مقدمة عن المنجي البشري
نريد أيها الإخوة والأخوات أن نبدأ بحثاً من أهم البحوث
على صعيد العقيدة والعمل وهو البحث عن المهدي او المهدي المنتظر أو المنقذ البشري
حيث أنه فكرة أو بحث أو معتقد أو طموح أو أنه تطلع ورؤى قد ضرب في أعماق التاريخ
أركاناً وأصولاً لا مجال لإنكارها وإن حاول الكثير من الناس بدوافع مختلفة ليقول
قائلهم إن هذا البحث إنما هو خرافة و وهم سواء فسر على صعيد ديني أو فسر على صعيد
تطلع للشعوب وسنتكلم عن هذه المحاولات التي تريد أن تعطي طابع الوهم والخرافة لمثل
هذا الأمر وهو فكرة المهدي أو فكرة الخروج من البؤس والإضطهاد التي يمكن أن نقول
أنها مقسم مشترك بين جميع الشعوب على اختلاف مشاربها دينية وغير دينية ومن المعلوم
أن كل فكرة تأخذ مأخذها بجميع أبعادها على طول التاريخ البشري ولم تكن خاصة بأمة
ولا بشعب ولا زمان ولامكان لابد أن نجد جذورها إما بعقل بشري أو في فطرة إنسانية
أو في رؤى تحقيق خلق وقيم أو أن نجد جذورها في واقع السعادة والشقاء أو العدل
والظلم فهذه حقائق أمر لايمكن لأحد أن يغمض الطرف عنها, فهكذا هو البشر عاش يتطلع
إلى السعادة يتطلع إلي يوم حق تعيش فيه البشرية كرامتها، هكذا هو البشر عاش متطلعا
إلى خير, نعم قد يخطأ في المصاديق وقد لا يتمكن أن يتوصل إلى تحقيق الحق والعدل
لكن كل هذا يدل على أن هناك واقع أمر هو في أعماق الوجود والغايات التي خلق من
أجلها الإنسان راحت لتدفعه ولو كان غير ملتفت لمواطن الحركة وسبلها ومن يمكن أن
يكون من اركان تحقيق هذه السعادة أهم الأنبياء أو الأوصياء للرسل أو هم الصلحاء
أصحاب الضمائر الحية أو من قالوا هلمّ الينا إيها الناس نريد أن نتحرك بكم لنخرجكم
من اضطهادكم وحرمانكم بالديمقراطية أو الشيوعية فهذه حقائق لا يمكن أن ننكرها سواء
خرجنا بقيم عقلية ومبادئ أو فرضناها بأناس معينين هم من دعاة الديانات أو هم رجال
جاءوا أو سيأتون داعين الناس إلى الإبتعاد عن الظلم والإضطهاد, لكن هناك نفوس إدّعت
اخراج البشرية من اضطهادها أو كانت تريد هذه الدعوة لمآربها لكن الجامع وهو أن
هناك واقع أمر هو واقع العدل والكرامة البشرية وإن أخطأ الناس السبيل لكنهم يريدون
في أعماقهم أن يعيشوا علما لا جهلاً فمثل هذا واقع لا يستطيع أن ينكره أحد.
ولعل قائلا يقول إن تطلع البشر للخلاص من البؤس والحرمان
هو الذي دفعه و لو بواقع الوهم و الخيال
إلى أن يعيش هذا الوهم وهو وجود منقذ بشري او مهدي منتظر يصلح حال العباد حيث
أن كل بائس وفقير كاد أن يحلم بيوم خلاص وهو من وراء هذا الخيال يريد أن ينفس عن
كربه ومشاكله فيكون هذا هو الذي دفع لتصبح فكرة المهدي او المنقذ البشري وجها
مشتركا بين كافة الشعوب لأنها عاشت على طول التأريخ بؤسا و اضطهادا إلا ما ندر
منها.
أو نقول أن هناك أمرا لا يمكن أن نطويه في مثل هذا السجل
بل الامر يتجاوز عالم الخيال وليس من العقل أن نقول كل ما كان من دوافع السعادة في
مقابل الشر والشقاء يعود الى عالم الوهم و الخيال لأن البشر يعيش بؤسا أجل لا يمكن
أن يكون مثل هذا التحديد لمسألة المنقذ و المهدي التي هي من المقاسم المشتركة بعد
كون هذه الفكرة قد ترجع الى واقع خلق كريم أو فطرة أو عقل كما و انه يمكن ان تكون
بواعثها قد حصلت من قبل الأنبياء أيضا لأنهم وعدوا البشرية بيوم سعادة و خلاص فكل
هذه الإحتمالات و الدواعي لهذه الفكرة لا يمكن ان تُلخص بأنها ناشئة من الوهم و
الخيال لبؤس بشري.
كما وأنه يمكن أن نكون أكثر انصافا بأن نقول إن الله
تعالى الذي خلق البشرية وجعل الغاية من الخلق عدلا به كرامة و خروجا من الجهل لتعيش
الإنسانية كرامتها بالعلم والعدل هذا الواقع الذي دعت إليه الأنبياء جميعا ودعى
إليه كل صالح على وجه الأرض حتى ولو لم يكن مرتبطا بدين حيث أن الإنسان الصالح لا
يقبل الجهل والشر بديلا عن العلم والخير فهذه هي قيم الإنسانية هي القيم التي
أرادها الله محققة على وجه الأرض بواسطة أنبياءه وأوصياء الرسل ولا يمكن أن يطوى
سجل الأرض بدون أن يحقق الله هذا العدل العالمي لتخرج الأديان من كونها فرضية إلى
عالم العيان و الخارج بكل ما وعدت به الأنبياء و ما ورد من حديث عن علم او إحياء
الموتى و غير ذلك و إلا لكان لقائل أن يقول ولو في يوم الحسب و المحشر يا الهي
وسيدي كم من إنسان جاء على وجه الأرض و دعى الى العدل و دعى أن به الخروج من البؤس
و الجهل الى عالم الخير عالم العلم و الإخاء و السلام عدلا و إحسانا لكن قد يكون
هذا حلما و خيالا تتمناه النفوس و قد أحبت تحقيقه الأنبياء لكنه لوجاء واقع
التطبيق لوجدناه يتصادم مع الخارج و التصادم مع الخارج كان سببا لعدم خروج هذه
الفرضية الى العيان و الخارج و دليلا على كونه إفتراضا لا مجال لتطبيقه و بعبارة
أخرى لعل قائلا يقول يوم القيامة يا الهي أنا لا اتردد فيما دعت إليه الأنبياء لكن
أين الارض من الصدق والعدل فالارض ما كانت لتقبل عيشا بهذه الكيفية نعم على صعيد
الوهم والخيال ربما يمكن أن نقبل هذا الواقع لكن يا الهي وأنت الأعرف بحقائق
الأمور ما وجدنا نبيا حقق عدلاً ولا وجدنا حكيما ولا عارفا حقق عدلا كلهم جاؤوا
فتصادموا مع صخرة صماء غير قابلة للنفوذ فيا الهي فليكن لنا العذر إن لم نكن أهلا
لتحقيق مثل هذا الحلم و المُثُل لكن الله تعالى له الحجة البالغة و لا يجعل لأحدا
حجة عليه فلابد وأن يحقق ذلك اليوم وهو يوم الخلاص البشري لتقام به الحجة وقيم
شرائع السماء ضاربة أركانها على وجه الأرض فكيف يمكن أن لا يخرج الله تعالى الدين
وهي تلك الشرائع التي جاءت بها الأنبياء وهي دين السلام حتى لا يقول قائل لو حكمنا
لعدلنا او ان فريضة العدل انما كانت وهما وخيالا ولكي لا يقول قائل نحن كعباد لله صدقنا
إحياء الموتى أو صدقنا كل ما جاءت به الرسل على لسان آدم و نوح و ابراهيم و موسى و
عيسى و محمد عليهم السلام لكن التصديق شيء والوجدان و التحقق الخارجي شيء آخر
فالله تعالى لابد وأن يحقق تلك القيم حتى تكون حجة على الماضين والباقين على أن
دين الإسلام ما كان افتراضا ولا وهما ولا خيالا نعم لا يمكن ان يتحقق الشيء إلا
بتحقق أسبابه التي سيحققها الله إن شاء يوم الظهور و الخلاص البشري من الجور و
الجهل.
كما و أن فكرة المنقذ او المهدي ليست كما يتوهم البعض
فكرة المدينة الفاضلة لافلاطون حيث وجد نفسه على الرغم من كل مسعاه يتواجه مع
الطغيان والجبروت حتى الذين واعدوه أو كانوا في البداية يريدون المساعدة له فإنهم لما
تسلطوا كانوا جبابرة واكثر الناس هم هكذا فإنهم حينما يكونون فقراء بائسين يدعون
الله مخلصين له الدين أن يحقق لهم عدلا لكن التاريخ قد أثبت أن الكثير من هؤلاء
الفقراء و البؤساء و المضطهدين بمجرد أن يصبح صاحب سلطان ينسى كل شيء وينسى القيم
و الإنسانية فيصبح مستأثرا يريد كل شيء لنفسه لا يعرف عدلاً بالأمس كان يتكلم عنه
و قد وجدنا بأنفسنا من هؤلاء بعد السلطة كيف اصبحوا جبابرة طغاتا هكذا هم أكثر البشر
فإذن لابد وأن يجعل الله تعالى أناسا صادقين بكل واقع الصدق باطنا وظاهرا يدعون
إلى مسالك ربهم ليخرج الدين من الفرضية إلى الواقع الخارجي عدلا و علما.
وهناك تساؤل قد يرد في المقام وهو هل أن فكرة المهدي
المنتظر مع فكرة المنقذ البشري هي فكرة واحدة؟ نقول ربما كان في مسألة المهدي
المنتظر مزيد علم على المنقذ البشري فربما راح البوذي لينتظر منقذا أو الكثير من
الناس ليتطلع إلى منقذ بشري لكن المنقذ البشري وإن كان معناه هو الإنقاذ لكن
الخلاص الرباني على يد المهدي المنتظر هو خلاص بإقامة الحجة و خلاص بالعلم و العدل
للخروج من الظلم والإضطهاد وهاهنا لابد من الإلتفات إلى ان الحرية قد يفسرها كل واحد على بتبع منظاره و رؤآه وكذلك
تفسر العدالة ولو أن يوما من الأيام ظهر
ذلك المنقذ لوجدنا الكثير من الناس سيعيش استغرابا وعدم فرحة لأنه كان في خياله
يتصور العدالة حقا لنفسه و لو على حساب الإنسانية و الأديان ولعل الكثير من الناس
لو جاء الحق لما كان مسرورا به لأنه رسمه لنفسه كرامة وعدلا و حكومة إلهية فوجد
نفسه فيها الآمر والناهي و حينما يأتي الواقع سيجد لنفسه له من الخير ما لغيره و
قد لا يرضى بذلك وعليه فلا يتصور أحد ونحن في بداية خطاب وكلام على أن المهدي
المنتظر سترضى منه البشرية بكلها وتمامها وستكون مسرورة به نعم سوف يستر به من كان
في واقعه عدلا يريد الخلاص للإنسانية و
أما الذين يريدون الخلاص لأنفسهم فهم متكبرون وسوف يتواجهون مع واقع قد لا يكون
مدعاة لسرورهم والروايات تؤكد على أن الكثير من رجال الدين ومن الذين كانوا يظنون
أنهم سباقون إلى ذلك الركب العظيم لأنه كان يظن نفسه عالما فاذا وجد نفسه معتبرا
من الجهال فقد لا يرضى بهكذا تقييم و ميزان، لأنه كان يظن نفسه من القادة المقربين
حيث أنه جاء بيان الواقع لشرع الله ببطونه وظهر على ان بتلك الأبعاد الكثير من الناس
الذين كانوا يظنون انفسهم من العلماء اعتبرهم ذلك المنقذ و المهدي بتبع هذا الواقع
و البطون من الجهال فإنهم لا يرضون لأنهم ذلك و لا يصبحون مسرورين بمثل هذا العدل
الإلهي وكذلك هو حكم الكثير من المنافقين الذين لجهلهم كبرا ظنوا أنفسهم من يستحق
ان يكون من المقربين فإنهم اذا وجدوا انفسهم لا مكانة لهم في العدل الإلهي فإنهم
سوف لا يصبحون مسرورين بذلك العدل الإلهي و ذلك لأن الكثير من أمثال هؤلاء ربما
عاش قيادا و قربا لأن الحكم طيلة التأريخ كان على المظاهر لا على البواطن إلا ما
كان من تعيين لنبي او وصي نبي او لرجل أراد الله به تحقيق عدل او بيان علم في موطن
خاص أجل ذلك العدل الإلهي لا يقام إلا برجال صدق هم في اعماق نفوسهم كذلك وليست
هناك من ألقاب او عناوين تُعطى لشخص بحسب مقاييس و موازين الظاهر ولو كان قبل
الظهور قد عاش قطارات من الألقاب دينية او غير دينية فكيف مثل هؤلاء جميعا يتمكن
أن يجد نفسه قد سلبت منه تلك العناوين حثيل لا يقال له فلان ولافلان وهو يرضى ان
يعيش لواقع العدل وقد سلبه العدل كل ما كان له من الألقاب و العناوين و المال و
الكرامة الإجتماعية.
فهذه من المطالب التي أردنا التنبيه عليها قبل الدخول في
البحث و من الأمور التي لابأس من التبيه عليها قبل الدخول في البحث هي أن الكثير
منا ولو كنا من أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام لكننا ربما رحنا لنرسم بواقع
الخيال لمن نعيش حبهم كعلي و بقية المعصومين عليهم السلام من أنهم بكذا جمال و
أنوار بحيث لو وجد الواحد منا من اؤلئك العظماء احدا لاستغرب من أنه كيف لا يكون
بتلك الكيفية التي رسمتها المخيلة وهكذا نحن قد نكون لو وجدنا عند الظهور مهدي آل
محمد (عج) الذي رسمناه في المخيلة جمالا و نورا مخالفا لمثل هذه التصورات وهو بعد
كل هذا الوهم صرامة و شدة في تنفيذ عدل و ميزانا لا يُفرق في عدله بين زيد وعمرو و
ربما كان ذلك العدل سببا لسلب مال او جاه او مقام ولعل اليوم لو راح البعض ليعيش
مع محمد او موسى او عيسى عليهم السلام سيجد نفسه غير ما كان يتصور لأنه بوهمه رسم
رجالا لا مصداق له في الخارج حيث ان ما رسمه في مخيلته بأبعاد عالم الخيال ما كان لا
مَلَكَا ولا بشرا بل كان خرافة ووهما عاشها صاحبها و ظن بهذه الخرافة و المخيلة
أنه يعيش ارتباطا بأولياء الله تعالى فإذن نقول كذلك هي العدالة وكذلك هو الإسلام
سيعيشه من عاش حباً لواقع يمكن أن يكون متجسدا في الخارج بأهله برجال يقومون به بيانا
و تطبيقا و أما الذين ملأت أذهانهم دينا و رجالا لاربط له بالواقع الأمر فأؤلئك
سيتفاجئون على أن الدين ليس هذا ولا هؤلاء رجاله فإذن نقول علينا أن نكون اكثر تأملا
في دقائق الأمور حتى لا نرسم العدالة بمخيلتنا ولا أي شيء آخر كذلك لأن هذه
المخيلة قد ابتعدت عن واقع أمر وعن واقع رجال ودين فرسمت لنفسها دينا ورجالا فلو
وجدت اليوم وهي تعيش حباً وعلاقة بمثل عمار أنه رجل اسمر اللون ابن حبشية لما كانت
ترضى لنفسها أن هذا هو عمار الذي رسمته في مخيلتها في حين ان عمار مكانته عند الله
لأنهم يعيش قمم العلم و يجسد حقيقة العدل.
فرجال الدين والعدالة ليسوا كما صغناهم في أذهاننا تشع
منهم أنوار الملكوت ظاهرة ونجد ملائكة ترفرف عليهم بأجنحتها فنحن نريد أن ندخل
بحثا له أبعاده العلمية و الخارجية ويرتبط بواقع الكرامة الإنسانية بعيدا عن الوهم
و الخيال و العدالة التي تكون على حساب الآخرين والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق