سلسلة من المقالات حول تفسير آيات الميراث جوابا على
سؤال احدى الاخوات
المقالة الأولى
الجواب :
إن السورة المباركة تبدأ بخطاب للإنسانية أعم من كونها
ذكرا او انثى مشيرة الى أنهما من أصل و خلق واحد و إنما القيم للتقوى و قد كرم
الله هذا المخلوق بما فيه من ذكر و انثى قائلا : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) الإسراء70, فالسورة في مقام بيان ان الناس من حيث الحقيقة و
الجنس لا فخر لأحدهما على الآخر و المراد من الإيصاء هو التوصية و بيان حكم
المواريث جاعلة السورة مدار الحق عملا بالتقوى داعية الى العدالة و الإيمان الصحيح
ملفتة الأنظار الى أضعف ما يُفترض من أفراد في هذا المجتمع الإنساني وهم اليتامى و
لزوم أداء حقوقهم لمن كان يجد الله تعالى ناظرا إليه لتطهير النفوس التي إعتادت
حياة الغلبة و العدوان داعية الى الإستقامة في حق من كان لا حق له بمنظار جاهلي
لضعف كالأيتام و النساء لأن الحق إنما كان للأقوياء فقط وهو هكذا على طول تأريخ
البشرية و من مواطن إحقاق الحق و العدل هو تشريع قانون الإرث و التأكيد عليه في
هذه السورة المباركة حيث تبدأ بمحاربة جميع أصناف التمييز الذي كان قائما على حساب
الإنسانية و العدل المبني على أساس القوة و الضعف من إعطاء المكانة و الحق
للأقوياء من الرجال على حساب النساء و اليتامى فبدأت السورة بالأمر بإعطاء أضعف
خلق حقهم و هم اليتامى و لست بصدد تفسير هذه السورة المباركة إلا على قدر ما هو
مورد السؤال و هو الحديث عن المواريث ولعل من عادة أكثر الأمم قديما لقانون القوة
القائم وليومنا هذا على اختلاف مظاهره في العالم حيث كانت الأمم لا ترى حقا لزوجة
او بنت او يتيم فجائت هذه الأيات لتثبت نصيبا للنساء و اليتامى مشيرة الى أن لهم
نصيبا مفروضا خوفا من تلاعب المتلاعبين و تفسير المفسرين بتبع الهوى بأنه مجرد
رجحان او استحباب و لذا قال الله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ
لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النساء 11, جاعلا نصيب الذكر يدور مدار ما
للأنثى من نصيب حتى لا يقبل التفسير بتبع الهوى ثم قال تعالى : ( فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ
ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ
وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ
لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ
الثُّلُثُ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِنْ بَعْدِ
وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ
أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) النساء آية 11, ثم يقول تعالى : (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ
لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ
مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۚ وَلَهُنَّ
الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَ
لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ
تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ
امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ۚ
فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِنْ
بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِنَ
اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) النساء 12, فان من المعلوم لدى الجميع ان
هناك طبقات في مسألة الإرث و هاهنا الآيات تشير بادء بدء الى الطبقة الأولى وهي
طبقة الأبناء و الأباء و ما للزوجة من حق حيث أنه يجتمع مع جميع الطبقات وبهذا
الحكم أي وللذكر مثل حظ الأنثيين نعرف و بوضوح ان البنت ان ورثت درهما كان للإبن
درهمان ثم يأتي البيان في المرحلة الثانية ليقول إنه لو كان للميت أكثر من بنت
كإثنتين فصاعدا فلهن من التركة بالإصالة الثلثان فمثلا لو فرضنا التركة اي الميراث
ثلاثين درهما كان للبنات عشرين درهما يشتركن فيه جميعا و هذا هو الحكم الاولي
بالإصالة و سياتي حكم الثلث الثالث و هو العشرة المتبقية بحسب الفرض .
و أما لو كان الميت له بنت واحدة فلها بالاصالة كحكم
اولي نصف التركة فتعطى لو كانت التركة ثلاثين درهما خمسة عشر درهما و يأتي حكم
النصف الثاني المتبقي من الميراث .
والمراد هاهنا من, فوق اثنتين بنتان فصاعدا و يكون لهما
او لهن الثلثان من التركة.
و أما ارث الأب و الأم
الذان هما ايضا من الطبقة الاولى بحسب المواريث فإن كان
الميت له ذرية ولو بنتا او ولدا واحدا فإن سهم كل واحد من الأب و الأم يكون السدس
فلو فرضنا التركة ستين درهما أخذ الأب منها عشرة و كذلك أخذت الأم و كان الباقي
للورثة يُقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثين ولو كان للميت و لو بنتا او ولدا واحدا
عادت إليه التركة كل ذلك ان لم تكن للميت زوجة و إلا كان لها الثُمن من التركة.
و أما لو لم يكن للميت ذرية و كان الوارث له فقط أبواه و
لا إخوة له فهنا يكون للأم الثلث من التركة و الثلثان للأب فلو كانت التركة فرضا
ثلاثين درهما اخذت منها الأم عشرة هذا اذا لم يكن للميت زوجة او زوجات و الا كان
لها او لهن الثمن من التركة و للأم الثلث و الباقي يكون للبنت ولو كان الورثة فقط
اما و ابا كان للأب الثلثان و للأم الثلث و النقص عند وجود الزوجة لم يرد على الأم
بل تأخذ الثلث كاملا و انما يرد على الأب , هذا على فرض أن الميت لا ذرية له و ذلك
لأن الأم تأخذ الثلث و الصورة الثالثة ان يكون للميت أب و أم و إخوة لا أخ واحد أو
اخوان او اخ و أختين على الأقل سواء كان الإخوة من أمه و أبيه او من ابيه فقط و
كان الميت لا ذرية له لا بنتا و لا ولدا ففي هذه الصورة وجود الإخوة و ان كانوا لا
يرثون من التركة شيئا أبدا لكنهم يكونون حاجبا اي سببا لمنع الأم من أخذ الثلث من
التركة فينزل نصيبها من الثلث الى السدس و الباقي ياخذه الأب و لذا قال تعالى : (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ
السُّدُسُ) لكن الإخوة للميت لو كانوا من طرف الأم فإنهم لا يحجبون الأم من الثلث بل
تأخذ الثلث كاملا ولا تنزل الى السدس.
و المراد من الإخوة هاهنا كما أشرنا إثنان و صاعدا خلافا
لما عليه الفهم اللغوي من كون الجمع أقله ثلاثة.
تتبع هذه المقالة مقالات أخرى اكمالا لبيان آيات الميراث سيأتيكم تفصيلها
ان شاء الله تعالى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق