الإمام المهدي عج 2
إحتمالات في المنقذ البشري في شرح
قاعدة اللطف والشهود الإلهي
كنا أيها الإخوة والأخوات في بحثٍ هام وهو
بحث المنقذ البشري وقد قلنا إن فكرة المنقذ أو المهدي المنتظر قد ضربت جذورها في
أعماق التأريخ البشري وإن راح البعض لينكر ذلك لكن إنكارا من زيد أو عمرو بدوافع
مختلفة سواء رجعت إلى أمور طائفية أو إلى نزاعات بين القائلين بالأديان والمخالفين
للأديان لا تؤثر على واقع القضية لأنها من الامور التي لا يمكن أن تضرب واقع قضية
لها أصولها في الفكر البشري و لها واقعها على وجه الأرض وإن اختلفت الرؤى
والتفاسير وأبعاد الفهم البشري لهذه الفكرة أو لهذه القضية حيث أنا مما نجزم به
ولا نتردد أن كل قضية كانت مقسما مشتركا بين البشرية لابد وأن ترجع إلى أصول و
جذور لها مناشؤها كانت قد دفعت الى ذلك المعتقد و أما القضايا الخاصة التي لم تكن
مقسما مشتركا بشريا فقد يحددها المكان و الزمان
كبعض القضايا الخاصة الدينية او الإجتماعية لكن الأمور التي تأخذ أبعادا
على صعيد انساني من الصعب أن ننسبها إلى وهم أو خيال أو نزعة قبلية ولذا نقول هناك
من الأمور المتأصلة في أعماق الكيان البشري كمسألة الخلق الكريم حيث نجد أن أي
إنسان على وجه الأرض يرتاح إذا وصف بأنه كريم وعدل وأنه ذو خلق حسن وما كانت لتتوحد
البشرية في محاسن الأخلاق في مقابلها لولا أنها فطرة، و كذلك في الإنتماء الى
العلم حيث أنه ليس هناك من أحد يرضى لنفسه أن يوصف بالجهل أو عدم العقل، فنقول إن
هذه الفكرة وهي فكرة المنقذ والمهدي المنتظر لا يمكن أن تحجم بإطار حيث يُدّعى
أنها من نسيج خيال دفع إليه البؤس و الحرمان, فهي فكرة إنسانية وإن اختلفت الدوافع
الداعية إليها، تحت اي لواء لكنها من الواقع البشري الذي لا يمكن أن ينكره أحد،
وإن أمكن أن تكون من دواعي هذه الفكرة وهي فكرة المنقذ البؤس والإضطهاد والفقر حيث
أنا لا ننكر على أن هناك دواع مختلفة قد دعت إلى هذا الأمر منها لأن البشر يعيش
حرمانا على طول التأريخ وإن طبيعة من عاش الحرمان يتطلع ولو بروح الوهم والخيال
إلى منقذ و إلى من يهديه إلى سبيل السعادة و النجاح لكن كون هذا من جملة الدواعي
التي دعت البشرية لا يكون دليلا على أنه
السبب الوحيد لهذه الفكرة فهذا الأمر الذي له جذور بعيدة تاريخية هل من الممكن ان
يُلخص بأن علته الحرمان و البؤس؟
ولذا نقول على الإنسان أن يكون اكثر اتزانا حيث
أن اكثر الأمور التي تكون سببا لأمر لا يمكن أن نعللها بعلة واحدة كرقي أمة فلا
يمكن ان يعلل لمجرد وجود قائد حيث أن القائد بنفسه ما لم تتعدد الأسباب و العلل و
المعدات و المقدمات لا يكون معجزة سحرية لعظم أمة فلابد أن تكون قيادة وحضارة
سليمة ومعارف و دواع مختلفة اجتماعية سياسية اقتصادية تدفع إلى أمة رقي وكذلك لا يمكن
بأي روح أن ننسب إنحطاط أمة لسبب واحد، كأن نقول كما قال القائل البعض جهلا أن
سقوط الإمبراطوية العباسية كان لخيانة زيد أو عمرو بل هي أسباب متكثرة من عدم
لياقة حاكم وخرافة وخيانة وظلم وهلم جرا تجعل يدها بيد لتكون سببا لإنحطاط أمة،
ولسنا بصدد بيان ما هو سبب انحطاط الأمم او سقوط الدولة العباسية لكن وجدنا الكثير
ممن راح بدوافع الأحقاد او الجهل ينسب رقي أمة إلى معد او سبب واحد أو انحطاطها
كذلك.
ولا يعقل أن نجد أمرا اتفقت عليه كلمة
البشرية أن يعلل بعلة واحدة، ونقول لتقريب الذهن الى فهم المراد رب إنسان راح بمثل
هذه الدواعي ليقول على أن الذين جاؤوا ولبوا دعوة الأنبياء هم فقط وفقط اولئك
الفقراء و البؤساء لأن بؤسهم و فقرهم دفعهم للخروج و الاضطهاد الى تلبية نداء
الأنبياء و ليس هناك اي سبب آخر كان ليدعو البشرية لنداء رسالات السماء نعم من
جملة الدواعي لقبول دعوة الأنبياء هو البؤس و الحرمان ، لكن هناك من جاء لدليل عقل
وبرهان وهناك من جاء حينما وجد صانعا ورباً و أنه لابد و أن يبعث للبشر من يهديهم
سواء السبيل لطفا بحال العباد لا لأنه كان يعيش فقرا و آخر قد يكون قد لبى دعوة
الأنبياء لأنه وجد اضطهادا قومياً و تمييزا عنصريا فراح بروح الإنسانية الحرة غير
المقيدة بمثل هذه القيود الضيقة ليلبي دعوة الأنبياء وهلم جرا وعليه فلا نتمكن أن
نجمع خلاصة الدعوة للأنبياء و أسباب تلبيتها بالبؤس مع وجود ما يمكن من دواع
مختلفة ان تكون هي بكلها و تمامها السبب لاشتراك البشرية على طول التأريخ و منها
سلامة العقل و الفطرة فكل هذه هي التي تكون هي الدافع لسماع نداء الأنبياء حيث
يقال بالنسبة الى دعوة الأنبياء هذا عالم جاء لمزيد علم وهذا طاهر جاء لمزيد طهر
وذاك عاقل جاء لمزيد عقل وهذا بائس جاء للخلاص من البؤس و هكذا.
وإذا توصلنا إلى هذا كمقدمة بيان نقول علينا
أولا ونحن نريد أن ندخل دخولا عقليا وفهما ودراية لتحليل ما هي الدواعي التي دعت
أن تكون هذه الفكرة فكرة عالمية، نقول هناك أمور واحتمالات نشير إلى بعضها.
1- من جملة هذه الإحتمالات التأمل في اللطف الإلهي، لكن قد يقول قائل أي رابطة
للطف الإلهي في مسألة المهدي؟ نقول كل إنسان من بعد ما يطوي مرحلة من المراحل
كالإعتقاد بالصانع و أنه المربي للكائنات للأخذ بها الى الكمال يصل إلى أن هذا
الصانع العظيم وهذا المربي للعالمين لابد وأن يبعث مرشدا أو مرشدين ليكونوا مبشرين
ومنذرين حتى يعيش البشر اعتدالا فهذه المسألة أي أن الله لطفا منه بحال العباد
لابد وأن يبعث رسلا وأنبياء ليكونوا سببا للإبتعاد من الضلال ولابد أن يحقق لهم ما
يبعدهم عن الباطل و ما يقربهم منه تعالى وأن الله هو الرب اللطيف الكريم فإذا جزم
الإنسان بلطف الله تعالى جاء ليتأمل في المرحلة الثانية إلى أن هذا اللطف لابد و ان يكون بالعلم للخروج من
الجهل و إذا كان على أيدي الأنبياء فلابد و أن تكون دعوة الأنبياء بما تحمل من قيم
علما و عدلا بأيدي أناس من بعدهم يحفظون هذه القيم حفظا لا افراط و لا تفريط فيه
ولا جهل يكدره بظلمات الأوهام و الشهوات و أنه لا يمكن ان يُسلم هذا اللطف العظيم
بأيدي الحكام والطواغيت ليرسموه للناس بعد الأنبياء بواسطة أذنابهم من وعاظ
السلاطين و إني لا أتصور أن إنسانا عاش عقلا و سلامة فطرة أن يجيز لنفسه أن خلفاء
الرسل و الأمناء على رسالات السماء بيانا
و تطبيقا هم الحكام لكن مع كل الأسف أن هذا ما قالته الأمة الإسلامية حينما عاشت
تقليدا للآخرين ولذا ذُلت بواسطة هذا الجهل من بعد ما كان عليها أن تاتي مريدة
طالبة ساعية معرفة الرجال الذين يمكن ان يكونوا خلفاء الرسل لبيان رسالات السماء و
تطبيقها كما كان الأمر كذلك بعد جميع الأنبياء حيث أن اولي العزم من الرسل ما
كانوا إلّا أربعة قبل محمد (ص) و جميع من جاء من الأنبياء انما كان تابعا لهم
شارحا و مطبقا لرسالاتهم و هذا ما انكرته الأمة الإسلامية بعد رحيل قائدها الأعظم
محمد (ص) لأنها أرادت ان تعرف الحق بالرجال و لذا نقول هكذا فكر ونور كان من جملة
الدواعي للإعتقاد بالمنقذ البشري حيث أن البشر من بعد ما أتم الله تعالى لطفه في
حقهم بأن بعث إليهم أنبياء وجعل بعد الأنبياء موازين عدل وهم الأوصياء ما أراد أن
يكون العدل جبرا بل أراد ان يكون العدل نبلا تحمله ضمائر البشر باعتدالها ولذا صارت
فكرة المهدي مقسما بشريا مشتركا وصار نداء عاما إنسانيا فأولئك الرجال الذين جعلهم
الله بعد كل دعوة نبي كريم إن انحرفت الأذهان أراد ميزانا يحفظ هذا الواقع فمن
اصول واقع هذا الفكر وهذا التصور هو اللطف الإلهي فمن عرف اللطف الإلهي بعيدا عن
جهل الجاهلين وإن سماهم بأمراء المؤمنين سيجد وبوضوح على أن فكرة المنقذ مرتبطة
باللطف حتى لا نذهب إلى من قالوا أن تلك الفكرة خرافة صاغتها اوهام الشيعة او
دوافعهم السياسية فالقول باحتياج إلى ميزان عدل مطبق لرسالات السماء ليس خرافة، بل
الخرافة عقل متحجر يأمر البشرية أن يكون تحت سياط الحكام والطواغيت و لو ضربت ظهور
الناس و سلبيت أموالهم فمثل هذا الفكر اولى بالخرافة و المتاهة.
2- قد ننظر إلى هذه الفكرة نظرة عرفانية شهودية حيث
نجد المنقذ او المهدي المنتظر هو ظهور الأسماء الإلهية جمالا وجلالا، حيث نقول
يحكم واقع طهر النفس وشهود الحق تعالى متجليا ظاهرا واضحا حيث يجد العارف بطهره
وزكاته اسماء الحق و صفاته بكلها وبتمامها متجلية على وجه الأرض بإنسان كامل هو مظهر
مشيئة الله لتحقيق قيم رسالات السماء عدلا و إحسانا بعد تمامية تجليات العلم و
النور و هذا الشهود لا يكون إلا لذوي الطهر الذين يشاهدون الحق تعالى بكل الأسماء
و الصفات وهي نفوس وجدت أن من المستحيل أن تطوى الأرض بدون أن تبرز صفات الله
جمالا وجلالا على هذه الأرض بكل أبعادها و أنه من المستحيل ظهور الحق بكل اسمائه و
صفاته على ايدي الظلمة والجبارين و اذنابهم من وعاظ السلاطين بل على أيدي رجال
صالحين هم مظاهر اسم الله تعالى علما وعدلا فلا تظهرهذه الحقائق التي هي واقع
رسالات السماء بالأماني والتصورات باستسلام العقول وذلها بيد الدجالين بل تظهر
ليشهد البصير عدل الله متجليا بكل موازينه وقيمه عدلا على وجه الأرض حياة كرامة لا
تكون إلا على أيدي رجال هم ميزان عدل الله تعالى، فمن تأمل وجد أن من جذور هذه
الفكرة وهي فكرة المهدي والمنقذ والعدل الإلهي على وجه الأرض هي شهود العارفين
الحق تعالى متجليا بإنسان كامل يجد بد تمامية رسالات السماء و ختمها على يد سيد
الكائنات محمد (ص) أنه يجب وراء ذلك ان تتجسد هذه الرسالات في الخارج على يد انسان
كامل هو مظهر نور الله تعالى ومثل هذا الشهود البعيد عن أعين المحجوبين ليس خرافة بل
الخرافة استسلام الرقاب للطواغيت و الجهلة و الماكرين ولابد وأن يتجلى الله بكل
أسماءه وصفاته في عالم البرزخ وعالم العقل وكذلك في عالم النور أيضا برجال يجسدون
هذا الواقع ولذا قلنا كذلك لا تطوى الأرض قبل أن يتجلى الحق بكل أسماءه وصفاته عليها
بعظيم خلق وهو الإنسان الكامل الذي هو لسان صدق للأنبياء بما جاؤوا به من توراءة و
انجيل و زبور و قرآن وما جاء به نوح و إبراهيم و من قبلهما آدم عليهم السلام والحمد
لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق