الإمام المهدي عج 3
قال الله عزوجل : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ
وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُشْرِكُونَ). فنحن أيها الإخوة والأخوات بصدد التأمل في العلل والمناشئ التي دعت
البشرية للإعتقاد بالمنقذ أو المهدي المنتظر, هذه الدواعي وهذه البواعث التي دعت
إلى هذه الفكرة قلنا نريد أن نتأمل فيها هل أن جذورها فقط تعود إلى آية ورواية
ومنهج دين ومسلك إسلامي أو شيعي أو هي على صعيد رسالات السماء طراً إسلاما و
يهودية ونصرانية.
من تتبع يجد أن ذلك لا يرتبط بدين الإسلام
فراحت النصرانية واليهودية لتبشر بمنقذ وهكذا راحت الإنسانية لتعلق جميع آمالها
على يوم تخرج البشرية من ظلماتها إلى حياة الكرامة والعدل لكن يوجد هناك من الشذاذ
من الذين ينكرون البديهيات ولا يمكن أن يجعل أي عاقل شذاذا لضرب قاعدة أو مقسم
مشترك بشري فالله تعالى وهو الصادق الذي لا يتردد مؤمن في صدق ما ورد في كتابه
المجيد الذي يقول هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، هل أرسل رسوله بالهدى ودين
الحق ليكون في مكة والمدينة أو يكون مقاما على صعيد أمة إسلامية فقط أو أنه أراد
دينا يكون منتشرا قائما علما وعملا على صعيد الإنسانية؟ كل متأمل يجد أن الله وعد
أن هذا الدين الذي هو دين الخاتمية لا يمكن أن تطوى الأرض إلا ان يكون ظاهرا على
كل الأديان وعلى كل الأرض يعني ليظهر هذا الدين على كل الأديان ليكون هو دين
الإسلام الذي بدأه بآدم(ع) وختمه بمحمد (ص) فهذا وعد الله الذي لا يمكن أن ينكره
منكر أما قول القائل جهلا أن الدين جاء وتحقق في عهد رسول الله فهو يغالط نفسه و
إن قال أنه تحقق على عهد الرسول (ص) نقول حتى لو كان متحققا فهو على صعيد أمة
معينة وثانيا كيف يجوز لعاقل أن يدعي تحقيق دين على يد من كان يحققه اجتهادا
وباختلاف الرؤى فهذه هي الأمة إن جئناها على صعيد الصحابة لوجدنا الدين مختلف فيه
قد رآه علي عليه السلام بشكل ورآه بقية الصحابة كل بمنظاره وهاهي الأمة ليومنا هذا
منقسمة على نفسها فهما و تطبيقا للرسالة،فلم يتحقق من شرع الله ما يمكن ان يقال
فيه انه عين القطع و اليقين بل هي اجتهادات و آراء و من وراء أحكام ظاهرية و
روايات معتبرة اعتبارا لا من باب الجزم و اليقين بصحة سندها.
ونحن أيها الإخوة والأخوات بصدد التأمل في
العلل والمناشئ التي دعت البشرية للإعتقاد بالمنقذ حيث يكون برؤى رسالات السماء
ذلك المنقذ لسان صدق لظهور الدين كله دين محمد (ص) و هو ذلك الدين الذي قد اختلفت
الناس فيه من بعده حيث انشعبوا الى ثلاث وسبعين فرقة فاختلفوا فيه رواية وتفسيرا
وعدلا، فلابد وأن يحقق ذلك الدين بوعد من الله تعالى تحقيقا علميا لا يحجبه جهل
ولا ظلم ظالم ولا عدوان طاغية ولا تحريف ماكر ولا دجال وقد قلنا إن من جذور ودواعي
هذه الفكرة وهي فكرة المنقذ أو المهدي هو التأمل في لطف الله تعالى وقد تكلمنا عن
اللطف الواسع بحال العباد وعلى الإنسان ان يتأمل في المراد من اللطف حتى لا يمر
عليه مرور الكرام وحاشا الله ان يجعل لإنسان على وجه الأرض الحجة البالغة والله قد
أتم لطفه بأنبياءه وأوصياء الرسل والعقل وبكل جوانب اللطف كرما وجودا و جعل وراء
ذلك وهو تطبيق العدالة في الخارج مسؤولية على عواتق البشر الذين راحوا ليقبلوا حتى
شربة الخمور أئمة للمسلمين أجل هكذا هي الغواية.
وقد قلنا أيضا إن من دواعي هذه الفكرة أن
الله سبحانه وتعالى لا يمكن بل من المستحيل أن يطوي سجل الأرض بدون ان يظهر بجميع
أسماءه وصفاته ومن أعظم أسماءه وصفاته العدل فلا يمكن أن يترك الله تعالى الدنيا
منتهية بدون أن يظهر بواقع عدله لا على أيدي المكرة الذين تلبسوا بلباس دين إسلامي
أو يهودي أو نصراني فالدجال دجال و لو كبّر عمامة وأطال لحية والمظاهر لا تبدل
حقائق الأمور فعدل الله واقع كرامة وعلم يخرج من الجهل، كرامة إنسانية بها يعيش
البشر الرحمة والإخاء والمساواة، و الإدعاء للحق لا يبدل واقعاً فهو عدل الله لا
عدل الماكرين.
وقد وجدنا ان هذه المعارف سواء على صعيد العدل
أو اللطف الإلهي وجدناها بعظيم قممهما حينما تكون بمنظار الجاهلين تكون خرافة ولذا
راح الكثير من أبناء العامة ليقول أنها فرية من الشيعة ونسي أنها كلمة قالها قاطبة
المسلمين وقالها اليهودي والنصراني هكذا يكون العمى حينما تاتي النزاعات الطائفية
لتسلب عقلا ولتسلب بصيرة وشهودا لروايات مسلّمة بين أبناء العامة والجماعة أنفسهم،و
المنكر مع كل ذلك لمسألة المهدي المنتظر ينسب نفسه لمذهب التسنن فإذن نحن لا نريد
أن ننزل إلى مستوى جهلة ومعاندين لم يقرأوا حتى التراث السني.
ومن جملة ما يمكن أن يكون من دواعي تحقيق هذه
الفكرة التي هي من المقاسم المشتركة البشرية هو العقل: الذي يرى أن الإنسان لو
استقام على الطريق صدقاً بعدل بقيمه الحقيقية في نفسه ثم بعد ذلك متمنياً من يعينه
على ذلك العدل حيث أنه لو جلس الإنسان ليله ونهاره وراح ليعيش لياليه دعاء وبكاء
يريد من ربه أن يحقق له عدلا وهو يعيش ظلما لنفسه، كيف يريد عدلا وكيف يريد أن
يأتي الله له بعدل وهو لا يرفع قدما نحو العلم ونحو طهر نفسه، ليخرجها من العدوان
والحسد والدناءة فهذه تمنيات الجاهلين، فالعقل يقول من أراد عدلا بدأ بنفسه ثم
أراد من ربه الإستقامة أن يرشده إلى من يعينه على تحقيق العدل حيث تقيمه عزائم
الرجال الصالحين الصادقين فهذا أيضا كان ولا يزال فكراً وعقلا لكل حكيم ولكل رجل
خير ولكل صالح وهذا العقل أي أن بالعدل تحقيق الكرامة الإنسانية وأنه لابد أن
يتحقق هذا العدل لو استقامت البشرية على الطريق لكان السبيل الذي سار عليه كل فيلسوف
وعبد صالح ونبي وإنسان قدس هي قيم الإنسانية، فإذن أمنية العقل ليست خرافة كما
يقول القائل بل هي واقع مسالك الصالحين والأنبياء وإرادات العرفاء والفلاسفة
الحقيقيين ولم يرتبط هذا المسلك بدين ولا مذهب خاص بل كان ضميرا انسانيا فكل من
عاش الكرامة الإنسانية من أجل العدل للإنسانية لا لنفسه لأجل الوصول إلى الكراسي
ولا لأجل مقام و شهرة كان طالبا للعدل حيث أن العدل المراد الذي هو قيم إنسانية هو
مجمع حقائق ومبتغى غايات دعت إليها الأنبياء كل الصالحين والعرفاء والفلاسفة وكل
إنسان سوي هو ذلك العدل الذي يراه كل إنسان لا يتحقق إلا بعزائم الرجال الصالحين
فكرة تكون بها حياة البشرية وهي فكرة العدل وعلى هذه عاشت الأنبياء والصالحون وعلى
هذا قدم رجال الإنسانية حياتهم رخيصة على مذبح العدالة الإنسانية لكي تعيش البشرية
كرامتها حيث كان هؤلاء العقلاء يعيشون حلم تحقيق العدالة والكرامة الإنسانية و يريدون
تجسيدها برجال حقيقيين للخلاص من الذل والهوان وذل العبودية لكن بواقع عدل لا بعدل
مدعاة، قد وجدنا ونجد في كل يوم الذين يدعون الإنسانية والعدالة والدفاع حتى عن
حقوق الحيوانات وجدناهم كيف عندما تسلطوا كانوا طواغيت وأسودا ضارية سواء تلبسوا لبسان
دين او لباس عدالة و ديمقراطية.
ومن أجل حلم العدالة راح سقراط الحكيم
اليوناني القديم الذي عاش اكثر من 400 سنة قبل الميلاد راح ليشرب السم مضحيا نفسه
من أجل العدالة الإنسانية و ذلك حينما حكمت عليه المحكمة بالإفساد في الأرض و
الكفر فإن وجدنا إنسانا كسقراط يقدم نفسه للإنسانية فكيف سنجد الأنبياء يقدمون كل
ما لديهم لهذه الكرامة، وعاش افلاطون حلم المدينة الفاضلة أو الجمهورية الافلاطوينة
وإن راح لينظر إليها البعض منظار الوهم و الخيال حيث تصور مدينة رجالها من
القديسيين بما هم علماء و حكام و جند لكنها في الحقيقة ليست بحلم و وهم و خيال بل
هي تلك الأحلام الإنسانية النابعة من الوجدان البشري التي جائت بها الأنبياء
وارادها الله لعز البشرية ومن اجل هذه الفكرة راح افلاطون ليفكر في المدينة
الفاضلة، فالعدل واقع أراده الله تعالى وكل عاقل وكل شريف وكل تقي لكنه قد يصبح
خيالا حينما يتصادم مع جهل الجاهلين وحجب المحجوبين وقساوة ودجل الدجالين وطغيان
الحاكمين.
ومن المعلوم أن أمرا واحدا و سببا ومعدا
واحدا لا يكون علة لسقوط أمة أو لرقيها فما كانت البشرية لتعيش هوانها ذليلة حقيرة
تضرب أعناقها بواسطة الجلادين لو لا أن ذلك الطاغوت ايد بالدجالين و الجند وكذلك
بالجبناء والشياطين المتلبسين بلباس الدين فكل هذه الأسباب و الدواعي و غيرها تصنع
طاغوتا و تدفع الى ظلم و هوان فلذا نقول حجب المحجوبين وشراهة الطواغيت المتسلطين
ومكر الكهنة المتلبسين بلباس الدين على اختلاف الأديان كلها كانت سببا لذل البشرية
وقد كان إفلاطون من فلاسفة اليونان الذين كانوا يعيشون قبل الميلاد باكثر من 400
عام وهو كان صاحب حلم المدينة الفاضلة كان تلميذا لسقراط فحزن عليه حزنا شديدا بعد
اعدامة حيث حكمت عليه المحكمة بالكفر وأنه مفسد في الأرض وانه رجل يحرف الأذهان
ويبعدها عما هي عليه من حضارة ودين وأنه قد ساق الناس إلى الكفر ومثل هذه القضايا بجميع
أبعادها افتراءا و دجلا قد وجدناها قائمة وليومنا هذا، فكم من متلاعب بمظاهر
ملائكية راح ليرتكب أبشع الجرائم باسم الحرية والديمقراطية وغيرها من الأديان، هذا
هو ديدن الطواغيت وقد روى لنا التاريخ أن افلاطون من بعد ما ارتكبت هذه الجريمة في
حق أستاذه سقراط راح ليتأثر من الحكام ويبتعد منهم و راح ليكون داعية للعدل
والسلام سائحا من بلد إلى بلد لم يتوقف في مدينة بل كان يهاجر من مكان إلى مكان
كما كانت الأنبياء تفعل ذلك ولم يقدسوا على حساب الدين بلدا ولا مكانا ولا مالا ولا
عشيرة كذلك كان افلاطون ولعل هؤلاء الفلاسفة كانوا من اتباع الأنبياء وكم دعي من قبل
السلاطين ليكون عونا لهم في تحقيق الحكم لكنهم بعد حين وجدوا انفهسم لا يتمكنون ان
يسايروا افلاطون لما كان عليه من اصرار على تحقيق العدل و لذا اكثر من دعاه من
السلاطين اودعه بعد ذلك سجنا او جعله يعيش اقامة جبرية حتى وصل به الحال أن أحد
تلامذته الذين كانوا من أسس الدعوة للعدالة فإنه لما وصل إلى الحكم دعا إفلاطون
ليكون سندا له لكن الدنيا بغرورها بدلته ليكون طاغية وجبارا كذلك وإذ بذلك التلميذ
ايضا وجعل افلاطون في السجن أو الإقامة الجبرية وسيتم الحديث إن شاء الله عن ذلك
في المحاضرة القادمة والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق