليه هو العقل البشري الذي
راح ليتطلع بأنه كيف يمكن أن يحققه وعلى يد؟ من لأن العدل هو مبتغى الإنسانية على
اختلاف طبقاتها ورؤاها دينية وغير ذلك ولا يمكن أيضا لعاقل أن يقول ان الظلم والجهل
هو المبتغى، نعم الإنسان بشهواته ورغباته وطغيانه قد يكون ساعيا نحو الجهل والظلم
لكن هذه دواع خارجية لها خصوصياتها ولا يمكن أن تكون جهة مشتركة بشرية.
فالأهواء والرغبات الشخصية كانت ولا تزال هي
المانع من تحقق هذا الحلم الإنساني المشترك ألا وهو العدل ولذا ما قامت راية للعدل
إلا واستأثر أناس على غيرهم بعد الإنتصار وقد وجدنا ذلك فيما عشناه من الحياة
متجسدا في الخارج حينما انتصرت الكثير من الثورات و راح البعض مستغلين جهود
الآخرين للوصول الى كراسي الإستبداد ومن تتبع التاريخ سيجد ذلك جليا أن الكثير من
الدعاة إلى العدل حتى و لو كانوا من الفقراء والمضطهدين سيجدهم كما وجدناهم نحن
بعد أن كانوا مضطهدين و كانوا دعاة بكل واقعهم إلى تحقيق العدل ومن وجدناهم كانوا
صرخة ضد الظلم والعدوان كيف أصبحوا طواغيت من بعد ما تسلطوا، كل مثل هذا الإستغلال
لحياة الشعوب المتمنية حياة العدل لا يخرجه عن كونه متبتغا عاما للبشرية بل انما
يكون طغيانا على الفطرة الإنسانية.
أجل وجدنا بعض الفقراء والمضطهدين حينما
مكنتهم الدنيا بدؤوا بنحر رقاب أصحابهم على الرغم من أنهم بالأمس كانوا سلاك طريق
واحد برؤى إنسانية أو حزبية أو دينية ولعلهم في عقود طويلة من الزمن كانوا على
مسيرة و طريق واحد يتألم بعضهم لمأساة بعض وإذ بهؤلاء الناس أصحب الواحد منهم بعد
التمكن احد الجبابرة و الطواغيت ناسيا كل القيم حتى قيم الصداقة والمواثيق والعهود,
هكذا هو الإنسان مع كل الأسف إن تمكن يستأثر وينسى كل الأمور بلا استثناء ولو
نازعه ابنه أو أباه لقتله وجاء بألف مبرر لتصحيح جريمته مخالفا كل القيم لكن مع كل
ذلك لا نرفع يدا عن مقال وهو على أن من جملة بواعث القول ومناشئ الإعتقاد بوجود
منقذ بشري هو العقل حيث أنه لا يتردد على أن السعادة في العدل وأنه لا سعادة بدون
عدل قائم على العلم وموازين الحق ليصل كل إنسان إلى حقه.
ومن جملة البواعث الداعية لفكرة المنقذ او
المهدي المنتظر (عج) هي الأديان السماوية التي بشرت بذلك جميعا فمن تأمل في أي دين
من الأديان سواء كانت اليهودية أو النصرانية أو الإسلام سيجد أن الجميع قد اتفقت
كلمتهم على أنه لابد من عدل وحركة نحو الاعتدال لتخرج البشرية من ذلها وأنها جميعا
قد بشرت بإنسان سيجعله الله متمكنا لإقامة هذا العدل لكن لعل قائلا يقول إذا كان
أمر المنقذ يرجع إلى الرؤى الدينية فكأن المسألة ليست عالمية كما تدعون وأنتم قلتم
إنها فكرة إنسانية لا تحددها المذاهب والأديان والآن تقولون هي ترجع إلى الأديان!
فإنا حينما نقول إن من جملة البواعث للإعتقاد
بالمنقذ هي الأديان فإن هذا ليس دليلا على إختصاص الفكرة بالأديان وأنه ليس هناك
من باعث آخر لأننا قلنا أن اللطف أيضا من جملة البواعث للقول بالمنقذ ولا مانع لأن
تكون بواعث كثيرة تدعو للإعتقاد بأمر فإذن القول أن من جملة البواعث هي الأديان لا
يكون دليلا أن الباعث هي الأديان فقط.
لكن وراء هذه المقالة نقول ايضا إن الدين لمن
تأمله وجده الفطرة الإنسانية بتمام قيمها وكيف تحقق قيم الإنسانية بدون أن يكون
العدل هو معلمها الواضح فإذن من ابرز قيم الأديان إن كانت دين حق غير محرفة هو
العدل حتى قال تعالى (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا
معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) أجل كل ذلك لتحقيق العدل ليقوم فإذن الأديان هي القيم الإنسانية ولا تكون
الأديان حقا ما لم تقم على أسس العدل وقد اعتبر لهذا الواقع أهل البيت عليهم
السلام العدل من أصول العقائد و إن ذهبت المذاهب السنية لتجعل العدل من الفروع وما
التزمت به على صعيد الخارج حتى على هذا القدر من القول لأن من يسلم بأن أمير المؤمنين
لا يجب أن يكون عالما ولا عادلا بل يجوز أن يكون جائرا و جاهلا و يسلب أموال الناس
ويضرب ظهورها فلا يبقى لعنوان العدل دينا وعلى صعيد إنساني على مذهب أهل السنة و
الجماعة اي معنا من المعاني في حين أن أهل البيت عليهم السلام قد اعتبروا العدل من
اصول المعتقد لأهميته لأن به الإستقامة فإذا استقام العدل علما كان بيان حق في
مقابل باطل وإذا استقام عملا كان تساويا واخاءا كان إحسانا وعيش كرامة تعيشه
البشرية وقد بدأ الله تعالى الإنسانية بأول إنسان كامل ألا وهو آدم ع ولا شك أن من
اصول دعوة الأنبياء بدأ بآدم ع هي الدعوة إلى العدل فإذن حتى ولو قلنا بأن العدل
والتطلع إلى المنقذ هي فكرة دينية فالدين هو الفطرة والدين ما بدأ به الله تعالى
الإنسانية لأنه بدأ الأرض بني فلو كانت فكرة المنقذ ضاربة أصولها في اعماق التاريخ
ولو للمعتقد الديني فلا يكون قولا مستغربا حيث أنه لا يكون النبي نبيا ما لم يدعو
إلى العدل علما وعملا.
فبعد كون الدين هو الفطرة والفطرة ميزان عدل
وبعد كون الوجود البشري لا كما يظن البعض أن الدين صلاة و شأنا عباديا بل هو واقع
الحياة و إذا كان كذلك فلا يكون الأمر بالمعروف صلاة فقط و النهي عن المنكر نهي عن
الخمر لكن راح البعض ليجزء شرع الله مخرجا إياه عن كونه شرع الحياة و قد نسي قيم
المعتقد التي هي الأساس قبل الفعل فجعل الدين هيكلا او جسما لا روح فيه لأنه لا
يلبي حاجيات البشر التي أرادها الله تعالى على صعيد العلم و العمل فمثل هذا الدين لا يكون مقسما للبشرية الدين
الذي لم تحمل فيه راية الحق ضد الباطل مطلقا ولا راية العدل ضد الظلم جهارى لا
يكون دينيا انسانياو إن عدل الله لا يقام إلا بمنقذ بعيد عن الرغبات والشهوات
ومزالق القوميات وجهل الحضارات فإذن لا مانع من أن نقول إن من جملة البواعث لفكرة
المهدي هي الأديان لكن لا تلك الأديان المبعضة والمجزءة وعلى هذا أيضا لا مانع من
أن تكون هذه الفكرة والنظرية إنسانية عامة لأن بدء الإنسانية قد كان بنبي والأنبياء
ثورة ضد الظلم و الجور لتحقيق العدالة و الحياة الكريمة و الفرار من كل جهل و
عدوان و طغيان.
ومن جملة البواعث لفكرة المهدي أو المنقذ البشري
هي وجود روايات لا نتردد فيها قد سمت أمة محمد (ص) بالأمة المرحومة و نحن تقدم أن
تكلمنا عن اللطف الإلهي لكن مما هو دخيل في واقع هذا اللطف ومما هو من مزيد لطف في
أمة محمد هو أن هذه الأمة قد بشرها الله تعالى لمزيد فضل وكرامة لها لو استقامت
على الطريق لكانت في معرض هذا اللطف الإلهي لكن يجب أن تكون صادقة في إرادة العدل
فالله تعالى بما هي رؤى لمذهب أهل البيت (ع) هكذا يبين لنا على أن الإنسانية لو
استقامت اليوم لكان الظهور لذلك المنقذ و لما تأخر لطف الله وعدله لكنها تجلس ليالها
وأياماها داعية ربها وهو تعالى يعرفها أنها كاذبة في ما تدعيه من واقع طلب لتحقيق
عدل إلهي وكيف تكون صادقة في دعاء ندبتها وفي مساجدها وحسينياتها وهي لم يتحقق
فيها 313 حملة هذه الراية لتحقيق عدل الله تعالى ولم يتحقق فيها 10000 جاهزين لهذه
الدعوة كجند في ركابها بكل صدق معرفة و استقامة على الطريق، فبعد الرسول (ص) أراد تعالى
من هذه الامة الإسلامية أن تطلب تحقيق عدل الله تعالى بواسطة اللإمام علي (ع) ثم
أمهلها إلى نقيبا بعد نقيب فوجدها كاذبة
في دعواها على اختلاف مذاهبا حتى حدثت الغيبة الصغرى بواسطة آخر نقيب وهو الإمام
المهدي محمد بن الإمام الحسن العسكري عليهما السلام ثم كانت مرتبة أخرى من الإمهال
ثم بدأت الغيبة الكبرى لأنها آخر مهلة لرجوع أمة طالبة عدل الله لا بألفاظ ولا
بأقوال وكيف يطلب الشيعي العدل بجهله وتشتته وباختلافه وعدم صدقه في عدل يحققه
أولا في نفسه خروجا من الجهل الى العلم و إستقامة على الطريق، فلو جئنا إلى فكرة
المنقذ البشري لوجدناها تتميما للطف الله تعالى و لذلك سماها تعالى بالأمة
المرحومة أي ان الرحمة تامة في حقها لو طلبت عدل الله تعالى حقا لا بألفاظ لا
يصدقها واقع الأمر خارجا لكنها أبت إلا أن تكون تابعة للجهال وللحكام او مريدة عدل
الله تعالى بواقع بُعد الخيال و الأماني لا بواقع العدل من أعماق الضمير.
ولو لم نقيد الموضوع بالشيعة نقول قد اتفقت
الأمة الإسلامية الا ما ندر منها حيث راح بدوافع الطائفية لينكر فكرة المهدي فمع
غض الطرف عن مثل هؤلاء الذين شذوا عن طريق المسلمين سنة و شيعة نقول إن الرسول (ص)
باتفاق المسلمين قد بشر بمجيئ مهدي من آل محمد وصفه بأوصافه حتى قال بعض علماء
أبناء العامة و الجماعة على أن منكر المهدي منكر لضرورة وأنه أي المهدي يملأ الأرض
قسطا وعدلا من بعد ما ملئت ظلما وجورا وحاشا الله تعالى أن يؤخر رحمته ولطفه عن
البشرية إن وجدها حقا تريد هذا العدل ولو فرضنا المنقذ والمهدي غير موجود كما تقول
أبناء العامة فالروايات المبشرة تشير إلى أن الأمة لو أصبحت بواقعها تريد عدلاً
لقلنا إن الله تعالى يحققه أيضا لها وإن اختلفنا مع القوم كما هو مسلك أهل البيت
عليهم السلام من أن المنقذ البشري هو موجود و بمجرد ان تكون الصحوة صحوة صدق لكان الظهور في نفس اليوم و نقول أيضا إن رحمة
الله أوسع من رؤانا فلو كانت الأمة صادقة لوجدت ذلك المنقذ قد حققه الله لها في
ذلك الوقت الذي يجدها طالبة لعدله تعالى, فالمانع من عدم تحقيق عدل الله هو من قبل
المسلمين ولا نخصص مذهبا دون مذهب واكبر دليل على عدم صدق إرادة حقيقة للعدل
الإلهي هو حينما اختبر تعالى البشرية حينما جاءت طالبة من رجل العدل و أعني به
عليا عليه السلام ثلاثة أيام بعد مقتل
عثمان ثم كانوا غير صادقين حيث قامت عليه فرق الناكثين و القاسطين و المارقين بتبع
أهواهم طلبا للدنيا.
ومن جملة البواعث أيضا وقد أشرنا إليه في
المقدمة حينما قلنا أن من المستحيل عقلا وحكمة لأنه مرتبط باقامة الحجة على البشر
من قبل الله تعالى حيث أن الله لا يدع شرع السلام قبل أن يطوي سجل الأرض إلا أن
يجعله منتشرا على كافة أرجاء المعمورة ليخرج الدين من الفرضية الى واقع التطبيق
حتى لا يقول قائل يا إلهي و سيدي ومولاي
يوم الحساب ما كان هناك من محل لتحقيق العدل و نحن قد سمعنا بمعجزات وكرامات
قبلناها يا إلهي لأنها من صادقين و لكن ما وجدنا الكثير مما جاء على لسان الشرايع
مطبقا على وجه الأرض وعدم تطبيقه يا إلهي على الرغم من صدق الأنبياء الكرام كاد ان
يكون شبه دليل على عدم إمكانية تطبيق ذلك العدل المثالي على وجه الأرض وعليه فلا
بد أن يخرج الله تعالى في آخر الزمان لتكون له الحجة البالغة على البشرية رسالات
السماء من الفرضية علما وعملا إلى واقع وعيان حتى يصبح الدين واقعا خارجيا يحتج به
على الناس يوم القيامة مثبتا على ان ما جائت به الرسل الكرام ما كان إلا واقع علم و
فطرة بشرية لكن الناس للأهواء و الرغبات أبت إلا ان تعيش جورا و ظلما و عدوانا
يأكل القوي منهم الضعيف و يستسلم الضعيف لهذا العدوان لجهل و ضعف نفس و تخلص من
المسؤولية و بالجملة ليس السبب الرئيس فقط و فقط لعدم تحقيق عدل الله على طول
التأريخ هو جور الحكام و تلاعب وعاظ السلاطين بل هناك اسباب عدة منها الجهل ومنها
عدم بيان الحق من قبل الكثير من العلماء ومنها استسلام الأمم لظلم الظالمين ومنها
أن الكثير من المستضعفين على طول التأريخ هم من الأدوات لتحقيق مآرب الطغاة و
المجرمين و لست هاهنا بصدد حصر دواعي سلطة الظالمين و الحمدلله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق